.
منذ بروز المواقع الإلكترونية العام 2011 كمنصة للفنانين، بالإضافة إلى انتشار برامج التسجيل الرقمية والاستوديوهات المنزلية، نشأ وانتشر العديد من الموسيقيين في المنطقة الذي يبحثون عن بديل للموسيقى السائدة، كان منها فرق المزج والروك والميتال العربي وأخرى عديدة لم تستطع الوصول لما هو تجديدي بحق.
اعتمد البعض الآخر الهيب الهوب والراب كوسيلة تعبير مباشرة عن الحماس السياسي والاجتماعي لقضايا خاصة بالعالم العربي، فيما استقلت قلة بذاتها غير مكترثة بالموجة السائدة، كأبويوسف، متبعًا أسلوباً أكثر فردية بمشاركة المنتج والموسيقي أحمد الغازولي. لا يمكن أيضاً تجاهل فناني الميتال التي ترجع أصوله في مصر إلى التسعينيات، والتي تعد ثقافة فرعية تلقى فرقها قبولاً عالمياً، مثل فريقي كريسنت وسكاراب.
تعود أصول الموسيقى الإلكترونية في مصر إلى بداية الألفية بفضل فريقي ذا رووم وماشين إيت مان، ثم يأتي دور 100 نسخة في ما بعد كمحاولة لرعاية التجريب الصوتي وبعض الأعمال الإلكترونية حتى عام 2012. وبالرغم من تعدد الفرق والأعمال الموسيقية إلا أن غياب مشهد موسيقى متكامل يبدو واضحًا أو على أحسن الأحوال ناشئًا، دون إنكار المحاولات المستمرة لخلق مشهد موسيقي عام أو مشهد موسيقى حصري لمجموعة أو نوع ما. ولكن أتت موسيقى المهرجانات بصوتها الجديد لتؤكد على وجود مشهد موسيقي خاص بها مر بمراحل تطور عديدة منذ نشأته في أوساطه الأصلية، إلى أن تم إحتواؤه من قبل شركات الإنتاج الضخمة والمتوسطة مثل 100 نسخة، لينال احتفاءً محلياً وعالمياً. ومع انتشار هذه الموسيقى والمغالاة في الإحتفاء بها أصبح صوتها هو السائد، الأمر الذي قد يصرف نظر الجمهور المحلي واهتمام المساحات العالمية، بالأخص، ذلك المعني بالموسيقى الإلكترونية والإلكترونية الراقصة (EDM)، عن أعمال موسيقية أخرى بالمنطقة تتميز بصوت جديد.
لذلك يقوم بعض الفنانين بالمغامرة ويصرون على اختيارهم تقديم صوت جديد وسط حالة التهافت على موسيقى المهرجانات بشكل أساسي وبدرجة أقل على موسيقى الروك والمزج العربي. هنا يأتي ألبوم حسين الشربيني، إلكتروشعبي. تم إطلاق إلكتروشعبي في 19 مايو في فنت (Vent)، إحدى المساحات القليلة التي تتحدى الذوق العام بتقديم ورعاية الموسيقى الإلكترونية والإلكترونية الراقصةEDM بجميع فروعها. وإن كان عنوان الألبوم مضللاً، إذ لا تمت موسيقى حسين إلى العنوان وتصنيف المهرجانات بصلة، إلا أن حسين قصد هذا ليستغل وينتقد حالة الاحتفاء الشديدة بالمهرجانات، ليحمل عنوان ألبومه حيلة دعائية، موجهًا في الوقت نفسه رسالة تهكمية إلى المنتجين والموسيقيين والمحتفين بهذا النوع الموسيقي بالداخل والمستشرقين بالخارج . يظهر هذا التهكم بوضوح في كلماته مثل في أغنية ETNEEN ARBA3A: ” لو كان فارقلي رأى العالم الغربي، كنت عملت شعبي وسميته إلكتروشعبي، يعجبهم يشتروه، أبقى أنا كدة أصلي،” مشيرًا إلى إنبهار وهوس الغرب والمستشرقين بغرائبية أغاني المهرجانات والبحث عن ما هو “أصيل.” وهنا يصر حسين على استقلاليته وعدم تنازله عن ذوقه في سبيل تقديم موسيقى تحظى بإعجاب الغرب، فيحاكي غناء المهرجانات بطريقة ساخرة. كما يسخر في نفس الأغنية من موسيقى المزج حين يقول “عود قانون على ديد ماوس أم كلثوم على ديب هاوس، فعلًا فكرة جديدة إننا نحط آلات على الهاوس وبالذات آلات شرقي،” مشيرًا إلى أن هذه الأفكار أفكار قديمة منذ العام “2004،” فيتعجب من الذوق العام المحلي “الرخيص” غير المعني بالبحث عن موسيقى وأصوات جديدة: “الابتكار ده في المزرعة ما نفضل عالحديدة.”
يأتي الحديث عن الذوق العام مرة أخرى في أغنية MOSTAWA التي يشاركه فيها أبويوسف، موجهًا رسالة تحدي إلى المستمع هي “أنا جاي أرفع المستوى“. جاءت الأغنية بكلمات قوية تحمل طاقة غاضبة مستهزئة: “مستواك ضعيف خفيف مهم بس إنك إنت تأدي، فباطلع اللي عندي، مش حاتسمع جوا بلدي واللي برا مش حيسمعنى غير لو اسمه إلكتروشعبي.” يوجه حسين غضبه تجاه كل ما يثيره مثل الواسطة والعاملين بشركات الإعلانات الذين يقومون بسرقة الأفكار من غيرهم: “شوف لك حد تنقل منه شغل تاني، ماحدش واخد باله بيع له نفس الفكرة تاني.” ولكن في النهاية يصر حسين على الاستمرار موضحًا أن ليس هناك شيء سيعيقه عن ما يفعله: “حد سمع ما سمعش ما يفرقش لسا برضه مكمل، مكمل من الحد للحد ولحد ما الأرض تنمّل.”
أما في SINGAH فيحتفي حسين بألبومه وباعتباره موسيقيّاً يقوم بتأليف وتسجيل ونشر موسيقاه من غرفة منزله، مشيرًا إلى تلك السمة الغالبة في وقتنا مقارنةً بتضاؤل دَور الاستوديوهات وشركات الإنتاج وصناعة الموسيقى، فيقول: “من جوا أوضتي، حتسمع زى سرينة المطافي.” كما يسخر من ثقافة الإعلانات وبرامج التلفزيون والثقافة الاستهلاكية والجماهيرية.
استخدم حسين الراب في الثلاث أغاني السابقة بالإضافة إلى OWL وBENG. كتب كلماته بقدر عالٍ من الحرفية وتحدث عن مواضيع واقعية وجادة، غير حالمة أو مدعية وخالية من أية شعارات مستهلكة—في ما عدا أغنية OWL التي اتسمت كلماتها بشيء من الحماسة الزائدة. تبقى محاولة حسين كرابر غير مكتملة، ويمكن لمس ذلك في أغنية MOSTAWA حيث يظهر بجانب أبويوسف، وإن كانت المقارنة بين أبيوسف ومعظم الرابرز غير عادلة.
أما في FAYA وWESH وSKIPHEAD وFAYTTAH وSHAMS يستخدم حسين أسلوبه وعلاماته الخاصة في الغناء التي ظهرت في ألبومه السابق Fairchile، حيث يقوم بتوظيف صوته كآلة موسيقية ضمن طبقات الموسيقى الأخرى مضيفًا عليه العديد من المؤثرات الصوتية.
جاءت الموسيقى غاضبة في المجمل، بإيقاعات وباص إلكترونية ثقيلة وصاخبة، يغلب عليها في معظم الأحيان طابع الموسيقى الإندستريال بسرعة إيقاعها المتوسطة لتتتماشى مع روح الكلمات. وإذا كان هناك عنصر تفتقر الإيقاعات إليه فهو آلات الإيقاع النحاسيةHi-Hat, Crash, Ride, etc أو أصوات شبيهة مخلّقة بالسنثسايزر، وقد يكون هذا اختيار شخصي يرجع لحسين. تشترك الموسيقى في جمالياتها مع موسيقى ناين إنش نيلزNine Inch Nails وفريق دث جريبسDeath Grips، ولكنها تنجح بالاحتفاظ بخصوصيتها في الآن نفسه.
تختلف موسيقى ETNEEN ARBA3A عن باقي الألبوم نظرًا لاحتوائها عينات صوتية أشبه بشريط صوت فيلم، بالإضافة إلى محاكاتها الساخرة للمهرجانات التي نجح فيها حسين، وتعود الموسيقى مرة أخرى إلى مسارها في آخر الأغنية عند دخول بيانو خارج الدوزان على خلفية الإيقاع وعينة صوتية لصوت سيارة مطافي. يتسم الألبوم بالعديد من العينات الصوتية التي تم توظيفها بنجاح، مثل صوت محطة القطار في أغنية SHAMS وصوت الدرامز المسجل من عزف حي قام بالتلاعب به وتقطيعه بأغنية SINGAH. يظهر أيضًا صوت درّاجة بأغنية FAYTTAH ليشارك بالإيقاع، ذلك بالإضافة إلى إيقاعات وأجزاء موسيقية متلاعب بها معتمدة بالأساس على العينات من مصادر عديدة قام حسين بتسجيلها وسلسلتهاsequencing بالبرامج الرقمية.
يدمج الألبوم من حيث إنتاجه وأصواته ما بين البرامج الرقمية والسنثسايزر القياسية، كالموج ووحدة السنثسايزرmodular synthesizer ليعد كواحد من القلائل بمصر الذين يعتمدون عليها بنجاح ونضج، ومنهم محمد رجب (ماشين إيت مان). يمكن رصد الموج كآلة باص في FAYA وMOSTAWA وWESH بشكل واضح ويظهر صوت وحدة السنثسايزر ضمن طبقة من طبقات الباص في SHAMS وMOSTAWA وOWL. أما المونوترون (monotrone) فنسمعه كصولو في المقطع الأخير من SHAMS وSKIPHEAD وفي الـخاتمة الذي يمزج فيها العديد من مقاطع الأغاني بالألبوم.
جاءت طريقة بناء الأغاني متنوعة بين البناء التقليدي (مقاطع/ قرارات) وبناء حر يسوده التكرار وتقديم الطبقات الموسيقية واحدة تلو الأخرى، بالإضافة إلى بناء يصعب توقعه. يسود تلك الطبقات خامات صوتية جديدة وإن كان عنصر باص السنثسايزر هو الطاغي على الموسيقى. تعتبر أغنيات SHAMS وMOSTAWA وFAYTTAH من أفضل أغاني الألبوم، أما SINGAH فمن أعقدها من حيث التأليف والإنتاج الموسيقي.
يتحرر حسين من أية قوالب مسبقة منفردًا بأسلوبه الخاص، فتجربته مثيرة للاهتمام، وتكتمل بطريقة إنتاجه للألبوم الذي قام بتأليفه وتسجيله ومزجه في استوديو منزلي بتكاليف قليلة، وهى السمة الغالبة الآن حتى بين أكثر الموسيقيين عالمية. بعد ذلك طرحه على موقع ساوندكلاود و”دندن” ليكون متاحًا للجميع.
حسين الشربيني
في النهاية يعتبر ألبوم إلكتروشعبي دفعة قوية للموسيقيين غير الجماهيريين وسط مشهد موسيقي ناشئ، وواحد من الأعمال المحفزة على تقديم صوت جديدة والمغامرة وعدم اللجوء إلى الأنماط الموسيقية المألوفة. فيعد بذلك تحديًا لأذن المستمع على مستوى الموسيقى والمفهوم، ودعوة واثقة وحازمة لفتح المجال لاستقبال أصوات جديدة محلياً وعالمياً.
بالإمكان تحميل الألبوم كاملاً هنا.