fbpx .
أجنبي قديم

سيزاريا إيفورا: حجّتنا في الرأس الأخضر

معازف ۲۰۱۳/۱۲/۱٦

 

بعد وفاتها قبل عامين من اليوم، اكتشفنا أنّنا وقعنا في غرام امرأة سمراء على مشارف شيخوختها تغنّي حافية عن جزيرة منسيّة. تعلّقنا بسيزاريا إيفورا (1941- 2011) كما تعلّقنا بعجائز سمراوات غنّين وعشن على الهامش: تشافيلا بارغاس، وماما أفريكا، وبي كيودوي، ونينا سيمون. شقّت كل مغنيّة منهن طريقها ضد الاستعمار والعبوديّة واليتم والعنصريّة والصورة النمطيّة.

ولدت سيزاريا لبحّار وطبّاخة في جزيرة ساو فيسينتي إحدى جزر أرخبيل الرأس الأخضر (Capo Verde). وبعد وفاة والدها، عاشت في ملجأ للأيتام ست سنوات، ثم بدأت رحلتها في الغناء على البواخر السياحيّة البرتغاليّة، وفي حانات البحّارة، حافية، مقابل عدّة كؤوس من الكونياك. وهي العادة التي حافظت عليها حتى بعدما اشتهرت لأنّها لم تكن تمتلك في طفولتها ثمن حذاء كباقي أطفال الجزيرة الفقيرة. وذلك ما تم تفسيره على أنّه تضامن مع الفقراء، بينما كانت الحجّة تتصرف على سجيّة أبناء بلدها الذين لا ينتعلون الأحذية كحالة ثقافيّة.

غنّت حجّتنا بنهم، شربت ودخّنت بين زيجاتها الثلاث وبواخرها حتى أطلقت أول أسطواناتها الديفا الحافيّة” (1988) وهي في السابعة والأربعين. غنّت، بصوت مسترخٍ يفوتنا أن نعيره انتباهنا، بتنويع على موسيقى المورناالتقليديّة في بلادها، والقريبة من الفادو، والتي اقتربت فيها من البلوز الأفروأميركي. بصوتها الذي ينتمي إلى طبيعة لن ولم نختار التكيّف معها عن الحنين “Sodade”، وعن الرأس الأخضر أرضها الثمينة، وعن مقهى أتلانتيكالمتخيّل الذي يؤوي الأرواح الهائمة في العالم، وعن البحر الأزرق، وساو فيسينتي التي تصير برازيليّة أثناء الكرنفال“.

لكن، ومع انتشارها عالميّاً، حوّلت شركات الإنتاج عروضها الحيّة وملصقات أسطواناتها إلى فرجة سياحيّة من العالم الآخر، حيث يتم اصطناع بطاقة بريديّة حيّة على المسرح بطاولة خشبيّة مهترئة وكرسيّ صغير تجلس عليها سيزاريا في الوصلات الطويلة لتشرب الكونياك (أو الماء) الموضوع أمامها في آنية زجاجيّة.

إلّا أن سيزي، كما يلقبّها المقرّبون منها، بقيت تغنّي بشاعريّة عن جزيرة لا تحتمل إلا الشاعريّة في مواجهة عالمنا الرمادي. مدخّنة شرهة ومدمنة على الكحول، تطل على شيخوختها كما يطل بلدها على البحر. حتى عيد ميلادها السبعين، حين أعلنت اعتزالها وعودتها إلى منزلها في الرأس الأخضر قائلة: “آسفة، لكنّني يجب أن أستريح الآن. لم تعد لدي طاقة. وددت لو أنني أستمر في منح البهجة لأولئك الذين تابعوني طيلة هذه السنوات“.

قالت حجّتنا أيضاً أنّها تشعر بالرضى عن مسيرتها، لكن ثمّة ما كان يسحب منها حياتها شيئاً فشيئاً. ثمّة من سحب منها منصّة وباخرة، واضطرها إلى التوقّف عن شرب الكونياك بعد مشاكل في القلب. وهناك، في منزل عائلتها الذي رمّمته ليستقبل أصدقاءها وعائلتها، استعاد صوتها. لكن، بالطبع، لا أحد يمكنه استعادة كل آلام الحنين حين تغنّي: “ثمّة أشخاص كثيرون يعانون من الوحدة. أشخاص كثيرون مشرفون على الموت، من ذلك الشّفق الذابل“.

المزيـــد علــى معـــازف