.
خلال مظاهرة في شمال كارولاينا ضد شركة تبغ أميركيّة عام 1946، وقفت امرأة سوداء وغنّت: “سنتغّلب عليهم، يوماً ما“، والتي يعود أصلها إلى ترتيلة كنائس الأفارقة في أميركا بثمانينيّات القرن التاسع عشر، ومن ثم في اجتماعات عمّال مناجم الفحم في ألاباما. انبثقت من المناجم والكنائس في ذلك اليوم، لتصل إلى أذني المغني بيت سيغر (1919- 2014)، والذي قام بإعادة توزيعها وتسجيلها. بعد ذلك الحدث بأربعة عشر عاماً، بدأت الأغنية بالانتشار بين الطلاب والعمّال والمناضلين ضد العبوديّة لتصبح نشيد الحراك في سنوات الستينّيات في الولايات المتحدة. وبعد ذلك بعقدين لنشيد النضال ضد نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا ومن ثم لنضالات أخرى في العالم.
لم تنحصر آراء سيغر، والذي لقب بـ“صوت اليسار“، بغناء أغانٍ شعبيّة ثوريّة فقط، بل تجذّرت في مواقفه السياسيّة من العديد من القضايا والتي استمر بالكفاح من أجلها حتى بعدما تخطّى عامه الـ90. ففي أشهر الخريف قبل عامين، شارك سيغر في مظاهرات “احتلال وول–ستريت” في نيويورك. وفي الخريف الأخير، كتب سيغر رسالة للرئيس الروسي، بوتن، يطالب فيها تحرير الناشط البيئي بيتر ويلوكس. على مدار السنين دفع سيغر ثمن آرائه ونشاطه “الأحمر“، حيث وضع في الخمسينيّات أثناء الفترة المكارثيّة في القائمة السوداء للتلفاز التجاري ومنع من الغناء في قاعات مختلفة وفي الجامعات، كما وحكم عليه عام 1961 بالسجن لعشرة أعوام بالإضافة لمنعه من السفر، والذي، لحظّه، تم إلغاؤه في استئناف قدّمه عام 1962.
في الأمس (27 كانون الثاني/ يناير 2014)، توفّي سيغر وهو في الـ94 من عمره. ورغم سيرته المناضلة، إلا أنّه اعترف في إحدى أواخر مقابلاته مع الغارديان البريطانيّة: بأنّه لا يزال “شيوعيّاً فاشلاً“. إذ أن سيغر كان محسوباً، آيدولوجيّاً، على الشيوعيّة. ولم يتّخذ مواقف واضحة ضد النموذج الشيوعيّ الستالينيّ حتى العام 1982 عندا أحيا حفلاً خيريّاً عادت عائداته لحركة التضامن الشعبيّة البولنديّة التي كانت تخوض مظاهرات ضد الحكم الشيوعي هناك. هذا التململ في الموقف من الشيوعيّة وصل به إلى أن يكون Pacifist- ناشط ضد الحرب والعنف. كما هي أغانيه التي كانت تعتبر يوماً ما جزءاً من ثورة مدنيّة، وتكاد توصف اليوم بأغانٍ مسالمة من الأرشيف غنّاها متضامن مع المضطهدين.