.
ليس غريبًا أن يحطم ألبوم فولكلور لـ تايلور سويفت – الذي طُرِح مؤخرًا بشكلٍ مفاجئ – العديد من الأرقام القياسية فور صدوره، ليصبح الألبوم النسائي الأكثر استماعًا إليه في يومه الأول تاريخيًا؛ حيث حقّق ٨٠٫٦ مليون سماعًا على سبوتيفاي و٣٦٫٤٧ آخرين على آبل ميوزك خلال الأربعة وعشرين ساعة الأولى. ليس من المفاجئ أيضًا تربُّع الألبوم على عرش قائمة بيلبورد ٢٠٠ لأربعة أسابيع متتالية منذ صدوره، فقد سبق لسويفت أن حققت هذا الإنجاز الذي لم يسبقها إليه سوى البيتلز وإلفس بريسلي وذَ رولينج ستونز وجارث بروك، في آخر ٦ ألبومات لها من أصل ألبوماتها الرسمية السبعة.
لا شك أن ما قدمته سويفت خلال مسيرتها يشكّل تجربة غنية، تستحق المكانة التي تحظى بها. لكن هناك أيضًا مجموعة من العوامل غير الموسيقية التي ساهمت في تكريس اسم سويفت، وقوّة حضوره إعلاميًا، بدءًا من الحادثة في حفل جوائز في إم آي عام ٢٠٠٩، عندما صعد كانيه وِست خشبة المسرح ليقاطع سويفت أثناء خطابها، مشيرًا إلى أن بيونسِه هي الوحيدة التي تستحق الجائزة.
تسببت هذه الحادثة بموجة كبيرة من التعاطف ساهمت في تكريس اسم تايلور سويفت حينها. أُعيد إحياء هذا الخصام عندما طرح وِست أغنية فايمَس بعد ستة أعوام من الحادثة، والتي أهان فيها سويفت وادّعى بأنّه كان السبب وراء شهرتها. رغم أن الأمور انقلبت رأسًا على عقب بعد تدخل زوجة وِست، كيم كارداشيان، لتتحول سويفت من ضحية إلى جانية، ويلقبها الجمهور بالأفعى، إلا أن سويفت تمكنت أيضًا من استثمار هذه البهرجة الإعلاميّة المضادّة أيضًا، لتروّج من خلالها لأنجح ألبوماتها السابقة، ريبوتاشين (٢٠١٧)، حيث استخدمت الأفاعي في كليب أغنية لوك وات يو ميك مي دو؛ ورافقتها صور الأفاعي في جميع كليباتها وحفلاتها منذ تلك اللحظة، إلى أن تلاشت في الألبوم الجديد.
كذلك، ساهم الخلاف الغريب الذي نشب بين سويفت وكاتي بيري عام ٢٠١٣، واستمر لستة أعوام، في الترويج لبعض أعمالها، لاسيما ألبوم لافر الذي أصدرته العام الماضي، والذي صوّر نهاية الخلاف بصورة ميلودرامية هزلية، في كليب يو نيد تو كالم داون، الذي حضرت فيه كاتي بيري بزي سندويشة هامبرجر، لتعانق سويفت التي ترتدي زي البطاطا المقلية.
للوهلة الأولى، يبدو الألبوم الجديد بعيدًا عن هذا السيرك الإعلامي. إذ لم تخطط تايلور سويفت لإنتاجه مسبقًا، بحسب تصريحاتها، بل كان نتاجًا للعزلة التي عاشتها في فترة الحجر الصحي، وبالتالي اكتسب الطابع الهادئ والرصين الذي يهيمن على سماعاتنا الأولى.
تشكِّل ضربات البيانو الناعمة والحادّة العصب الرئيسي في الألبوم، ليبدو انكسارًا في الرتم التصاعدي الذي سارت عليه سويفت في الأعوام الماضية، في رحلتها التي انتقلت من الكانتري إلى الإلكترو والسنث بوب، مرورًا بمحطات قصيرة مع البوب روك والتراب والآر آند بي. يبدو الألبوم الجديد كمحطة استراحة، تنزل فيها سويفت لتلتقط أنفاسها، بعد أن وصلت في ألبوم لافر إلى أعلى قمم صخبها.
اعتمدت سويفت في توزيع الألبوم على أربعة جنرات لم تجرّبها من قبل: الروك البديل والإندي فولك والإلكتروفولك والأورك بوب، ليبدو الألبوم كقطيعة أسلوبيّة مع تجاربها السابقة، كما حدث في ألبوم ريد سنة ٢٠١٢، الذي غاصت فيه في عالم البوب روك، وشكّل نقطة مفصلية تحولت فيها حينذاك من الكانتري نحو البوب. قد يشير فولكلور بالتالي إلى انعطافٍ قادم في مسار سويفت.
يتكوَّن فولكلور من ١٥ أغنية أساسيّة، تضاف إليها أغنية ذ لايكس في النسخة الموسّعة من الألبوم. جميع أغاني الألبوم من تأليف سويفت، كما شاركها بالإنتاج والتوزيع كل من آرون ديسنر ومجموعة بون إيفر. جاء صوت الألبوم متوافقًا مع المزاج العام في الظرف الراهن، إذ يستحضر شخصياتٍ وأجواءً تراثيّة للتعبير عن حالات مزاجية كئيبة، تنامت في العزلة الناجمة عن الحجر الصحي.
على مدى الأغاني، تتقمّص سويفت شخصياتٍ افتراضية لتعيش من خلالها حكايات حب، يغلب عليها الحزن. مثال على ذلك شخصية بيتي، التي تحضر في ثلاثية: كارديجان وأغسطس وبيتي، لتغني عن علاقتها مع شخصٍ يدعى جيمس – علاقة تنتهي بالانفصال رغم التفاؤل الدائم بالنهاية السعيدة. تتكون هذه الأغاني من جملٍ مليئة بالصور الشعرية الرقيقة والغريبة، التي تتميز بها سويفت، والتي تبدو أكثر اتفاقًا مع الطبقة الصوتية الدافئة التي تغني بها في الألبوم، ومع مرافقة ضربات البيانو الحادة وصوت الفايولين والإيقاع السريع والخافت.
تبرز في الألبوم عدّة أغانٍ تلعب دورًا في خلق المزاج النفسي المعقّد والمرهَق، كأغنية ماي تيرز إنكوشيت، التي تسرد قصة حب تنتهي بموت أحد أطرافها، وما تلى ذلك من مراسم تأبين تخللها عتابٌ غريب. تبرز أيضًا أغنية إكسيل، التي تشارك فرقة بون إيفر فيها، وتحمل أسلوبها في إضفاء تغييرات بسيطة على ما هو سائد ومعتاد ليبدو جديدًا، وحتى تجريبيًا أحيانًا. يعاني الألبوم من ذات المشكلة التي نجدها في العديد من الألبومات الصادرة في عصر منصّات البث، أعني عدد الأغاني الكبير نسبيًا (لزيادة الأرباح)، ما يؤدي إلى مواضع رتابة وبرود كان بالإمكان تلافيهما لو مرّ الألبوم بعمليّة فلترة وانتقاء أكثر حرصًا.
لا نحتاج إلى عدد الأغاني الزائد كي نتذكر أن الألبوم الذي نسمعه هو ألبوم بوب. يذكرنا بذلك السياق الإعلامي الذي أحاط بصدور الألبوم وساهم برواجه. رغم أن الألبوم صدر بشكلٍ مفاجئ، كما أكّدت تايلور، إلّا أن طرحه تزامن مع إعلان كانيه وِست عن ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ما كان له دورٌ كبير في الترويج للألبوم. حتى اختفاء ثيمة الأفعى من الألبوم الجديد، من الممكن تفسيره في ضوء ارتباط هذا الرمز بشكلٍ مباشر بعلاقة تايلور مع وِست، ولأنّ الحضور الهادئ والرصين في هذا التوقيت سيكون له أثر أكبر.