.
شيبوبة رابر تميّز في السنوات الأخيرة من ناحية أدائه وأسلوبه ومحتواه. من مدينة مكّة المكرّمة، “قبلة المسلمين“، يصدح هذا الصوت في طريقه إلى بناء تجربة خاصة داخل عالم راب عربي متزايد التنوّع بصحبة مجموعة الـ ٢١٧، أو “عشيرته” الموسيقية، كما يسميها. أجريت معه هذا الحوار عبر الـ فيسبوك في ١٩ آب/أغسطس الماضي:
مازن– عمر شيبوبة، كيف تعرّف عن نفسك؟
عمر– شخص كثير الأخطاء يُحاول التحسين بصدق إن شاء الله.
مازن– كيف تعرّف عن عملك وإنتاجك؟ هل تسميه؟
عمر– أسميه ثورياً. نحن نحتاج إلى ثورة فكرية مستمرة عبر الأجيال ولا يمكن أن تنتهي هذه الثورة إلى مصير أو نهاية. مع تغير الأهداف والمفاهيم تَجِبُ الثورة المستمرة.
مازن– إذن هو “راب ثوري” ؟أم أنك لا تُلزم نفسك بعنوان “الراب“؟
عمر– الراب وسيلة وهي الوسيلة التي صادف أني أبرع فيها، ولكني أحب فكرة دعم الهدف بمختلف الوسائل والطرق.
مازن– فلنتحدث قليلاً عن هذه الوسيلة بالذات. متى انطلقت علاقتك مع الراب وكيف تطورت بنظرك؟
عمر– قبل الراب كنت مهتماً بالشعر. الشيء الذي لا تعرفه أمي هو أنها أول من تأثرت به. أراها شاعرة متمكنة ولكنها لم تنشر شيئاً. معرفتي بالراب كانت سطحية في بدايتها ومجرد انبهار، تطورت مع الوقت إلى عشق مبني على معرفة عميقة.
مازن– هل تذكر موضوع أول محاولة شعرية لك؟
عمر– أذكرها جيداً. كانت فاشلة جداً من الناحية الشعرية. بالنسبة لموضوعها كان عن الوضع السياسي الذي تعيشه المملكة منذ تأسيسها.
مازن– ومن كان مصدر انبهارك الأول في الراب؟
عمر– توباك، جواب متوقع افترض.
مازن– مَن مِن الراب الأميركي كان له التأثير الأكبر عليك؟ وما هي أكثر أغنية راب أعجبتك في عام ٢٠١٥ حتى الآن؟
عمر – KRS One. لا أعتبر نفسي متابعا جيداً للساحة الأمريكية. توقف بحثي عن تراكات الراب عند الألفية الثانية. ولكن من الرابرز الذين أتحرى أعمالهم: إمورتال تكنيك، ڤيني باز، راغيد مان. وغيرهم من الـ underground rappers.
مازن– لم يكن عندنا فرصة حينها بمعرفة مشهد الراب أكثر، صح؟
عمر– صحيح وإلى الآن. خاصة في المجتمع العام الذي لا يمت للهيب هوب بصلة. مع أني أرى أن الهيب هوب يجب أن يندمج مع كافة أفراد المجتمع ليثمر. ولكنه تزاوج صعب.
مازن– بحسب معرفتي بالراب العربي، لدى الكثيرين منّا هذا الهاجس بالوصول إلى كافة أفراد المجتمع، هل ترى أن لديك هذا الهاجس أيضاً؟
عمر– بصراحة أتمنى أن يحصل التأثير على نطاق أوسع، ولكن يجب أن يكون هذا الوصول بكامل حرية المؤدِّ ليكون التأثير حقيقياً مئة بالمئة. وقتنا هذا لايسمح ولا أعتقد أنه سيسمح قريباً. يجب الآن استقطاب الأفراد للمجتمع التحت الارضي وليس الصعود فجأة، لان المجتمع الخارجي له تأثير قوي جداً.
مازن – أتعتقد أن السبب الرئيسي لعدم وصولنا الناس بجميع فئاتها هو إذن قمع حرية المؤدي بطريقة أو بأخرى؟
عمر –هذا صحيح. أعتقد أن هناك سبب آخر أيضاً، وهو عدم تقبل الناس للمحتوى الفني ليس للأسباب المتداولة فقط، بل لأسباب فنية ايضاً. لا يوجد هناك استحسان وتذوّق لفن الإلقاء (الراب).
مازن– ولكن لماذا؟ لا الشعر غريب على العرب ولا الإيقاع ولا الإلقاء، فلماذا؟
عمر– بصراحة لا أعلم. يجب القيام بدراسة.
مازن– أرى شخصيا أن الإلقاء في الراب العربي كان متأثراً جداً لفترة طويلة بإيقاعية اللغة الإنجليزية، ولم يكن يستخدم المخزون الإيقاعي الخاص باللغة التي نتكلمها. هل تعتقد أن هذا جزء من الموضوع؟ هل توافقني أصلا؟
عمر –لا أعتقد. هذا إن فهمت ما تعني جيداً بالطبع. يعني عندما أستمع للراب بمختلف اللغات أراه بنفس الإيقاع تقريباً.
مازن –أختلف معك صراحة في هذا السياق، لأنه مثلاً في الراب الفرنسي تبلورت خصوصيات كثيرة متعلقة بالمحتوى والإيقاعية وليس فقط في النص بل في الإنتاج الموسيقي أيضاً. حتى في أميركا ذاتها، هناك خصوصيات لكل منطقة. المهم، لنعد إلى فكرة الوصول إلى الناس من خلال الراب. يعني صراحةً، أنت في مكة على علمي، وفكرة أني أتحدث مع رابر سعودي في السعودية عن الراب الثوري تبدو لي بحد ذاتها اختراقاً. كيف تنظر إلى ذلك؟ وكيف تعيش مسألة القيود السياسية والاجتماعية والدينية في بلد مثل السعودية؟ وكيف تنعكس على إنتاجك الموسيقي؟
عمر– تنعكس على إنتاجي بشكل جذري، كي أكون صادقاً معك. ولكن أحاول اللعب على هوامش الحرية. انا الآن تحت الارض، وأنا على يقين أنه إن استقطبت مستمعين بشكل كثيف بنفس المحتوى الذي أقدمه الآن لن يرجع هذا علي بشكل طيب.
مازن– هل هناك حالات سابقة في محيطك الفني لهذا النوع من التبعات؟
عمر– ليس في المحيط الفني على حد علمي. ولكن في المحيط العام لنفس القضية التبعات كثيرة جداً.
مازن– هل قد تشكل هذه المقابلة ونشرها خطراً عليك؟
عمر– أعرف أشخاصاً قُبض عليهم بسبب تغريدة على تويتر.
مازن– إذن أنت تقبل المخاطرة مُراهناً على الهامش اللامرئي؟
عمر– تقريباً. ولكن وجب القول هنا إن هامش الحرية عندنا بدأ بالتوسع. ولكن لا وجود لقوانين مفهومة عند العامة، فالمسألة أقرب لأن تكون مزاجية لدى الجهات المختصة. وهذا الأمر المحير.
مازن– طيب، أخبرني بشكل عام عن الراب في السعودية وتقييمك له.
عمر– سيتحسس البعض. ولكني أرى المشهد في السعودية ضعيفاً ويُرثى لحاله. هناك بعض المخلصين الجادين وأصحاب أعمال قوية لكن بشكل عام الأغلب يتجه لإثراء الناحية المادية ضد الناحية المعرفية.
مازن– تُفضل عدم ذكر أسماء؟
عمر –الأفضل. كي لا يكثر لغط يحتاج لتوضيح.
مازن– مفهوم، فلنكن إيجابيين إذن. من هي الأسماء التي توصي بها لمستمع راب عربي يريد أن يستمع إلى راب ذي جودة عالية من السعودية؟
عمر– أريد ذكر أسماء غير أعضاء العشيرة التي أنتمي إليها. أنس عربي، ليس سعودياً ولكنه يُحسب على المشهد السعودي. مجموعة تُسمى West Side U. مجموعة تسمى Run Junxion .مجموعة تسمى Jeddah Fam لديهم عمل طيب أيضا. هذه الأسماء التي تحضرني حالياً. متأكد أن هناك غيرهم ولكن لا تحضرني اسماؤهم الآن.
مازن– أخبرنا عن عشيرتك.
عمر– مجموعة من الموهوبين في شتى مجالات الهيب هوب: راقصين، رابرز، فناني غرافيتي. ينقصنا دي جي حالياً ولكن يوجد DJ 1001 لم يقدم أي عمل بعد ولكن قريباً سيكمل التشكيلة بإذن الله.
مازن– ما اسم التشكيلة؟
عمر– ٢١٧
مازن– هل يرمز الرقم إلى شيء معين؟
عمر– الهجوم بنية القتل رقم يرمز لجناية الهجوم بنية القتل في قانون الجنايات الأمريكي
مازن– على من؟
عمر– مفهوم عام يشمل كل من يضع نفسه موضع هدف بطريقة أو أخرى.
مازن– آها. أتذكر أني سمعتك للمرة الأولى مع مكة ثاغز قبل حوالي ٣ أعوام. هل كانت تلك تجاربك الأولى؟ وماذا حلّ بمكة ثاغز؟
عمر– نعم صحيح. مجموعة مكة ثوقز تفككت الآن وأصْبحتُ منفرداً. ولكننا كمجموعة مكة ثوقز نندرج تحت ٢١٧ كأفراد.
مازن– من ينتج الموسيقى في ٢١٧؟ وما هي التسهيلات التقنية التي تستعملونها للتسجيل وخلافه؟
عمر– كإنتاج موسيقى نفتقر لمنتج محلي حاليا. نتعامل مع منتجين خارجيين من ناحية شراء ألحان وهكذا. لدينا الآن استديو “الصندوق الاسود” الذي يحتضن جميع أعمالنا الصوتية.
مازن– أسستموه بجهودكم الخاصة؟
عمر– نعم. كان التأسيس متعباً بصراحة.
مازن– من الناحية المادية تقصد طبعاً.
عمر– أكيد.
مازن– هل هناك إمكانية لتقديم حفلات راب في السعودية؟
عمر– بالطبع، تكون هناك أحيانا حفلات ونشاطات رسمية ولكنها نادرة. نفضل الحفلات التحت أرضية.
مازن– تستطيع أن تتخيل، كم من الممكن لصحافي أميركي مثلاً أن يعنون مقالاً طويلاً بالتالي: “حفلات راب تحت أرضية في السعودية” وينتشي الجمهور الأميركي والغربي للفكرة. كيف تنظر لشيء مثل هذا؟ لفكرة “الغرب” وأميركا، خاصة وأنك تقدم الراب؟
عمر– هممممم. لا أكترث بصراحة. لا أثق بالصحافة الغربية بالرغم من مصداقيتها المزعومة. تحب الصحافة الغربية أحيانا نشر بعض الافكار لتمرير أجندات معينة. ربما تستغرب كلامي وتراني متهكما بعض الشيء ولكني لا أكترث بظهورنا للغرب بشكل يدهشهم.
مازن– لا بالعكس، أوافقك تماماً. ولكن المسألة ليست في ذهابنا إليهم، بل في أنهم هم عندنا.
عمر– لا تعجبني فكرة أن الغرب ينظر إلينا كحدث مثير. أحس نفسي مادة لا إنساناً. فليذهبوا ليهتموا بشؤونهم. لا أنكر أن هناك كوادر غربية محترفة جداً وتسعى لتنشر الحقيقة، ولكني أشعر أن جميع هذه الجهود تصب في مكب واحد.
مازن– مكب الصورة النمطية المسبقة المعدة للاستهلاك. كيف تنظر للراب العربي؟ وهل تحس بالانتماء لهذا الحراك في الراب على مساحة العالم العربي؟
عمر– أحس بالانتماء بشكل قوي جداً. يعجبني تشارك الأفكار وإثراؤها بين رواد هذه الثقافة، لنلتقي في نقطة واحدة.
مازن– أشعر أن الراب أعطى للغة العربية أهمية جديدة لأنه تمكن من خلق مشهد موسيقي مركزه الكلمة ويستطيع كل العرب أن يفهمونه بسبب اللغة المشتركة. هل توافقني الرأي هذا؟ وكيف تنظر لخصوصية اللغة العربية في الراب؟
عمر– أرى أن الراب لم يُعطِ أهمية للغة وإنما أعاد استخدام اللغة بطريقة مختلفة.
مازن– أقصد بالأهمية أنه أحياها، وجعلها أقرب إلى التداول. أكثر حيوية.
عمر– نعم نعم. بالطبع. وأتوقع أن من أسباب انبهار بعض شبابنا باللغة الانجليزية انبهارهم بالراب. للراب قوة في إنشاء حب الناس للغة المستخدمة.
مازن– تماماً. أول ما لفتني حين استمعت إليك هو تميزك عن الكثيرين في الراب العربي عموماً في لفظك واختيارك لمصطلحات دقيقة لغوية ومرجعيات ثقافية محلية. هل تولي اهتماما خاصاً باللغة العربية والثقافة العربية بشكل عام؟
عمر– نعم، أعشق اللغة العربية وأحب أن أكتب رابي باللغة الفصحى ولكن هناك أيضا متعة في اللهجات الدارجة فأحاول دمج الاثنين. لكن الدارج يغلب على تأليفي. اشعر أن الدارج أقرب للناس كونه اللسان الذي يتحدثون به، أما الفصحى أصبحنا لا نراها إلا في المؤلفات والكتب.
مازن– سمعت لك في مقابلة مقطع من أغنية قلت إن اسمها “في ذا المكان“. هل يمكن أن تخبرنا عن موضوعها؟
عمر– موضوعها يتناول أموراً تحصل في “هذا المكان” وهو محيطنا الذي نعيش فيه. بطريقة نقد حادة بعض الشيء وساخرة أحيانا.
مازن– هل تعمل على أية مشاريع موسيقية حالياً؟
عمر– مجرد أفكار أعمل على جمعها وترتيبها.
مازن– من متابعتي لبعض الأشياء التي نشرتها، رأيت واقعاً عنصرياً في محيطك. إلى أي مدى تنتشر هذه العنصرية؟ وهل هي موجودة في الراب؟
عمر– موجودة. ولكن مهما كان يبقى مدى انتشارها ضعيفاً. لأن أساسها هش. عنصرية إلكترونية فقط.
مازن– هل تحبذ الـ battle rap؟ وهل تعتقد أنه من المقبول استخدام محتوى عنصري في سياق الباتل؟
عمر– أعشق معارك الراب. بالنسبة للمحتوى لا توجد قاعدة تحكم على المحتوى بأنه مقبول أو لا، فالذي يُعتبر مادة للضحك في الغرب قد يؤدي للقتل عندنا (يضحك). الأعراف تحكم.
مازن– ما هي أنواع الموسيقى التي تسمعها غير الراب؟
عمر– مؤخراً بدأت استمع لشتى أنواع الموسيقى. سمّها … أسمعها. حالياً في هذه الفترة استمتع بموسيقى الطوارق.
مازن– جميل. هل تتابع الحراك الفني الشبابي السعودي في مجالات غير الراب؟
عمر– ليس بالضرورة. ولكن تعرفت على شاب اسمه مثنى أنبار، لديه صوت جميل جداً وفن أصيل غير تقليدي، أحب التعرف على المواهب غير التقليدية كمثنى.
مازن– هل تعتقد أن تكاثر البرامج اليوتيوبية السعودية يعكس تغييراً ما في المجتمع والحريات أم أن هذا يبقى فقط في المجال الافتراضي؟
عمر– بغض النظر عن نية أصحاب هذه البرامج وأجنداتهم والأفكار التي تُطرح – التي أؤيدها بقوة بالمناسبة – ولكني أعتقد أن هناك نظرة غفلنا عنها وهي تمييع القضايا المهمة. أغلب هذه البرامج كوميدية، والجمهور يتابعها للضحك عموماً. في كل حال، لا أستطيع إنكار أثر هذه البرامج في زيادة الوعي في بعض المفاهيم.
مازن– هناك ما هو أحياناً بالغ السوداوية وكثيف المحتوى كما في بعض أعمال مشعل الجاسر في “فليم فُليم يا غُليم“.
عمر– نعم نعم، “فليم” إنتاج فريد من نوعه.
مازن– كيف تنظر إلى إدخال الراب في الأطر الكوميدية كما فعل هو وغيره؟
عمر– بالنسبة لاستخدامه للراب، لا أنصح به. لأنه سيء. هذا بالنسبة له شخصياً. بالنسبة للأطر الكوميدية الأخرى لا أرى ضيراً في استخدام الراب على أن يكون بجودة مقبولة.
مازن– بصراحة أشعر أنه يمكن لهذه المقابلة ألا تنتهي ابداً. هل لديك أمر ما تحب أن تضيفه؟
عمر– فيه بس نقطة حاب أقولها وأساسا دائما أذكرها بطرق مختلفة. القوة تكمن في نية الإنسان، إن قدمت أعمالك كما تريد أنت فهذه بحد ذاتها قوة لا تخترق. يحدث الضعف حين تتنازل وتسايس لمآرب أخرى. أتمنى أن أرى هذا الشيء متواجداً عند كل الهيب هوبرز، كوني محباً لهذه الثقافة.
مازن– هل تعتقد أن هناك إمكانية للتحرر الكامل من هذه القيود؟ الكثير من الرابرز الآن يجيبون بأن هذا مصدر عيشهم وأنهم يقدمون عملاً يقبضون أجره. كيف تنظر لهذا؟ وكيف تتعامل مع مسألة الاستمرارية المادية؟
عمر– بصراحة لا أستطيع لوم الشخص الذي لا يملك سوى طريق الراب لدخله المادي فأنا لم أوضع محله (ولله الحمد). ولكن يجب ألا ينكر أن الطريق الأصوب هو راب لا يسعى لدخل مادي.
مازن– هل يمكن أن أسألك عن مصدر دخلك الآخر؟
عمر– لدي وظيفة ودوام رسمي. أسعى للحرية من قيود “الدوام الرسمي” ولكن أخاف من فكرة “راب لأجل المال“.