.
حكاية إلفي توماس وجيشي وايلي – في أعقاب شبح سيدتين غيرتا الموسيقى الأمريكية ثم اختفتا دون أثر.
مقتطف من مقال طويل ظهر في النيويورك تايمز كتبه جون جيريماياه سُليفن John Jeremiah Sullivan.
ترجمة أميرة المصري.
في عالم الموسيقى الإفريقيّة الأميركيّة في بدايات القرن العشرين والمهووسين بها، والذين قد يبدون من ناحية كمجموعة علماء شاحبين كارهين للبشرية، ومن ناحية أخرى هم نسبة لا بأس بها من البشرية، لا يوجد من يثير السخط مثل شبح سيدتين ظهرتا على ثلاث أسطوانات شديدة الندرة سجلت في عامي ١٩٣٠ و١٩٣١، وهما: إلفي توماس Elvie Thomas وجيشي وايلي Geeshie Wiley.
هناك موسيقيون مغمورون مثل وايلي وتوماس، وهناك من يماثلهما في العظمة، لكن لا يوجد من يجمع بين العظمة وانعدام الشهرة على هذا النحو البالغ والمحير. في ربيع عام ١٩٣٠، وفي استوديو تتخلله الرطوبة وتنقصه الإضاءة، بقرية صغيرة في ولاية ويسكونسن على الساحل الغربي لبحيرة ميتشجن، سجل الثنائي مجموعة من الأغاني عُدّت من روائع الموسيقى الأمريكية في فترة ما قبل الحرب لما يزيد عن نصف قرن، وعلى الأخص مذرلِس تشايلد بلوز لـ إلفي ولاست كايند وُردز بلوز لـ جيشي. بهما وصلت الفنانتان إلى قمة أعمالهما المحدودة، وكانتا بتوزيعهما الكلاسيكي مصدر إلهام لكتابة مقالات وروايات وأفلام وإعادة تقديم الأغاني بأصوات مغنيين آخرين.
لكن حتى بعد أكثر من خمسين عامًا من الجهود البحثية لمعرفة المزيد عن هاتين السيدتين ومن أين جاءتا، ما زلنا لا نعرف حتى أسماءهما الحقيقية. تشير الذكريات المبهمة لنفر أو اثنين من قدامى سكان ميسيسيبي، والتي سجلت منذ عقود، إلى أصل موطنهما في القسم الجنوبي من الولاية، لكن ذلك لم يؤت بحقائق مؤكدة. اعتقد البعض أنهم سمعوا مسحات من موسيقى لويزيانا أو تكساس في عزف الجيتار أو في نطق الكلمات. نحن نعرف أن كلمة جيتشي (Geechee) استخدمت أحيانًا لمن ولدوا في ثقافة الجولاه Gullah Culture ذات النفوذ الأفريقي المتغول، ومركزها الجزر الساحلية بالقرب من جورجيا وكارولينا الجنوبية والشمالية. لكن لم يظهر أي أثر لهما هناك. ولا في أي مكان آخر. لا محل دفنهما ولا صورة لهما. بل لم تظهر حكايات عنهما حتى. كان هذا ما ميز جيشي وإلفي عن باقي عباقرة العشرينيات والثلاثينيات الغارقين في طيات المجهول. بنيت أسطورتهما على عدم وجود أثر يذكر لبناء أسطورة.
كل ما نعرفه عن جيشي وإلفي لا يتعدى المواد نفسها — أقل من ١٠ نسخ متبقية في المجمل من إصداراتهما الثلاثة المعروفة التي أنتجتها شركة باراماونت، وهي مجموعة من أسطوانات الشِّلاك الثقيلة السوداء المشطّبة، يقتصر اقتناؤها على الأفراد. وحتى هذه الأسطوانات وجدت سبيلها إلى الاختفاء، بأن قررت سيدة في وقت ما مثلًا أثناء تنظيف السندرة في منزل والديها التخلي عن تكاسلها، والتخلص من صندوق الأسطوانات القديمة لترى ما قد يقدمه محل الخردة في المقابل، وعندما تتراجع عن ذلك، عندما لا يصادفها محل خردة في طريقها إلى المنزل، تضيع الموسيقى، وتضيع الأرواح، كرماد تبدده الرياح، مرفرفة بعيدًا مع أسطوانة إديسون لفريق بدي بولدن وتسجيل لينكلن الصوتي.
مثل العديد من أبناء جيلي، أبهرتني هذه الموسيقى منذ سماعها لأول مرة في وثائقي تيري زويجوف كرَمب عام ١٩٩٤، عن حياة الفنان روبرت كرَمب Robert Crumb الذي استخدم أغنية لاست كايند وُردز كخلفية لمجموعة رسوم لافتة بشكل خاص. اقتفيت آثارهما عن قرب على مدار سنوات، وكان جزء من دافعي إلى ذلك هو الغموض والاستكشاف التاريخي على غرار القنوات الوثائقية، لكن كان الدافع الرئيسي الذي جعلني لا أكلُّ البحث هو الموسيقى نفسها.
بعيدًا عن أية محاولة قد تغلب عليها المبالغة في وصف الجماليات التقنية للأغاني نفسها، هناك جانب آخر للفنانتين يعمق سحرهما، وهو جانب يحتوي على كبسولة زمنية بعينها. قد يبدو لنا العام ١٩٣٠ زمنًا بعيدًا الآن، لكن ثمة أغانٍ ومغنيون أقدم ينبعثون من هذه الموسيقى، أصول من تاريخ الأغنية الأمريكية نعلم بوجودها في فترة ما قبل الحرب الأهلية، لكن يصعب علينا سماعها بشكل جيد، هذا إذا سمعناها بالأساس. نجد في لاست كايند وُردز مسحة من ما قبل البلوز أو البلوز غير المتبلور، نواح كئيب على نغمات سلم الماينر minor scale، يستدعي أزيز أغاني البانجو من فترة سبقت مرحلة الجيتار المبتذل، يصاحبه إيقاع غريب وضخم على أوتار البايس. تُنشد جيشي: “إذا قُتِلت، إذا قُتِلت، أرجوكم ألا تدفنوا روحي.“ If I get killed, if I get killed, please don’t bury my soul.. وفي مذرلِس تشايلد هناك موسيقى بلوز مؤلفة على مقطع شعري من أربعة أسطر على ١٦ مازورة، تبدأ بتكرار نفس الجملة أربع مرات: “أخبرتني أمي قبل موتها“ My mother told me just before she died، دون أدنى تغيير، فقط تتأوه بالكلمات وتكسبها في كل مرة تنويعات طفيفة وخفية بشكل موجع، على نغمات تقترب من صفات البلوز بما يكفي للتلاعب بالفوضى النغمية. تمر أجيال من الروحانيين من خلال أغنية مذرلِس تشايلد، وتطفو في أنحائها ألحان الحقل وأغاني العمل، وعلاوة على كل ذلك، يفيض العزف بتعقيد يتعذر تفنيده.
نغمات إلفي تطفو. تطلقها كمراكب شراعية صغيرة في بحيرة. مذرلِس تشايلد هي أغنيتها الوحيدة، الأغنية الوحيدة التي تقود الغناء فيها بين الأغاني الست التي أسمعها – وهناك من يظن أنها أيضًا صاحبة أغنية أوفر تو ماي هاوس. فهي في باقي الأغاني تغني وراء جيشي، وإن كان أداؤها يضيف الكثير إليها. كان جو بزرد Joe Bussard الشهير، أحد أهم جامعي أسطوانات ٧٨أسطوانة صنعت قبل الخمسينات وتُلعب بسرعة ٧٨ لفة في الدقيقة من فترة ما قبل الحرب، قد وجد واحدة من أصل نسختين من أغنية مذرلِس تشايلد في محل أنتيكات في بالتيمور، بالقرب من الساحل، وذلك في منتصف الستينيات. حسب القصة المتداولة، كان بزرد يدعو الناس إلى بيته ليعزف لهم النغمة الأولى من مئرلِ تشايلد، الثواني الأولى فحسب، مرة تلو الأخرى، نوتة مي التي تسحبها إلفي وتتركها معلقة بالهواء. للوهلة الأولى يبدو الأمر عاديًا، لكن بعد الاستماع إليه عدة مرات، يتضح أنه ليس عاديًا أبدًا.
قبل حدوث معجزات صغيرة مثل اسمرار وجود تلك الأسطوانات، كانت هناك بلا شك معجزات أكبر؛ كمعجزة تسجيل أصوات مثل جيشي وإلفي من الأصل. لكي نفهم كيف حدث ذلك علينا أن نتعرف على: الأسطوانات العرقية، وهو مجال تجاري ازدهر في فترة ما بين الحربين العالميتين، وعلى وجه الخصوص في ما يخص شركة باراماونت، وهي واحدة من أكبر الشركات المنافسة في هذه اللعبة على مدار العشرينيات.
مصنع أثاث، هكذا بدأ الأمر؛ شركة وسكونسن للكراسي. كانوا قد بدأوا بتصنيع خزائن الفونوجراف الخشبية. فعندما يقتني الناس أسطواناتهم المفضلة عليهم شراء فونوجراف لتشغيلها، وإذا اشتروا فونوجراف سوف يرغبون في خزانة لحفظ الأسطوانات بها. حتى الأسطوانات كانت تباع في محلات الأثاث، خصوصًا في البدايات. كانت تصنف ضمن كماليات الأثاث بالفعل. كانت تعد بمثابة ألعاب. الحقيقة إن أول أسطوانة على هيئة قرص صنعت لتتماشى مع الجرامافون ذي البوق الطويل الذي كانت توزعه شركة ألعاب ألمانية. هكذا لنا أن نتخيل، فالأمر أشبه بالمحافظة على نوع فرعي من أهم الفنون الأمريكية فقط من خلال حفظها على شرائح التصوير المجسم بجهاز فيو ماستر القديم.
في عام ١٩٢٠ فاجأت شركة أوكِه – وملّاكها البيض – الجميع وحتى نفسها، عندما باعت مئات الآلاف من نسخ أسطوانة كرايزي بلوز لمامي سميث (وهي أول أغنية بلوز تسجلها مغنية أمريكية من أصل أفريقي). وقتها اغتنمت صناعة الأثاث والفونوجراف الفرصة. كانت هناك كتلتان قيد التكوين أو قد وصلتا إلى أعداد مؤثرة بالفعل، البيض الذين على استعداد لدفع أموال مقابل موسيقى السود، والسود القادرين على شراء الفونوجراف، وبهذا شكلت الكتلتان سويًا سوقًا جديدة. في هذا الوقت تقريبًا دخلت عبارة الأسطوانات العرقية Race Records على اللغة الدارجة. في عام ١٩٢٦ واتت شركة باراماونت ضربة حظ غيّرت مسار الأمور، حيث حصلت على مجموعة من أسطوانات ٧٨ تقدم مغني تكساس المخضرم بلايند ليمُن جيفرسن – الذي وصلت مبيعات أغنيته لونج لونسَم بلوز إلى مئات الآف، وكما حدث في حالة مامي، أثار ذلك حملة شرسة بين شركات الإنتاج للبحث عن مؤديين مشابهين. ولد نوع الكنتري بلوز، وإن لم يعرف وقتها بهذا الاسم. تصدره الرجال في معظم الأحيان، لكن كانت هناك قلة مهمة من النساء، “قوة مؤنثة حيوية” حسب وصف دون كنت، واحد من أهم جامعي الأسطوانات وكان ينظم الأشعار المكتوبة على أغلفة الأسطوانات.
لا يعود الفضل في الحفاظ على هذه القوة إلى بُعد نظر شركات التسجيل تلك، بل إلى جهلها وحتى تحفظها في ما يخص الثقافة السوداء. لم تكن تلك الشركات تعرف أدنى أمر عن الموسيقى، وكانت معرفتها بالتوجهات الجديدة التي قد تحظى بإعجاب المستهلكين أكثر ضحالة. شركة باراماونت أفضل مثال على ذلك. كان القائمون عليها رجال أعمال، من الشمال ووسط الغرب، جاؤوا من خلفية العمل بالمبيعات. كانت قراءتهم لنجاح الأغنية أو فشلها محض تخمينات عشوائية أشبه بقراءة الطالع. هكذا أخذت شركة باراماونت في منتصف العشرينيات تبحث في أماكن أبعد عن فقرات جديدة، ووازنوا ذلك بتسجيل كل شيء ورصد حركة المبيعات. لم يسجلوا كل شيء، لكنهم سجلوا الكثير. غطوا قطاعًا عريضًا من كل شيء. وكانت النتيجة دراسة للثقافة الموسيقية الأمريكية، دراسة غير مسبوقة ولم تتكرر قط، جاءت بشكل غير واعٍ، كانت بمثابة صورة بأشعة إكس للمشهد الصوتي التقطت قبل تقلص أطياف شاسعة من أشكال الغناء المتجاوز للعرق في فترة ما قبل التسجيل. مئات من المغنيين، وآلاف من الأغاني. بعض من أعظم الموسيقيين على الإطلاق لم يتم اكتشافهم إلا بهذه الطريقة. كان مشروعًا توثيقيًا عشوائيًا بدافع الربح، تضاءلت إلى جواره بشكل ما أحلام وآمال أكثر علماء الموسيقى العرقية طموحًا، المدفوعين بالنوايا الحسنة (وإن كانت الرأسمالية قد شوهته بعدة طرق، لكن ليس أمامنا الكثير من الاختيارات).
من أوائل الأشخاص الذين انتبهوا إلى هذه الثروات كان آلان لوماكس Alan Lomax، أحد أبرز عظماء علوم الموسيقى العرقية الذين سبق ذكرهم، وكان ذلك عن طريق الصدفة. كان قد اعتاد السفر مع والده، جون إيفري لوماكس، عبر الطرق الجانبية غير الممهدة لعمل تسجيلات ميدانية لأرشيف الأغنية الشعبية الأمريكية لصالح مكتبة الكونجرس، ولقد شهد بنفسه كيف تتراجع تلك الثقافة التي صمدت خلال قرون الانتقال الشفهي، وقد ثبت أنها ليست بالقوة الكافية لمواجهة موجات الراديو وأفلام السينما. في أواخر الثلاثينيات وأثناء رحلة بحث لوماكس عن الأسطوانات، عثر في يوم على مجموعة كبيرة من أسطوانات باراماونت في أحد المحلات. وقتها لم يكن عمرها يتعدى ١٠ أو ١٥ عامًا وكانت تبدو غير ذات قيمة للمشتري العادي. عندما استمع لوماكس إليها تسمرت حواسه لاكتشاف هذه البوابة السمعية إلى الماضي التي فتحتها له باراماونت، بوابة تؤدي إلى العقد السابق لفترة انضمامه إلى والده في رحلة جمع الأغاني، وكانت هذه إضافة تجارية هائلة لجهود الأب وابنه في التسجيلات الميدانية تحت إشراف ثقافي. بدأ لوماكس في التنقيب. وفي العام ١٩٤٠ كتب قائمة بعنوان: الأغاني الشعبية الأمريكية على الأسطوانات التجارية American Folk Songs on Commercial Records، ليوزعها في دوائر المهتمين بالتراث الشعبي. تعد هذه القائمة القصيرة وثيقة بالغة الأهمية في تاريخ الثقافة الأمريكية في القرن العشرين. لم تنشر سوى في تقرير مكتبة محدود، لكن تم تداول نسخ منها. كانت هذه أول مرة يُتناول فيها أحد هذه التسجيلات التجارية بشكلٍ معلن دون التعامل معها على أنها فتات موسيقية. والأهم من ذلك أنها فتحت المجال للمزيد من مغنيي البلوز المغمورين، بل وسلطت الضوء عليهم.
لكي نعي أهمية ذلك علينا أن نضع في الاعتبار أن عدد جامعي الإسطوانات المهتمين بهذا النوع من الموسيقى في نهاية الثلاثينيات كان قليلًا للغاية. كانت موسيقى الجاز في بدايتها تحظى بأهمية في دوائر المهتمين بالاتجاهات الرائجة، لكنّ أحدًا لم يهتم بالبلوز الريفي عدا بعض المجاذيب المخلصين. من بينهم جيم مكون ذو الجسد الهزيل المرتعش، وهو عامل بريد من مدينة لونج آيلاند بمقاطعة كوينز، وقد اشتهر بامتلاكه ٣٠٠ أسطوانة بالعدد من أفضل الأسطوانات، يخزنها تحت سريره في جمعية الشبان المسيحيين. كان يخفض الصوت مضطرًا لتجنب الشكاوى، وكان يشبّه جلسات استماعه بجلسات تحضير الأرواح، فقد كان يستحضر أصوات قديمة وغريبة من الجنوب، مثل صوت سام كولِنز (وكان يدعى سام كولِنز الباكي) بطبقاته العالية السماوية، أو نواح آيزايه نتلز، “ندّاب الميسيسيبي.” هل استمع مكون إلى جيشي وإلفي؟ هذا أمر لا يمكن معرفته. فقد ضاعت أسطواناته عند موته – حيث قتل عام ١٩٧١ في غرفة أحد الفنادق.
هل هناك آخرون من أوائل المستكشفين؟ الكاتب بول بولز Paul Bowles. فقد بدأ بول – وهو أمر يدعو للدهشة – بجمع أسطوانات البلوز عندما كان طالبًا جامعيًا يدمن شمّ الأثير إدمان مثل شم التنر أو الصمغ في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا في أواخر العشرينيات “في محلات الأثاث المستعمل بحي السود.” في الغرب كان هاري سميث – بجسده الضئيل ووجهه الذي يشبه البومة – جامع “مختارات من الموسيقى الشعبية الأمريكية” لشركة أسطوانات فوكوايز، أول مجموعة أسطوانات، وإذا أردنا وصف هذه المجموعة بإيجاز دون أن نفيها حقها، قد نقول إنه لولا هذه “المختارات” لما كان مهرجان وودستوك Woodstock. تعرّف سميث على مَكون، وكانت معرفة الاثنين بقائمة آلان لوماكس على نفس القدر من الأهمية، حيث أثارت شغفهما تجاه هذا القسم من الماضي المسجّل بالتحديد، وشكلت “قائمة رغباتهما“.
أصبح مكوْن في الخمسينيّات أيقونة في نظر من يطلق عليهم مافيا البلوز، وهي البذرة الأولى لجامعي أسطوانات ٧٨ من سكان الشمال الشرقي والتي تطور بعض من أفرادها إلى أصحاب ومديري شركات تسجيل وذواقة لهم قول الفصل في إعادة إحياء البلوز الشعبي. جميعهم كانوا من البيض، والكثير منهم كانوا أغنياء بالفعل أو اغتنوا مع الوقت. لذلك لا نجد من يصف مافيا البلوز بالبطولة في المراجعات الحديثة – والهامة – لتاريخ هذا المجال، والتي كتب معظمها بأيدي نسائية (من بينها كتابين تحت الإصدار لدافني بروكس وأماندا بتروسيتش). مع ذلك لا يوجد شخص لديه اهتمام جاد بالموسيقى قد يدعي أن الدَين الثقافي الذي نَدين به لمافيا البلوز لم يعد مستحقًا. فإن إنجازاتهم لا تقتصر على ما وجدوه ووثقوه. بل إن ما ولدوه في حد ذاته إنجاز على نفس القدر من الأهمية، سواء نسبوه لأنفسهم أم لا. ديلان مثلًا لم يستمع إلى أسطوانات ٧٨ وهو جالس على الأرض في البيوت التي أقام بها بشكل مؤقت في قرية جرينتش، بل استمع إلى إعادة إصدارات قديمة من أسطوانات إل بي. وعندما أقول ديلان أعني الستينيات بشكل عام وأعني ديلان أيضًا. فكما كتب قبل ١٠ سنوات: “لو لم أستمع إلى أسطوانة روبرت جونسون وقتها، لانقطع عني على الأرجح مصدر إلهام مئات من الألحان التي كتبتها.”
المقال الأصلي في نيويورك تايمز.