fbpx .
جرو أب كاز راب تونسي معازف Grow Up Kaso Tunisian Rap a3aef

جرو أب | كازو

هيكل الحزقي ۲۰۲۲/۰٤/۰۱

يقول كازو عن تجربة الميترو رقم ٥: “الميترو هذا عشت فيه موش ركبت فيه البلاصة، وصلني للقراية وأنا مرسكي (يستقل الميترو دون تذكرة) وطاح بيا بان (أصابه عطب) مليار مرة وأنسبيراني (ألهمني) بالباهي في وقت م الأوقات، وكيما كتبت اسمي فيه بستيلو (قلم) من داخل وأنا صغير، كبرت وحطيت فيه تصويرتي من برا.” اختار الرابر دعايةٍ رمزية لألبومه جرو أب من خلال وضع غلافه على الميترو ٥، عصب الحياة اليومية لدى شبان حي التضامن حيث يسكن كازو، في خطوةٍ كبيرة عكست حجم النقلة التي دشّنها تجاريًا وموسيقيًا.

علقت استفهامات عديدة برأسي وأنا أستمع إلى ألبوم كازو وأرى غلافه على الميترو. هل كان سيتمكن من وضع غلافٍ مماثل لو كان ألبوم راب صرف؟ عزّز كازو التوجه الذي طغى على مشهد الراب التونسي من خلال التهجين مع الغناء وانخرط بشكلٍ جلي في صوت البوب / راب عبر ألبومه جرو أب.

كان بلطي سبّاقًا في تلوين الراب بالغناء، فيما شهدنا محاولات توليد صوت جديد فيما بعد من قلب التراب، اقتربنا بها من خلق توليفةٍ تونسية تقارب التوليفة المحلية للمهرجانات والتراب في مصر، أو التراي في المغرب. بدأت معالم هذه التوليفة بالتشكل مع مدرسة منزل بورقيبة، خاصةً سمارا وسنفارا، من خلال التحزين والغناء الأوتوتيوني وبناء تقاطعاتٍ جذابة مع مضامين الغناء الشعبي مثل المزود وحتى الراي، ورأينا ثمارها مع نوردو وهادي لارتيست وغاتي وطاطي جاي ١٣ وجنجون ولو بشكلٍ مختلف. منحت تلك التجارب صوتًا مختلفًا دفع الراب وأسماءه نحو ذروة الانتشار بتقريبه لأنماطٍ رائجة. 

لا ينطلق كازو تحديدًا من تلك التوليفة في ألبومه جرو أب، بل يذهب باتجاه المزج مع صوت بوب مألوف مع تأثيرات آر أند بي وسول. يريد كازو استثمار ما بدأه سابقًا بعد نجاح أسلوبه الغنائي في بطيت وفونودو ومشاو وفينهم، عندما اقترب من صورة الرابر العاطفي الذي بوسعه أن يستقطب جمهور البوب عبر انتقالٍ بين الراب والغناء.

قد يكسب كازو جمهورًا أوسع عبر جرو أب، مع تقديمه أعمالًا نموذجية في هذا الصوت الهجين من خلال كبرنا وتحرك قوم وما فهمونيش ونتفكرنا صغار، لكنه يفقد أسلوبه لصالح صوتٍ مألوف ومتوقع يسقط في هناتٍ جليّة أحيانًا، ظهرت في أغانٍ مثل مدة التي شهدت استعماله للعُرب في أداءٍ بالإنجليزية أضفى ركاكة على المقطع. يبدو أحيانًا أن غناء كازو لا يتحمّل سرده الذي عهدناه في إصدارات الراب السابقة. يكسر إيقاع السرد من انسيابية غناء كازو ويجعله ثقيلًا في بعض المقاطع من ماللي صغير: “أمي اللي قتلي ما تجيش في شوني / هي الوحيدة اللي قتلي يزّي وفي حزني واساتني / هي الوحيدة كي شافت خوضة رماتني في قلب الخوضة قتلي نحبك مرامدي.” 

يسقط كازو في أغلب الأغاني في مزجٍ رخو يقترب من صوت الماينستريم عبر تليين أدائه وترقيق صوته في بعيدة وهاني معاك، لكنه يُبقي على أسلوبه القوي في السرد والكتابة الذي ميّزه عن بقية الرابرز منذ ظهوره الملفت في ٢٠١٩. يكتب كازو قصة حياته في جرو أب. يسترجع طفولته في ماللي صغير، يقيم مراجعاته النقدية الذاتية في تحرك قوم، ويتذكر قصصه العاطفية في مدة ومغامرات الطفولة في نتفكرنا صغار.

غلبت ثيمة النوستالجيا على الألبوم. اختلفت نبرة كازو عن بوزيان التي صبّ فيها حنقه مسترجعًا مرارات الطفولة، فيما استرجع شيئَا من روحه الغاضبة وفلوهاته المعتادة في أغاني جرو أب وتصدق التي تلوّنت ببيت دريل ليّنها بمقطعٍ غنائي، وجمع بين نزق الراب وليونة مواضيع البوب العاطفية في بعيدة: “قتلك عندك ناس هات نقلهم / واللي مش عاجبهم نيك أمهم.”

يوسّع كازو في جرو أب من المساحة التي احتضنت محاولاته التهجينية الأولى ويتجه بشكلٍ واضح نحو البوب. لا يقدم صوتًا جديدًا، بل يدفع موجة البوب / راب ويعزّز حضورها في المشهد الموسيقي المحلي، وينجح في توظيف ذخيرة كتابته ليعطي مواضيعه روح الراب الغاضب وسردياته المتشعّبة، ويستثمر فصول حياته ليكتب قصته بشكلٍ حقيقي دون الإفراط في نبرة التبجح أو استنزاف معاجم العصابات. يعزز كازو من تطوير جماليات المزج عبر أسلوبه في جرو أب ليقول بأنه يكبر فعلًا في مسيرته واختياراته.

على النقيض من هذه الهجرة المعاكسة، شهدنا مجاملات عدة من مغني بوب للراب، من انتقال منال عمارة إلى تجربة تراب مستعينةً بأرماستا، إلى استعادة صابر الرباعي السريعة في ظهورٍ إذاعي لأغنية حيّالة لِـ جنجون التي اكتسحت منصات السماع في تونس واستقطبت جمهورًا إلى الراب من خارج دوائر المستمعين التقليديين والفئات العمرية الصغيرة والشبابية. يضعنا كازو أمام تساؤلٍ مشروع: هل الراب، رغم شعبيته الجارفة وتصدره للترندات، لا يزال في حاجة للتطبيع مع بوب الماينستريم لنيل اعترافٍ ناله فعلًا؟

المزيـــد علــى معـــازف