.
سنذكر سنة ٢٠٢٠ لعدة أسباب، أغلبها – مع الرأفة – ليس إيجابيًا. لكن بالنسبة لمحبّي الموسيقى الإلكترونية، سُتذكر على أنها السنة التي شهدت صعود اثنين من أكثر المواهب المثيرة في النوع: نيامكي ديزيريه (أهو سان) وجوزيف كامارو.
بثّ أهو سان الحياة في المشاهد الصوتية الديجيتال في ألبومه الأول سيميولاكرم، حيث تنفست أصواته الإلكترونية ونبضت وتحركت، وتكاثفت لتبني جدرانًا من الدمار الصوتي. من ناحية أخرى، اعتمد كامارو على العالم الطبيعي وأصوات الحياة اليوميّة لوضع الأساس لاستكشافاته المحيطة الرقيقة، والدرونات الناعمة، في سلسلة ألبوماته المذهلة ذاك العام، والتي تضمنت بييل المُسكِر وجار البديع.
بينما تبدو أصواتهم ومقارباتهم شبه متناقضة للمستمع العادي، تكشف الاستماعات المتأنّية عن العديد من الخواص المشتركة: القدرة التلقائية على بناء التوتّر ثم انفراجه، واستحضار الأصوات من اللاشيء، وجعل الأصوات الباردة والتفتيتية تبدو مستساغة. تحتشد كل هذه التقاطعات في لايمن، ألبومهم المشترك الأول.
في تجربة سمعية ثقيلة ومحمومة، يقترب طولها من أربعين دقيقة، تقدّم تراكات الألبوم الثلاثة مقاربات مختلفة لبناء التشويق وتعبئة القلق، ومراكمته حتى لا يعود بالإمكان احتوائه. على غلاف الألبوم تبايُن بين سحابة دخان بركانية كثيفة وبرق، لونٌ أحمر ساطع مقابل ظلام الليل، وهو وصف حاذق لصوت لايمن وشدّته؛ ومنذ افتتاحية الألبوم، ريسورجنس، يبدو ذلك جليًا.
الألبوم مبني حول خط بايس ضخم، وثقيل بما يكفي ليمتلك قوة جاذبية خاصّة به، بحيث تظهر الأصوات من العدم، وتتجمع وتنسحب نحوه، ليتشكّل مشهدٌ صوتيّ حي يتنفس ويغلي. يظهر لحن جيتار مشوّه أو سنث يلعب ثلاث نغمات، تتبعه أربيجات متلعثمة تتحرك على طول مجال الستيريو وتموج وتُزبِد. تستمر العناصر والأصوات المختلفة بالظهور خارج الأثير، جاذبةً المستمع نحوه. يصبح الشعور بالانفراج ملموسًا وجوهريًا عندما يكسب سطر البايس زخمًا أكبر بفعل دخول الإيقاع. يذكّر هذا التصاعد بأفضل لحظات ألبوم سيميولاكرم، لكن بشكل أثقل وأكثر صخبًا. قد يعتقد البعض أن كامارو سيقيّد أهو سان، لكن ككل التعاونات المنتظرة، يظهر أنه قد دفعه لحدودٍ أبعد، وأصبح اختبار ولعهم المشترك بالديستورشن متاحًا للجميع.
روِّيند أبستراكشنز هو التراك الأطول والأقدم في الألبوم، إذ كان جزءًا من الإصدار الثالث لسلسلة وورك فروم هوم التي أنتجتها هوت ديسك – لندن أواخر ٢٠٢٠. يأخذ التراك مفهوم بناء التشويق لدرجة أبعد، لكن مع نهاية مختلفة تمامًا. على مدار ٢١ دقيقة، يستثمر كامارو وأهو سان كل ثانية في التراك. هناك شيء غارق في ذاته بشكل جميل، بينما يواصلون دفع صوتهم أبعد وأبعد حتى يقارب نقطة الغليان، دون الوصول، مع نهاية مكبوتة محطّمةً التوقعات. إنها تنهيدة انعتاق أكثر منها انفجارًا مظفرًا للصوت. نهايةٌ متقنة لهذه التجربة المحمومة.
بينما التراكان المذكوران مذهلان بطريقتهما الخاصة، قد يكون ري-بيرث، التراك الأقصر في الألبوم، إنجازه الأكبر. يبدو ري-بيرث كأنه التراك الذي أطّر إسهامات الفنانَين بأفضل شكل، وهو التراك الأكثر تركيزًا في الألبوم. في أقل من ست دقائق، يتحوّل التراك ويتغير ويتطوّر أكثر من مرّة. تراك غنيّ وعميق ومتعدد الطبقات ويبدو جميلًا وجائرًا في آنٍ واحد، مُذكِّرًا بألبوم بِن فروست: ثيري أوف ماشينز، وأعمال بول جيبانسم، زميل تسجيلات سَب تِكست. بصفتي مستمعًا، هذا هو الاتجاه الذي أرغب أن أسمع منه أكثر، وهو الذي وجدت نفسي أعود إليه مرارًا.
وصف الفنانان لايمن أنه: “محاولة تركيز على يِن ويانج التدمير والخلق.” بالاستماع للألبوم، من السهل القول أنهما وُفِّقا في ذلك. تبدو التراكات وكأنها أنظمة بيئية حيوية، ولقطات من محطات مختلفة عبر الزمن لمساحات طبيعية تزداد ثراءً وحيوية مع الوقت، فقط لتختفي تحت وطأة كارثة لا يمكن إدراك حجمها. الألبوم رؤية ضخمة مكوّنة من تفاصيل متناهية الصِغر، ومتعة للسماع والتحليل مرة تلو الأخرى.