.
في أغنية سائرة في العراق، فُطم الطفل بإعطائه مفصل البندقية لهّايَةً، تقابلها هوسة لامرأة من الجنوب أنشدتها في ثورة العشرين ثورة عام ١٩٢٠ ضد الاحتلال البريطاني.، سألت فيها المقاتلين عن ابنها لدى عودتهم فأجابها أخوها “جنك لا هزيتي ولا لوليتي” أي وكأنك لم تهزي مهده ولا هدهدتِ له، فقد استشهد، لتجيب: “هزيت ولوليت لهذا” وهي تضرب يدها على الأرض، أي كنت أهز مهده وأغني له إعدادًا له ليضحي لأجل هذه الأرض.
مع بدء عمليات المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي عام ٢٠٠٣ و٢٠٠٤ في العراق، شاعت جيلة – تلفظ الجيم “تش” – وصلت للبلدان المجاورة رغم قلة وسائل نقل الفنون الشعبية وقتها من العراق إلى خارجه، خاصة وأن البلد تعرض للغزو بعد حصار خانق كان يمنع دخول جميع وسائل التكنولوجيا، والجيلة كانت طكن جيلات البرنو والهاون ثار طكَن: طقّن في العامية، أي انطلقت، أو انفجرت معلنة البداية، مثل أن يقال طق حب الزرع أي نبت عنها ساقها. جيلات: أهازيج شعبية تسمى بالشيلة، وهي أغان عادة ما تكون حربية، يرددها العرب عند ذهابهم للمعركة لرفع الروح القتالية. البرنو: أحد ألقاب بندقية الماوزر الألمانية في العراق..
امتدحت الجيلة بدء عمليات المقاومة في محافظات العراق كلها، إذ ظهرت من المناطق الغربية، وهي مناطق سنية النسيج. تؤرخ الأغنية زمن المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي باتحاد وطني بعيد عن الطائفية التي فرقت هذه الوحدة بعد عام ٢٠٠٥، مثبتةً وحدة المقاومة ضد التاريخ المزوّر الذي يدّعي فرقتها.
كانت معركة نيسان ٢٠٠٤، بعد أن شنّت القوات الأمريكية حربًا متوحشة ضد المقاومين في النجف والفلوجة، أشهر معارك المقاومة؛ لكنها لم توثّق كمعركة واحدة منذ وقوعها، إذ عمد الاحتلال على فصلها إلى معركة النجف ومعركة الفلوجة بهدف تجذير الطائفية، وكذلك عزف مدونوها إن وجدوا عن الجمع بينهما لنفس السبب. أما المقاتلون فما زالوا يعترفون بأنها معركة مشتركة، حد أنهم كانوا يتبادلون السلاح وينفذون عمليات مشتركة في بغداد بصفتها الوسط بينهم.
ليس موضوعنا هنا إعادة سرد قصة جيلة طكن جيلات البرنو دون نذالة، بل موضوعنا الأسلحة المستخدمة في مقاومة الغازين والثورات على الطغاة. في الشعر والغناء الشعبي من الفالة أداة استخدمت لصيد السمك والقتال مكوّنة من عصا من القصب مثبتة برأسها خطافات تشبه مرساة البحر المقلوبة، أو رمحًا بثلاثة رؤوس أو خمسة. والمكوار المكوار سلاح عراقي بسيط يتكون من عصًا غليظة يثبّت في رأسها كرة صلبة. إلى البرنو.
نغني ونقول الشعر حين نذهب للحرب، لأن هذا الغناء والشعر إسنادنا الرديف. نعوّض به عن الفرق في مستوى التسلّح ربما لأن النقص المادي يصبح خفيف الوطأة. إن عوضه ثقلٌ معنويّ، وبهذا الغناء أيضًا، نصنع حالة جمعية نتقمصها لتأخذنا الجلالة، ونُقبِل على عدونا دون حسابات كثيرة وقت الاشتباك متسامين بها على الخوف والتردد.
للشعر والغناء الجمعي أثر في النفس، إذ يحوّل الأفراد إلى جماعة والجماعة إلى جسد واحد كلٍّ متعال. إنها وظيفة الموسيقى التي يمكن ملاحظتها في جلسات غناء شعبية أو سهرة أصدقاء، مثل أن تشعر بالحميمية مع من حولك، وتقدّر هذه الجلسة تحديدًا وتخزّنها في ذاكرتك. عندما توظَّف هذه القدرة في سياق الحرب فإنها تأخذك للذروة، يصبح الحب لرفيق السلاح حب أخوة، والتضحية من أجله وتقبّل التضحية منه سحر، إنها اللحظة التي تغيب فيها جميع الاعتبارات وتتجرد وتتكثف حتى يقف الزمن. يغيب فيها محيط الأشياء وتتابعها الزمني، إذ تكون مشحونة مسبقًا بالشعر المغنّى، وتتصاعد إلى أن تصل ذروة القطعة الفنية. ليس بصوتها وكلماتها هذه المرة، بل بفعل المحارب نفسه. هل تستطيع تخيّل مقطع غنائي مستمر، الذروة فيه فعل يحدث خارجه؟ مقاوم ينقضّ على عدوه، أو يسقط شهيدًا وهو مندفع لا يبالي أو قذيفة تخطف الهواء من جنبيك ثم تشعل المكان.
نغني إذ نذهب للحرب فعدا عن كون الغناء والشعر هو وسيلتنا الإعلامية القديمة المستمرة، فإنا نغني أغانٍ محفزة بأصوات جهورية وكلمات معادية نضمر فيها النية للقتال والقتل ونساوي فيها الحياة بالموت. ليست أي حياة وليس أي موت. يضع غناء الذهاب للحرب شروط نتائج القتال مسبقًا، حياة كريمة أو موت عزيز أسطوري، ونغني أو نتغنى ونحن في الحرب لأننا نخلق مصداق كلماتنا أفعالًا. فنُشهد العالم على فعلنا ونخلّده شعرًا يُتناقل عنا بأبيات قصيرة سريعة ومقطع لحني واحد، قطعة فنية من بيت أو بيتي شعر يشكلان صرخة فخر أو حماس أو استنجاد بمن هو كفء للاستنجاد به.
نغني أيضًا ونحن عائدون من الحرب، نتسامى على الجرح ونقدّس الفداء ونرثي أنفسنا بفقد من قُتِل. لكننا في الرثاء نرثي بعز وفخر ونعير أهمية لفعل المقاتل ونجعل قيمة حياته وقدسيتها مرتبطة بمدى شجاعته بالإقبال على فقدها.
ليست الفكرة بعدم الخوف وانعدام قيمة الحياة، بل في التسامي عليه وجعل الحياة عزيزة درجة التخلي عنها إن لم تكن حياة حرة، فصفات الإنسان ليست منفصلة، هي خط متصل، الجبن والشجاعة على نفس الخط مثل خط الأعداد، العدمية هي الصفر، وكلما حملت نفسك يمينًا تزداد شجاعة وكذلك كلما ذهبت يسارًا تزداد جبنًا. هما كامنان في بعضهما، وأنت المتحرك على هذا الخط.
لا تفقد رعبك إذ تُقبل لكنك تطويه داخلك وتتسامى عليه، ولا تفقد بخلك إن كرمت لكن تُعز نفسك عن التدقيق فيما تعطي. لذا ورثنا أدبيات تخبرنا أن أعظم جهاد هو جهاد النفس. لأن في النفس يكمن كل ضدين وهما متصلان ببعضهما.
لهذا الغناء موضوعاته الخاصة، منها هدف القتال وبسالة المحاربين وصفاتهم وأثر الفقد، وله أدواته مثل طريق الحرب وجوها العام والأدوات المستخدمة فيها التي تتم أنسنتها غالبًا واحترامها بصفتها فردًا مقاتلًا وليس مجرد أداة، ولهذا الغناء ألحانه.
الهوسة واحدة من أنواع الشعر الشعبي في العراق، تقرأ عادة على لحن بحر المتدارك في العروض، وهي مكوّنة من أربعة أشطر، أول ثلاثة منها بقافية واحدة، والشطر الرابع يسمى الربّاط وتكون له قافية مختلفة. تلقى الهوسة بين جمع من الناس أمامهم ساحة فارغة، ويلقّب ملقي الهوسة عادةً بالمهوال.
إذ ينطلق المهوال بسرد الهوسة منفردًا، يتلقّط منه الجمهور الشطر الرابع، ليرددوه مع لحن مشابه للحن المتدارك، وينطلقون في الساحة يضربون الأرض بأقدامهم ويرفعون واحدة من أيديهم عاليًا، أو يضربون بأكواعهم على أجنابهم دونما إصابتها. في طقس شعبي حماسي، عادة ما يكون إما سابقًا لحدث هام أو لاحقًا له. مثل حدث الاستعداد للذهاب للحرب أو العودة منها منتصرين.
عندما هبّت ثورة العشرين اخترق أحد فلاحي الجنوب مقر مدفعية الاحتلال الإنكليزي التي أمضت النهار تقصف الأهالي، وقتل جنود المدفعية بمكواره وهو يهوّس “الطوب أحسن لو مكواري” إذ كانوا يسمّون المدفع طوب.
أعطى هذا المقاتل قيمة أعلى لمكواره تفوق قيمة الأسلحة المتطورة، وسنّ عرفًا جديدًا للثورة، إذ أصبحت البنادق البسيطة تُسقط الطائرات، ويهوّس حاملوها قائلين بعد إلقاء مناشير عليهم تدعوهم إلى الاستسلام: “يل تِرعِد بالجوّ هِز غيري” أي أيتها الطائرة التي ترعدين في السماء لا يمكنك إخافتي، فابحثي عمن تخيفينه.
أما السلاح الأبرز في الثورة فهو الفالة، إذ كانت تجهز على عدوها فورًا، والجريح منها لا تتمكن الخدمات الطبية الإنجليزية من علاجه. بعد موت أغلب الجنود الذين تلقوا طعنة الفالة، أصيب بها ضابط كبير؛ ما دفع الإنجليز إلى إرساله إلى بريطانيا للعلاج، وإيجاد طريقة لتخليص جسده من قبضة الفالة. هنا شاعت هوسة مخلّدة للآن: “دز فالتنا اعتازيناها / مشكول الذمة على الفالة” أي نحتاج فالتنا فأعدها إلينا، وتبقى في ذمتك إن لم تفعل، فلن نسامح بأخذها. أنسنت هذه الهوسة الفالة واعتبرتها أسيرًا عزيزًا في الحرب؛ ومع ما فيها من سخرية من العدو لتذكيره بجرحه الذي لا يلتئم، المعلّق بفالتهم، فيها إعلاء لقيمتها عند أصحابها واعتبارها أسيرًا لا يمكن غفران أخذه ولا الاستغناء عنه في الحرب.
صَاحَبت الهوسات وغيرها من الفنون جميع الأحداث الكبيرة في العراق، ثورة العشرين وحراك الأربعينيات وثورة تموز التي أنهت المملكة العراقية الهاشمية. والثورة الشعبانية قامت عام ١٩٩١ في البصرة بعد حرب الخليج الثانية. وكذلك مقاومة المحتل الأمريكي؛ ووظفت السلاح في الشعر والأغاني من الفالة والمكوار إلى البرنو والعبوة الناسفة والهاون. الثابت في هذه الأحداث كلها هو سلاح متواضع ضد سلاح يفوقه في القدرات بشكل كبير وانتصار المقاومين الذين ينظمون في أسلحتهم الشعر والغناء ممتنين لها حسن فعالها.
اليوم تستحضر الأغنيات الفالة باعتبارها أول سلاح رفع في صد المحتل وكل من ينسب نفسه إليها يقصد بهذا أن له تاريخًا متأصلًا بالدفاع عن الأرض. مثلًا، نجد في جيلة تتغنى بمقاومة التيار الصدري استحضارًا للفالة بوصفها سلاح جدودهم بقولهم في أنشودة حذرنا ياما وحذرناهم في مديح جيش المهدي: “بالفالة والمكوار طققناهم”؛ كما يرددون في أنشودة جديدة لسرايا السلام التابعة أيضًا للتيار الصدري: إحنا الفالة، لتثبيت أنهم المقاومون الأوائل. كما يستحضرها الحشد الشعبي في أنشودته في ذكرى تأسيسه بقولهم: “ترباة الفالة“، أي أنهم قوم تربوا على ذكر الفالة وفعالها.
بعد ثورة العشرين وتطور الأدوات مرورًا بالثورة في الأربعينيات ضد معاهدة بورتسموث، وصولًا إلى مقاومة الغزو الأمريكي. أصبح السلاح المنتشر بيد الشعب هو البنادق وأشهرها البرنو. حتى سمي في العراق بسلاح العظماء، وحمله قادة مثل صدام حسين بصفته بندقيتهم الخاصة ليتقرب به من الشعب ويضفي على نفسه صورة القائد المتواضع ابن الثورة ويخفي أنه ابن الانقلاب عليها.
كتب الكثير من أبيات الشعر في البرنو، ووظف في الغزل والصداقة والمواقف الحياتية. إذ أثبت هذا السلاح أنه ذخر المقاتل الوفي. قيل فيه من الهوسات “إنت ال علمت البرنو ما تخطي بالنيشان” أي أنت من علم البرنو أن لا تخطئ هدفها؛ و”تتهن بالبرنو وأمه تقمّط بيه”، أي أن أمه وهي تلفه بالقماط تقوم بتنظيف البرنو ودهنها بالزيت وتعدها له للقتال الذي سيبدأ به ما أن يمشي؛ و”ها وانتم خوتكم برنو / ما يعشقها ال مو رمّاي”، أي صحبتكم مثل صحبة البرنو لا يقدّرها غير الرامي الماهر.
في هذه الهوسة يلبي المهوال نداء ابن اخته ويقول له: ما تريده يصبح حقيقة ثم يتبعها بربّاط: “وانت ال ثلثينك برنو” باستعارة من المثل الشعبي ثلثي الولد لخاله. في “أنت الخيّال بهذا الملعب / بيدك برنو وحزامين” يصف المهوال والجماعة معه من الفارس فيهم ويقولون إنهم عرفوه من حمله بندقية البرنو وحزامي الطلق الخاص بها.
هناك هوسات حديثة مثل تربات البرنو (تربية البرنو) ويا حمود جيب البرنو وزلم البرنو وإحنا الـ علّمنا البرنو شلون تثور، ربما نزعت من دلالتها القديمة التي كانت تقر البطولة والفداء، لتصبح فخرًا يمتدح صاحب السلطة والجاه بهدف إشعاره بالأهمية وتغذية غروره. لكنها تستحضر في تشبيهاتها أداة قتال أصبحت رمزًا للبطولة، امتد حضورها منذ عشرينات القرن الماضي إلى اليوم؛ وهو ما استدعى البرنو في جيلة طكن جيلات البرنو، وأعطاها مكانة بين الأغاني الحربية.
البرنو هي بندقية ماوزر الألمانية، صنعت أول مرة عام ١٨٧١ وقبلت رسميًا بصفتها بندقية لسلاح المشاة في الجيوش في ٢ ديسمبر ١٨٧٢. بعد ذلك جرى عليها الكثير من التحديثات واشتهرت بأنها واحدة من أكثر البنادق دقة في التصويب، وأصبحت منتشرة بثلاثة أصناف قصيرة ومتوسطة وطويلة. يوصف حاملها الذي يجيد الرماية بها بالقوة والدقة لأن لها ارتدادًا شديدًا، ما جعل البعض ومنهم صدام حسين يطلقون النار منها بيد واحدة لإشهار قوتهم وقدرتهم على الثبات في امتصاص الحركة الارتدادية. كما استخدمت للتشبيه في شعر الغزل نظرًا لدقتها في إصابة الهدف.
“بَرنوْ عِيونْ هْوَايْ والمِشِطْ بيها / وال عِنْدَه سَبعْ ارواح ما يِصِد ليها”
يقول الشاعر هنا أن عيني حبيبته تشبهان سلاح البرنو المحشو تمامًا، سلاح يستطيع الفتك بمن له سبعة أرواح.
وصلت البرنو لأيدي العراقيين خلال نهايات الحكم العثماني، إذ كانت بندقية الخدمة عند جند الترك حينها واستخدمت لأول مرة بصفتها سلاحًا منظمًا في ثورة العشرين، إذ هبت عشائر جنوب العراق من عدة محافظات مثل السماوة والحلة والنجف والعمارة في فعل منظم بعد اتفاق شيوخ العشائر على ضرورة دحر المحتل، وبالفعل في أول صولة للثورة تراجعت القوات البريطانية حتى بغداد بالرغم من تسلحها بالمدفعيات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، مقابل أسلحة بيضاء خفيفة، سيوف وخناجر ومكاوير وفالات .
مع بندقية البرنو التي كان لها دور عظيم في حسم المعركة، امتلك العراقي البدوي والفلاح لأول مرة قوة إطلاق النار، ولأول مرة، اشتهر بأنه قنّاص ماهر. استدخلت هذه الأسلحة في الغناء الشعبي بأشكاله فأصبح له كولاته عندما تقوم الهوسات دون مهوال ودبكة على الأرض وتكتفي بترديد الأهازيج والتصفيق، بالأخص إذا كانت المناسبة على مستوى خاص بين العائلات العراقية وليس على مستوى عام شعبي، تسمى الكولات. وأبوذياته الأبوذية من أنواع الشعر الشعبي في العراق، يتألف كل بيت فيه من أربعة أشطر. تنتهي الأشطر الثلاث الأولى بقافية مؤلفة من كلمة واحدة أو متقاربة جدًا، والشطر الرابع لا بدّ أن ينتهي بكلمة نهايتها (يه) ويسمّى الرباط، وهو سبب تسميتها بالـ أبو-ذيه. دأب شعراء العراق على نظم الأبوذيات لمواساة بعضهم عند وقوع مصاب جلل. وهوساته وجيلاته.
يتطور الغناء الحربي مع تطور الأسلحة الشعبية، فمقاومة الأمريكي أوجدت هوسات وأغانٍ تمتدح الهاون والعبوة الناسفة مثل أنشودة “أدك الروح لاحبابي بهاون / على أمريكا هلهل هاون”، وأنشودة يلاقونا لو بيهم زود وفيها: “هاونا لو شبت ناره / يْرِدْ بيهم لامريكا ردود”، وأنشودة عاشت ايدك يا ابو زنود السمر وفيها: “قصة للهاون عليك صدري / ما تتلاوى ايديك” وأخرى تتغنى بقاذفة الستريلا وهي قاذفة صاروخية مصممة لاستهداف الطائرات؛ تذكر الأغنية عدة أسلحة منها البارودة والرشاش واللازمة فيها تعود للبرنو وأحد ألقابها أم سركية، والسركي هو مفصل يساعد على تثبيت الطلقة في بيت النار في البواريد اليدوية.
ابن المضغته البارود / مفطوم على سركيها
آني اليوم ربيته / بيده حزام شديته
مثل الما يعرف الخوف / درب المجد يندله
بلجن اعتنى للميدان / فوق جتافة ستريلا
يوصف المحارب هنا بأنه ابن معجون في البارود، تقدم لمرحلة فطامه عبر إلهائه بوضع سركي البارودة في فمه، ثم تتفاخر أمه بأنها من ربته على هذا، وتزيد التأكيد بالقول بأنها عودته على ربط حزام البارودة على يده، ثم تتغنى بالمحارب المقدام الذي يعرف طريقه جيدًا للمجد والبطولة، ويتزود لهذا الطريق بقاذفة ستريلا يحملها على كتفه.
لا يمكن حصر الغناء المختص بمديح السلاح في العراق بهذه المادة، لكنها حاولت أن تعرج على أشهر الأعمال. وفّرت نبذة بسيطة عن فضل هذه الأدوات في تاريخنا الذي لم يتخلّص من الغزو بعد، إذ لم نعد نقاتل الاستعمار على الأرض فقط، ولو كان كذلك لهان وسقط. لكنه يتسلل بخبثٍ في كل الزوايا، بين صفحات كتبنا، وفي إعلامنا واقتصادنا وأفعال سياسيينا، ويحتاج بالفعل إلى أسلحة من نوع آخر لإنهائه، ولو كانت بسيطة.