.
ولد ثاوما حرفيًا من حلم للفنان الإيطالي أندريا أوتوماني، ويمثّل أول أعماله باسم بيج هاندز. تُشير الموجات الافتتاحية نحو البحر المتوسط، المكان الذي تشكّل فيه هذا الألبوم، وحيث نَفَخ أوتّوماني أول أنفاس الحلم في صوته. يحتفظ العمل بجودة ضبابية حالمة لو-فاي طوال مدته.
يمهّد التراك الافتتاحي المشهد ويجمع معظم العناصر التي تكوّن مزاج الألبوم ولوحته الصوتية. يدفع تسلسل لحني مركزي المقطوعة إلى الأمام، بينما تحيط به شظايا من تسجيلات ميدانية وضربات معدنية. يتغير تسلسل السِنث باستمرار، بشكل طفيف في كل مرة، ما يحافظ على عنصر التشويق دون أن يبدو مفتعلًا أو مزعجًا.
يتسلل تراك فوكو لينتو تدريجيًا بأسلوب جميل، ليكمل بسلاسة ما انتهى منه التراك السابق. يحمل التراك معه أولى مساهمات الفنانة الفلسطينية بنت مبارح في الألبوم، إلى جانب ساكسفون إزي كاربيل. يتشابك صوت بنت مبارح مع الجُمل النحاسية ذات طابع الجاز، بينما يُعيد أوتّوماني تشكيل المشهد الصوتي من حولها بتغييرات دقيقة تُعيد تقديم الأداء الحي في سياق جديد، ما يتقنه ببراعة على مدار الألبوم.
يغيّر بريزاجيو المزاج من جديد، هذه المرة نحو طابع أكثر إلكترونية، ومدى منخفض أكثر وضوحًا، حيث تبني إيقاعات وتسلسل السِنث الهيكل الأساسي للتراك. وُضعت التسجيلات الميدانية في أطراف المجال الستيريو لتخلق نسيجًا صوتيًا غنيًا. ينتهي النصف الأول من الألبوم مع لو توال (XVII) التي تُعيد الموجات إلى المشهد، لكن هذه المرة بشكل اصطناعي، مؤلفة من ضجيج مفلتر يتحرك عبر مكبرات الصوت بطريقة تُذكّرنا بتجارب سوزان تشياني الإلكترونية في بداياتها.
يكاد النصف الثاني من الألبوم يكون انعكاسًا مرآويًا للأول، إذ يبدأ برحلات سايكدلية ذات طابع جاز ونبضات إيقاعية متلاحقة. نسمع هنا إضافة خط بايس فانكي يتفاعل مع ساكسفون التينور الذي يعزفه باستر وودروف-براينت. يعزز المزج المتماسك التغيّر المستمر في النمط والمزاج، عاملًا كالصمغ الذي يربط كل العناصر معًا.
ضمن قائمة تراكات رائعة يلمع تراك أَ جونيبر تري. يبدأ التراك بمساهمة بنت مبارح الصوتية الثانية، ثم تدخل الطبلة الهندية، وتتداخل معها تسجيلات لعصافير تُضاف كطبقة إيقاعية أخرى، تؤدي دورًا مشابهًا للـ شيكرز؛ خيار ذكي للغاية. يدخل فجأة خط بايس انسيابي، وتتحول أصوات العصافير إلى أجراس، ليختتم التراك بلمسة عاطفية رائعة ومتصاعدة.
يقدم ثاوما رحلة موسيقية منفّذة بإتقان وجمال. عمل مبني برؤية واضحة ومركزة، حيث يظهر كل عنصر، مهما بدا متباينًا، في مكانه الصحيح؛ ويستمر للمدة التي يحتاجها بالضبط. تضيف المقاطع الارتجالية والتعاونات تباينًا لافتًا مع النبضات الثابتة التي تدفع كل واحدة من المقطوعات العشرة إلى الأمام.
يبدو كل تراك كأنه لمحة عابرة، كما لو أننا نسافر عبر الفضاء ونصادف قطعة موسيقية كانت تُعزف منذ الأزل. تدفق التراكات مُنسّق بعناية فائقة، ويضفي السياق الأوسع للألبوم على كل تراك بعدًا إضافيًا. ألبوم بديع.