fbpx .

حاجة ملحّة للتعبير | مقابلة مع ريم هرابي

رامي أبادير ۲۰۲۵/۰۵/۲۳

مثلها مثل القاهرة وبيروت وعمان ومدن أخرى من منطقتنا، ينشط في تونس مشهد إلكتروني على هامش المشاهد الأكثر جماهيرية. دائمًا ما تكون هناك محاولات جادة لحصر هذا المشهد، سواء كان من خلال مهرجانات صغيرة أو فعاليات طموحة أو شركات تسجيل أو ألبومات تجميعية تكشف عن إمكانيات قوية لدى فناني المشهد.

في هذه المقابلة وتزامنًا مع إطلاق ألبوم تجميعي بعنوان إينلاند كوايك على تسجيلات إيراتيك بولدرز، نتعرّف عن كثب على هذا المشهد مع قيّمة المشروع ريم هرابي.

تحدثنا ريم عن تجربتها في الألبوم التجميعي الذي يضم أربعة وعشرين تراكًا من الموسيقى المحيطة والدرون والنويز والراب وفن الصوت وغيرها. كما تفتح لنا بابًا على مشهد مغامر وحافل بالإمكانيات والتحديات دون تجميل، متتبعةً بداياته مرورًا بفترة بعد الثورة حتى وقتنا هذا.


ألبوم تجميعي كبير زي دا، أكيد ما كانش شيء سهل إنه يخرج. إيه اللي حفّزك إنك تشتغلي عليه؟ وازاي ابتدى وتطور؟

بديت نفكر في الكومبايلايشن هذي على خاطر ما فمّاش برشا تسليط ضوء وما فمّاش برشا أرشفة في المشهد الموسيقي هذا اللي يشهد نشاط كبير حاليًا في تونس، وخاصةً بعد فترة الكوفيد. 

النوع هذا من المشاهد اللي هو قائم على مجهودات ذاتية، تجريبي، بعيد عالماينستريم، نيش وغير تقليدي، وثائر ثقافيًا بالنسبة للسياق التونسي، وعادةً ما يكون صعيب في التتبع ويتطلب بحث وتنقل بين المنصات وجهد كبير باش يتم التعرف على فنانين م السين هذي كان ما تعرف منهم حد، خاصةً في مناطق كيما منطقتنا اللي أصلًا قليل تلقى فيها ليبلات labels ومنصات تمثلهم.

من هنا جات فكرة إنتاج سلسلة ألبومات تجميعية كل مرة في بلاد مختلفة اللي الوصول فيها إلى المشاهد هذه يمثل تحدي. الهدف الأساسي هو أرشفة وتجميع النوع هذا من الموسيقى في مكان واحد يمكن يتحول لمرجع، يجمع أجيال مختلفة من الموسيقيين (في الألبوم فمّا اللي ينتجوا من أكثر من عشر سنين، وآخرين من شوية سنين ولا حتى أشهر)، زيدهم موسيقيين من الشتات والمحليين.

بدينا السلسلة هذي بتونس كأول حلقة، الجزائر العام الجاي، بعد جنوب إفريقيا في العام اللي بعده … إلخ. مع تسجيلات إيراتيك بولدرز، باش نبدأوا بشمال إفريقيا وجنوب إفريقيا، وين عنا أكثر علاقات ونعرفوا المشاهد هذي بالباهي فيهم. وكان نجحت السلسلة هذي، نحبوا نزيدوا نمشيوا لبلدان أخرى ما نعرفوش المشاهد متاعهم التجريبية من باب المغامرة البحتة.

م الأول حبيت الكومبايلايشن تكون فيها سين أوسع من هكّا وتلم برشا فنانين من برشا أنواع متاع موسيقى في تونس، وفيها ناس معروفين يخدموا مع ناس موش معروفين، وناس يستعملوا آلة موسيقية وجايين م الجاز مثلًا يخدموا مع ناس م النويز والتجريبي. أما لوجيستيكس والوقت والفلوس اللي لازمين باش يصير هذا كانوا أكثر من طاقتي وم المعرفة متاعي. 

من بعد اخترت إنه تكون كومبايلايشن إهداء للسين هذي اللي، الأغلبية الجيل الجديد اللي ينتج توا، ومن غير كلوبينج clubbing على خاطر الكلوبينج موجودين أكثر وحيد على المنصات كيما السبوتيفاي وساوندكلاود وباندكامب.

والسين هذي بالذات، فمّا برشا تسجيلات صارت وبرشا مشاريع موسيقية صاروا، أما الاغلبية ما خرجوش، برشا موسيقى تسجلت وعمرها ما كملت وإلا خرجت، هي اللي تستحق إنه يكون فمّا فضاء كيما الألبوم هذا بش تخرج.

إحنا حاولنا نسهلوا إنه تراكات جدد تتخلق، وفرنا توجيه، استوديو للتسجيل في تونس، وميكسينج في سويسرا، للي يستحقوا استوديو و ميكسينج. التراكات الكل مكلَّفة commissioned وحصريين. 

الألبوم بيحتوي تعاونات كتيرة. إيه أهم التعاونات دي؟

بصراحة، حبّيت أكثر تعاونات في المشروع هذا، خاطر من وجهة نظري تساعد في تجنب التكرار والرتابة، وهي مشكلة ساهل ما نطيحوا فيها مع هذه الأنواع الموسيقية كيما الدرون والنويز والموسيقى التجريبية وغيرها. بالنسبة لكومبايلايشن مكوّن من ٢٤ تراك، كنا بحاجة إلى بعض التنوع الهيكلي ومساحة للتنفس، فيها عناصر صوتية مختلفة وتزيد في ثراء الألبوم. أغلب الفنانين/ات في الكومبايلايشن يخدموا عادة بشكل فردي هذاكا علاه التعاونات هذي تنجم تكون مثرية، خاطرها تدفع للخروج من مناطق الراحة وتفتح إمكانيات إبداعية جديدة لاستكشافها.

نعرف هذا بالباهي بصفتي فنانة فيديو وصانعة أفلام وثائقية. العمل مع فنانين أخرين يخليني نكتشف آفاق جديدة، وتحديد أسس إبداعي منفتح، ويبدللي نظرتي للي يظهرلي بديهيًا. زيد حبيت بشكل خاص تضمين الغناء والراب للمشهد هذا في تونس اللي في رأيي يفتقر إلى العناصر الصوتية البشرية. 

فمّا انفصال واضح بين مغنيين، رابرز ومنتجي الموسيقى الإلكترونية التجريبية. هذا علاش حبيت يكون فمّا تعاونات في هذا الاتجاه، بعضها نجح بالباهي، و فمّا اللي ما نجحوش بالكل وما تحققش في النهاية. فمّا زادة ثلاثة تعاونات مع فنانين مش توانسة (دوبوك، سوهارس، يوهان فيتربال). من المهم ملاحظة إنه فمّا فنانين دوليين وما زالوا يتعاونوا مع توانسة من المشهد هذا. 

فيه تركيز قوي على عنصر التجريب والدرون والنويز وغيرها من الجنرات اللي فيها قدر كبير من المغامرة. كنت عايز أعرف عن جذور الجنرات دي في تونس وعن المشهد اللي بيجمعها. وهل نقدر نقول إنه فيه مشهد حقيقي بالمقارنة مع مشاهد تانية أكثر استساغة زي الموسيقى الراقصة؟

ما نعرفش إذا كنت الشخص المناسب للإجابة على السؤال هذا، لأنه فمّا برشا فنانين اللي عاصروا ولادة الجنرات الموسيقية هذي في تونس عن قرب وهوما اللي ينجموا يحكيوا عليها خير. لسوء الحظ، فمّا مشكلة كبيرة في أرشفة هذه الأنواع من الموسيقى واللي صار في المشهد البديل في تونس بشكل عام. كل شيء يُنقل شفهيًا أو من خلال مقاطع فيديو قليلة مُسجلة بهواتف قديمة متناثرة على حسابات يوتيوب شخصية.

أمّا اللي أنجم نقوله هو أن النويز والدرون، الصوت المشبّع، والديستورشن، هي جزء من حياتنا اليومية. مكبرات المساجد، كل الأصوات في شوارعنا الصاخبة، التوانسة كشعب يتحدثوا بصوت عالي، زمارات السيارات القديمة ومحركاتها، الأسواق بمكبرات صوتها المشبعة، الأعراس، المقاهي، التلفزيونات … إلخ. أنجم نقلك إنه من الطبيعي تمامًا لأنواع موسيقية كيما هكّا تاخذ أشكال أكثر وضوحًا واللي تُستكشف بشكل أفضل في سياق صوتي كيما تونس، أو الجزائر، أو مصر … إلخ.

بالنسبة لتاريخ ظهور الجنرات هذي في تونس، بحسب معرفتي، بدأت مع ولادة المشهد الإلكتروني مع الجيل السابق حوالي ٢٠٠٧-٢٠١٠، من خلال بعض المهرجانات، القاعات، سلسلة فعاليات وكوليكتيفات التي نظمت وخلقت معًا. اأنجم نسمي الكوليكتيفز الأكثر هيمنة في الجيل القديم: ورلد فول أُف بايس وإيكوز إليكتريك وستيبرز … إلخ.

نعرف زادة اللي كان فمّا مبادرات حول إنتاج الجنرات هذه من الموسيقى في ٢٠٠٥، مع زياد مدّب حمروني، SKNDR وموسيقيين آخرين قبلهم زادة. نادرًا ما ريت أو سمعت أرشيفات راجعة للمدة هاكي، معظم اللي عرفته جاء من قصص يشاركها فنانون وأصدقاء.

زياد مدّب حمروني كتب عن تاريخ الموسيقى الإلكترونية في تونس في مقال فرنسي لـ أو سون. في الواقع، هو الشخص اللي يمكن له التحدث بتفصيل أكبر عن جذور هذي الجنرات، لأنه أحد رواد المشهد الإلكتروني والتجريبي في تونس.

في تونس، باش يتخلق النوع هذا من الموسيقى أو المشهد، كان ديما فمّا حاجة لظهور مساحة أو كوليكتيف لتوفير الرؤية والبدائل عن السائد. لكن نظرًا أننا واجهنا ديما مشاكل كبيرة مع نقص المساحات والبنية التحتية والتمويل وتراخيص وخاصّةً تراخيص الألكول، فالمبادرات أو المساحات هذي ما دامتش كان بضع السنوات.

لهنا، تلعب استدامة المساحات هذي عامل كبير في استمرارية وتطور المشهد. المشكلة هذي أقل حدة بالنسبة للمشاهد الإلكترونية الأكثر رواجًا لأن الحانات والنوادي والفنادق تستضيفها باستمرار واللي جمهورها أكبر. هذا يسمحلها بالاستمرار من خلال الإيرادات من مهرجاناتهم وفعالياتهم بتذاكر غالية الثمن. عندهم حتى ليبلز في تونس ويقدم فنانين منهم عروض في الخارج.

مش عارفة إذا بإمكاني إني نقول اللي فمّا مشهد حقيقي لأنواع تجريبية وغير تقليدية تأسس في تونس، لأنه للأسف ما يدومش طويلًا مع كل موجة جيلية، مع غياب البنية التحتية المحلية الحقيقية اللي تدعمه وتسمح له بالإنتاج والاستمرار والتطور. دائمًا ما يكون فمّا عدد قليل من الفنانين ينتجون بشكل مستقل تمامًا، يولّي فيهم شكون معروف بينما يختفي الآخرين مع الوقت ويتوقفوا على الإنتاج.

لكن اليوم، أنجم نقول اللي موجود هو أكثر من “موقف صوتي واجتماعي”. جيل يتشارك في الموقف، يخلق بدافع الحاجة الملحة للتعبير، ينظم فعاليات بدافع الحاجة الملحة لإيجاد مساحته وملاذه الخاص، يعيش في تونس بالطريقة التي يحب ويتحدى كل المعايير الاجتماعية اللي كانت مفروضة عليه. هذا في الواقع اللي خلق المشهد الشاب الحالي بكل هشاشته وسحره.

إزاي تطور المشهد دا من بعد الثورة من حيث الإقبال عليه والمساحات والبنية التحتية والجمهور؟ أكيد كمان من المتوقع إنه يكون فيه تحديات كبيرة، زي ما بنلاقي دا في مدن تانية من منطقتنا وخارجها. إيه أهم التحديات دي؟

بعد الثورة، ما نعرفش كان أنجم نقول إنه كان فمّا مشهد كيما هذا بالحق. كان المشهد وقتها أقرب للموسيقى الإلكترونية، بايس ميوزك، هيب هوب، دَب، مينيمال هاوس … إلخ، إلى جانب مغنّين أصبحوا صوت الثورة، شيء بدأ يختمر قبل الثورة لكنه انفجر بعدها. 

لكن بعد ٢٠١١، افتُتحت شوية حانات ونوادي ببرمجة موسيقية إلكترونية بنسبة ١٠٠٪. وقدمت مؤسسات ومشاريع دولية لتونس دعم للمشهد الثقافي، وموّلت ورشات وإقامات فنية ومساحات. لكن للأسف، معظمها مادامش، كان شوية سنين. سكرت برشا مساحات، وتفككت الكوليكتيفات، وهاجر عدد لا يحصى من الفنانين، يقدموا اليوم في عروض حصريًا في الخارج. 

أما هذا المشهد التجريبي الجديد اللي معظمهم موجود في الكومبايلايشن فهو أكبر عددًا، أكثر تطرفًا، وأغلبه من الجيل اللي أصغر من جيل الثورة. أكثر غضبًا، أكثر هياجًا، وأقل تسييسًا صريحًا من الأجيال السابقة، رغم أن وجودهم بحد ذاته، بتحديهم كل الأعراف الثقافية والموسيقية في تونس، هو فعل سياسي بطبيعته. جيل وُلِد من حاجة ملحة للتعبير والمقاومة، مستهين بكل الاتفاقيات الفنية والثقافية. هذا بالطبيعة يعود إلى الثورة: هذا جيل في أغلبه ما يعرفش ديكتاتورية بن علي، كبر مع الإنترنت، غير خاضع للرقابة، وتعرّض كامل للغرب، ومن هنا التأثير الغربي الكبير في هذه الأنواع. انفصاله عن الأجيال السابقة جذري.

بدأت السين هذي الجديدة كي ظهروا كوليكتيفات جديدة أوائل ٢٠٢١: توكسيك كلَب، سلايفيري/إكسبام، ب-سعد، لاحقًا كور، ومجموعات وكوليكتيفات كيما ميكسد سيجنالز ومرمة ديفيجن وهافوك ودارك إيز ذً نيو ديسكو.

مهرجان مهم لازم نذكروه هو سيلينج ستونز اللي نظم أربع دورات منذ ٢٠١٥، مخصص حصريًا للأداء الحي لموسيقى تجريبية جريئة وغير سائدة وأبعد من ذلك، بوست-روك، إندي، دوم ميتال، سلادج … إلخ. تحول من بعد المهرجان / الكوليكتيف هذا لجسر بين أجيال المشهد، محليًا ودوليًا. كان له تأثير كبير برشا على السين هذي. كيف كيف مهرجان آخر، إي-فست، اللي موجود من ٢٠٠٧.

من ناحية البنية التحتية، المشكلة الأكبر تبقى المساحات، أماكن للقاء، الإبداع، والعرض. كأننا في سباق بش نلقاو أماكن “آمنة” جديدة، حتى إنه أغلب الفنانين يستأجروا منازل، بيوت ضيافة، فنادق، أو قاعات أعراس، غالبًا خارج العاصمة، باش ينظموا فعاليات، بعيدًا عن عنف النوادي ومضايقات الشرطة. 

معضلة ترخيص الكحول مستمرة، سواء للبيع في المهرجانات والفعاليات أو لمجرد الاستهلاك. النوادي والحانات غالبًا ما يحبوش استضافة الفعاليات هاذوما، و ساعات تنجم تلغي في اللحظة الأخيرة، أو تعاملهم بازدراء. شويّة عاللّخر النوادي والحانات اللي يستضيفوا السين هذي.

صارت مرّات اللي الشرطة تقتحم العروض وتقص عالفاعلية بتهم مثل “شيطانية”، “غير أخلاقية”، أو “طقوسيّة” المجموعات المنظمة. هذا يستهدف أي فعالية خارج النوادي والكباريهات “الرسمية” اللي عندها تصاريح حفلات وكحول و سهرية للصباح. أما المشهد هذا يتلقى تدقيق و تركيز أكثر على خاطر جمهوره المتحرر و الشامل inclusive، اللي حسب رأي النظام إنه يتعامل مع مجموعات عندها أزياء غريبة، وموسيقى “صادمة” للمجتمع. 

فمّا بعض فنانين، منظمين، وحتى من الحضور اللي تعرضوا للتحقيق أو التهديد من الشرطة. عائلات الفنانين والجمهور، خاصة النساء والمثليين/ات يواجهوا إساءة واتهامات بالانتماء إلى “طائفة شيطانية”. تحسها عبثية الحكاية، لكنه الواقع. أما هذا ما منعش تنظيم الفعاليات، وبالعكس خلى المجموعات هذي تتكيف وتتأقلم مع القمع أكثر من أي وقت تعدى وتخلق ميكانيزماتها متاع المقاومة.

بالنسبة للتمويل، ما فمّاش أي تمويل محلي لبنية تحتية، أو لمهرجانات أو لمشاريع فنية للمشهد هذا. فمّا تمويل من شركات خاصة و بنوك … إلخ، أما زادة ما يعطيوا فلوس كان للفعاليات والمهرجانات اللي فيهم جمهور كبير؛ أكثر من ١٠٠٠ جمهور عالأقل. الرقم هذا ما تلقاهش في السين النيش هذي. ساعات يتم الحصول على منح دولية تنافسية، مشتركة مع منطقة “العرب” أو “أفريقيا”. أما التمويل هذا تنافسي عالآخر.

تاوا، تحت حكم قيس سعيد، حتى الحصول على تمويل بالعملة الأجنبية أو التسجيل القانوني كجمعية أصبح أصعب. الفترة الأخيرة، استضافت مراكز فن معاصر وإقامات فنية جديدة المشهد هذا. ساعات يكونوا هوما الوحيدين القادرين على تمويل مشاريع إنتاجية موسيقية محترفة بموارد كافية، وإلّا عالاقل يوفروا المساحة للإنتاج أو العرض. أما كيف كيف، المشكل اللي هذا ما يبنيش سين على خاطر السين الموسيقية هذي ما هو إلّا مجرد عنصر من برامجهم الأوسع للفن المعاصر. 

لذا لا، ما فمّاش بنية تحتية حقيقية للمشهد التجريبي. لا شيء مستدام، حتى مع المساحات الفنية الموجودة حاليًا، معظمها يعتمد على التمويل الدولي نفسه. المشهد هذا، يقاوم ويوجد بدون دعم. وبصراحة، هذا بالضبط اللي يخليه حيوي ومنفرد.

دا بينقلنا للحديث عن خارج المنطقة وفرص الفنانين للانتشار. أنا بشوف فيه دايمًا توقعات عند الغرب عن اللي “مفروض” ننتجه. غالبًا بتبقى توقعات بترضي خياله الإكزوتيكي وبتشكل ضغط على الفنانين. هل بتلاحظي نفس الشيء ومرّيتي بتجارب مشابهة؟ ولو آه، فإيه المطلوب من القيّمين الغربيين وهل عندك حلول مقترحة ممكن تصدر من ناحيتنا؟ 

للأسف، المبرمجين والقيّمين الدوليين بخيلين علّخر وما عندهمش فهم حقيقي للي صاير في مناطقنا، موسيقيًا وثقافيًا، أو حتى سياسيًا. اللي لاحظته هو أن الفنانين الوحيدين اللي يتحصلوا على حفلات دولية هم فنانين من الشتات اللي ما يعانيوش من مشاكل الفيزا ومرتبطين بطريقة ما بالصناعة أو بالمشهد الدولي، حتى لو على نطاق صغير. قليل برشا وين يخاطر المبرمجين بحجز فنانين اللي يحتاجو للفيزا.

بخلاف هذا، برشا فيهم ما يخاطروش بدعوة فنانين من مناطقنا خاطر ما يتوافقوش مع المعايير الغربية الإكزوتيكية حول كيفاش لازم تكون موسيقانا وإلا كيفاش نقدمو رواحنا. لذا يبقاو متمسكين بالأسماء القليلة من الشتات، أو اللي من يقدموا في موسيقى من نوعية “وورلد ميوزك”، أو الفنانين اللي يدمجوا الإلكتروني مع الموسيقى التقليدية القبلية من مناطقنا، نفس الأشخاص اللي يدوروا في البلايص الكل.

حتى وقت يستدعاو فنانين/ات ما يناسبوش توقعاتهم أو يفتقروا إلى اعتراف دولي، يحطّوهم في فئات خاصة ولّا فئات مهرجانات موازية مع تسميات جغرافية ما عندها حتى معنى، وبمصطلحات استعمارية: “موسيقيات من أفريقيا”، “نويز من السوانا”، “فنانون عرب كوير”، … إلخ.

حتى في طلبات التمويل، لازم نستعملوا مصطلحاتهم وصياغة المشاريع ضمن هذي السياقات باش يكون عنا فرصة. أنا شخصيًا نلقى روحي نعمل في حاجات من النوع هذا من فوق من قلبي كي نكتب دوسييات، على خاطر كان ما نكتبش هكاكا مستحيل يقبلوا طلب التقديم.

لازم على المبرمجين والقيّمين زيارة مناطقنا بالفعل باش يفهموا المشاهد المحلية بشكل صحيح، تحدياتها واحتياجاتها، والانخراط في الواقع بدلًا من الخضوع للتوقعات الإكزوتيكية الغربية. لازمهم يفكروا بجدية في تفكيك الطريقة النمطية اللي يشوفونا بيها ويعاودوا يفكروا في معايير البرمجة متاعهم. 

لازم ياخذوا ريسك ويقدموا فنانين مش من نوعية “وورلد ميوزك” أو الإكزوتيكية، خاصّة في السين هذي التجريبية او غير التقليدية اللي هيّا بطبيعتها تعاني من نقص التمثيل عالميًا. في مناطقنا خاصة، يبقى برشا فنانين غير مرئيين، محصورين في فقاعاتهم المحلية، تحديدًا بسبب قيود التنقل ونقص المنصات، بخلاف إنه حتى محليًا الدعم والبنية التحتية شبه مفقودين. 

وإذا كان فمّا خوف بشأن مشاركة فنانين ما عرضوا قدام جماهير كبيرة، علاش ما يتمش دعوتهم لإقامات فنية قبل المهرجان والا الفعالية ويعطيوا مساحة للفنان/ة يحضّر بالباهي العرض متاعو/عها؟ أو تقديم إرشاد عن بُعد وتقديم منح صغيرة لتحضير العرض.

كي يجيوا المبرمجين هاذوما، ياكلوا ماكلتنا، يعيشوا معانا في ديارنا ويسهروا معانا، و يعرفوا الواقع متاعنا من قريب، لازمهم ياخذوا الواقع هذا بعين الاعتبار ويبرمجوا على أساس الواقع هذاكا. نعرف برشا مبرمجين جاو برشا مرات لتونس وصحاب مع السين هذي بالباهي، أما كي يبرمجوا في بلدانهم يكملوا في نفس النمط متاع البرمجة متاعهم، وما يخذوا حتى مبادرة باش يستدعاوا السين هذي رغم اللي هوما قادرين.

نعرف اللي من أكبر المشاكل هي الفيزا. خاطر كي تبدا المسؤولية هذي مش عندهم، ونكلموهم نقولولهم اللي قاعدين انضموا في تور والفنانين الكل خذاو فيزا، وقتها يبرمجونا. 

ريم هرابي
ريم هرابي

نفهم اللي هي حاجة ممكن تأثر على الميزانية وفيها برشا شكوك ما تتماشاش ساعات مع البرمجة متاعهم كي تبدا منظمة وكاملة قبل بعام، أما علاش ما يخلقوش مناصب جدد تتكفل بإجراءات الفيزا حصريًا وتاخذ بعين الاعتبار ريسك إنه الفنان/ة مايخذش الفيزا حتى لآخر وقت وينجموا يجيبوا فنان/ة أخرى في آخر وقت؟ و كي يصير رفض للفيزا، تكون فرصة للنقاش ولتذكير الجمهور والسين البرا اللي فمّا مشكلة كبيرة اسمها فيزا وتنقل ثقافي، ما يتمتعش بيه الناس الكل. المبرمجين الغربيين اللي يحبوا يروجوا ويدعموا الثقافة متاعنا لازم في كل شيء وعلى كل مستوى. 

التنقل الثقافي يبدل كل شيء بالنسبة للفنان/ة ما يأثرش علفرد أكاهو أما على السين المحلي الكل. لازم المبرمجين الدوليين يفهموا هذا بالرسمي ويركزوا عليه بالباهي. بعض الفنانين عمرهم ما خرجوا من بلادهم، يعرفوا كان الفقاعات المحلية الراكدة اللي ساعات تخلق أوهام توكسيك وإيجو غالط وما تخلق حتى نمو وتطور مهني ولا فني. 

نظمنا جولة سويسرية بمناسبة خروج الكومبايلايشن بالمشاركة متاع خمس فنانين/نات تونسيين/نات، كلهم أول أداء أوروبي؛ وفمّا شكون أول مرة يخرجوا البرة من تونس أصلًا. فمّا فنانة ما خذاتش الفيزا رغم الإجراءات الكل والميزانية الإضافية اللي صرفناها. هذا ريسك ديما فمّا منه أما لازم الواحد ديما يجرب وما يخليهاش تكون سبب باش ما تحاولش تخلق فرص مهمة. 

على الأقل صاروا نقاشات على صعوبات تنقل الفنانين/ات من مناطقنا وتفكرت الجماهير الأوروبية في امتيازات ماخذينها كأمر مسلم به.

أما لازم نؤكد أن الواقع المحزن، ما زلنا بحاجة إلى المنصات الدولية هذي، لقدرتها على توصيل المشهد ببرشا مجموعات في الخارج والتشبيك معاهم وتقديم متنفس للفنانين المحليين، اللي جزء كبير منهم عايش في عزلة في بلاده على خاطر الفرص مش موجودة محليًا.

أما المثالي بالنسبة ليا هو أن يكون عنا مشاهد موسيقية محلية قوية متماسكة مكتفية ذاتيًا. بخلاف هذا، باش نبقاو ديما تحت هيمنة التوقعات الإكزوتيكية والتبعية. نحلم بالنهار اللي معادش نستحقوا لا المشهد الدولي، ولا بالفيزا، ولا بالرضا الغربي، ولا حتى شيء. كل شيء يصير في بلادنا، و الجمهور والمبرمجين هوما اللي يجيونا موش إحنا الي نمشيوولهم.

بتشوفي فيه مجال إنه الفنانين يحافظوا على التجريب والشغل في الجنرات الموسيقية المهمّشة مع الاحتفاظ بالجانب الثقافي؟

في رأيي الشخصي، و زادة كيف كيف ما نعرفش كان أنا الشخص المناسب باش نجاوب على السؤال هذا، التطور الحقيقي لأي مشهد فني يصير عبر التجريب وتحدي الأعراف المفروضة. ما نعتقدش اللي الهوية الثقافية لازم تكون حاضرة بالضرورة، هذا قرار يرجع لكل فنان/ة وتأثيراته باش يحدد اللي يحب يخلقه. حكاية الحفاظ على الجانب الثقافي والهويّة في الخلق مربوطة بمراحل النضج الفني لكل مبدع، وفقًا لإلهاماته وتجاربه وأبحاثه الموسيقية والثقافية. في الرحلة هذي، ما لازمش على حد إنه يفرض حتى شيء عليهم.

من جهة أخرى، ما لازمش ننساو الجذور متاعنا والثقافة متاعنا، ونتحرروا م التأثير متاع الغرب الاستعماري اللي يفسخلنا في الهوية متاعنا. في تونس أزمة الهوية واضحة برشا، جيل والدينا متأثرين بفرنسا برشا وجيل متاعي وأصغر متأثرين بالغرب بصفة عامة. 

مهم إنا نقاوموا الاستعمار الثقافي هذاكا أما من غير ما نطيحوا في الإكزوتيكي والكاريكاتور اللي ماهوش في صالحنا ويولي بدوره أداة جديدة لكيفاش الغرب يتحكم في ثقافتنا.

بالنسبه ليّا أنا شخصيّا، أكثر الألبومات التي أثرت فيا والفنانين اللي حركوا مشاعري هوما اللي يمزجوا ويجربوا بأصوات وآلات تنتمي إلى أصولهم وثقافتهم، واللي يقدموا أصوات فريدة ولمسة شخصية مميزة. بعيد على أي إكزوتيكية أو سطحية، أما باقتراحات صوتية أصيلة وأبحاث موسيقية صادقة تتحول إلى شيء أصيل، مُلهم بعمق، ويفتح آفاق إبداعية جديدة.

هل المشهد دا قادر إنه يكمّل ويكبر في تونس والمنطقة؟ فيه أمل؟ وعلى صعيد المؤسسات، فيه مجال أكبر يقدروا يدعموا المشهد دا؟

نشوف اللي فمّا إمكانية كبيرة لتطور المشهد هذا وزيادة تنظيمه، وفمّا بالرسمي برشا مبادرات من الكوليكتيفات اللي تحاول باللي عندها الكل، رغم الإمكانيات المحدودة، إنها تستحفظ على استمرارية الإنتاجات وتنظيم الفعاليات. برشا ينتجوا الموسيقى بدافع الحاجة الملحة للتعبير، وينشروا أعمالهم ذاتيًا أو يشاركوا في ألبومات تجميعية مع موسيقيين محليين (معظمها موجهة لثقافة الكلَب).

الإنتاج الموسيقي في المشهد اليوم هو أكثر من أي وقت سابق، مع ظهور أسامي جديدة و تنتج بشكل منتظم. لكن ما لازمش ننساو اللي الوضع الاجتماعي-السياسي والاقتصادي الحالي في البلاد مدمر، حرية التعبير مقيدة، الاقتصاد ينهار، وسائط متاع تداول مالي بالعملة الصعبة صعيب، العنف المنظم من الدولة اللي يتصاعد في تونس حاليًا واللي يمس في الفنانين والمشهد الثقافي في البلاد، النجاة ولّات في حد ذاتها أولوية هذاكا علاش برشا فنانين خرجوا م البلاد وإلا يفكروا في الخروج، بما فيهم أنا.

أما بالنسبة للمؤسسات الثقافية المحلية، في تونس أو حتى في منطقتنا ككل، هي زادة تعاني وسط الأزمة المالية، وتعتمد في بقائها على التمويل الدولي. للأسف، هي زادة تميل إلى دعم المشاهد التقليدية والشعبية أكثر من المشاهد التجريبية. وتواصل دعم نفس الفنانين المعروفين في بلاصة ما تدعم المواهب الناشئة. 

اللي يضحك إنها تشبه المبرمجين الغربيين في الحاجة هذي وتتبنى نفس معاييرهم. المؤسسات اللي تمول المشاريع الفنية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط قليلة جدًا، وتدعم المنطقة كلها. عادةً، ما فمّا كان دورة تمويل وحدة في العام. هذاكا علاش الاعتماد على التمويل هذا، مش حل مستدام وما يبني شي يدوم. اللي نحتاجه حقيقة هو الاكتفاء الذاتي والاستقلالية باش يتمكن المشهد الموسيقي هذا من الصمود والتطور. 

إيه خططك للترويج للألبوم والفنانين اللي فيه خلال السنة دي؟

للترويج، نظمنا جولة من ٢٤ أبريل إلى ٧ مايو في سويسرا وباريس بمناسبة خروج الكومبايلايشن، بمشاركة فنانين من الكومبايلايشن.

نحاول تنظيم المزيد من الجولات المصغرة مع فنانين مختلفين من الكومبايلايشن في كل مرة، في تونس الصيف هذا وفي دول عربية وأوروبية أخرى العام الجاي، بالطبيعة حسب التمويل. باش نعملوا زادة حملة ترويجية مكثفة لكل فنان/ة على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا. 

بخصوص الإعلام والصحافة، عملنا شراكة لمدة ٦ أشهر مع راديو فلوكة لدعوة فنانين من الكومبايلايشن والليبل لتقديم ميكسات على الراديو وتوسيع جمهور الليبل وجمعيتنا إيراتيك بولدرز.

وقت العروض في سويسرا، تعداو عروض مباشرة على زوز راديوهات معروفين في سويسرا: راديو إكس وراديو بولفيرك.

كتبت زاده صحفية مقال لـ ميكسماج يو كاي فيه مقابلة عالكومبايلايشن. 

مروى بلحاج يوسف عملت ميكس بأغاني من الكومبايلايشن لـ دبلاب.

هبطوا زادة زوز مقالات أخرين عالكومبايلايشن على راديو إكس وسين نويز. وما زلت نحكي مع صحفيين آخرين توّا.

المزيـــد علــى معـــازف