.
كما يتّضح من خلال العديد من عروض بويلر روم وازدهار الليالي الراقصة المستوحاة من منطقتنا، هناك طلبٌ متزايد عالميًا على التراكات الراقصة الممزوجة بعناصر عربية. لا يمكن الحسم بعد فيما إذا كان ذلك نتيجة لقوى السوق، أو بسبب تنامي حضور الجاليات القادمة من منطقتنا ضمن مشهد النوادي في أوروبا وأمريكا. إلا أنه عند التعمق أكثر، نجد أن أنجح التراكات ضمن هذا السياق غالبًا ما تكون إديتس أو ريمكسات.
في هذه المرحلة، اعتدنا سماع تراكات تستحضر روح نانسي عجرم لكن بأسلوب أمابيانو، أو روبي لكن بإيقاع إلكترو قديم، وغالبًا – أكثر مما ينبغي – ريمكس يو كاي غراج لـ أركب الحنطور. بل وأحيانًا نسمع ما يشبه تامر حسني وأنت في دوامة كاي-هول في أفتر بارتي لمجموعة كايني موزيك، وما إلى ذلك.
تُوظِّف هذه النوعية من الإديتس عامل النوستالجيا بشكل مباشر وصريح، وتعتمد بشكل كبير على استحضار الأفكار والمشاعر المرتبطة بالتراكات الأصلية من أجل إثارة استجابة عاطفية لدى المستمع. هذا ليس شيئًا سيئًا إطلاقًا، لكن بالنسبة لي، نادرًا ما تمتلك هذه التراكات الغنيّة بالدوبامين القدرة على الاستمرار أو التأثير طويل الأمد بعد لحظة الحماس الأولى.
ليس هناك عمق كبير في مجرّد تركيب مقطع أكابيلا عربي شهير فوق إيقاع غراج، ومن وجهة نظر إنتاجية، هذا مجرّد كسل في ٩٩٪ من الحالات.
تشكّل هذه التراكات المنتجَة بالجملة للاستهلاك السريع العمود الفقري للعديد من الدي جايز التجاريين من دبي إلى لندن. لا يمكن لجوهر هذه الخلطة أن يأتي من هذا وحده؛ فلا بد أن تكون هناك قيمة أعمق لثقافة الريمكس تتجاوز هذا المستوى.
لنتحدث الآن عن الـ١٪ المتبقي. بالنسبة لأي مستمع منتظم في حفلات المنطقة منذ عام ٢٠٢١، ظل في آي بي إديتس (الجزء الأول) لـ تومبا يُلعب بلا توقف. شكّل الإصدار الأول من ريمكسات تومبا قطعةً أساسيةً من أسلحة حلبة الرقص في ترسانة أي دي جاي ذي شأن، سواء من خلال نسخته البايس غير التقليدية لأغنية راكان وبيج ميرك، بين وما بين، أو عبر الالتواء الإيقاعي في نسخته لأغنية شيرين صبري قليل.
يحمل الجزء الأول جودة خارج الزمن، منحته قدرة على الاستمرار في حلبات الرقص بشكل نادر. يعود ذلك إلى ذائقة تومبا وتنفيذه المتقن، الذي يعيد من خلاله تشكيل مواده الموسيقية وتكييفها بشكل مكثّف لتصبح شيئًا جديدًا تمامًا، بدلًا من الاعتماد فقط على عامل النوستالجيا.
يقدّم تومبا الجزء الثاني المنتظر من في آي بي إديتس، حيث يعيد صياغة ثمانية تراكات كلاسيكية بدقة، ليحوّلها إلى طيف متدفق من الأنماط الموسيقية، تتراوح بين الدرام أند بايس، والدمبو السريع، والبايلي فانك، وغيرها.
هناك مستوى واضح من الاهتمام بالتفاصيل في أعمال تومبا، يتجلّى بشكل خاص في مقاربته للإديتس والريمكسات، والتي تظهر هنا كإعادة صياغة شاملة تتعمّق في جوهر الأعمال الأصلية، فتقوم بلويها وإعادة تشكيلها بطرق جديدة وغير متوقعة، مع التركيز على جوهر كل تراك ورفعه إلى آفاق صوتية جديدة ومبتكرة.
تقنيًا، تنتمي التراكات إلى عالم صوتي موحّد ومتناسق، رغم تنقّلها بين أنماط موسيقية متعددة؛ حيث تبرز فيها السنثات الغنية، والدرامز النقية، والبايس الضخم المثالي لمجموعة من السب ووفرز القادرة على زلزلة القاعة، إلى جانب الوضوح في التأليف والمزج، ما يسلّط الضوء على براعة تومبا كمهندس صوت.
أكثر ما يميّز الألبوم حسه الشخصي. هناك ابتسامة لعوبة ترتسم على وجهنا منذ اللحظة الأولى، تبدأ مع الرحلة الممتدة لسبع دقائق في ريمكس أغنية ريل لاف لفنان الآر أند بي اللبناني الكندي مساري.
ثم نفاجأ بصفعة على شكل ريمكس بريكبيت مدوٍّ لأغنية يا علي لـ شب جديد والناظر، يدفعنا للارتداد بين الجدران واتخاذ أصابعنا وضعية المسدّسات gun fingers.
في حال لم يزل الأمر غير واضح من غلاف الألبوم، الذي يستلهم تصميمه من ميكسات سيديهات دي جايز الألفينات المبتذلة، فهذه التراكات مُصممة لتكون مرحة بطبيعتها. لا يأخذ هذا المشروع نفسه على محمل الجد، وهذا بالنسبة لي أمر منعش جدًا.
يتعمق الألبوم داخل جماليات الألفينات، حيث أثار ريمكس أغنية تامر حسني، يا تاعبني، ضحكة مسموعة مني عند أول استماع، إذ يدفع تومبا طاقة شرم الشيخ في بدايات الألفينات إلى ليلة صيفية حارّة ومشبعة بإيقاعات الدمبو السريع. تستمر هذه الطاقة في ريمكس يميل نحو يو كاي غراج لأغنية مصطفى قمر، منايا، يبرز فيها تومبا أكثر الجوانب الحماسية في النسخة الأصلية.
مع تجاوزنا منتصف الألبوم، يتّضح أن الأمور ليست مجرد لهو ولعب كما قد توحي البداية. حيث يحتفظ تومبا بأعمق اللحظات للنصف الثاني متجهًا إلى ريمكسات أغانٍ حديثة، مقدمًا ريمكسًا مذهلًا بإيقاعات دمبو لأغنية حرام لـ أحمد جبوري. يتحوّل التراك في الميكس إلى أفعوانية موسيقية عاتية، مثالية للحظات التي تبلغ فيها حرارة حلبة الرقص ذروتها وتغرق في الظلام والتعرّق.
في تراك سوبارو لـ شباش، يستحضر تومبا سباق رالي ليلي أو رحلة انفرادية حزينة. أما تراك بلازما لـ كيس فاسيليتي فيحفل بطاقة عاطفية تسكب على حلبة الرقص. يظهر تومبا قدرة فريدة على تخيّل مستقبل بديل لفنانين في صعود حاليًا، ما يشكّل لحظة جس نبض ضرورية للإيقاع العام في المشهد الموسيقي.
يقدم تومبا نافذة على الإمكانيات الكامنة في الموسيقى الراقصة الحديثة الممزوجة بعناصر البوب، فقط ليُظهر للمغنّين، والإم سيز، والمستمعين في المنطقة أن هناك أراضٍ صوتية جديدة ما زالت تنتظر من يكتشفها.
هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لا نطلب من تومبا أن ينتج أغانيًا أصلية من هذه النوعية من الأساس؟