.
منذ إصداره لألبوم كروموكوبيا، اتضحت محاولات تايلر ذا كرييتور للعودة إلى جذوره وألبوماته الأولى، ما يوضح رغبته بالخروج عن حالة كساد الأصوات الجديدة في الهيب الهوب، ليعيد استعمال صوت لم يُعرف كثيرًا، ولم يكن زائرًا ثقيلًا.
ما أتضح بشكل إضافي، هي رغبة تايلر بصناعة موسيقى تخرج من صميم إبداعه وتأثراته، لا أن تكون مجرد محاولة للمشاركة في الترندات العشوائية ذات العمر القصير، التي اعتدناها في مشهد الهيب هوب.
مع إصدار دونت تاب ذا جلاس نهاية الشهر الماضي، اتضح توجه تايلر بشكل أكبر، حيث لا يظهر كمجرد ألبوم صيفي راقص وعابر، بل هو حركة خارح المسار، اتجه فيها تايلر ليستعيد صوتًا فشل الكثيرون في محاولات استعادته.
يستعيد تايلر في دونت تاب ذا جلاس راب الثمانينات بشكل فج، كأنه نسخة ساخرة مضخمة، والتي يعكسها في غلاف الألبوم والكلمات. تخرج الكتابة بأسلوب تايلر المعتاد، لكن ميّزها وجودها داخل هذا العالم بشكل غير معتاد على هذا النوع من الإيقاعات، تحديدًا إيقاعات الثمانينات من الفترة التي سبقت ظهور إن دابليو إيه، رغم أن هذا النوع من الكتابة أصبح أشبه بحجر الأساس في الهيب هوب الغربي اليوم، بين الحديث الجنسي الذي توسع خلال أخر عقدين، أو حتى الشتائم الفجة.
تظهر تأثيرات أخرى على الألبوم بشكل بارز، أغلبها كانت من الراب التجريبي الحاد مطلع العقد الماضي أو راب مطلع الألفية، سواءٌ من ألبوم تشيري بومب لتايلر نفسه، أو من ييزس لـ يَي، أو من خلال عينة باستا رايمز من تراك باس ذا كورفايسر من ٢٠٠٣.
العينات واختيارها وتنظيمها أحد أقوى عناصر الألبوم، يتضح ذلك في الانتقالة بين موم أن إم، وستوب بلاينج ويذ مي، حيث يستعمل عينة لكينج أوف ذا بيت لمان ترونيكس، سمبل فيها صافرة بولسر سيتي التي تعتبر أحد أهم أصوات الصافرات بجانب صافرة كيل بيل. يستعملها تايلر في موم إن إم بشكل سريع وبلا إيقاعات ليبني للتراك التالي حيث يستعملها بشكل مبطأ مع إيقاع عنيف ليعكس جو تراك أون سايت لـ يَي، حتى أنه استعمل فلو ونبرة مقاربة لم يخرج عنها إلا في أحد الجسور قبل اللازمة.
يركز تايلر على استعمال أصوات الدرام ماشينز ويضعها في الميكسينج كأساس ينقلنا بين التراكات بمختلف جنراتها بسلاسة، مع بعض فسحات الفواصل الإيقاعية، التي يوظفها بأسلوب تشيري بومب كما في افتتاحية الألبوم في بيج بو، وخاتمة الألبوم بين آي ويل تيك كير أوف يو التي يستعمل فيها عينة لنفسه من تراك تشيري بومب، و تيل مي وات إت إز.
لا يقف تايلر عند الثمانينات مسجلًا صوتها لينسخه، بل يطور الصوت من خلال حس إيقاعي عالي يخرج عن طبيعة الإيقاعات التي سمعناها في تلك الفترة، حيث يظهر في التراك الذي عنون الألبوم، دونت تاب ذات جلاس، بحس أقرب للألفية، كأنه خرج من إحدى جلسات تيمبلاند، ويتعامل معه بأسلوب ونبرة حادة أعطت الإيقاع عمقًا أكبر مع الميكسينج النظيف، وهو أحد أهم العوامل التي أعطت صوت الألبوم جماليته.
كانت التعاونات رغم قلتها في الألبوم في محلها. بين الثلاث تعاونات تغلب الأصوات النسائية التي لا تخرج عنها إلا في افتتاحية الألبوم مع فاريل ويليامز، والذي قدم فيرسًا مقنعًا رغم قصر مدته. بين ماديسون ماك فيرن في تراك دونت ووري بيبي وييبا في آي ويل تيك كير أوف يو، يوظف تايلر الأصوات النسائية ليعكسوا عينات الفوكالز النسائية في الموسيقى الراقصة من الثمانينات، وبلا شك استطاع الاثنان تقديم هذا الدور بشكل مثالي.
في هذه الفترة من العام، وفي هذه الحقبة من الهيب هوب، غلب الابتذال على معظم إصدارات الماين ستريم. ظهرت العديد من الألبومات التي حاولت أن تستعيد صوتًا سابقًا ولم تكن بالجودة المأمولة، مثل ألبوم ذا ديث أوف سليم شايدي لإمنيم، ليل واين في ذا كارتر السادس، وبعض التراكات من ألبوم دريك وبارتي نيكست دور التعاوني.
ما ميز دونت تاب ذا جلاس، أنه لم يقف عند الاستعادة، بل استطاع تقدم صوت فريد مطورًا جنرات مضت عليها عقود من الزمن بأسلوبه الفريد. ألبوم دونت تاب ذا جلاس مثال استثنائي لفكرة الاستعادة في محلّها.
في نفس الوقت، مع كثرة الألبومات الصيفية التي تحاول أن تصنع صوتًا كسولًا بعمر قصير يتماشى مع صيف خفيف وخوارزميات تحكم انتشار الموسيقى، يقدم تايلر في ألبومه جهدًا واضحًا، ورؤية جادة لإنعاش المشهد من حر الصيف وشح الإصدارات القوية.