.
منذ صدور البخت، وسعت الأغنية من ما يمكن لرابر مصري أن يقدمه، وصعدت بمسيرة ويجز إلى أفق غير مسبوقة على الصعيد الجماهيري والفني. رغم أنه قابل الكثير من الانتقادات مع تطور مسيرته في ذلك الاتجاه، خاصةً من جمهور الراب المتمسك بروح الجنرا، لم يتوقف عند ذلك بالصورة التي يمكنها أن تؤثر على إنتاجه الفني أو قراراته الموسيقية.
ربما تكون مسيرة ويجز في المشهد المصري مغايرة لأي فنان آخر من جيله، فرغم وجوده على القمة من حيث عدد الاستماعات والنجاح التجاري، لم يصدر خلال مسيرة تقترب من العقد ألبومًا كاملًا، وظل سؤال متى يأتي ألبومه الأول يحلّق كثيرًا في الأفق بدون إجابة واضحة.
يمكن القول إن مسيرة ويجز سارت عكس التيار التقليدي المعروف لدى الصناعة، فالألبومات تظل هي المتعارف عليه من حيث الإصدارات الموسيقية، وهي التي تتوج تاريخ الفنان وترسخ تواجده وأسلوبه، كما تكون نقاطًا مرجعية لفترات في مسيرته. أتى الألبوم أخيرًا، وأتت معه التكهنات حول توجّه الألبوم الصوتي كما حمل بطبيعة الحال ثقلًا وضغوطات كبيرة كونه أول ألبوم في مسيرته.
في ألبوم عقارب، يتخلى ويجز عن الانصياع للتوقعات أو استحضار الماضي، بل يبدو من العمل أنه يوجه نظره إلى الأمام، محددًا ما يريد تقديمه موسيقيًا وما يرغب في أن يعرّف به كفنان في هذه اللحظة التي تختلف كثيرًا عن تلك التي بدأ منها.
لا يميل عقارب بوضوح إلى الراب، لكنه لا ينخرط كليًا في البوب أيضًا، إذ ينجح ويجز في إحكام خلطة متوازنة تمزج بين العالمين بسلاسة، فتشعر أن الصوت في النهاية هو ويجز خالص، ما يجعل لحظات عديدة في الألبوم تبدو صادقة على مستوى الكتابة والأداء. يظهر ذلك بوضوح في التراك الافتتاحي خسرت الشعب، حيث يواجه ويجز نفسه والجمهور بصراحة حول معنى صناعة الموسيقى وجدواها، وعلاقته بالجمهور وحول أثر الشهرة على حياته الشخصية.
تتكرر مثل هذه اللحظات التأملية في الأيام، حيث ينظر إلى رحلته ومسيرته بنبرة متدبرة، كاشفًا جانبًا من الإرهاق النفسي الذي قد تخلقه الشهرة.
“الأيام زحمة ودوشاني وسلامتك يا دماغي / نفسي أشاركني لحظة صمت والأيام وخداني
اللي بكيته نشف على خدي اتبخر ونساني/ أنا عارف إن الصامت ناجي بس هتكلم تاني”
يتعاون ويجز في الألبوم مع المنتج البريطاني تيودور مانرو الذي يمسك بزمام الإنتاج الموسيقي في معظم الألبوم، إلى جانب إسهامات من المنتج حسين جمال ومشاركة وحيدة من زولي في تراك باد دايز. يغلب على الإنتاج توجه نحو البساطة وتجنب التعقيد، إذ لا يغامر بالدخول في مساحات تجريبية جذرية أو كسر التلقّي المستساغ.
يقدم الألبوم مساحات راقصة واسعة يغلب عليها طابع الأفرو هاوس والإيقاعات الراقصة البسيطة، كما يظهر في تراكات مثل دي مع الرابر الجزائري سافاج بلاج وتراك غريبة مع زياد ظاظا. حتى في التراكات الأكثر تعقيدًا من حيث البنية، مثل باد دايز، تبقى الألحان محكومة بجماليات بسيطة، بحيث لا يُخفي تعقيد الإيقاعات انحياز التراك العام نحو الوضوح والسلاسة.
أيضًا، رغم خلوّ الإنتاج الموسيقي في عقارب من ترابط واضح على مستوى الصوت أو الرؤية الكاملة، فإن الخيط الذي يجمع الألبوم هو الحالة الذهنية لويجز في تلك المرحلة. يتحدث ويجز من موقع القمة، متأرجحًا بين الاستعراض وتأملات صادقة: حياة سريعة، مال وفير، وصورة عامة مُصمَّمة بعناية. يعود بعد ذلك مرة أخرى إلى ثيمة الأعداء أو الأخصام، وهي لازمة تتكرر في معظم إصداراته الأخيرة، لكن في هذه الحالة تحد من عمق التجربة وتكسر توازن الألبوم على مستوى الموضوعات.
في تراك باد دايز من إنتاج زولي وتيودور مانرو، يقدم ويجز ربما أنضج تجربة بوب صريحة في مسيرته حتى الآن. تراك شديد الإتقان على مستوى البنية والألحان، تنسجم فيه الكلمات بسلاسة داخل النسيج الصوتي، رغم طغيان النبرة الاستعراضية عليها. يأتي ويجز بتدفقات لحنية مبهرة في الكورس والفيرسات، ما يسفر عن أغنية صيفية بامتياز وواحدة من التراكات التي أتوقع أن تعيش كثيرًا في كتالوج ويجز.
أما في أفتر بارتي فيظهر ويجز القديم بأسلوبه اللغوي المتفرد وتدفقه الغزير في الراب، وهو ما يتكرر أيضًا في خسرت الشعب؛ كلا التراكين يقدمان لحظات تذكر بجودة ويجز الكتابية التي افتقدناها مؤخرًا.
يسقط الألبوم في فخ التكرار في عدة نقاط، حيث يعتمد ويجز صوتًا واحدًا تقريبًا داخل سياق صوتي تهيمن عليه بيتات أفرو هاوس بسرعات إيقاعية متفاوتة. رغم بروز بعض تلك الأغاني كتجارب جيدة مثل دي مع سافاج بلاج أو مظهر ومال، يأتي بعضها الآخر مكررًا بشكل يخل بالتجربة العامة للألبوم، كما في تراك ماما أفريقيا مع الفنان النيجيري سيي فايبز، وتراك غريبة مع زياد ظاظا. تمر تلك التعاونات مرورًا عابرًا يجعلها تبدو كمناطق آمنة ومألوفة في سياق الألبوم دون إضافة جديد صوتًا أو موضوعًا.
تزامنًا مع مسارعة جمهور الراب إلى خلق منافسة وهمية بين ويجز ومروان موسى بعد صدور ألبوميهما في اليوم نفسه، يتضح أن الفنانين يقفان على طرفين متباعدين من حيث الرؤية والتوجه الفني. يبدو واضحًا أن ويجز يسعى للعب في مسار مختلف تمامًا عن أقرانه وفناني جيله، مؤكدًا تحوّله نحو مشروع موسيقي أوسع من مشهد الراب.
رغم افتقاده تنويعات تمنحه عمقًا صوتيًا أكبر، يكسر الألبوم معظم التوقعات المسبقة ويرسخ لمرحلة جديدة في مسيرة ويجز تبتعد عن صراعات مشهد الراب المحلي والمنافسة المستنزِفة.