.
تصنّف الفنانة اللبنانية تانيا صالح (1969)، في إحدى مقابلاتها حول اسطوانة “وحدة” (2011)، موسيقاها تحت عنوان “الموسيقى البديلة“، بمعنى أنها بديلة عن الموسيقى التجارية السائدة. ولعلّها تعني بذلك طابع أغانيها “المُجنِّد” للتشكيك بالوضع العام، وليس “المجَنَّد” للاهداف الرأسمالية ولصناعة الثقافة.
تقدّم تانيا في اسطوانتها الأخير “وحدة” تسعة أغاني ناقدة، ساخرة ومتقنة من ناحية العزف، والتوزيع والصوت. مستمرّةً بما شرعت فيه بإسطوانتها الاول، “تانيا صالح” (2002)، لاجتراح أسلوب خاص بها: صريح ولاذع في مضامينه وآسر للأذن في لحنه.
تعرض صالح من خلال أغانيها في “وحدة” عدة مواضيع، منها العاطفية والسياسية والاجتماعية حول واقع لبنان بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام. متحدّثة عن قضايا عامة من خلال قصص وأحداث ومشاهد شخصية جدًا. مثال على ذلك: أغنية “عمر وعلي” حول الطائفيّة، والتي تقدّمها عبر حوار لطفلين، تحاول من خلاله الموافقة بينهم. وأغنية “وحدة” حول وضع دولة لبنان، من خلال قصة شخصيّة لفتاة لبنانية باسم “وحدة” والتي تحلم بوطن غير طائفي، مستقل وآمن لشعب حر.
ورغم أن مواضيع أغاني الاسطوانة مرتبطة ببعضها لتشكّل ما يشبه ثيمة واحدة، إلا أن البناء اللحني لكل أغنية مستقل عن الأخرى. إذ لكل أغنية طابع خاص بها من حيث التوزيع والعناصر المجدولة في المبنى. فعلى سبيل المثال، أغنية “يا ولاد” باسلوب الـ“روك“. بينما تتميّز أغنية “لازم“، والتي تتعامل مع المتطلبات التي تفرضها الحياة الآنيّة على المرء، بالأسلوب “المحكي” بكلمات تانيا نفسها، والذي يشبه أسلوب “الرتشتاتيف” في الموسيقى الكلاسيكية الغربيّة.
أما من خلال أغنية “مولاي“، فتعود صالح مرة أخرى لما قامت به في أغنية “سلوى” باسطوانتها السابقة، حيث تناولت أغنية فولكلوريّة، وأعادت تقديمها بسياق الحاضر من حيث الكلمات والتوزيع.
هذا التنوّع والاستقلاليّة أديا إلى درجة ومستوى عاليين من نضج اسطوانة “وحدة” من نواحٍ مختلفة، وخاصة الكلمات، والتوزيع، وقدرة تانيا على توظيف صوتها لمتطلبات كل أغنية. وقد يعود ذلك لتعاونها مع فيليب طعمه في إنتاج الاسطوانة وللفرقة الموسيقية المتألفة من مهران غورونيان – غيتار والذي ساهم في التلحين، جاد عواد– إيقاع، والذي ساهم أيضاً في التلحين، هيثم شلهوب – باص، والذي أيضاً ساهم في التلحين، علي المدبوح – ناي، شربل روحانا – عود، إيمان حمصي – قانون، وليد ناصر– طبلة، مازن سبليني – بيانو، علي الخطيب – رق. وطوني عازار، نادر خوري وجلبرت جلخ– أصوات مرافقة.
على الرغم من تميّز أغاني اسطوانة “وحدة“، يبقى تصنيف “الموسيقى البديلة” محصوراً بكلمات الأغاني والتوزيع. إذ لا تطرح المقطوعات تحدٍّ للمبنى التقليدي للأغنية الجماهيرية “البوب“. فالعناصر المجدولة في الأغاني والتوزيع تضفي خاصيّة للاغاني، ولكنها لا تنجح بالتأثير على المبنى العام للمقطوعة. وبالتالي ينشغل المستمعون بخاصيّة تلك العناصر، بينما تبقى سيرورة الأغنية متوقّعة ومألوفة للأذن قبل سماعها.