حسبي على من بلاني | ما سمعته مع البدو

قوائم - كتابة: عبدالحميد نبيل - ٢٠٢٥/١٠/١٩
حسبي على من بلاني | ما سمعته مع البدو
تحميل...

خلال الأربع سنوات الأخيرة، استقرَرت بنسبة كبيرة في منطقة الباحة جنوب السعودية بسبب دراستي الجامعية. احتككت خلال هذه الفترة مع البدو بشكل أكبر كونهم الأغلبية في الباحة، فهي ديار قبائل غامد وزهران؛ وكانت فرصة مثيرة كوني، رغم أصولي البدوية، عشت في بيئة وثقافة حضرية طوال عمري. كالعادة، كنت أسجل ذكرياتي الموسيقية على مدار الرحلة، وكل ما جذب انتباهي في أحد سيارات البدو أو خلال حديثي معهم جمعته واحتفظت به؛ وأعتقد أنه قد آن أوان نشر ثمار كل هذا، مع اقتراب موعد تخرجي.

يا علي رده | حاكم الشيباني

في أحد الأيام، جلست مع بعض رفقاء الجامعة، وبدأنا بالحديث عن تاريخ الشيلات ومتى بدأت بشكل عشوائي، قبل أن يفاجئني أحد الشباب البدو في الجلسة، وهو من قبيلة خثعم المعروفة في الجنوب، بشيلة يا علي رده. شيلة حب من فترات الشيلات المبكرة، مع فيديو فليكسنج بدوي مع الصقر وجيب الليكسز. بالإضافة لبساطة كلماتها تحمل الشيلة طابعًا مسترخيًا وخفيفًا على الأذن، وتعلق بسهولة.

مي جنا | جيمز، سوبر ساكو، هايكو

عند عودتي من زيارتي لعمان للباحة منتصف عام ٢٠٢٣، طلبت سيارة من أحد التطبيقات، ليصلني سائق بدوي غامدي من أهل منطقة العقيق، لم يكن يستعمل البلوتوث أو سلك الإيه يو إكس، بل كان يستعمل فلاشة بسعة ٣٢ جيجا تحمل عددًا لا نهائيًا من ملفات الإم بي ثري، والتي يمكن ملاحظة أن البيت ريت فيها لا يتجاوز ١٢٨. 

على مدار طريقي القصير، ظل يتنقل بين العديد من الأغاني، بينهم أغنية تجاوزها سريعًا محاولًا للوصول إلى منطقة موسيقية ترضي شاب المدينة الغريب الذي ركب معه. طلبت منه أن يعود للأغنية لأحاول أن أتذكر الفترة التي سمعتها فيها لأول مرة. كانت إحدى الأغاني الضاربة التي انتشرت على مقاطع التفحيط منتصف ٢٠١٨ وما تلاها. أعطى الخليط الغريب بين اللازمة الأرمنية والإيقاعات، مع المعزوفة التي تحمل طابع إنتاجات سكوت ستروتش، للأغنية طابعًا فريدًا قد لا تسمعه في أي أغنية أخرى.

لا تنفجر يالمضغوط | مجهول

للدبكات شعبية كبيرة لدى البدو، وهو انتشار بدأ من قبائل شمال الجزيرة العربية والشام، حتى وصل أقصاه مع السياحة الخليجية في سوريا نهاية التسعينات وبداية الألفية. جلست مع أحد أصدقائي الغمّد الذي قضى معظم حياته في جدة، ليبدأ بتشغيل دبكات من بداية الألفية، من كلاسيكيات سارية السواس وميادة العلي، قبل أن يصل إلى تسجيل مجهول بعنوان لا تنفجر يالمضغوط، والذي قد يبدو فكاهيًا لوهلة، لكن ما جعلني آخذه بجدية هو عزف الأورج الذي يأخذ طابعًا إلكترونيًا، ويجذب المستمع مع أول نوتة.

يا مال فرقا العين | يوسف شافي

وجدت هذه الأغنية خارجة بأعلى صوت من أحد سيارات الهايلكس على إشارة مرور في أحد القرى، بحثت عنها لأجدها وأبحث عن أصلها. تعتبر قصة يوسف شافي أحد أغرب القصص في تاريخ الموسيقى الخليجية، فبعد النجاح الكبير في مشهد الموسيقى الشعبية، أعلن اعتزاله الموسيقى واتجه الى الشيلات، والتي كان ينظر إليها على أنها البديل الإسلامي الأفضل. 

اكفني شرك | خالد سلامة

لطالما عاش البدو وأهل القرى على الموسيقى السعودية الشعبية، التي كانت الأساس قبل تطور الأغنية السعودية، واستمر البدو والقرويون بتطويرها وكانوا الوجه الأبرز فيها، بين فتى نجران، وكل من طاهر وعيسى الأحسائي، وبشير حمد شنان. في أحد الأيام ركبت مع أحد رفاق الجامعة لأوصله إلى منزله، أعطيته البلوتوث لعدم رغبتي بالإستماع إلى شيء محدد، ليفتتح الجلسة بهذه الأغنية. أكثر الأغاني التي أحببتها تجمع بين الأحزان والإيقاع الراقص، وهذه الأغنية قدمت ما أحتاجه بالضبط.

افتح لي الخط | فتى نجران

لدى فتى نجران نبرة مميزة لطالما أحببتها، نبرته الثقيلة التي يشحنها بمشاعر جياشة رغم تواضع صوته تقنيًا. كنت قد سمعت هذه الأغنية سريعًا في وقت سابق، قبل أن يشغلها أحد اصدقائي البدو في طريق طويل لتغيير زيت محرك سيارته. كلمات افتح لي الخط فريدة رغم بساطتها، ولا أعتقد بقدرة أي أغنية على مجاراة شعورها.

موال حماسي | تركي الميزاني، محمد العازمي

فن المحاورات هو أحد أقدم الفنون الشعبية المرتبطة بالشعر في التاريخ، ومع تطور الزمن أصبح يحمل شكلًا غنائيًا فريدًا، زاد من جمال مواجهاته. يقف كل فرد في مواجهة الآخر، وتبنى المحاورة على لحن مبني على شطر، وكل شاعر يغني مطلع اللحن ثم يغني بيتين ويختمها بشطر اللحن، مثل الشطر في هذه المحاورة: “يقولون العرب ما للرعية غير راعيها”.

سمعت جزءًا من هذه المحاورة بشكل خاطف على تيك توك، لكن لم أبحث خلفها، قبل أن أطلب سيارة توصيل إلى المطار لأجد رجلًا كبيرًا من أهل المنطقة، تنقل بين مختلف المحاورات قبل أن يصل إلى هذه المحاورة وتعلق في ذهني. جعلتني تلك اللحظة أدخل في فن المحاورات وأستمع إليه بمختلف أشكاله، وما زلت ممتنًا لهذا الرجل الكبير، الذي لا أتذكر عنه سوى سيارته الهيونداي أكسنت. 

يعني خلاص | سلطان القرني

ركبت مع أحد الأصدقاء المقربين، وهو زهراني قضى معظم عمره في جدة، كان يملك فلاشةً استعارها من أحد أصدقائه، وكان يحمل العديد من النوادر الشعبية من مطلع العقد الماضي. أخبرني بأنه أخذها ليتسلى بها في رحلاته من وإلى جدة لزيارة عائلته. جذبني تسجيل شعبي، بحثت عنه سريعًا لأجده بمشاهدات أقل من ٢٥ ألف. ينتقل التسجيل بشكل غريب من الموال الحزين في المقدمة، إلى التنكس غير الإرادي حتى نهاية الأغنية.

وليلي | عبد الله بالخير 

في بداية الألفية كان المفحطون يترقبون أحدث الإصدارات الخليجية للتفحيط عليها، وكانت هذه الأغاني أحدها، بحسب رواية المفحط السابق جدو سيف على السناب، تعكس هذه الأغنية ما كان يبحث عنه المفحطون حينها. سمعتها من أحد السيارات التي كانت تفحط في طريق يصل بين محافظتي بلجرشي والعقيق، ويبدو أن المفحط هو أحد المخضرمين القدامى.

أني باقي | نصرت البدر ومحمد عبد الجبار

لطالما كان للأغاني العراقية الحزينة مساحة كبيرة في السعودية والخليج بشكل عام، ووجد الكثير من البدو حزنهم فيها. في أحد الأيام كنت ذاهبًا لشراء بعض الحاجيات، ليوصلني شخص كان يستمع للموسيقى بشكل منخفض، لأسمع أغنية لم أكن قد سمعت لها من قبل لنصرت البدر، طلبت منه أن يرفع مستوى الصوت، لأنبهر بها فورًا. أداء الثنائي من الأفضل في مسيرتهم، مع لحن أبدع نصرت في توليفته.

زير الباحة | فرقة سعيد الخبتي

يعتبر الزير الجنوبي أحد أجمل الفنون الشعبية البدوية، والمتميز بإيقاعه ثلاثي الوزن، والذي يملأ إما بالقصائد أو المزمار الجنوبي. في أحد الإيام كنت جالسًا مع أصدقائي في أحد الحدائق، نتسلى بلعب الورق والحديث، قبل أن يمر علينا رجل كبير في السن ويطلب منا المساعدة في تحريك سيارته الكرسيدا إلى محطة الوقود. في الطريق سأله صديقي من باب تلطيف الأجواء عن ما يحب أن يسمع، ليجيب: “هب لي زير الخبتي”. يجبرك الإيقاع على تحريك جسمك لا شعوريًا، ودخلة المزمار لوحدها تكفي لملء الإيقاع.  

حسبي على من بلاني | دبلي الرياض

منذ فترة دخولي للجامعة تعرفت على صديق من قبيلة الدواسر، وهو في الأصل أحد سكان حي السويدي في الرياض، والمعروف بحب أهله للسامري والتنكس. ركب معي قبل بضعة أسابيع، ليشغل تسجيل سامري من أحد الأعراس. من الموال الذي يأخذك في رحلة هواجيس قصيرة، إلى انفجار الإيقاعات الذي يجبرك على الرقص لا شعوريًا.

على بالي | شيرين

من الصورة النمطية التي بنيتها لفترة طويلة عن البدو، لم أكن أتوقع أن أحد منهم قد يستمتع بالبوب العربي، قبل أن أفاجأ برحلة ونقاش غريب. طلبت سيارة في يوم من الأيام في منتصف الليل، وجاءني سائق من أهل المنطقة. طوال الطريق لم يشغل سوى أغاني حزينة لشيرين، ليسألني “تسمعها ولا مالك فيها؟”، فأجبته بأني ليس لدي مشكلة مع موسيقتها، ليبدأ بالحديث عن رحلته، وكيف ترك الموسيقى العراقية الحزينة لتكرارها، ووجد ضالة حزنه مع شيرين، وكيف انحدرت الموسيقى الحزينة ما بين شعبيات السعودية من بشير حمد شنان وغيره إلى عصرنا الحالي. كانت أراؤه مثيرة للاهتمام لدرجة أنني فكرت لوهلة بأن أكتب مقالًا بناءً عليه، لكنني لم أره مجددًا لسخرية القدر.

قبائل الجنوب | فهد العوضي

في سنتي الثانية، ذهبت في رحلة لزيارة بعض المناظر الطبيعية الخضراء في الباحة مع بعض الأصدقاء، لنمر على رجل كبير في السن أجبرنا على أن ندخل لشرب القهوة، كان التلفاز في مجلسه على شيلة جذبتني منذ دخولي للمجلس. تتفاخر الشيلة بوحدة قبائل جنوب المملكة، وتعتبر أحد أشهر الشيلات في الجنوب، والتي سمعتها كثيرًا في مختلف الأماكن بعد تلك المرة. 

نسناس الهوى | فلاح المسردي

من جلساتي مع صديقي الخثعمي، والمغرم بشيلات الهواجيس، أسمعني شيلة نسناس الهوى لفلاح المسردي، والتي كنت قد سمعتها سابقًا على مضض، قبل أن أُصدم بعدد مشاهداتها. تذهب الشيلة بأسلوب إنتاجها التقليلي إلى التركيز على الكلمات بصوت فلاح، والذي ينتقل بين القرار والجواب بعنف على مدار الشيلة ليبروز حزن الكلمات بشكل مرعب. 

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

المزيد من معازف