fbpx .

YFGYY | أبيوسف

ياسين زهران ۲۰۱۵/۰۷/۱۱

https://soundcloud.com/abyusif/sets/yfgyy-the-album

رعد يطلب الانتباه، ويحصل عليه

يبدأ ألبوم أبيوسف الأوّل YFGYY بصوت مستمر وثابت يطالب بالانتباه ويحصل عليه بنبرته المفاجئة وحضوره القوي، كإنذار أو تحذير شديد اللهجة ينزل فيه الفارس إلى الميدان، أو رعد، إلى ساحة الملعب. بانياً فيه حيّزاً يحيطه بذلك الصوت الرّخيم الذي يميّز نبرة الألبوم ككل.

يصبح هذا الصوت المستمر أكثر تأثيراً عندما يبدأ أبيوسف بإلقاء كلماته ببطء، وعند دخول الآلات الأخرى التي تضيف بعداً لحنيّاً. ينقطع هذا الصوت داخلاً وخارجاً مع مجموعة أصوات مميّزة حصل عليها أبيوسف وسواج لي باستخدام مؤثّرات صوتيّة آسيويّة كبديل للآلات الموسيقيّة، تم تعديلها إلكترونيّاً لتوظيفها بنجاح في إطار موسيقي هادئ غير مكثّف ومثيراً الرهبة في نفس الوقت.

نتعرّف في هذا العمل على أمرين: حجم الموهبة الهائلة التي يتمتّع بها أبيوسف، والبعد المفقود فى مشهد الرّاب المصري خاصة والعربي عامة. إذ يصطحبنا رعد – شخصيّة أبيوسف المرادفة Alter Ego في أغانيه إلى عالمه الخاص من خلال ١١ أغنية تنطلق من قواعد المدرستين القديمة والحديثة في الراب، وغيرهما من المدارس التي يطوّعها لتخدم نظرته الفنيّة.

الكلمات والعروض والقوافي

يتميّز رعد باستخدام العروض والمقاطع اللفظيّة العربيّة بطريقة تخالف السّائد، ويتغنّى بذلك عندما يقول بشكل مباشر في غير متاح: زهقت من المالتي سيلابل، وفي محدّش يتوقعني: “سيلابل ورا سيلابل، نازل بعقّد العيال الفيك“. الحديث عن تطويع العروض مهمّ لأن طُرق استخدامها تُميّز كل مغنّي راب عن غيره من ناحية المقدرة على تركيب الكلمات التي تتركّب منها الجملة الواحدة في القطعة المكونة من 8 إلى 64 بار. أو سطر، في المقطع الواحد. المختلف في حالة أبيوسف هو أنّه يستخدم القوافي بتخفّف من دون قيودها التقليديّة، إلى درجة أن المستمع قد يشك أنّه يرتجل، وينسى تماماً أن هذا تسجيل وتمّت كتابته مسبقاً كما في أغنية Not Avlbl: “بستلم الطرد من إنكردبل هالك ساند على الأسطح بكوعي وبتمشي تتردم الأرض/ بحطّم الآمال وحصر المجال وحضن على الشمال/ بؤك بفضي الديتول فيه ده فور فري مفيهاش رسالي بليز كول مي.

ورغم أننا قد نشعر أن الكلمات عشوائيّة أحياناً، إلّا أنّنا عند الاستماع عن قرب، نجد أنّ الكلام منتظم شعريّاً. لكنّ ما يستدرج هذا الشّعور هو تحرّره من المواضيع بمفهومها التقليدي، وهذا بالضبط هو التجديد والتطوير الذي يخشاه البعض ويفتقده البعض الآخر. فلكل أغنية اسم، وعلى هذا الاسم يبني رعد أفكاره، وعلى هذه الأفكار يبني الجمل التي لا ترتبط ببعضها بصورة مباشرة، إذ تستقلّ كل جملة من البارات (الأسطر) بذاتها، ولكنها، في نفس الوقت أيضاً، ترتبط عضويّاً بسياق الأغنية وثيمتها، لتبني مع الجمل الأخرى الأغنية ككلّ، ولذلك تعج كل أغنية بالمعاني والصور الشعريّة والجمل التعبيريّة.

الموسيقى: رعد وسواج لي

أنتج أبيوسف الموسيقى لست أغانٍ تختلف بوضوح عن موسيقى الأغنيتان اللتان صنعهما سواغ لي بمفرده محدّش يتوقعّني، هيكتور، والثلاث أغان التي أنتجوهم معاً. يذكر أن الأغاني، على تنوّعها واختلافها، تتشابه بكثرة استخدام الهاي هات الصنوج، وهي صحون من النّخاس ملحقة بمجموعة الطبول. بالإضافة إلى تكثيف حضور الطبول وتنويع نبراتها فى الجملة الموسيقيّة الواحدة كما في بع بع وفترينا ومش عايز.

يتّبع رعد وسواج لي أسلوب المدرسة الحديثة في صناعة الموسيقى، والتي قد يجدها البعض صاخبة وصعبة على الأذن. من مميّزات هذا المدرسة بروز الخلفيّات الموسيقيّة بتفاصيلها، وهذا ما يظهر في أغنية مش عايز. فاستخدام الطبول والإيقاعات فيها تختلف بكثافتها عن إيقاعات المدرسة القديمة من حيث طريقة الضرب على الطبل نفسه واستخدام ملحقاته، بالإضافة إلى استخدام السنثسايزر لخلق أصوات غير مألوفة، والاستخدام الناجح لـ البادز (صوت الآلآت الموسيقية المعدّلة إلكترونيّاً تصدر نغمة تعيش في الخلفيّة) الذي يترك تأثيراً قويّاً عند المستمع. نجح الفنانان بتوظيف هذه المؤثرات في أغنيتي مش عايز وفترينا خاصّة، والتي يناسب مزاجها ذلك النوع من المؤثرات الصوتيّة التي يكثر استخدامها في الموسيقى الإلكترونيّة الراقصة.

ما لفت انتباهي هو استخدام الأوتو تيون. ورغم أنني ضد استعماله في الرّاب لاصطناعه واستخدامه عادة لإخفاء عيوب الصّوت الضعيف، إلّا أن التوظيف الناجح له هنا تغلّب على رفضي، خاصّة أن استخدامه تم في إطار مزج بين الموسيقى الإلكترونيّة والراب وموسيقى الإندستريال. هذا، برأيي مبرّر ناجح في حد ذاته، إذ نقف أمام القدرة على استخدام المؤثرات الصوتيّة وتطويعها لتخليق أشكال جماليّة جديدة ومزج مبتكر ما بين الأنواع الموسيقيّة.

هاني

تظهر في الألبوم شخصية جديدة على أعمال أبيوسف اسمها هاني، وهي شخصية خياليّة يرتبط وجودها بالعمل فقط. تأخذ شخصيّة هاني أشكالاً عدّة منها هاني الكئيب وهاني المغني وهاني الفكرة وهاني الموضوع. هؤلاء الهواني يطاردون رعد كما يطاردون المستمع أيضاً. وإذا ما أردنا تفكيك هذه الشخصيّة، فهاني هو أي شخص قد يكون كئيباً وقد يكون مغنياً أو رابرجيّاً. وهكذا، بدلاً من استخدام كلمة (إنسان، شخص، فلان)، يستخدم أبيوسف اسم هاني للتدليل على شخصيّات متعددة للتحاور معها.

تالياً، سأركّز على أبرز الأغاني في العمل كأمثلة للنقاط المذكورة أعلاه.

غير متاح

من الثانية 25 إلى الثانية 51، ومن الدقيقة 1:32 إلى الدقيقة 2:02، استخدم رعد كمّاً هائلاً من العروض في فترة زمنية قصيرة جداً، وركّب الكلمات والقوافي بطريقة معقّدة تتيح له إبراز مهاراته. نستطيع اعتبار اللازمة أبرز ما في الاغنية. هنا، يستغل رعد موسيقى أغنية لفريق باك ستريت بويز التي اشتهرت وانطفأت منذ أكثر من عقد ليدخلها في الثانية 31 من المقطع الأول، ومن ثم مروراً باللازمة، ووصولاً إلى النهاية في حركة غير متوقعة يحيرنا فيها أبيوسف مرّة أخرى.

ڤترينا

لا أبالغ إذا قلت إن هذه الأغنية طفرة في الهيب هوب المصري.

تقوم الأغنية الهادئة على نبرة صوت مطعّمة بالـريفيرب: المؤثّر الصوتي الذي يتلاعب بزمن الصّوت، ومع كلمات تستدعي السهل الممتنع. كل ما في الأغنية جديد تماماً بما تحتويه من ابتكار وتوظيف ذكي للمؤثرات الصوتية واختيار الكلمات المناسبة على الموسيقى، لكن من دون التضحية بجوهر الراب من طريقة إلقاء وإيقاع وقوافي وسجع.

كل هذا مع تواصل المقطع الموسيقي الرئيسي على الغيتار على مدار زمن الأغنية، سوى عندما يتوقّف في آخر الأغنية لفترة زمنية قصيرة جداً. يمنح هذا الاستمرار عمقاً للكلمات التي ينطق بها رعد، كما يضفي الأوتوتيون صفة إلكترونيّة على الصوت، وهو ضروري هنا لأن تطعيم الأغنية إلكترونيّاً سيتفق مع طريقة غناء أبيوسف في اللازمة. الأمر الذي يساعده فيه استخدام مؤثّر صوتي غير مألوف.

بعبع

تبدأ الأغنية بخط رئيسي على البيانو يساعد على إضفاء أجواء بعبعيّةعلى الأغنية. يزيد الأغنية إثارة بعد ذلك دخول الكمان. تتغيّر الموسيقى قبل نهايتها بأقل من دقيقة ١:٥٠ ويزيد زخمها، فيغير معها رعد طريقة إلقائه ليصل بمعاني الأغنية إلى ذروتها.

بداية من الدقيقة ٢:١٢ ووصولاً إلى خط النهاية، يظهر نجاح استخدام المؤثرات الصوتيّة في صوت البع بع مع تغيّر الإيقاع وتكثيفه، فيما يزيد الكمان من دراميّة المقطع الأخير، مضفيّاً عليه منحى ملحميّاً.

لفت انتباهي هنا تقنية قليلة الاستخدام في مشهد الراب المصري، إن لم تكن معدومة، وهي قول أبيوسف: “أنا ديوك نيوكم وسط ديوك جيفارا، مستدرجاً أسماء متخيّلة مثل ألعاب الفيديو، ويستخدمها ككنايات عن النفس. الأمر الذي يوظّفه بنجاح الرابر جون وين.

رعد هنا هو ديوك نيوكم الذي يقبل بتحدّي قتل الديوك في اللعبة المشهورة، محيلاً إيّاناً أيضاً إلى قتال الديكة الذي يراهن عليه في مختلف بقاع العالم. هنا نقف أمام أمر آخر يميّز أبيوسف، وهو الاستعارات المكنيّة. رعد هنا يشبّه نفسه بالبطل الخارق المعروف، مستغلاً تلك الاستعارات في الجُمل فتصبح الجملة تحتأرضية، أي ذات عمق غني بالمعاني نستطيع تتبّع تفرّدها عن الصور التقليديّة.

أشُكّ

أغنية الصمود واليقين والتحدي على ما يقوم به رعد من مساهمة في مشهد الراب المصري. تتميّز الأغنية بتركيب الطبول والتكثيف العددي في السطر الواحد لكل جملة موسيقيّة. استخدام المؤثرات الصوتيّة هنا ممتاز، وتم توظيفه جيّداً وبوضوح. طريقة الأداء والتعبير الصوتي لـ رعد واستغلال صوته من خلال نبرة معيّنة له تأثير مباشر على المستمع. فمثلاً استخدام المؤثر الصوتي في جملة افتكروا بس إن إحنا ابتدينا نبقى مسموعينحيث يوجّه أبيوسف رسالة للمستمع ولكل من يريد المساهمة في بناء مشهد الرّاب، مكتفياً بالحديث عديم الفائدة ومبتعداً عن الفعل.

مش عايز

باخد موقف أنا مش سويسرا

يستخدم رعد الأوتوتيون عنا بطريقة أصلية وجديدة، سارقاً انتباهنا عن المزج بين الكلمات وطريقة الإلقاء، لتنتج في النهاية أغنية تحتوي على خليط ما بين الراب والموسيقى الإلكترونيّة. يظهر هذا جليّاً في استخدام البادز في الخلفيّة الموسيقيّة المستمرة على مدار الأغنية. يتجرّد رعد في هذه الأغنية من ملابس الراب، ويرتدي ملابس الموسيقى الإلكترونيّة بأدائه الغنائي البسيط الذي لا يحتاج إلى إمكانيّات صوتيّة هائلة فالفكرة كلّها هي الغناء بمساعدة الأوتوتيون.

الكلمات بسيطة جداً بشكل يتيح لنا التساؤل: هل هي أغنية عاطفيّة بالمفهوم الخاص، أم أغنية عاطفيّة مفتوحة المعاني والإسقاطات؟ أعتقد أن الجواب هو أن لدى فنان بموهبة أبيوسف، تصبح أكثر التجارب الشخصيّة مجالات مفتوحة يمكن لأي منّا أخذها وتحليلها وسماع حياته الخاصة فيها.

هيكتور

توقفت كثيراً عند هذه الأغنية التي قد تكون – كأغنية مستقلة عن الألبوم مقبولة إلى حد ما، ولكنّها تبقى بعيدة عن مستوى رعد وسواج لي في هذا العمل. قارنت الأغنية مع أغنية أوك، لاختيار أضعف أغنية في الألبوم، فوجدت أن الأولى أضعف بما فيها من أسلوب تقليدي في الإلقاء وتخلّيها عن التجديد في الكلمات والتركيبة الكلاميّة، إضافة إلى تقليديتها في إيقاع الطبول والآلات المستخدمة. كما تعاني الأغنيّة من انعدام اللحن، واعتمادها على الطبول فقط، مع إدخال الترومبيت كل حين، لكن كدخيل ممل يفقد المستمع الرغبة في الاستمرار بالسماع. في النهاية، كان من الممكن تجاوز هذه الأغنية، ولكن من الصعب جداً تجاوز باقي الأغاني.

أخيراً

بعد تفكير واستماع مستمر منذ إصدار الألبوم الذي يبلغ طوله نصف ساعة و27 ثانية لاستخراج نقاط الضعف واصطياد ما قد يشوبه من مفاسد وعيوب، أُقِر بأنني فشلت ولم أجد شيئاً.

لم أجد سوى ألبوم راب مثير وممتع ومكتمل العناصر: ابتداءً من طريقة الإلقاء والأداء البارز في العمل ككل، وصولاً إلى الموسيقى من ألحان إلى إيقاعات ومؤثّرات صوتية وعيّنات، ومروراً بالكلمات من تعقيدات كتابيّة إلى معانٍ واستعارات وتركيب الجُمل وتنوع العروض، نهاية بأسماء الأغاني واسم العمل الغامض (يشرح أبيوسف الاسم في مقابلته مع معازف) والعصي على اللفظ. بالتالي: هذا عمل متكامل يفتح مجالات جديدة لمشهد الراب المصري والعربي.

يمكن أيضاً اعتبار العمل، بما يحتويه من تجديد وتغيير وتطوير، إبرة علاج تعالج مشهد الراب من مصابه المتمثّل في التمسك بنمط واحد يتبعه الكل من دون الحياد عنه، الأمر الذي يؤدي إلي تهكلة أي فن. هذا النمط موجود في الشكل: طريقة بناء الأغنية والآلات والإيقاعات المستخدمة. كما يوجد أيضاً في الموضوع: ليست مشاكل المجتمع هي ما يجب أن يتقيد بها الرابر أو ما يمكن أن يميّز هذا الفن عن غيره. فهذا معتقد يسود المشهد حاليّاً، خصوصاً بعد اندلاع الثورة المصريّة عام 2011. نحن هنا في مجال الفن، والمعيار يجب أن يكون الجودة والابتكار. في نفس الوقت ليس التحرّر من الموضوع هو معيار قوة العمل أو ضعفه، فما يهم هو ليس ما يقال، بل كيف يقال.

يبقى السؤال: هل الجمهور مستعد لسماع هذا النوع من الراب، أم أن تقبّله سيكون صعباً؟ قد يختلف البعض، وقد يكون للعمل ذو صدى أو لا، ولكن جودة YFGYY تفرض نفسها بالقوة.

المزيـــد علــى معـــازف