.
قبل حركات الاحتجاجات العربيّة الشعبيّة في العام 2011، لم يكن ميدان الموسيقى البديلة يحفل بالتشاركيّة الفنيّة بين مؤدين ومغنين عرب من بلدان مختلفة. وذلك قبل أن تخلق عوامل نتجت عن حصيلة المناخ العام الذي خلفته حركات الاحتجاجات العربية. من هذه العوامل انتقال عدد كبير من صنّاع وجمهور الموسيقى البديلة السوريين إلى عمّان وبيروت حيث حرّك وجودهم ركود المشهدان الموسيقيّان هناك. لينجز بعضهم عدداً من التعاونات الفنيّة مع مغنين من لبنان والأردن مثل سيد درويش وبو كلثوم. ومن العوامل الرئيسيّة أيضاً سهولة وانخفاض كلفة التسويق التي أصبحت توفّرها مواقع التواصل الاجتماعي. ولكنّنا لسنا بصدد تحليل كل العوامل والوقوف عندها، بل مصائر هذه التجربة اليوم.
في أغنية براءة لناصر دين الطفّار يقول: “الله ناس بلحمها الحي صوب القدس مجمّعة، عم ترعب لدورية ملالات مدرعة، بالبحرين بدوار اللؤلؤة، وبمصر ضد الكل بميدان التحرير، بسوريا عم ينقصف منّو بقصر الأمير“. يعبّر بو ناصر، في مقطع التدفّق الذي لا يستغرق أكثر من عشر ثوانٍ، باللهجة البقاعيّة عن موقف آيديولوجي. وبعيداً عن تحليل هذا الموقف، فالمؤدّي يقول من خلاله ضمناً أن المعضلة السياسيّة، وربما الاجتماعيّة، هي واحدة في هذه البلدان الأربعة التي يذكرها، إضافة إلى لبنان الذي يأخذ باقي مساحة الأغنية.
هذا التشارك بين الشبان هو تشارك واع لركاكة رومانسيّة التغزل بالعمل العربي المشترك على طريقة السياسيين. ففي النتيجة، هو تشارك يحاول أن يكون خارج عباءة هذا التوصيف الذي كان عند آخرين غاية بحد ذاتها لتمييع المشكلات والالتفاف عليها. ففي أغنية الحريّة من اسطوانة صوت من خشب، يقول الفرعي: “هادا مو فكر قومي من النوع القديم، اللي بيقلب فاشي عمرّ السنين، بعدين بصير إقليمي بكون وقع بالفخ (..) مش الحلم العربي بوزنها التجاري، ياما حاولت أعزفها بس ما بيرضاش غيتاري“.
المميّز حتى الآن في تجربة التشارك في الراب عند هؤلاء الشباب أنّه أبرز هذه المواهب بلهجاتها المحليّة حيث يعبّر كل منهم بحسب قدراته وموهبته بشعريّة اللهجة المحكيّة لبلده، وربّما لمنطقته، كما في حالة الطفار الذي يؤدي بلهجة سهل البقاع. كما أن تجربة الفرعي أخرجت إلى السطح مساحة من المحكيّة العمّانية لم نكن نسمعها في راب عربي بهذه الصيغة.
وكنموذج، سأتوقف من أسطوانة “آدم، داروين والبطريق” فقط عند التراكات الثلاث المشتركة بين الراس ومؤدين آخرين، لأنها تشكّل صورة عن المكان الذي وصل إليه أربعة من مؤدي الراب الأساسيين في منطقتهم في الوقت الحالي.
في الجليد – الراس والفرعي
في العام 2013 قدّم الراس والفرعي أعمالهم ضمن جولة في بعض الدول الأوروبيّة. وكنتيجة عن تجربة التفاعل مع أفراد من الجاليات العربيّة هناك، وعن التجربة بمجملها كتب الاثنان أغنية في الجليد.
[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_original”,”fid”:”1418″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”typeof”:”foaf:Image”}}]
اختار مونما والراس أن تكون هذه الأغنية الأكثر هدوءاً في الأسطوانة الجديدة على مستوى الإيقاعات والخلفيّة المرافقة للراب. وترافق كلمات الأغنية بداية رحلة الشباب إلى البلدان الاسكندنافيّة “موظفة سفارة قالبة بوز(هـ)ـا، كيف عطوك فيزا؟ هيك أشكال خصصنالها لامبيدوزا” في إحالة إلى الجزيرة الإيطاليّة التي تعتبر محطّة في رحلة الهجرة غير الشرعيّة من أفريقيا إلى سواحل أوروبا الجنوبيّة.
يحيلنا مطلع الأغنية إلى مطلع أغنية أخرى للبناني شربل روحانا والذي (بحسبة معيّنة) يعتبر من أوجه الموسيقى البديلة في لبنان. تبدأ أغنيته الحمد لله من اسطوانة “خطيرة” ببداية مشابهة مع موظفة سفارة: “الحمد الله أخدنا الفيزا، وختمتلي ياها ليزا“. وفي نهاية الأغنية، يقرّر المغني، الذي يتحدث بلسان الشخصية، أن يبقى في لبنان بصورة رومانسيّة تطفو على سطح واقع للشباب اللبناني.
لكن في أغنية في الجليد، نحن أمام نوع آخر أكثر صراحة وأقل تصالحيّة مع الوطن أو المجتمع: “هونيك بشغل عنيي وهون بشغل دفتري، لإنّه عرب الدانمارك أسعد من عرب الزعتري“- يقول الراس في توصيف ينأى بنفسه عن الرومانسيّة الممجوجة من دون خسارة شعريّة النثر العامي المستخدم: “عن جسور أوروبا اللي تحتها بيعمل ديل، وعن جسور الوطن اللي رموه تحتها قتيل“. لا يخلو المقطع الذي يؤدّيه الراس من المباشرات اللغويّة القريبة من النفس الخطابي الذي يمّرر ضمناً عبر تدفّق العامية: “مش عارفة الأرض بتقرّب لما بزيد جوعي“. وهي خطابيّة نلمسها هنا وفي أماكن أخرى من إنتاج الراب والشباب الآخرين في هذه الأسطوانة وفي إنتاجات سابقة.
أمّا المقطع الذي يؤدّيه الفرعي فيبدو منسجماً مع أسلوب الراس الذي ينوّع في أعماله بين الفصحى والعاميّة: “ما تفكّر تعريف الوطن كتير جغرافيا، بيتزا سورية بستوكهولم انتقاماً من مافيا” يبدأ الفرعي بصورة معينة يطرحها، ثم يعيدنا إلى شرط أغنية الراب التي يؤيدها، فمثلاً: “بنحكي بالإنجليزي للعربي اللي بالغربة شاب، خايف جيمي يرد علينا بتراك اسمو استغراب“. محيلاً إلى أغنية استشراق التي أنجزها مع الراس عام 2012.
أسلوب الفرعي هذا يظهر باستمرار في أغانيه: “هاي الأغنية للحلبي اللي ما رضيش ياخد منّا، للعراقيّة الشيعيّة اللي بتحكي بمأساة السنّة“. ولو أنّه يكرّر نسبيّاً أسلوبه، إلا أن الفرعي يعود وينوع تدفقه: “الوطن والغربة غربتين، الغربة عشرة بغرفتين، نظام ونصرة جبهة سيسي مرسي ما في جبهتين“. أو في: “معلش عربياتي خفاف، برشة كتير بالزّاف، بس لساتني بحكي بالكاف أنا يا ابن خالتي“.
ربما سبقت في الجليد أعمال أخرى أكثر زخماً من الراس والفرعي، إلا أنّنا هنا أمام خطوة أبعد في الشراكة بين الشابين، فمصداقيّة وواقعيّة الأغنية تأتي من تجربة مشتركة معاشة لعملية استكشاف وتعرّف على بعض المهاجرين العرب في البلدان الاسكندنافيّة عبّر عنها الشابان على مسرح مترو المدينة بزخم أدائي يفوق البرودة المقصودة التي نستشعرها في الأغنية المسجّلة.
أنباء هامة – الراس وبو ناصر الطفار
ليست أنباء هامة التعاون الأول بين بو ناصر والراس، فقد سبقها عدد من التجارب مثل بيروت خيبتنا ولبنان 2 أتت جميعها في سياق الوضع اللبناني وما يحمله من تشابهات مع مجتمعات عربية أخرى، أو من ارتباط مباشر بالوضع السوري.
[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_original”,”fid”:”1389″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”typeof”:”foaf:Image”}}]
يبدأ الطفار تدفقه بمتلازمة أفعال أمر “طفّي التلفزيون مرّة وشوف بلا منتجة، سماع بلا دبلجة، فكّر بلا أدلجة“. نحن هنا أمام مانفيستو ضد ابتذال وارتهان وسائل الإعلام، وهو موضوع تحدّث عنه المغنّيان مراراً، لذلك نجد جملاً تكرّر معانٍ تطرّق هؤلاء الشباب أو غيرهم لها في السابق: “مذيعة مبرّجة قدام جثّة مضرّجة“- وهي صورة مكرّرة منذ أيّام برامج زياد الرحباني الإذاعيّة.
ومع هذا، فلا يخلو مقطع الطفّار من بعض الجمل التي تحمل صورة أو معنى لم يتطرّق له في السابق: “لمّا الرحباني يتقدمّلك كفن بديل، من الطبيعي الـlbc تصورلك من إسرائيل“، وغيرها من الجمل اللمّاحة السريعة التي يتميّز بها أسلوبه المغلّف بلهجة سهل البقاع اللبناني، والتي يحتسب للطفّار توظيف إيقاعها في أدائه.
في نهاية المقطع يكرّر بوناصر: “الثورة عالطريق، الثورة مو عالشاشة” ليدخل الراس ويشاركه بها، ويبتدأ بها مقطعه في الأغنية التي تدخل في إطار تحريض مباشر يبقى عند سطح اللغة. كان التحريض في أعمال سابقة بين الشابين أكثر بلاغة وأقل مباشرة مثل: “بيروت خيمتنا، قالوا الموهومين، بيروت خيبتنا، راس وناصر الدين” في نهاية بيروت خيبتنا التي نشعر أن أنباء هامة تكرار لخفّة لغويّة لمسناها هناك.
نفس الملاحظات عن المباشرة والتكرار تنطبق على تدفق الراس من خلال الجمل المباشرة التي تنتقد متاجرة وسائل الإعلام بدماء البشر، وغسيلها لعقولهم، وتكرار لبعض المعاني التي مرّ عليها سابقاً: “بين المنار والمنارة البيضاء تشابه بيداء” في مقارنة بين قناة المنار التابعة لحزب الله والقناة الإعلامية لجبهة النصرة على يوتيوب “المنارة البيضاء“. وقد كان الراس قد قال سابقاً في بيروت خيبتنا: “قولك الفقر الشيعي بيجي غير الفقر السني؟ المعدة الفاضية ما بتسأل عن الطائفة قبل ما تغنّي“.
المتابع لإنتاج الراس لا يقع إلا على جمل قليلة تجمّل معانٍ جديدة غير مطروقة من قبل في أعماله مثل: “فيك تسب حزب خصمك، بس أوعى تخاطب ناسه“، ولكنّها تمرّ سريعاً في الأغنية التي ركزت على انتقاد وسائل الإعلام وآليات انتاجها، والتي انتهت بجملة أصابت منطقها إصابة بليغة: “بس بعده المسلسل تركي“، في نهاية تحيل إلى آخر متآمر، غالباً ما كان هؤلاء الشبان في أعمالهم في وارد تفنيده أو التحجيم من دوره، وليس ذكره فقط ونقطة. لذلك جاءت النهاية مغلقة أضعفت من سويته.
أمعاء دقيقة – الراس ومقاطعة
تأتي هذه الأغنية على تدفق مغاير يبدأه مقاطعة بالفصحى. تركيب المعنى الكامل لتدفق مقاطعة ليس مهمة سهلة على المستمع. فالمعجم اللغوي الذي يستقي منه كلماته يضم مفردات تبدو مختبريّة وعلميّة (كروموسومات، شيفرات الجينات، إلكترونات). عبر توليفته المتعددة الطبقات، يركّب مقاطعة مقولاته متعدّدة المقاصد، متطرّقاً إلى مشكلات كونيّة: “تلوّث سماء، تشويه كروموسومات، معلّبات تحتفظ برسومات شيفرات الجينات” لنجد أنّنا أمام مشاكل التلوث وتجيير العلوم المتطوّرة للمقاصد الربحيّة والاستهلاكيّة، وغيرها من المشكلات المشتركة لأبناء وبنات هذه المنطقة مع الآخرين على هذا الكوكب.
[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_original”,”fid”:”1417″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”typeof”:”foaf:Image”}}]
يُلمح مقاطعة مجازاً لحلّه المفترض لهذه المشكلات: “اعزف على قيثارة أور، لتحليل غلاف أيون“. فمجازيّاً، العودة إلى الآلة الموسيقيّة الأقدم في التاريخ (المكتشفة في بلاد الرافدين) هي الحل لتفكيك أقوى الروابط الفيزيائيّة (الرابطة الآيونيّة) الموجودة في بنية معظم العناصر الموجودة في الكون. كما قلنا الوصول إلى معنى كامل لتدفق مقاطعة ليس مهمة بسيطة، ولكن من الواضح أن الهدف الذي يتوجه إليه هنا ليس مغرقاً في محليته كما في أغانٍ أخرى من الأسطوانة (أنباء هامة مثلاً)، بل هو كوني التوجه من دون وجود ملامح علاقة إشكاليّة مع هذا الآخر الكوني الذي يعاني من مشاكل البيئة وغيرها كما يعاني مقاطعة هنا.
الملمح الثاني المهم لتدفق مقاطعة هو في الموسيقى التي تشغلها اللغة بحد ذاتها: “تقلب أقطاب الأرض رأساً على عقب، بإحداثيات تشقلب ع س ص بنهاية كل عقد“. فتراكم الكلمات وراء بعضها يشكّل مجموعة ذروات صغيرة على مستوى موسيقى الكلمة، الأمر الذي يخلق مدخلاً قوياً لمساحة الراس.
وبين العاميّة والفصحى، يستخدم الراس مصطلحات تقارب لغة العهد القديم لتقدم مقولات عن السرديّات التي خلقتها (الإمبرياليّة) الرومانيّة عن نفسها في كتابة تاريخ الرسالة المسيحيّة: “هو الصولجان بروما، بإيد قيصر الروم، والمسمار بأورشليم بكف خطيب كفرناعوم“. فمثل مقاطعة، يحتاج تدفّق الراس مجهوداً لتكوين المعنى في الكتلة الأكبر منه، فتغدو المتعة هي متعة السماع المتكرّر للأغنية لتركيب معنى هذه الجمل السريعة التي لا تحيلنا إلى مقولات جديدة عن أسلوب الراس.
فهناك “نحن” و“هم“: القيصر هناك في روما، والمسيح (خطيب كفرناعوم) هنا، وكذلك في الخاتمة: “أنا ابن نوفل ورقة، بنصوص نجع حمادي“، فيشكّل ضمير الأنا عند المؤدي الصوت المعترض على هيمنة الامبراطوريّة الرومانيّة على الدعوة المسيحيّة، بينما تكشف وثائق التاريخ ومنها، ومنها نصوص “نجع حمادي” المكتشفة في صعيد مصر، سرديّات مغايرة للدعوة المسيحيّة عن تلك التي سوقت لها الامبراطوريّة الرومانية، التي خلقت بالقوة سرديتها الخاصة على حساب المعترضين المضطَهدين من مسيحيي الشرق: أولئك الذين يصادف أيضاً أنهم من “هنا” حيث ينتمي “الراس” جغرافيّاً.
لا أحاول هنا تقديم شرح مفصل لجمل الأغنية التي تغري بتقديم التفسيرات، إلا أن هذا الإجراء ضروري للوصول إلى المعنى الذي بات يتكرر نسبياً في أسلوب الراس والفرعي وآخرين عن العلاقة الجدليّة مع الآخر. بينما يتّخذ مؤدون آخرون مثل مقاطعة موقفاً نقديّاً من هذه الثنائيّة: ثنائيّة علاقة الاستلاب أو الاستلاب العكسي للغرب (1). وهي علاقة أخذت مساحة لا بأس بها من إنتاجات مؤدي الراب الشباب في المنطقة في نماذج ذكرتها سابقاً مثل: استشراق، الانتاج المشترك بين الراس والفرعي الذي يرسم صورة كاريكاتوريّة عن مستشرق جديد يدعى جيمي، و”حريّة” للفرعي، وحتى في الجليد. في هذه الأعمال، يظهر الآخر الذي يجب التوجه إليه، أو العزوف عنه، أو تفنيد العلاقة معه وتوصيف أبعادها. هذا ما نلاحظه خارج هذه الأعمال أيضاً: ففي حواره مع معازف، يقترح مقاطعة الحوار مع الذات، والآخر المحلي عوضاً عن التوجه للآخر ووصف بيئتنا ومجتمعنا له.
من المجحف الادّعاء بأن عمل الراس في الشق الثاني من أمعاء دقيقة مهووس فقط بالعلاقة مع الآخر، أو أن الفرعي في “حريّة” لا يتطرّق لمواضيع أخرى أصيلة ومحليّة. فمنذ البداية، يضعنا الراس مع عنوان اسطوانته “آدم، داروين والبطريق” أمام علاقة ثلاثيّة الأقطاب فيها بعد تجديدي (البطريق) وليست ثنائيّة محدودة مع الآخر. وعلى هذا المنحى تنوس الاسطوانة كلّها بين إشكاليّات هوياتيّة عن العلاقة مع المقدس: في “كشغرة“ (2)، أو الذات في بلاد الجليد، وعن العلاقة مع الذات في معركتي. وهي إشكاليّات يبدو أن المرور عبرها يشكل عتبة أساسيّة للمحاولات الجديّة في الراب العربي.
مونما
إذا كان الراس شغل مساحتي تأليف التدفق وأدائه في العمل، فإن السويّة العالية للتصميم الموسيقي الذي ينجزه الموسيقي جواد نوفل “مونما” هي التي تشكل العلامة الفارقة في آدم، داروين والبطريق. فمن خلال أربعة عشر قطعة مختلفة، يتنقّل مونما برهافة وحسم بين مناخات صوتيّة مختلفة.
فالموسيقى تتقدم من خلفيّة الأغنية لتشغل هويّة صوتيّة تطبع شخصيّته كما في أغنية كشغرة الذي يستخدم فيها لازمة مديح نبوي مجرّدة من سياقها: “اللهم صلي وسلم، يا ربي صلي وسلم“. فالتكرار الذي يندغم مع اللغة والإيقاعات المصممة إلكترونيّاً يشكل النتيجة النهائيّة حيث يتواتر في الخلفية اختناق لعبارة المنشد ” اللهم” التي لا يستطيع إكمالها، فيكتم صوته مفسحاً المجال لصوت الراس، لتضح حميمية شراكة الراس ومونما ورسمهما هويّة الاسطوانة وفق رؤية ثنائية مشتركة.
ما يحسب لمونما أيضاً هو قدرته على العمل مع الراس الذي يوازي بين الفصحى والعاميّة، إضافة إلى ثلاثة مؤدين بلهجات وطبقات صوتية مختلفة. وربّما لذلك كلّه ذهب مونما في هذا العمل إلى نقطة بعيدة في خلق هويّة سمعيّة لاسطوانة راب عربي.
متعة بدائيّة
جرعة النقد وعدم المهادنة التي يتبناها الراس وأصدقاؤه تقصيهم عن عالم التلفزيون والإذاعات الرسمية التي لا يطالبون بها أساساً، ولذا فبعيداً عن تسميات مثل فن بديل وفن الهامش، لا يملك الراس وأصدقاؤه الكثير ليخسروه.
أمّا المطبات الصغيرة التي تقع فيها هذه التجربة مثل تكرار الذات أو المباشرة الخطابيّة هي حتى اليوم مشاكل قابلة للحل في حال تكرار الأعمال المشتركة بين أصحاب هذه التجربة. توازي أكثر من أسلوب ولغة ومؤدٍّ في عمل واحد لا بد أن يحرّض على سويّة عالية. ذلك لأن المتعة في أن تلاقي من يشبهك في طريقة التفكير ربّما لن تكون كافية لجمهور الراب العربي في الأيام القادمة.
الهوامش
1 انظر: قصتنا وثقافتنا وهواجسنا: مقاطعة يتحدث إلى معازف.
2 يستوحي الراس هنا اسم التراك، وموضوعه من قضية الكاتب والمدون السعودي حمزة كاشغري الذي اعتقلته السلطات السعودية بعد كتابته لتغريدات على موقع تويتر اعتبرت مسيئة للنبي محمد.