.
https://www.youtube.com/watch?v=uRxU9oYJDZ8
تكاد تكون المعادل الغنائي لخطاب التنحي الشهير لجمال عبد الناصر والمروية الرسمية الوحيدة عن لحظة الهزيمة نفسها. أغلب الأغاني بعد ذلك دارت في فلك ضرورة تجاوز اللحظة المؤلمة، وشحذ الروح لمواصلة القتال واستعادة ما ضاع من الأرض.
“مر الكلام زى الحسام / يقطع مكان ما يمر / أما المديح سهل ومريح / يخدع / لكن بيضر…”. هكذا قال أبو النجوم في قصيدة أخرى بحس الشاعر والحكيم الشعبي. وهنا، يقدم الثنائي المغضوب عليه مواجهة صريحة مع الحدث ويسميان الأشياء بأسمائها من جهة الجموع الغاضبة، لا من داخل استوديوهات ماسبيرو.
من أغاني مرحلة حرب الاستنزاف في السنوات التالية للهزيمة. تبدو البطولة هنا للتوزيع الموسيقي للمايسترو علي إسماعيل مع ألحان بليغ حمدي التي صاحبت أعمال حليم في تلك الفترة بعد انسحاب كمال الطويل. أما الشاعر محسن الخياط فهو من المقلين، ومن أشهر أغانيه ع اللي جرى من تلحين حلمي بكر والتي غنتها عُليا التونسية ثم استعادتها أصالة نصري بنجاح أكبر نهاية التسعينيات.
كان نزوح أهالي مدن القناة (السويس والإسماعيلية وبورسعيد) بعد النكسة من أكثر الفصول إيلامًا في التاريخ المصري الحديث. من قلب تلك الخبرة ومعايشًا لها كتب الأبنودي هذه الأغنية ولحنها الموسيقي ذو الحس الشعبي إبراهيم رجب ليغنيها المطرب اليساري محمد حمام. أعاد محمد منير تلك الأغنية مؤخرًا واستعادتها جماهير ميدان التحرير في ٢٠١١ بعد سقوط أول شهيد في الثورة من مدينة السويس نفسها.
على الرغم من أن محمد نوح قريب عمريًا من حليم وبليغ حمدي وذلك الجيل، إلا أن تجربته الموسيقية تنتمي لأجيال أحدث. وقد يكون نوح أول من غنى بالعربية مع فرقة غربية دون مصاحبة التخت الكبير كالفرقة الماسية ومثيلاتها من الفرق. طوال السبعينيات والثمانينيات، مارس نوح التلحين والغناء من خلال فرقة النهار التي صاحبته فيها بالغناء أحيانا ابنته السوبرانو سحر نوح. واتجه لاحقًا للتأليف الموسيقي بعد أن درسه في جامعة ستانفورد الأمريكية. من أشهر أعماله في هذا السياق الموسيقى التصويرية لفيلم المهاجر ليوسف شاهين.
في الثامن من أبريل/نيسان عام ١٩٧٠ قصفت طائرات إسرائيلية بخمس قنابل زنة ألف رطل مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة في محافظة الشرقية في مصر أثناء دروس الصباح المبكر. أسفر الهجوم عن مقتل ثلاثين طفلا وإصابة خمسين آخرين من التلاميذ والمدرسين والعاملين. كان هذا الهجوم مع الهجوم على مصنع أبو زعبل شمال شرقي القاهرة الذي راح ضحيته نحو سبعين من عمال المصنع من أشهر الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين في مصر. وكانت هذه القصيدة استجابة الشاعر فؤاد حداد للحدث وقدمتها الفنانة ماجدة الصباحي في فيلم العمر لحظة من إنتاجها وإخراج محمد راضي الذي كرس جانبًا من انتاجه لأفلام الحرب مع اسرائيل.
يكتب صلاح جاهين هذه القصيدة عن حادثة قصف مدرسة بحر البقر بحساسية مختلفة عن حساسية فؤاد حداد. وقد يكون هذا هو اللقاء الوحيد الموثق لصوت الفنانة شادية مع كلمات جاهين وألحان سيد مكاوي. كانت شادية قد قدمت أغنية أخرى عن جريمة مصنع أبو زعبل الإسرائيلية لنفس الثنائي، بعنوان عناوين جرانين المستقبل لكن التسجيل غير متوفر.
من فيلم عودة الابن الضال الذي يعالج فيه يوسف شاهين رواية أندريه جيد التي تحمل نفس العنوان مع سيناريو وحوار صلاح جاهين الذي كتب أيضًا أغاني الفيلم. ينصُب هذا الثنائي في الفيلم محاكمةً للجيلين اللذين تورطا في صناعة الهزيمة. الأول هو جيلهما الممثل في علي الابن الضال والثاني هو جيل الضباط الأحرار الممثل في طُلبة الأخ الأكبر. ولا يبدو بريئا في هذه الملحمة الدموية سوى الجيل الأكبر ممثلا في الجد، والجيل الأصغر ممثلا في الحفيد وحبيبته التي لعبت دورها الفنانة ماجدة الرومي منشدة هذه المقطوعة. لم يكن هناك من هو أنسب من كمال الطويل لتلحين هذه القصيدة.
وبعد عشر سنوات أخرى يعاود الثنائي شاهين/جاهين فتح ملف الهزيمة برمزية أكبر. يعالج شاهين في فيلم اليوم السادس روايةً للكاتبة الفرنسية لبنانية الأصل مصرية المولد أندريه شديد، ويحكي عن قصة حب غريبة بين مهرج شوارع شاب وفلاحة عجوز في وسط أجواء وباء الكوليرا الذي ضرب مصر عام ١٩٤٦. قد يكون تفسير الوباء كرمز لكارثة الهزيمة هو نوع من التأويل المفرط، لكن كلمات صلاح جاهين في الأغنية لا توحي بغير ذلك. هي إحدى التجارب القليلة للمؤلف الموسيقي عمر خيرت في تلحين الأغاني، مع أداء مميز لمحمد منير.