.
يعتبر لي جامبل أحد المنتجين الذين عاصروا تغيرات المشهد البريطاني الإلكتروني على مدار الثلاثين عامًا الماضية. جاء ألبومه السابق إمنستِك برِشر كنظرة شاملة على الماضي، وحصاد لأنواع عديدة. تبينت لنا في الألبوم أنواع فرعية مثل الجانغل والتو ستِب والآي دي إم والتكنو ومقاطع محيطة تلازمها إيقاعات معتمدة بالأساس على الكيك. لم يكتف جامبل بذلك، بل سعى لإضافة صبغة تفكيكية في محاولة منه لإبعاد أي شبهة استعادية، وعدم الثبات على النمط الراقص. ربما ما ساعد جامبل على ذلك هو اعتياده على إنتاج موسيقاه في منطقة فريدة، ذات خط رفيع يفصل بين ما هو راقص وما هو تجريبي، لذلك قام في ألبوم كُتش بكسر النمط الراقص، سواء كان بتفكيك الإيقاع أو التلاعب بأصوات السنث والعينات الصوتية أو استخدامه لخامات غير معتادة في الموسيقى الراقصة، وأخيرًا باعتماده على صوت لو فاي على عكس الموسيقى الراقصة اللامعة المبالغ في إنتاجها. لا يتقيد لي جامبل بالعموم بموسيقى أنتجت لأماكن محددة، إذ من الممكن تشغيل أعماله في حلبة الرقص أو البيت أو السيارة. ما يتطلع إليه هو دفع المستمع لتجربة موسيقاه بأشكال مختلفة، ومن ناحية أخرى إنتاج ما يحلو له.
في ألبومه القصير الجديد إن إِ برافنترال سكايل، والصادر عن تسجيلات هايبر دب، يأخذ لي جامبل اتجاهًا مختلفًا عن أعماله السابقة. حتى المستمع الذي كان قادرًا على تمييز أسلوب جامبل بين عشرات المنتجين في بريطانيا، سيواجه صعوبةً في تتبع أسلوبه المعهود في هذا الألبوم. فعلى عكس أعماله السابقة، والتي اعتمدت بشكل أساسي على الإيقاع والخامات المركبة والصوت المشوش، يسلك جامبل هنا اتجاهًا أكثر تقليليةً، وينتج صوتًا واضحًا من الممكن تفصيل عناصره وطبقاته بسهولة.
يأخذ صوت سنث الإف إم الصدارة في معظم الألبوم، معتمدًا على دور أساسي للأربيجييتُر. قد تكون هذه الخطوة مجاريةً لصوتٍ حالي أصبح طاغيًا على مشهد الموسيقى الإكترونية، كما في موسيقى لورنزو سِنّي وسوفي وميكاتوك وألبوم بارَيا هير فرُم وير وي آر. يظهر ذلك في الألبوم في تراك فُلدينج الذي يذكرنا بصوت أوتكر من ألبوم أوفر ستِبس وإن جاء بشكلٍ مبسّط. كما يظهر في مايني جادز مايني آنجلز وموسكو، وإن كان يحن في موسكو إلى الكيك الغليظة التي اشتهر بها، والتي يضيف إليها إيقاع ثابت يتنفس من خلاله تسلسل نغمات ذات خامة كثيفة تزيد من السمة الغامضة للتراك. هذا الصوت المعدني اللامع والمصمم بدقة يسيطر على الألبوم، وهو إضافة جديدة للذائقة الصوتية لجامبل.
في تراك إن ذَ رِك روم، يقترب لي جامبل من منطقة خاصة بأوبجكت في ألبومه الأخير كوكون كراش من حيث الدقة في تصميم الأصوات. تتنوع أصوات السنث والعينات الصوتية والبادز وأماكن الصمت، وتأتي في مواقعها المثلى لتشتبك مع الإيقاع الذي تتغير ديناميكيته من جزء إلى آخر. جميع عناصر الألبوم من الممكن تلخيصها في هذا التراك الذي يعد أفضل ما فيه. أما التراكين تشانت وبي إم في شوانجوهان إكس٥، فيأخذان اتجاهًا أقرب إلى الموسيقى التصويرية، بالأخص في الأخير، حيث يعتمد جامبل على صوت موتور سيارة يقوم بالتلاعب به بالمؤثرات مضيفًا إليه طبقات من السنث. يختتم الألبوم بـ مايني جادز مايني آنجلز بمشاهده الصوتية الساحرة وطابعه المحيط الذي يقترب في جودته من التراك الأول للألبوم فاتا مورجانا.
كان مايني جادز مايني آنجلز قد صدر في شهر كانون أول الماضي مع فيديو شديد الحرفية من تصميم كليفورد سايج، لكتلة مجردة ثلاثية الأبعاد معلقة في الفراغ تأخذ أشكالًا مختلفة مخترقةً أماكن مختلفة، وهي نفس الثيمة التي تظهر في فيديو إن ذَ رك رووم لكن مع تعدد الكُتل التي تحتويها غرفة واحدة. الشكل المجرد للكتل يعد انعكاسًا لأصوات الألبوم الدقيقة والخامات المعدنية التي تتحول باستمرار والعينات المُعالجة، كما يتّضح هذا أيضًا في تصميم غلاف الألبوم، لتتكامل عناصر الألبوم على المستوى الجمالي والمفاهيمي.
في إن إِ برافنترال سكايل، ينسحب لي جامبل من المشهد الراقص الذي ظل يغازله لسنين عديدة. ليس من السهل الجزم إذا كان هذا واحدًا من أفضل ألبومات جامبل أم لا، لكنه على الأقل يمتاز بالتماسك الصلب، على خلاف ألبوماته السابقة التي كان الواحد منها يتنقل بين عدة أصوات مستمدة من عدة أنواع فرعية، الأمر الذي قد يروق للبعض، وإن بدا مشتتًا حينما نتحدث عن ألبوم لا مجموعة منفصلة من التراكات. بذلك استطاع لي جامبل بثيمته الموحدة تشويقنا للإصدارين القصيرين القادمين اللذَين سيشكلان – بالإضافة إلى هذا الإصدار – ألبومًا مكوّنًا من ثلاثة أجزاء يحمل عنوان فلَش ريل فالنكس.