fbpx .

وحوي يا وحوي | التاريخ الطويل للأغنية المصرية الرمضانية

مهدي مبارك ۲۰۲۰/۱۰/۳۰

يقول الرحالة دي بريدنباخ إنه حين زار القاهرة قبل منتصف القرن الـ ١٩، كان رمضان على الأبواب. لم يزُرْه النوم طوال الليل بسبب الغناء والطبول، وخاف أن تكون كل ليالي القاهرة غارقةً في الصخب. حين سأل عن السر، أبلغوه بأن “هذه طبيعة ليالي رمضان.١

تعود أقدم الاحتفالات الموسيقية الرمضانيّة في مصر إلى عصر الدولة الطولونية، حين خرج الناس إلى الجامع الكبير الذي أنشأه أحمد بن طولون، وحولهم “اثنا عشر من المكبّرين ويجعلون الليل نُوَبًا بينهم، فيكبّر كلّ أربعة من ذوي الأصوات الشجيّة معًا، ويسبّحون ويحمدون الله، ويقرؤون القرآن بألحان مطربة وأنغام شجية استقبالًا للشهر الكريم.٢

بعد زوال الدولة الطولونية بعقود، تطوّرت هذه الاحتفالات إلى أغانٍ مخصصة لرمضان. كان ذلك عام ٩٧٢، حين بدأ المعز لدين الله الفاطمي، أول الخلفاء الفاطميين في مصر، جولته من بين القصرين حتى باب النصر ليلة أول أيام رمضان، وتحوّلت هذه الجولة إلى طقسٍ سنوي. يخرج بموكبه، وفي طريق العودة إلى قصره يوزّع حلوى وصدقات على الفقراء الذين يستميتون في الغناء لخليفتهم، وتحفّه موسيقى وأبواق لا تعزف إلا في حضرته. في هذه الليالي، صدحت أصوات المصريين بأغنيات رمضان لأوّل مرة.

جذور فرعونية

عام ١٩٢٨، قدَّمت الراقصة والمطربة عزيزة حلمي طقطوقة الغزل وحوي وحوي، من كلمات حسين المانسترلي وألحان أحمد الشريف. تنتمي الطقطوقة إلى موسيقى العوالم، وظلّت لوقتٍ طويل من أشهر أغنيات الموالد:

“وحوي وحوي / إياحة / البنت الخفة / فلاحة / وفـ إيدها خوخة وتفاحة / لابسة القميص وإله فاتحة / والصدر باين بالراحة / ونهودها بارزة مرتاحة / تقولشي إلا فلاحة / مشيت وراها للساحة / ضحكت وقالتلي إياحة / وحوي وحوي / إياحة / البنت الخفة / فلاحة / وفـ إيدها خوخة وتفاحة / أدوب يا اخواتي ف خفتها / ولا هياش دارية بسلامتها / نونو أوي يا بصتها / جذبتني والله بحلاوتها.”

هاجم بعض النقاد الأغنية باعتبارها “قبيحة”٣، وربما كان ذلك أحد أسباب التوبة الفنيّة التي قدمها كلٌّ من كاتب وملحّن الطقوطقة بعد بضع سنوات، على شكل الأغنية الرمضانية وحوي يا وحوي التي أداها أحمد عبد القادر.

استلهم حسين المانسترلي عبارة “وحوي يا وحوي إياحة” من الفلكلور المصري، إذ تعود إلى زمن إياح حتب، أم القائد العسكري أحمس، التي خسرت زوجها وابنها في معارك الفراعنة ضد الهكسوس، والتي خرج المصريون لاستقبالها بعد النصر مهللين: “وحوي وحوي إياح”. وحوي كلمة فرعونية تعني أهلًا ومرحبًا، أما إياح فتعني القمر، وهو اسم الملكة المظفّرة. أصبحت العبارة نشيدًا مصريًا يُستقبل به كل جيش منتصر أو زائر خير، وتحورت عبر الزمن لتصبح “وحوي يا وحوي إياحة”. كون كلمة إياح تعني قمر، بدت العبارة مخصّصة لرمضان، الذي يبدأ برؤية القمر حين يتحول إلى هلال.

استمرت التنويعات على ثيمة وحوي يا وحوي عبر السنوات، وكما انتقلت من مساحة الأغنية الشعبية التي تشهد لملكة عادت إلى بلادها منتصرة إلى طقطوقة خليعة ثم إلى طقس رمضاني، أصبحت نصًا غراميًا ساخرًا على لسان المونولوجست محمود شكوكو، الذي غنى من كلمات فتحي قورة: “حبك شمعة وقلبي فانوس / وبتلعب بي / وحوي يا وحوي”، التي أعيد إنتاجها في مسلسل أفراح القبّة عام ٢٠١٦. 

لولي ومرجان

لم تُعَد رمضان جانا في البداية ليغنيها عبد المطلب، إنما أصبحت ضمن أعماله الخالدة بالصدفة. في الوقت الذي خسر فيه عبد المطِّلب كل أمواله بسبب الحرب العالمية الثانية، عرض الشاعر حسين طنطاوي والملحن محمود الشريف أغنيتهما الجديدة رمضان جانا على أحمد عبد القادر، مطرب وحوي يا وحوي.

فضّل عبد القادر أن يفسح مجال الأغنية الرمضانية لغيره، فطلب طنطاوي والشريف من عبد المطلب أداءها، حين قابلاه في مبنى الإذاعة وهو يبحث عن عمل بعد إغلاق أغلب كازينوهات مصر بسبب الحرب. تردَّد عبد المطلب، ثم وافق بسبب ضائقته المادية، وتقاضى ٦ جنيهات عن تسجيل الأغنية.

صدرت رمضان جانا عام ١٩٤٣، وتردّدت في حواري مصر نشيدًا شعبيًا تصدح به الراديوهات ويغنيه الأطفال: “وفرحنا بُه / بعد غيابه / غنوا وقولوا / شهر بطوله / أهلًا رمضان”، حتى قال عبد المطلب في حوار مع وجدي الحكيم: “لو خدت جنيه عن كل مرة اتذاعت فيها كنت بقيت مليونير.”

كان هناك صدفة أيضًا وراء ثاني أكثر أغاني رمضان شعبيةً، سبحة رمضان من كلمات نبيلة قنديل وألحان زوجها علي إسماعيل. تحكي شجون علي إسماعيل أن فكرة الأغنية أتت من عادة أمّها، نبيلة، في فكّ سبحتها ذات الـ ٣٠ حبة مطلع رمضان، لتضيف إليها ٣ حبات، على اعتبار أن رمضان لا يكتمل إلا بأيام العيد الثلاثة. لذلك حين طلب منها علي إسماعيل أن تكتب أغنية لرمضان، استدعت سبحتها وذكريات طفولتها المعجونة بالصوفيّة والروح الشعبيّة في الأقصر ومقامات الأولياء فيها، فيما اختار إسماعيل مقامات سهلة الحفظ، تشبه أناشيد حلقات الذكر:

“سبحة رمضان / لولي ومرجان / تلاتة وتلاتين حباية / تلاتة وتلاتين منهم تلاتين / أيام رمضان نور وهداية / وتلاتة العيد / ونقول ونعيد / ذكر الرحمن / آية بآية.”

يا بخت الصايمين

بدأت طقوس رمضان الاحتفاليّة في مصر منذ عصر الدولة الأمويّة، وبلغت ذروتها في عهد الفاطميين، الذين بالغوا في تشجيع المصريين بالاحتفالات والموالد والأغنيات والمظاهر الآسرة. خصَّص الفاطميون ٢٠ ألف دينار لصناعة كعك العيد، وبلغت مائدة الخليفة العامرة ١٣٥٠ مترًا تحوي كل أصناف الكعك٤. بعد دخول صلاح الدين الأيوبي مصر، قرر القضاء على عادات طعام رمضان والعيد كما رسخها الفاطميون، وأشهرها صناعة الكعك، فألغى الموائد الجماعية، لكن المصريين استمروّا بالتجمّع والاحتفال بالأغنيات والمأكولات والطرق التي أحبّوها٥.

لم تقتصر الأجواء الرمضانيّة على إقامة الولائم، بل امتدّت للتغني بأطباقها. في الخمسينات، قدّم صلاح عبد الحميد أغنية الفول، “مسمار البطن” العزيز لدى المصريين:

“زي اللوز ولذيذ يا مدمس / شغل إيديا وزيه مافيش / خدلك منه بقرش وغمس / فول متنقي عليه تحابيش.”

جاء بعد ذلك دور الكنافة والقطايف، وتصدّى لها محمود إسماعيل جاد:

“كنافة وقطايف / مين ينده لمين / ويأكّل ولاده / يا بخت الصايمين / وتدوق الكنافة / ونبيع لك رزقين / معجونة بلطافة اتفضل وقين.”

نالت أطباق رمضان نصيبها أيضًا من مونولوجات إسماعيل يس، حيث غنى للشاعر مصطفى عبده والملحن عزت الجاهلي مونولوج الحاج أمين:

“الحاج أمين قال للصايمين / أنا عندي التين والقمر الدين / والشيخ رضوان / دخل الدكان / واشترى م الخير أشكال والوان / وطلع فرحان / يدعي لرمضان / ومعاه التين والقمر الدين / الشيخ رضوان هدّى وحوِّد / على عبد العال / خدْ منه قطايف وكنافة / واداله ريال.”

من جهة أخرى، قدمت صباح في فيلم القاهرة في الليل (١٩٦٣) ديالوج الراجل ده هيجنني مع فؤاد المهندس، لنقد النهم الرمضاني، من ألحان محمد الموجي وكلمات حسين السيد: 

“صباح: يجي رمضان / وخناقه يزيد / عايز طباخة سكة حديد / اللحمة ٣ أشكال / وطيور بجنيه وريال / ويوماتي رز ومكرونة / وكنافة باللوز وعلب تونة / غير السلطات والمحشيات / والمشويات والحلويات / وإن قلت ياخويا الأكل كتير / وبلاش بعزقة وبلاش تبذير / يصرخ ويقول:

فؤاد: يا اخواتي صايم وراجل شقيان / ومراتي عايزة تجوعني / حتى في رمضان

صباح: يا عالم فهموه / رمضان معمروش قال كدا / رمضان قال احمدوه / والحمد مش بالشكل دا / الراجل ده هيجنني.”

يُحكى أن نجاح الأغنية في الستينات أشعل غيرة شويكار، زوجة فؤاد المهندس وقتها، الذي لم يجد حلًا إلا استدعاء نفس ظروف الأغنية في أغنية جديدة، مع نفس الشاعر. اختارت شويكار الملحن الذي يستهويها، حلمي بكر، كما اختارت صباح الموجي، وكان اسم الأغنية الصيام مش كدا، التي تتشابه مع كلمات أغنية صباح (رمضان معمروش قال كدا).

سحور عبد الحليم

ظهرت مهنة المسحراتي لأول مرة في بغداد أواخر العصر العباسي، وكان اسمه، القوما، مأخوذًا من ندائه “قوما نسحر قوما”. كان أجر القوما جزيلًا من الأمراء، ثم تشبّه التجار وأعوان السلاطين بالأمراء فمنحوه نقوطًا.

أتى ذكر المسحراتيّة في الجزء الثامن من موسوعة وصف مصر (إصدار الحملة الفرنسية)، فاعتبرتهم “جماعة من الرواة والمنشدين يعلنون كل يوم طيلة شهر رمضان عن اللحظة التي يوشك فيها نور الفجر على الظهور (…) يدقّون الطبول أربع دقات قبل أن يغني الرجل منهم، وبعضهم يدخل إلى غرف الحريم ويغني كلامًا عاطفيًا صريحًا: غُضي جفونك يا عيون النرجس.”

تحت حكم المماليك، أصبح للمسحراتيّة نقابة في عهد الناصر محمد بن قلاوون، ثم تحولوا لاحقًا إلى طائفة تقبل الأعضاء الجدد بشروط، أهمها ما أورده أيمن عثمان في موسوعة تراث مصري: “أن يجيد المسحراتي صنعة الزَجَل، ويملك صوتًا طروبًا.”

يُحكى أن أقدم أغنية معروفة بالعاميّة للمسحراتي ظهرت مطلع القرن العشرين، من تأليف مسحراتي مجهول: “بديت باسم الله قبل الكلام / باحمد المولى على كل حال /  ثم الصلاة على النبي الرسول / مِنْ شرّفه ربُّه وزاده كمال / سيدي فؤاد باشا ربي يخليه / واجعل لياليه من ليالي الصفا / وسيدي إبراهيم يا أصيل الجدود / بالكرم طبعك وزندك يجود / يا رب تزور النبي وتكيد الحسود / أحياكم لنا المولى إلى كل عام.”

قبل أن ينتهي عهد مسحراتي الشارع في مصر، لم يكتف بنداء الإيقاظ، إنما امتدّت أغنيات السحور إلى التغني بحكايات الأبطال الشعبيين، أدهم الشرقاوي وسعد زغلول وغيرهم، أو استدعاء النبي محمد باعتباره “المخلّص المنتظر”، وهي فكرة قبطية قديمة تستهوي بعض المصريين. 

سلم مسحراتي الشارع الراية لمسحراتي الإذاعة، وبحسب معظم المصادر كانت المحاولة الأولى من نصيب المطرب عبده السروجي، الذي أنشد من كلمات إبراهيم رجب وألحان محمد الموجي: “يا مؤمنين بالله / يا موحدين بالله / قوموا كفاية نوم / هي الحياة كام يوم / بالصلاة والصوم / يرضى علينا الله / يا مؤمنين بالله / يا صايمين رمضان / باب السما مفتوح / يا طالب الغفران.”

يعارض العسيري ذلك في كتاب لولي ومرجان – الذي يسرد حكايات بعض الأغنيات المهمة في التاريخ المصري – وينسب المحاولة الأولى للمسحراتي في الإذاعة إلى عباس البليدي، مغني المواويل الشعبية، الذي اشتهر في الثلاثينيات: “التسجيلات الموجودة في الإذاعة المصرية تعود إلى أعوام أسبق من أغنية السروجي، وبالتحديد إلى عباس البليدي، الذي غنّى من كلمات بيرم التونسي: ’يا مؤمنين سبَّحوا الله / يا وهاب من غير طلبْ منا / ومن غير سؤال / وهب لنا الوهاب عظيم المنن / القُوت والميه حلال زلال / من غير جميل سابق / ومن غير تمنْ / يا مؤمنين سبَّحوا الله.’” 

بعد تلك البداية، احتل عبد العزيز محمود عرش المسحراتيّة ومطربي الأدعية الدينية في الإذاعة المصرية حتى ثورة ٢٣ يوليو، ليصبح بعدها محمد فوزي “مسحراتي الشعب”، قبل تحوله إلى “مسحراتي النجوم”. قدّم فوزي فكرة جديدة، أغنية يومية باسم فنان من زملائه النجوم، يدعوه عبر الإذاعة المصرية للقيام من النوم لتناول سحوره، فيقول لعبد الحليم حافظ: “يا عندليب يا أسمر / ياللي ملكش نظير / قوم صلّي واتسحر / يزيد عليك الخير / صوتك يرد الروح / وينبه الوجدان / والطير وسط الدوح / سِمعَك بقى نشوان / يقول معاك يا حليم / الليل طلع له نهار / لما تقول يا حليم / نار يا حبيبي نار / يا عباد الله / وحدّوا الله.”

بعد ذلك ظهر فؤاد حداد، حاملًا كلماتٍ وتوجّهًا جديدًا للمسحراتي، فأصبحت هناك أهداف سياسية ووطنية وترفيهية، استلمها سيد مكاوي، وقدم لياليًا غنائية للإذاعة المصرية مستخدمًا طبلة المسحراتي في الخلفية، في أغانٍ مثل عساكر الوردية وكوبري إمبابة والاستمارة راكبة حمارة.

دامت الأيام لمين

بعد أن قامت الثورة وخلعت الملوك وأسقطت الباشوات، كان على الأغاني أن تترجم ما جرى ليصل إلى الجميع. أكّدت ثريا حلمي أن شيئًا يتغير في مصر وأصبحت أول سيدة تقوم بدور المسحراتي، نشرت مجلة الكواكب (عدد ١٠ أبريل ١٩٥٦) قصتها وصورتها في زي المسحراتي، وهي توقظ الناس على وقع أغنية عن تغيّر الطبقات في المجتمع: 

“اصحى يا نايم وحّد الدايم / قوم يا سعادة (الباشا) السابق / خد موعظة من صوم بوابك / دنا ويّا رمضان هليت.”

أثناء الوحدة مع سوريا، بالغ الشعراء والمطربون في اللهاث وراء إنتاج أغنيات للوحدة، أشهرها أغنية لعائشة حسن، تقول كلماتها: “داير ما يدور / فوانيس بنور / فوق المدنة / بتهني حبيبي / في الشام وقريب / إيده في إيدنا / ومنين ما نروح / نلقى الزينة / أعلام وكهارب حوالينا.”

لم يهدر محمد قنديل (صاحب أغنية بلدي يا بلدي) فرصته حين أحيا حفل أضواء المدينة في سوريا، احتفالًا بشهر رمضان أثناء الوحدة العربية، فغنى لمصر وسوريا من ألحان محمود الشريف: 

“هنوا بعض في سوريا ومصر / بشهر الصوم / شهر التقوى / وشهر النصر / جانا اليوم / هل هلاله على الإسلام / هدى ومحبة وخير وسلام / اتجمعنا وبقينا وحدة يا رمضان / في الجمهورية المتحدة / يا رمضان.”

بنهاية الوحدة مع سوريا، اختفت أغنيات كثيرة، رمضانية وغير رمضانية، لينفتح الطريق لتوجّه سياسي جديد يداري صدمة الانفصال برفع راية العروبة، ويروّج لها عبر أغنيات رمضان؛ فكتب الشاعر محمد حلاوة لصباح:

“حالّو يا حالّو رمضان كريم يا حالّو / حل الكيس وادينا بقشيش / لا نروح منجيش يا حالّو / لياليك الحلوة الزينة / ع الجمهورية هلّوا / وفي كل يوم جهادنا / بيزيد أنوار بلادنا / وأرضنا الحبيبة / مافيهاش إيد غريبة / المجد للعروبة / طول السنين يا حالّو.”

بعد نهاية الوحدة ووفاة عبد الناصر، تراجعت أغاني العروبة أمام أغنياتٍ إما تبشّر بالحرب أو تعلق عليها، فقدّم صلاح جاهين بصوت هالة فاخر ويونس شلبي: 

“إحنا بنحبك يا رمضان / وخصوصًا عشرة رمضان / احتلوها بكل بواخة / واستمروا فيها ست سنين / والجيش المصري متضايق / مستني جوه الخنادق / بالمدافع والبنادق / ووراه كل المصريين.”

في كتابه لولي ومرجان، ذكر محمد العسيري حكايةً طريفة عن التوظيف السياسي لأغنيات رمضان على يد نقيب شرطة متقاعد، حيث عمل الشاعر محمد علي أحمد في قلم المرور، لكن بقي عشقه للفن ملحًا حتى طلب النقل إلى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وساعدته علاقاته بالكبار في تقديم أغنياته لمطربين مشاهير، استغل إحداها لتمرير ميله للاشتراكية، بصوت شريفة فاضل ولحن سيد مكاوي:

“يا شمعة بيضا / شمعدانها فضة / ونورها غطى أرض مصر وقضّى / رمضان كريم واللي انطلب يتقضى / وخير بلدنا كنز عمره ما يفضى / رمضان بنفرح بيك كبير وصغير / جيتنا السنة دي وشفت حالنا اتغير / ومعانا شمعة تسعد اللي اتحير / الشمعة ديه اسمها اشتراكية / ويعود عليكم بالهنا وعليّا.”

الحكاية الأطرف كان بطلاها الشيخ إمام ورفيقه أحمد فؤاد نجم، الذين حاولت الدولة ترويضهما وتجنيدهما عام ١٩٦٨، وبدأت إذاعة أغانيهما على صوت العرب، كما سهّلت لهما التعاون مع مطربين كبار من قماشة محمد رشدي وعزة بلبع وليلى نظمي.

غنى الشيخ إمام لرمضان في الإذاعة مستغلًا الصداقة مع الدولة: “أهلًا رمضان / هل هلالك / يا كريم الإيد / يا واحشنا كتير / اشتقنا لك”، كما جاء انقلاب إمام ونجم على الدولة بأغنية رمضانية أيضًا. لا أحد يعرف إن كانت مفارقة مقصودة أم صدفة، لكن إمام عاد يهاجم النظام بثيمة المسحراتي في أغنية حبلت الأيام سنين:

“حبلت الأيام سنين / ولدت الأيام دهور / دامت الأيام لمين / وحدوا المولى الغفور / صلي عاللي في القيامة يشفعلك / واصحى ياللي نمت باللي بيوجعك / وانده اللي لو ندهته يسمعك / قول يا جاره قول يا جار / مهما طال الليل وجار / كل جرم وله مدار / والكواكب دوارين / وحدوه يا مؤمنين.”


١. كتاب المجتمع المصري في عصر المماليك، عبد الفتاح سعيد عاشور.
٢. كتاب مصر في العصور الوسطى، علي إبراهيم حسن.
٣. كتاب لولي ومرجان، محمد العسيري.
٤. كتاب الفاطميون، تاريخهم وآثارهم في مصر، أميرة الشيخ.
٥. كتاب رمضان زمان، أحمد السيد الصاوي.

المزيـــد علــى معـــازف