fbpx .
هدّي السرعة | ١٥ ألبومًا إلكترونيًا أعادت تشكيل الماضي والذاكرة

هدّي السرعة | ١٥ ألبومًا إلكترونيًا أعادت تشكيل الماضي والذاكرة

رامي أبادير ۲۰۲٤/۰۹/۲۵

ترتبط العديد من الأعمال الموسيقية بثيمة الزمن واستيعابه، بالأخص الماضي والذاكرة، أمر عفوي تكمن جذوره في الأعمال الشعرية القديمة الخاصة بالرثاء والبكاء على الأطلال. الذكريات والتفكير في الماضي بشكل عام وما قد يصاحبهما من نوستالجيا شعور إنساني، مثله مثل الفرح والغضب والشغف والحزن، من الصعب كبته.

عبر العقود الماضية وحتى اليوم انشغل العديد من الموسيقيين بثيمة الزمن، بعضهم أخذ طريقًا استعاديًا آمنًا خالٍ من الإبداع، ويعيد التكرار دون إضافة. عالج مارك فيشر وسايمون راينولدز هذا الموضوع في العديد من كتاباتهم النقدية، ومع استمرار الكثير من الفنانين في الموجة الاستعادية بالأخص في عالم البوب، بات الماضي دائم الاستمرار حتى صار شعور النوستالجيا في حد ذاته مستحيلًا، وهو ما تناوله جرافتون تانر في كتابه الجديد الدائمية. 

من ناحية أخرى أخذ الزمن لدى البعض صيغة مستقبلية مهووسة بالسيناريوهات الديستوبية والبُعد ما بعد الإنساني وطابع السايبر بانك الظلامي، كمن يعيد إنتاج ثيمات أفلام هوليوود وألعاب الفيديو ذات السردية الأبوكاليبسية. ظلت هذه الثيمة حاضرة في المشهد الإلكتروني، ما بدا نابعًا من فرط رفاهية تتيح لهم تخيلهم رؤية العالم يفنى واستخراجهم جماليات من الدمار في أعمالهم.

على قدر التكرار والملل الذي طال تلك الأساليب في التعاطي مع الزمن، أبدع آخرون عن طريق إعادة البحث في الماضي وما صاحبه من ذكريات أو مشاعر مثل النوستالجيا والحزن والرثاء والأمل، أو توظيف إمكانيات لم يكتب لها التحقق والسعي في تحقيقها في الحاضر، أو التعامل مع المواد الأرشيفية للدفع بجماليات وأصوات جديدة أو مواجهة الدمار والواقع الرأسمالي الذي نعيشه. 

تستعرض القائمة خمسة عشر ألبوم من وحي الماضي والذاكرة وشديدة الصلة بالحاضر، انشغل منتجوها بثيمتها متعاملين مع الماضي كتربة خصبة للإبداع خارجين بألبومات فارقة وذات تأثير قوي وملهم في المشهد الإلكتروني.


Oneohtrix Point Never | Again [Warp]

تعتمد مجمل أعمال لوباتين على الذاكرة والماضي كمنبع غني بالجماليات. في هذا الألبوم تحديدًا، وهو آخر أعماله، يضيف لوباتين بعد ميتا للنوستالجيا، أو نوستالجيا ذاتية. إذ يعد أجين حصيلة أعماله، كبسولة مركّزة تحمل معالم من ألبوماته السابقة؛ آر بلَس سفن وجاردن أُف ديليت وإيج أُف، إضافةً إلى موسيقته التصويرية وفترة الفايبروايف بداية العقد الماضي. من السهل تبين صوت لوباتين السينمائي بسنثاته الثمانيناتية وتوظيفه لقسم الوتريات وحسه اللحني القوي في معظم الألبوم. 

في أجزاء أخرى من الألبوم نسمع أصداء من الموسيقى التي شب عليها مثل ستيف رايش والشوجايز والغرانج، ليقفز بنا إلى البروجريسيف روك السبعيناتي ونظيره الثمانيناتي. خلطة موسيقية مركّبة لا تلتزم بأية بنية تقليدية. يعكس الألبوم في مجمله ثيمة لوباتين الأساسية، التلاعب بالنوستالجيا دون إضفاء بعد رومانسي عليها والغرق فيها، ساعيًا إلى صوت مجدد وغريب في نفس الوقت.

Jan Jelinek | Loop-Finding-Jazz-Records [Faitiche]

واحد من أفضل منتجي الموسيقى الإلكترونية التقليلية وذو حس عالٍ بالأصوات الدقيقة. لوب فايندينج من أفضل ألبومات يان يلينك وآي دي إم الألفينات. يوظّف فيه أصوات النقرات الدقيقة والتشويش الناتجين عن تهالك أقراص الفاينل كمواد صوتية أوّلية. يجمّع يلينك العديد من تلك العينات المايكروسكوبية ليصيغ منها إيقاعات وألحان تبث القشعريرة في الأذن، مغلفًا إياها بالبايس والسنث بادز.

من خلال جهاز عينات صوتية واحد (إنسونيك إيه إس آر-١٠) وخلال ثلاثة أشهر، أنتج يلينك تلك القطعة الفنية التي تعد تأويلًا لصوت الجاز. إضافةً لهذا الصوت والطابع الحالم الذي يساعد على الاسترخاء، يحتوي الألبوم على صدى الهاوس التقليلي والدَب. ينقلنا يلينك إلى الماضي بشكل ملتوٍ أو يأسرنا في منطقة بينية، حيث لا يمكن تخيّل صدور ألبوم كهذا في الخمسينات أو الستينات وإن اعتمد بالأساس على سامبلز من تلك الفترات.

Nancy Mounir | Nozhet El Nofous [Simsara]

ماذا لو كان كل من منيرة المهدية وفاطمة سرّي وعبد اللطيف البنا وغيرهم على قيد الحياة في عشرينات هذا القرن؟ يأتي ألبوم نانسي منير، نزهة النفوس، إجابة لهذا السؤال. تصهر نانسي الماضي بالحاضر في واحد من أهم المشاريع المعتمدة على المواد الأرشيفية. جماليًا تستعين بآلات غير مستخدمة في النسخ الأصلية موظفةً الهارموني والترددات المنخفضة والعالية النابعة من الآلات المضافة لملء طيف الترددات بأكمله.

تملك نانسي في إصدارها الفردي الأول قدرًا عاليًا من الخيال فتفرض على المستمع تخيّل نانسي وقد انضمت بآلاتها المختلفة إلى علامات موسيقية من أوائل القرن الماضي، فلا نميّز إذا كانت سافرت إليهم أم العكس. تكسر نانسي حاجز الزمن كليًا بفضل الإنتاج الموسيقي الصلب الذي يعشّق المواد المسجلة الأرشيفية مع موسيقى نانسي المعاصرة فيأتي الألبوم ققطعة صوتية واحدة شديدة التماسك. فكرة نزهة النفوس بسيطة وفريدة وذات أثر كبير، تتعامل مع الماضي بشكل مبدع، يبتعد عن إعادة الإنتاج أو الترميم وموجات الاستعادية السامة.

Lee Gamble | Diversions 1994-1996 [PAN]

كان الدَب كأسلوب وسيلة لاستخراج جماليات وجودة صوتية مجددة نابعة من الريجي، لتلهم العديد من المنتجين وتساعد على ظهور مشاهد موسيقية في فترات لاحقة، بالإضافة إلى مفهوم الريمكس. على غرار الدَب الذي ركّز على التعامل مع الميكسر والمؤثرات الصوتية كأدوات لإعادة تخيل جنرا بعينها، يسير لي جامبل في دايفرجنز ١٩٩٤-١٩٩٦ على نفس النهج التجريدي. من خلال العودة بذاكرته إلى شرائط فترة مراهقته في التسعينات وشغفه بالجانغل، يجرد الفنان البريطاني صوت الجانغل من معالمه الراقصة والإيقاعية وطابعه التكسيري، مفتتًا إياه إلى ركام.

المثير في الألبوم هو تعامل لي مع العينات الصوتية وإذابتها كليًا إلى خامات صوتية بالكاد يستطيع المستمع تتبع مصدرها. إذا كان الفايبروايف كجنرا يسعى إلى تبخير النسخ الأصلية من موسيقى ما وتحويلها إلى صيغة شبحية يمكن تتبع مصدرها الأصلي، فإن لي يحوّل النسخ الأصلية إلى كائن جديد يخلو من هذه الصفة الشبحية، إذا استثنينا آخر تراكين.

Boards of Canada | Music Has The Right To Children [WARP]

في ظل تهافت المشهد الإلكتروني البريطاني على المستقبل والثيمات المستمدة من أفلام الخيال العلمي والديستوبيا – التي مع الأسف لا زالت مستمرة حتى الوقت الحالي – والطابع التسارعي الذي خيّم على مشهد الجانغل والآي دي إم في التسعينات، يأتي هذا الإصدار لـ بوردز أُف كندا كصفعة قوية لهذا التوجه. يستند الثنائي على الماضي كحقل تجارب غني بالجماليات والإمكانيات الكامنة بداخله، على عكس توجه التسعينات العام الساعي إلى التعقيد الموسيقي النابع من التوجه ما بعد الإنساني. تجربة صادقة وهادئة لتبطيء الزمن والتأمل في الماضي ونبش الذاكرة.

مع طابع اللو-فاي الممزوج بالميلانكوليا، وتوظيف السنثات الأنالوج والعينات الصوتية الخفية والإيقاعات البطيئة اللزجة، إضافةً إلى عنوان الألبوم، تستحضر صورة الطفولة وقد خلت من السمة الوردية والبراءة، إذ يسود طابع غريب وموتر في بعض الأحيان كما لو كان لسان حال الثنائي يقول: طفولتنا لم تكن دائمًا بهذه السعادة. 

من ناحية أخرى يشير الألبوم إلى الذاكرة الضبابية ونقل تصورنا عن طفولتنا بشكل مشوّش، فليس هناك ذاكرة مطلقة قادرة على نقل الصورة كاملةً كما عشناها. نستطيع سماع صوت قادم من الماضي وهناك تأثر واضح بفترة السبعينات يتضح من السنثات المستخدمة التي تصيغ ألحانًا جميلة باتت من كلاسيكيات الموسيقى الإلكترونية. أكثر ما أقدّره في هذا الألبوم هو توظيفه للماضي دون الهروب إليه، للتصدي لمستقبل ذي صورة ظلامية.

Burial | Untrue [Hyperdub]

على غرار مفهوم جاك دريدا، الهونتولوجي، طبّق المنظر مارك فيشر المفهوم ذاته على الموسيقى للدلالة على إزالة الفارق الزمني بين الحاضر والماضي، إذ تظهر عناصر الماضي كأطياف في الحاضر، كأشباح تسكنه، بحيث توظّف الذاكرة الجمعية السمعية في سياق مختلف عن الأصل

في الأعمال الهونتولوجية يحضر دائمًا حس الميلانكوليا ورثاءً لماضٍ حافل بالإمكانيات والروح التشاركية، كوسيلة للتصدي للواقع الرأسمالي العالمي. نستمع في الألبومات الهونتولوجية إلى الشوائب الصوتية الخاصة بالوسيط الصوتي القديم والمتهالك، بالإضافة إلى التلاعب بالعينات الصوتية أو العناصر الإيقاعية مثلًا لبث روح غريبة.

يأتي ألبوم أنترو لـ بريال، أحد العلامات الموسيقية المؤثرة في الموسيقى الإلكترونية، مثالًا وفيًا للموسيقى الهونتولوجية. في ظل وقوع الموسيقى البريطانية في الاستعادية أثناء فترة الألفينات، يأتي أنترو للتنقيب عن الماضي وأشباحه ناحتًا منه صوتًا فريدًا يدمج بين التو ستب غراج والمشاهد المحيطة والعينات الصوتية المتطايرة وطقطقات الفاينل. 

يخلق بريال عالمًا ضبابيًا ليليًا لما تبقى من موسيقى البايس البريطاني، كما أن استخدامه التسجيلات الميدانية يأتي في المكان الأمثل لبث القشعريرة في الجلد. أنترو عمل فني متكامل أعطى أملًا في إمكانية إنتاج جاد في وقت اعتمد فيه كثيرون على إعادة الإنتاج، وكيفية توليف صوت جديد ملهم مستند على الماضي.

Dive Reflex Service | 02 [Limbo Tapes]

تميل موسيقى المنتج البريطاني دايف ريفلكس سرفيس (شون لي) مفاهيميًا إلى الموسيقى الهونتولوجية، حيث يتطرق في هذا الألبوم إلى الموسيقى الراقصة في التسعينات. من فرط تلاعب لي بالعينات الأصلية وإخفائه إياها وإضافته أصواتًا أخرى عليها، تظهر هذه الموسيقى التسعيناتيّة كأطيافٍ عابرة، حيث يتلاشى صوتها وتأثيرها الأصلي لينتج عنها تجربة سمعية فريدة. تاريخ هذه العينات أمر هامشي، إذ ينجح لي في تفكيك استيعابنا للزمن. 

هناك شعورٌ بأن هذه العينات قديمة، نظرًا لجودتها شبه المتهالكة ولتلاعبه بها، وإظهاره لعناصر تشويش وطقطقة الوسيط الأصلي، سواء كان شرائط أو فاينلز، لكن في نفس الوقت نجد أن العديد من هذه الأصوات قد جرت محاكاتها إنتاجيًا بالمؤثرات الصوتية مع إضافة نغمات وبايس مكتومَين تعشّقان في العينات.

التأثير الراقص المتبقي للعينات الأصلية الراقصة ما هو إلا صدَى لنوادٍ راقصة مهجورة، يأتي صوتها من مسافة بعيدة، كى تصبح استراحة من الموسيقى الراقصة الصاخبة. تلعب تراكات الألبوم الاثنا عشر على الجودة اللو-فاي والصوت التقليلي بشكل واضح، طارحةً بنيةً شديدة التماسك، إذ تنساب التراكات بشكل سلس وتتوحد في أفكارها وجمالياتها كما لو كانت تراكًا واحدًا طويلًا. يكشف لي في ٠٢ عن جماليات بالغة الرقة، معتمدًا على تنوعٍ في المشاهد الصوتية والخامات ودفء الصوت، ليظهر براعةً إنتاجية تجمع بين الجدية والمتعة.

The Caretaker | Everywhere at the end of time [History Always Favours The Winners]

ترتبط أعمال ذَ كايرتيكر (ليلاند كيربي) بشكل صريح بالماضي والذاكرة. في أبرز سلسلة من أعماله المكوّنة من ستة أجزاء مدتها ستة ساعات والتي أصدرها على مدار ثلاث سنوات (من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٩)، يتطرق ذَ كايرتيكر إلى مرض ألزهايمر بمراحله الستة. تعتمد السلسلة على عينات من موسيقى البولرووم يتلاعب بها من جزء إلى آخر، راصدًا تطور ألزهايمر من خلال تهالك وتفتيت هذه العينات لترمز هذه العملية إلى تلاشي الذاكرة تدريجيًا مرورًا بالتشويش والقلق الشديدَيْن حتى وصولها للخرف.

ينقل كيربي المعاناة بشكل تدريجي محاولًا نقل ولو جزء صغير من صراع المريض مع الحزن والضيق والتدهور والعزلة واللا إدراك، ليثيرنا ويدفعنا للتساؤل عن عدم اليقين وأهمية ذاكرتنا التي تشكلنا كليًا. ألبوم هام وتجربة تأملية جميلة من العيار الثقيل.

Portishead | Dummy [Go! Beat]

واحد من الأعمال الكلاسيكية ومن أهم ألبومات التسعينات على الإطلاق وعلامة من علامات التريب هوب. تأثير دامي لا يزال حاضرًا حتى يومنا هذا بين العديد من منتجي الموسيقى الإلكترونية. الألبوم الأول لـ بورتيسهد يُعرف بجماليات الفيلم نوار وينقل الخمسينات إلينا بشكل إبداعي من خلال مجموعة من العينات الصوتية التي يزيل التراب عنها ويضيف عليها تأثير جاز ملتوٍ. 

يأتي على رأس العينات إيزاك هايز ولالو شيفرن وإيدي هاريس وجوني راي، مضافًا عليهم صوت جيتار أدريان أتلي المعالج بالتريمولو والأوفر درايف وفواصل جف بارو على أقراص الفاينلز، بالإضافة إلى الهاموند. تخلق هذه العناصر التربة الدرامية والطابع العام المظلم لـ بورتيسهد.

ما يؤكد هذا الطابع وينقله بشكل مبدع مغنية الفريق الأيقونية، بث جيبونز. حيث تنقل مشاعر السوداوية والمرار والفقد والوحدة برقة بالغة وأداء هادئ متّزن بدون مبالغة أو شعور صارخ. هناك جمال ما في حزنها لا يترك أي توتّر أو غرابة، بل يطغى عليه قوة تعبيرية تبعث على السكينة. دامي من الأعمال التي تؤكد أن الأرشيف حافل بكنوز يستحقها من يوظفها بحرفية.

Yara Asmar | Home Recordings 2018 – 2021 [Hive Mind]

يعكس ألبوم يارا الأول، هوم ريكوردينجز، الجماليات العامة للمنتجة اللبنانية؛ صوت بيتها وعالمها الشخصي المكوّن من طيف واسع من المواد الصوتية، أبرزها صوت البيانو وأكورديون جدتها والميتالوفون وصناديق الموسيقى، بالإضافة إلى تسجيلات ميدانية وأنسجة صوتية مشوّشة. إضافةً إلى معالجتها بحرفية، تغلف يارا تلك الأصوات بجودة إنتاجية لو-فاي بفضل هسيس الشرائط كما لو كانت الموسيقى تأتي من زمن آخر، حيث تبدو مألوفة وغريبة وشبحية في نفس الوقت.

تخيّم أجواء ميلانكولية وغامضة على الألبوم تبني منها عالمًا ساحرًا وضبابيًا، فيظهر الزمن عالقًا عن العمل لتأخذ الذاكرة دور البطولة، محفزةً المستمع للتأمل والشرود بخياله في ماضيه. هوم ريكوردينجز ألبوم حافل بالمشاعر وأبرزها النوستالجيا، وبمثابة استراحة مؤقتة من الواقع اليومي وهمومه.

MIGUEL ANGEL TOLOSA | Nostalgia (circa 1987) [LINE]

القصة وراء ألبوم نوستالجيا (سيركا ١٩٨٧) مثيرة للاهتمام وإشارة إلى أن النوستالجيا ليست دائمًا ذلك الداء سيء السمعة كما يشاع، بل يؤكد على جمالها في أحيان أخرى وضرورتها وإمكانية التعاطي معها بشكل إبداعي. بداية المشروع كانت عام ١٩٨٧ عندما ذهب ميجيل أنخل تولوسا في نزهة مع جدته إلى البلدة القديمة في مدريد واختار ألبوم ميوزك فور ذَ إيبربورتس لـ براين إينو. 

أشعل الألبوم ولع ميجيل بالموسيقى المعتمدة على لوبات الشرائط ودفعه إلى بداية العمل بها، حيث بدأ تسجيل مقطوعات محيطة مستعينًا بمقاطع من الموسيقى الكلاسيكية، لكن إمكانياته كانت محدودة وقتها فبات المشروع منسيًا. بعد عشرة سنوات استأنف العمل على المشروع بعد شرائه سامبلر أكاي لينقّح اللوبات وينقلها على كمبيوتر، ويعود مرة أخرى عام ٢٠٢٠ أثناء فترة كوفيد للمشروع وينهيه.

يحمل المشروع طبقات من النوستالجيا بالتأكيد، يوظفها الفنان الأسباني بأفضل طريقة. كما ينقل شعور النوستالجيا بسهولة من خلال جودة الألبوم اللو-فاي وتكرار الألحان العذبة المستمر في كل مقطوعة، فلا يمل منها وتبقى حاضرة في الأذن بعد الانتهاء من الألبوم. كل لوب منتقاة ومتلاعب بها بدقة وما يزيد اللوبات جمالًا هو تنوع موادها الصوتية بين البيانو وآلات النفخ والوتريات والجيتار، مؤكدةً أن جمال الحنين إلى الماضي من الممكن أن يكون مكانًا ساكنًا ومعزيًا واستراحة مطلوبة.

Sophia Loizou | Untold [Houndstooth]

عُرف الجانغل كموسيقى مصاحبة للموجة التسارعية في التسعينات وارتبط بما بعد الإنسانية والهوس بتكنولوجيا المستقبل والعوالم الديستوبية المستمدة من السايبربَنك. وسط الموجة الإحيائية للجانغل التي نشهدها مؤخرًا، يبرز ألبوم سوفيا لوازو كتفكيك لجماليات الجانغل وبعده التنظيري الذي بني عليه. 

تفكك سوفيا الجانغل وتعيد بنائه متكلةً على عناصره، لكن في سياق مختلف تمامًا عن أصوله. لا يزال البايس العميق والبادز السوبر سو العريضة ورفات الفواصل الإيقاعية حاضرين، لكن ما يختلف هنا هو إعادة تصوّر الجنرا ومواجهة الطابع التسارعي المستقبلي وما بعد الإنساني والظلامي بالنقيض.

نرصد رقة في توظيف تلك العناصر مسلطةً الضوء على ألحان السنث الجذابة والأصوات البشرية الحالمة، لتستحضر حميمية وألفة وبعد إنساني في وجه البعد الآلاتي الطاغي على الجانغل التسعيناتي. المميز في الألبوم على المستوى المفاهيمي هو وجود رغبة لدى سوفيا كمن يريد العودة إلى الماضي وتغييره بدلًا من الاستسلام لأشباحه.

仮想夢プラザ | 仮​想​夢​プ​ラ​ザ [天火見]

أكثر ما يلفت في الفايبروايف هو شطحاته التي تظهر من حين لآخر والتي تكسر سيل إصداراته الذي يغرّق باندكامب. ألبوم فرتشوال دريم بلازا لمنتج الفايبروايف الشهير تيليباث أحد تلك الشطحات، إذ يقوم بتبخير ٣٢ تراك، كل واحد منها مدته ما يقرب من ٣٢ دقيقة. الغرض من الألبوم هو التحليق في اللا مكان والرجوع إلى صوت ثمانيناتي مشوّه على مدار ستة عشر ساعة، إذ يعد ذلك ضمنيًا الاستماع إلى الألبوم لمدة يوم كامل إذا استثنينا ساعات النوم.

كعادة الفايبروايف، يستحضر الألبوم الجماليات الغريبة للمولات المهجورة بموسيقى ثمانيناتية مبطئة ومعالجة بالريفرب، تتحول وتزحف تاركةً تأثيرًا منوّمًا، إذ يستعين تيليباث بمصادر من الماضي الاستهلاكي ليشوهها ويسخر منها، ساعيًا إلى تدمير وعود الرأسمالية الكاذبة بمستقبل أفضل. على مدار خمسة عشر عام تشعّب الفايبروايف إلى جنرات فرعية، ليظل فيرتشوال دريم بلازا واحد من أبرز أعماله.

William Basinski | Lamentations [Temporary Residence]

دائمًا ما ارتبطت أعمال بازينسكي بالتحلل والتفكك لدرجة تحث المستمع على شم الغبار النابع من موسيقته. في لايمنتايشنز يتطرق بازينسكي إلى مشاعر الرثاء والفقد والمرارة النابعة منهما، مشاعر شديدة التعلّق بصورة أو حياة أو شخص ما في الماضي. كعادته يصيغ بازينسكي فكرته عن طريق لوبات الشرائط، لكن ما يميّز الإصدار عوضًا عن شدة جاذبية عيناته، اعتماده على شرائطه الخاصة بتجاربه الموسيقية في عام ١٩٧٩ لتأتي هونتولوجية موسيقاه بشكل أكثر تركيبًا.

لايمنتايشنز واحد من أفضل أعمال بازينسكي بفضل وفرة مصادره الصوتية واستساغتها وتنوّع حالاتها بين ما هو غامض وشديد الحزن والغاضب والجنائزي والساكن أيضًا. ثيمة الألبوم وعنوانه وحالاته تفرض جميعها تواصلًا وعلاقةً سهلة مع المستمع، وتدعوه موسيقته للتأمل في ما يشاء والذوبان فيها.

Qow | ElMosameh Sherine [irsh]

يصيغ قاو (عمر الصادق) ألبومه الثاني المسامح شيرين كليًا من أعمال شيرين عبد الوهاب متعاملًا بحرفية مع العينات الصوتية. يتنوّع توظيفه للعينات بين الخامات الممطوطة والتقطيعات القصيرة متلاعبًا بكلاهما بالمؤثرات الصوتية، خالقًا سحابة من المشاهد الصوتية التي ترفع المستمع عاليًا للتحليق معها.

لا يجرّد قاو موسيقى شيرين لكنه يجذب أذننا إلى لحظات بديعة منها مركزًا عليها ومكررًا إياها بتنويعات مختلفة ليدعونا إلى الاستماع إلى شيرين في سياق مختلف تمامًا عن النسخ الأصلية. في الوقت ذاته لا يقع قاو في فخ التكرار الممل، حيث يدرك اللحظة المثلى للتلاعب بالعينات أو تقديم عينات جديدة أو حتى إنهاء التراك. في ألبوم حافل بالمشاعر ومريح للأذن، يغوص قاو في ماضي شيرين باسطًا إياه ليصل به إلى الحاضر بشكل متحوّل.

المزيـــد علــى معـــازف