fbpx .

المدن المحروقة | ماذا أسمّيها – كميليا جبران

معازف ۲۰۱٤/۰۳/۰۸

غنّت كميليا جبران هذه الأغنية من كلمات بول شاوول في عمّان 2004، ضمن مشروع يعد الآن نادراً، عن أسطوانة محدودة التوزيع صدرت في 2002.

في المدن المحروقة | ماذا أسمّيها، تغنّي كميليا هاجس العربي المدهوش بعالمه الذي يتداعى. هذا العالم الذي اعتَقَد أنه وصل الحضيض، يجد حضائض جديدة بطريقة ما. هو مثل هؤلاء السوبر هيروز في السينما، تعتقد أنهم وصلوا قمّة العظمة، ليفاجئوك ويحققوا بطولات جديدة لا تخطر بالبال. هو هذا حالنا، معكوساً. نعتقد أننا وصلنا الحضيض، ثم تسمع عن تطبيق حد السرقة في سوريا. نعتقد أننا وصلنا الحضيض، ثم يظهر بيان صباع الكفتة.

أولا تبدو هذه الأغنية وكأنها كتبت ليومنا هذا؟ لا بل لا يسع المرء إلا أن يتفاجأ بعض الشيء أن الأغنية سجّلت في 2002. لم تكن هناك حروب تذكر وقتها. لم تكن هناك حلب ومصراتة ومخيم اليرموك وغزة. كانت فقط العراق، تلك البقعة التي نسيناها جميعاً.

دهشة العربي من تردي الحال ظاهرة جليّاً في الأغنية. ففي تلك الفترة (بداية الألفيّة الثانية وحتى منتصفها)، عملت كميليا على تصفية حسابها مع تراثها وجمهورها وتاريخها الجمعي. وكمن يعزف بالعكس، يبدأ العود بترنيمة ماينور ضيّقة، ثم كل هذه الحروب كيف أسمّيها، لندرك أنّنا لسنا أمام تساؤل، بل اختيار واعٍ في الكلمة واللحن معاً. وتؤسس شيئاً فشيئاً النغمة التي ستحمل الأغنية كلها وتدخلها في الـترانسالكربلائي الذي سيلازم تجربتها حتى الآن. صانعة مزاجاً سوداوياً يذكرنا بحقيقة الحروب الحاصلة الآن. المذابح التي تحدث الآن بينما نكتب هذا المقال وتقرؤه أنت.

ثم تنطلق بوصلة على العود من دون غناء، ثم يعود صوتها ليؤكد استيعاب حجم الكارثة، والإفصاح عن حجم ونوع الدهشة التي نعانيها. ويأتي الاستنتاج المؤلم بعد الدهشة، وهو أن كل ما بقي لنا هي تلك الحروب. “أولم يبقَ لي، هذه الحروبهذه الحروب هي من نحن، شئنا أم أبينا.

الدهشة موجودة في أغلب مقاطع الأغنية. هي تلك الدهشة المنظمة، التي تأتي عن معرفة وترتيب للأفكار. التي لا تأتي من المفاجأة كالدهشة العاديّة، بل من التفكير والتمحيص المستمرين. كم من مرة تجد نفسك تغسل الأطباق، أو تسير في الشارع، أو تقف على إشارة حمراء، ثم تصيبك الدهشة التي لا تفهم. الدهشة التي تقول: وااااااااال! ألهذه الدرجة مأزقنا عميق؟ ألهذه الدرجة نحن ملعونون؟ وما الحل؟ وكيف أنشئ أبناء وبناتاً يعيشون في هذا العالم الخرائي. إن كان يصلح تسميته ذلك.

المزيـــد علــى معـــازف