fbpx .

ديميليتارايز | نازار

ياسين ۲۰۲۵/۰٤/۲۸

كان ألبوم جيريلا للفنان الأنغولي نازار الذي صدر في ٢٠٢٠ من أبرز الأعمال الموسيقية في بداية العقد. أُطلق الألبوم على تسجيلات هايبردب مع بداية جائحة كوفيد، وقدّم رؤية نازار لـ الكودورو الخشن، وهو نوع موسيقي أطلقه بنفسه ليعكس تجاربه خلال الحرب الأنغولية من خلال موسيقى راقصة خشنة ومشوهة. حفل جيريلا بالعينات الصوتية وكأننا نسقط في منطقة حرب نشطة، مليئة بالإيقاعات المشوهة، وخطوط السنث الصارخة، والغضب والإحباط الملموس.

من يتوقعون سماع نازار العدواني والمركّز في ألبومه الجديد، كما في أعماله السابقة، سيجدون أنفسهم على موعد مع تجربة مثيرة من عيار آخر. من الواضح أنه في السنوات الخمس التي تلت ألبومه الأول، مرّ نازار برحلة تحوّلية عميقة، سواء على المستوى الصوتي أو الشخصي.

بعد تجربة قريبة من الموت بسبب عدوى السل الكامنة التي ظهرت أثناء جائحة كوفيد، وظهور حب جديد في حياته، تحوّل نازار في ديميليتارايز من رؤيته القاتمة للعالم إلى رؤية مفعمة بالحنان.

“مع كون الألبوم ذي طابع تأملي، لم أسعَ لالتقاط أصوات من أماكن حقيقية لتعزيز عالمه كما فعلت في جيريلا. أردت أن أجعله شبه ميتافيزيقي كما لو كنت أصنع خيالًا علميًا …” يقول نازار، مستلهمًا بشكل مباشر من كلاسيكيات الخيال العلمي من الأنيمي الياباني، وخاصةً جوست إن ذَ شِل الصادر في ١٩٩٥.

يقدم التراك الافتتاحي، كور، لوحة الأصوات التي سيواجهها المستمع طوال الألبوم، مع تناغمات قاسية ومتنافرة تدور حول إيقاعات مفككة وغناء نازار الشبحي. يتّضح لنا فورًا أن في هذا المشروع الجديد ينصب التركيز على النسيج والمشهد الصوتي وتصميم الصوت، بدلًا من الاستكشافات المكرّسة لحلبة الرقص.

سيكتشف المستمعون من خلال هذه العدسة أن التجربة السمعية هنا ذات طبيعة مختلفة تمامًا، حيث يبدو الألبوم كإرسال شبحى عبر موجات هوائية مشوشة ومشوهة. تأخذ الدرامز والإيقاعات مكانًا ثانويًا مقارنةً بغناء نازار الطاغي، وهي تجربة جديدة للفنان الذي اختار نهجًا خامًا وعاطفيًا أكثر مقارنةً بالزئير والصيحات الحربية في أعماله السابقة.

تتردد أصداء الـ آر آند بي من عقد الألفينات، كما هو واضح في وور جايمز وعبر الألبوم عامةً؛ والتي غالبًا ما تترافق مع غناء الفالسيتو، الذي يظهر كأطياف بشكل يشبه أعمال بريال. هناك هذيان مسموع في أداءات نازار الغنائية، وألم ملموس، لكنه ألم يجري التصالح معه لا محاربته.

يعد أوبن أحد أبرز التراكات في الألبوم، حيث يأتي بإيقاع جذاب، متنقلًا بين لمحات من أنماط إيقاع الغراج وأسلوب نازار المتقن في تشكيل الإيقاعات المفككة للكودورو. في الواقع، يتميز الجزء الآلاتي في الألبوم بجودة شبه تكنو-عضوية، يتلوّى ويتمدد بأشكال مريعة ورائعة في آن.

تؤكد كوردات السنث بادز الواسعة في ديميليتارايز على طابعه المائل للموسيقى المحيطة، حيث يوازن بين التناغم، والتأمل المكثف، والسكينة التي تتبع الغضب. من الواضح أن مهارات نازار الإنتاجية قد شهدت تطورًا واضحًا في هذا المشروع؛ حيث يتموضع الألبوم ضمن عالمه الصوتي الخاص والمتماسك بقوة.

مع ذلك، ورغم التركيز الكبير على الغناء، يظل الجزء الأكثر إزعاجًا في الألبوم؛ حيث يظهر دون ذاك الحضور الواضح الذي يمنح وزنًا لتدفقاته المدمجة بالبوب. ربما يكون هذا خيارًا مقصودًا في الميكسينج، حيث تُترك كلمات نازار خامًا وغارقة في الميكس، بمعنى أن الغناء لا يتصدر وإنما يعتبر جزءًا من المشهد الصوتي، أكثر من كونه غناءً بالمعنى التقليدي. خيار مؤسف كون العديد من التراكات الأعمق الميالة إلى البوب، مثل أنتيسيبايت، كانت ستفيد بشكل كبير من أداء أقوى لإعطاء وزن لكلماته الشخصية العميقة.

يبدو أن نازار شبه خجول من استخدام صوته، ما يصعّب ربط أي مشاعر بالكلمات والتدفقات، التي كانت ستشكّل في حالة أخرى أفضل عنصر يصلح لشحنه بالعاطفة في أغانٍ تبدو مجردة للغاية. ربما تكون المشاعر التي يحاول نازار نقلها شخصية بقدرٍ كبير، لكن من الصعب إنكار أن الألبوم كان سيُفيد من غناء أكثر وضوحًا.

قد يكون من السهل على البعض استنتاج أن نازار فقد حدته أو قوته. لكن ماذا يقول ذلك عنا كمستمعين؟ هل يجب أن نتوقع من الفنانين أن يظلوا ثابتين في أماكنهم؟ خصوصًا في عالم الموسيقى الراقصة الذي ينمو على حساب الصدمات والعنف؛ وهل هناك فسحة لنا للاحتفاء بأننا نشهد انعتاق فنان من صدمته ونضوجه متجاوزًا إياها؟

ربما المنتظر منا هو الاستماع بأذن أكثر انتباهًا، وهي ما تتطلبه تفاصيل ديميليتارايز. مع ذلك، فإن الشعور الأبرز الذي يتركه الألبوم هو أنني أكثر اهتمامًا بالاستماع إلى مشاريع نازار المستقبلية من البقاء هنا.

المزيـــد علــى معـــازف