fbpx .
فرسان الست أم كلثوم زكريا أحمد القصبجي السنباطي قولي لطيفك معازف
أم كلثوم

فرسان الست | مَن وراء لحن قولي لطيفك

عبد الهادي بازرباشي ۲۰۱۸/۱۰/۱۲

كانت البداية مع ثورة الشك. قبلها كانت أم كلثوم بالنسبة لي مقطعين، هل رأى الحب سكارى، ورجّعوني عنيك. كانت تجربةً غريبة. تأهّبت لرفض الأغنية منذ بدأت أم كلثوم بإلقاء القصيدة، واستفزتني الجيم غير المعطشة والأثر الكارثي لنطق الأحرف اللثوية الخاطئ، مثل كسيرًا بدل كثيرًا، لكنني لم أتوقف عن إعادة الأغنية. ذلّل الدفق الوجداني في اللحن والأداء تلك العقبات اللغوية، وأصبحت أم كلثوم سريعًا رفيقة يومي التي تهوّن عليَّ التعامل مع ظروف الدراسة والعمل اللا إنسانيّة. لم يكن الوقت متوفرًا لأسمع أغانيها بصفاء ذهن، دومًا خلال الدراسة أو العمل، مع ذلك استطاعت ألحان السنباطي والقصبجي لها النفاذ إلى لا وعيي ثم وعيي بسرعةٍ بالغة، ودون أن أبذل جهدًا لإفساح الطريق.

لم يكن الحال ذاته مع زكريا أحمد. أرهقتني الأولة في الغرام، بدأتها أكثر من مرة ولم أستطع إكمالها. دور محدود للموسيقى الآلاتية، واسترسالات وإعادات تطريبية طويلة جدًا تجعل من الصعب ربط بداية الجملة بنهايتها وأنا أسمعها في فترة رافق فيها سماعي لأم كلثوم الدراسة والعمل. انتهت الدراسة، وأجبرني الجلال المترافق مع ذكر اسم زكريا – شيخ الملحنين – في كل مرجع أن أعود مرة أخرى إلى الأولة في الغرام. شغّلتها وأنا أقوم بنشاطٍ جسديٍّ بسيط هذه المرة. بدأ الغناء فابتسمت، ثم توقفت عما أفعل وجلست. غادرت الكرسي بعد ٣٨ دقيقة استغرقتها الأغنية، صفقت خلالها حتى حين نسي الجمهور، لأعيد تشغيلها.

فهمتُ روقان زكريا وأنه صاحب مزاجٍ متطلّب، العاطفة عنده طرب. ينتظر منك أن تأتي إليه طالبًا مزاجه، وعندها فقط، يعطيك أكثر مما حلمت به. بدأتُ أتذكر أكثر ألحانه لأم كلثوم التي علقت أسماؤها بذهني مما قرأت عنه، الحلم، الأمل، أهل الهوى، حبيبي يسعد أوقاته، أنا في انتظارك، اللي حبك يا هناه، هو ده يخلص من الله وغيرها وغيرها، سكرت وانتشيت طربًا، وصرتُ أخيرًا من أهل الهوى.

ثم قفزت من غياهب ذاكرتي قصيدة اسمها قولي لطيفك ينثني، والتي لم أستمع إليها رغم فضولي إثر قراءة ما قاله الناقد والمؤرخ الموسيقي السوري صميم الشريف كتاب السنباطي وجيل العمالقة: “فتظل في رأيي رائعته قولي لطيفك ينثني عن مضجعي أعظم ما لحن من قصائد، فهي تتطاول بمقاماتها الثلاثة حتى نكاد لا نرى قصيدة أخرى أمامها.” لم أستمع إليها، لأنها لـ زكريا الذي لم أكن أستطيع تذوق ألحانه حين قرأت الوصف لأول مرة. اكتشفتُ أن هذه الأغنية شيءٌ آخر، وأنني تأخرتُ جدًّا في سماعها. فيها كل وجدانية السنباطي والقصبجي، وفرادة تطريب زكريا. قلبت في التعليقات على نسخ الأغنية المختلفة على يوتيوب. أثارت فخامة الأغنية فضولي للبحث عن قصةٍ ما لها. لكن ما وجدته فاق كل ما حلمت به. أحدهم كتب: “هذه القصيدة من لحن الفرسان الثلاثة: محمد القصبجي، رياض السنباطي، وزكريا أحمد.”

فكرتُ قليلًا ووجدتُ أن هناك منطقًا لا يُستهان به في كون اللحن للثلاثة. للقصيدة بالفعل ثلاثة مقاطع بلحنٍ ومقامٍ مختلف لكلٍّ منها لا يُعنى بالبدء من حيث انتهى سابقه. بنيةٌ ساهم فيها شكل القصيدة ذات الأربعة أبيات المكررة مرتين، مع تثبيت المعنى وتغيير القافية في كل مرة. في القصيدة أيضًا لمحاتٌ من أمزجة الثلاثة، فلمَ لا تكون بالفعل نتيجةً تاريخية للتعاون والتحدي بينهم؟

أصبح الأمرُ هاجسًا. أردت التأكُّد أنها للثلاثة لا لزكريا وحده، ومعرفة أيهم لحّن أي المقاطع. اكتشفتُ أن الجدل في هوية المشاركين في الأغنية يمتدُّ إلى الكلمات. فالمؤرخون الموسيقيون يقولون إنها للشريف الرضي، بينما أغلب المراجع التي تذكر القصيدة بعيدًا عن الأغنية تقول إنها إما من شعر ديك الجن الحمصي أو إحدى زوجات هارون الرشيد.

تقول رواية الحمصي إنه مر وصاحبه بمجموعة من البنات يحتفلن ويغنين، تغني إحداهن وأجملهن من شعره. اقترب الحمصي من الفتاة وسألها إن كانت تعلم لمن هذه الأبيات فقالت ديك الجن، وعندما أخبرها أنه ديك الجن طلبت منه أن يثبت ذلك بأن يرتجل شعرًا في لحظتها، فقال:

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الـرقـاد

كي أســتـريح وتنطفـي نـارٌ تـأجّج في الـفــؤاد

مُضنًى تُقلّبه الأكــف علـى فراشٍ من ســـهـاد

أمـا أنا فكما علـمـتِ فهل لـوصـلك من مـعــاد

أرادت التأكد أنه ارتجل ما قاله ولم يكن مما حفظه فطلبت أن يُثبّت المعنى ويُغير القافية، فأنشدها:

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الهجوع

كي أســتريح وتنطفي نـارٌ تأجّجُ في الضـلـوع

مُضنًى تقلبه الأكـف علـى فراشٍ مــن دمــوع

أمـا أنا فكما علمتِ فهل لـوصـلكِ من رجــوع

أعادت الطلب فكان الختام:

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت المـنـام

كي أســتـريح وتنطفـي نـارٌ تأجّجُ في العظـام

مُضنًى تُقلّبه الأكــف علـى فـراشٍ من ســقـام

أمـا أنا فكما عـلـمـتِ فهل لـوصـلك مـن مرام

تجري قصة زوجة الرشيد بشكلٍ مشابه. الشاعرة فتاةٌ قابلها الرشيد على ضفة نهر تُنشد أولى أبيات القصيدة، فسألها إن كانت لها أم تحفظها عن غيرها. أكدت أنها مبدعة القصيدة فاختبرها بنفس الطريقة، ثم اتخذ منها زوجةً. إذًا ربما كانت القصيدة لأحد هؤلاء الثلاثة، وربما كانت لأحدهم أبياتها الأربعة الأولى، ثم حفظها الثاني ونسج الأربعة الثانية على غرارها، وكذلك فعل الثالث. ربما كان ذلك شبيهًا بحال اللحن، لكن باختلافٍ جوهري: ستكون المعارضة اللحنية هنا بالاتفاق، بتحدٍّ صريحٍ ومُعلن بين أهم ثلاثة موسيقيين عرب في القرن العشرين.

كان العثور على القصبجي والسنباطي وزكريا في القصيدة بمثابة اختبارٍ لمدى استحقاقي أن أكون بين مجاذيب فرسان الست. بدأت بالمقطع الأول. فكرت: يميل الشيخ زكريا إلى إشباع المقام بدل القيام بتحويلاتٍ كثيرة في وقتٍ قليل. كذلك يميلُ في كثيرٍ من ألحانه إلى تغطية مساحة صوتية لا تتجاوز جنس واحد في كل مقياس موسيقي (مازورة).موسوعة أم كلثوم لـ فيكتور سحاب.

في المقطع الأول البالغ طوله ٣ دقائق و١٣ ثانية، ينطبق أمر إشباع المقام على أول دقيقتين، المصاغتَين على مقام راحة الأرواح. لكن في الوقت القليل المتبقي هناك تحويلَين مقاميَّين بديعَين ومبتكرَين، دون الوصول بالمقامَين الجديدَين إلى الإشباع الذي وصل إليه براحة الأرواح. الأول من راحة الأرواح إلى الصبا بالتركيز على العلامة السابعة من راحة الأرواح (الحسيني) في ختام مقطع “نارٌ تأجّجُ في الفؤاد”، ليبدأ الصبا من نفس العلامة بشكلٍ بالغ السلاسة لدرجة يبدو معها أن التحويل إلى أحد أجناس المقام لا إلى مقامٍ آخر. ثم في مقطع “أما أنا” يقوم بالتحويل الثاني بجعل المقطع ضمن العلامات من السادسة (النوى) إلى الثامنة  (الأوج) المشتركة بين راحة الأرواح والراست، وبالركوز على السادسة لتأكيد طابع الراست والتمهيد في نفس الوقت لقفلة راحة الأرواح معلّقة آسرة.

هناك أيضًا تغطية لمساحة صوتية كبيرة ضمن المقياس الواحد في المقطع، تصل إلى قرابة ديوان كامل (وقت الرقاد – المعاد). أما على صعيد البنية فالأبيات مقسمة إلى ثلاثة أجزاء الرئيسية، في الأول بيتين وفي كلٍّ من الثاني والثالث بيت. يُعاد الأوّل كاملًا مرّتين، وبين بيتَيه لازمة مشتقة من المقدمة. ثم تأتي لازمة جديدة تسبق الجزء الثاني الذي يُعاد معها أيضًا مرّتين، وأخيرًا لازمة رئيسية ثالثة للجزء الأخير تولّد منها لوازم قصيرة تتخلل كلماته. لكن على عكس سابقَيه، التكرار هنا للشطر الأول من البيت، أما الشطر الثاني فوحده وفيه تكثيف الختام بحسرة قريبة من اليأس دون أن تكون له الغلبة، لذلك نبقى منتظرين جواب “فهل لوصلك من معاد؟”

يمكن ملاحظة مثل هذه اللمسات البنيويّة والتحويلات المقامية وسعة المساحة الصوتية في مونولوجات مثل قلبك غدر بي، الشك يحيي الغرام، يا قلبي بكره السفر ويا مجد لـ القصبجي، بل ويمكن اختصار المديح لبراعة مماثلة في التعامل مع المقامات والأصوات بالقول: تحويلة / قفلة قصبجيّة. إذًا لماذا لا يكون القصبجي بالفعل هو فارس المقطع الأوّل؟

إن أرادت أم كلثوم أن تستثير أقصى ما في ملحنيها بمنافسة مباشرة بهذا الشكل، فمن الطبيعي أن تبدأ بالقصبجي، “كبيرهم الذي علمهم السحر” والقادر على أن يستفز الجميع رغم أنه لا يتحدى إلا نفسه. لكن من التالي؟

أكثر ما يبرز في المقطع الثاني لازمة قصيرة مبتكرة بعد بيت “مُضنًى تقلبه الأكف على فراشٍ من دموع”، تبدأها أقواس الكمنجات ثم يتقاسمها نقر على أوتارها مع طرقعة على الدف. كان النقر على أوتار الآلات القوسية بيتزيكاتي Pizzicati وقتها أسلوب عزف معروفٌ بكونه مأخوذ عن العزف الكلاسيكي الأوروبي، برز في أغانٍ مثل يا آسرة قلبي للسنباطي في ١٩٣٤، أعجبت بي لـ عبد الوهاب في ١٩٣٥، ويا مجد للقصبجي في ١٩٣٧. استغربت أسلوب العزف هذا في أغنية من العقد الأول من تعاون زكريا أحمد وأم كلثوم، كون زكريا – وإن لم يكن أقل ثوريةً من مجايليه من الكبار – لم يُعرف عنه الترحيب بوجود أدنى تغريب في الشكل في كلثومياته. بالإضافة إلى ذلك، لم يُعرف عن زكريا أيضًا ذلك الميل للتأليف في اللوازم، بل وأجاب حين سُئل عن ذلك: “ما بحبش اللازمة اللي مالهاش لازمة.” بحسب كتاب صبري أبو المجد عنه كتاب زكريا أحمد بقلم صبري أبو المجد.

في المزاج بين المقطعَين، هناك تحولٌ من انفعاليّة الأوّل إلى مناجاة صوفيّة في الثاني، وفي البنية يُشكّل كل بيت جزءًا رئيسيًا، بينما تبقى الإعادات محدودة. التكرار الوحيد الموجود هو للبيت الأول وعبارة “أما أنا”، وهو تكرارٌ يُثبّت طابع المناجاة ويزيد الشحنة العاطفية أكثر مما يحمل طابعًا تطريبيًا. حتى الختامُ وداعيٌّ يائس بشكلٍ يزيد من طابع مخاطبة الشاعر لطيف حبيبته التي ذهبت بلا رجوع، لا لها، قفلةٌ يغلب شجنها على تطريبها حتى يكاد ينسيك إياه رغم روعته.

مناجاةٌ صوفيةٌ تُقدّم فيها العاطفة على الطرب بوضوح، ولازمةٌ يتألق فيها التأليف والعزف المختلفَين رغم قصرها، مذكّرةً إيانا بلوازم مونولوجات مثل طالت ليالي البعاد للقصبجي والنوم يداعب عيون حبيبي للسنباطي، المتأثر بشدّة في تلك الفترة بالقصبجي والحريص على تحقيق سبقٍ عليه. من المنطقي أن يحمل المقطع الذي ربما لحنه السنباطي هذه الصفات. ماذا سيستثير قريحة السنباطي مثل أن تُسمعه الست ما لحنه القصبجي من القصيدة، وتطلب منه أن يُكمل أبياتًا أربعة أُخرى ينال بتلحينها أول فرصة منافسة مباشرة مع القصبجي؟

قد يبدو من السهل نسب لحن المقطع الأخير لزكريا بعد ترجيح كون الأول للقصبجي والثاني للسنباطي، لكن ذلك لا يكفي، يجب البحث عن بصمة زكريا، وإن كان بالفعل ملحن المقطع، لن تكون خافية. هذا بالفعل ما حصل. كل تفصيلٍ هُنا يُعلن أن زكريا وراءه، بدءًا من المقام. تُغنى الأبيات على الصبا المستمر وحده على طول المقطع البالغ ثلاث دقائق و١٥ ثانية، وهو المقام الذي عُرف زكريا ببراعة منقطعة النظير في التعامل معه، بينما يبتعد عنه أغلب الملحنين لما يجدون فيه من محدودية في خلق وتطوير الأجواء المختلفة.

أما اللوازم هنا فهي أميل لكونها مساحات لضرب الإيقاع والمقام من كونها لوازم مؤلّفة، والتطريب ينضح من كل كلمة وكل قفلة وإعادة، خاصةً في الختام. لكن التطريب هُنا يوازي الزخم العاطفي الذي يتعاون اللحن على الصبا مع الأداء والكلمات لجعله مُدمّرًا. بالإضافة إلى ذلك، يُكتفى في أغلب هذا المقطع بجنس واحد في كل مقياس.

أنا منهم إذًا، مجاذيب فرسان الست، وعرفت فارس كل مقطع. بدايةٌ انفعاليّة قصبجيّة، ثم مناجاةٌ صوفيةٌ سنباطية، فختامٌ يُمزّق القلب ألمًا وطربًا مع زكريا. بالفعل، هذا التقسيم الأمثل الذي إن صح وكانت وراءه الست، كان دليلًا آخر على دهائها.

ما زال كل هذا غير كافٍ، هناك تقاطعات سابقة بين زكريا والقصبجي مثل مونولوج ياما أمر الفراق لزكريا الذي فيه الكثير من القصبجي، وتقاطعات أخرى بين القصبجي والسنباطي مثل النوم يداعب عيون حبيبي. لم أمسك الدليل القاطع بعد. سمعتُ أن زكريا دوّن مذكراته بالتفصيل، فلم لا يكون فيها ما يحسم أمر هوية الملحن أو هويات ملحني مقاطع القصيدة؟ لم أجد المذكرات لكن وجدت كتاب صبري أبو المجد سابق الذكر، والمعتمد بجزء كبير على مذكرات زكريا. طبعًا مثل أغلب المراجع، كان كتاب أبو المجد مخيبًا، لكن بعد أن يئست من الوصول إلى معلومةٍ مفيدةٍ فيه، وفي الصفحة ٣٥٩ التي تسبق نهايته بقليل، أُدرج نص مقابلة مع زكريا جرت عام ١٩٤٨ وفيها هذا السؤال:

“ما هو أحسن لحن لك؟

– قد تُفاجأ أن اللحن الذي أعتز به لم يلق من الرواج والانتشار ما كنت أتوقعه له، بينما يروج وينتشر لحن لم يقتض مني أي جهد. مثال ذلك لحن قولي لطيفك من فيلم دنانير. لقد صغت هذا اللحن من ثلاث مقامات، ولا يخفى عليك ما يتطلبه هذا العمل من مجهود مضن، لكنه لم ينجح بالقدر الذي أصابه بكره السفر. أذكر أن الأستاذ فكري أباظة كتب عن هذا اللحن عامودًا طويلًا كله ثناءٌ عليَّ، ولم يقل أحد عن اللحن الذي حرقت فيه قلبي كلمةً واحدة. أحسب أن التاريخ سينصفه ويقول عنه كثيرًا.”

قد يكذب المؤرخون وتكذب كتب التأريخ الموسيقي وحتى معاصرو الحدث الذي نسعى للوصول إلى حقيقته، لكن زكريا لا يكذب، وهو كما وصفه صميم الشريف “رجلٌ لم يزاحمه أحدٌ على مجده.” اللحنُ بكامله لزكريا إذًا.

بنظرة أُخرى على مشاركات زكريا في ألحان فيلمَي أم كلثوم السابقَين على دنانير، الذي ظهرت فيه قولي لطيفك، استطعت فهم ظروف ولادة اللحن. في أول أفلام أم كلثوم، وداد، كان لزكريا ثلاثة ألحان وللقصبجي ثلاثة وللسنباطي اثنَين. أما في الثاني، نشيد الأمل، تقاسم القصبجي والسنباطي ألحان الفيلم دون زكريا بدعوى أنه متشبّثٌ باللون القديم غير المناسب لحداثة الفيلم وأجوائه. 

هذا يعني أن دنانير، ثالث الأفلام، كان عودة زكريا إلى سينما أم كلثوم، وفرصةً لإثبات أنه ليس محدودًا بعصرٍ أو لون، هذا بالإضافة إلى بنية ومعاني القصيدة ذاتها والمحفّزة على الابتكار. هذَين العاملَين كانا كفيلَين بجعل زكريا يُقدّم لحنًا بالتفوق الذي يجعله جديرًا بحمل أسماء وبراعة الثلاثة، وأن يحرق اللحن قلوبنا أكثر مما فعل بقلبه ويُلهب مخيلتنا. الغريبُ أن هذه الحقيقة لم تُحسّرني على الفانتازيا التي لهثتُ وراءها، إنما شكرتُ آلهة الجمال على كل ما وصلنا من أعمال زكريا، وافتخرتُ بأني من أهل هوى شيخ الملحنين.

المزيـــد علــى معـــازف