fbpx .
بحث | نقد | رأي

سمسيسايزر | سوبر لوكس

شارل عقل ۲۰۱۵/۰۸/۰٦

استمعت إلى ألبوم سيمسيسايزر لفرقة سوبر لوكس بكثير من الحماس لعدّة أسباب: أولها أن الفرقة تعد بمثابة Super Band، بمعنى أنها تجمّع لموسيقيين مهمين، وهم هنا: حميد صبري على البايس غيتار وأحد أهم مهندسي الصوت في مصر، وأكرم الشريف على الوتريّات، ونجم الدين شاهين على الطبول والغناء، وباسم وديع، والذي يعتبر من أفضل الأصوات في مصر. ينضم إلى الفرقة أيضاً ميزو على الإيقاعات، وهو عضو في فرق عديدة منها وسط البلد.

من ناحية أخرى، تحمل هذه التوليفة عبء ترقّب مستمعيها نتيجة مضاعفة لتراكم خبرات أعضاء الفريق، لتصل بمستوى الألبوم إلى جودة أعلى. لكنّها حسبة خاطئة، إذ لا تجمع الأرقام في التجانس الموسيقي بشكل عددي كما في كيلوهات الخضروات.

السبب الثاني لحماسي هو الندرة في إصدارات الموسيقى الراقصة في مصر والمشرق العربي بغض النظر عن مستواها، مما جعل تقييم الألبوم مستنداً إلى عدّة نقاط إيجابيّة، إلى جانب طرافة اسم الفريق والمواد البصريّة للألبوم.

يضاف إلى ذلك أداء فريق سوبر لوكس في الحفلات الحيّة، حيث يقدمون مادة موسيقيّة طازجة بآلات حيّة غير مسبقة التجهيز، لتُعزف المقطوعات أمام الجمهور دون استخدام الـloops أو أيّة خدع إلكترونيّة أو مشغّل أغاني DJ مثلاً يشعل حماس المستمعين.

سمعت الألبوم أول مرة حيّاً وبيدي زجاجة بيرة. بدأ العرض بنقرات رتيبة وتسارع في المؤثرات التي وضعت لبناء الترقب والهيبة لدى الجمهور، لينطلق الإيقاع فوراً من دون مقدمات طويلة، إنّما بنغمة حزينة قليلاً، تتكرّر لتتبلور بعدها في إطار راقص، وتتراكم فوقها المؤثرات لتعزّز كل منها الإيقاع الأساسي للمقطوعة. هنا، يدخل صوت باسم وديع المدهش بالموّال مصحوباً بتأثيرات إلكترونيّة بتجاور ناجح بين الصوت الكلاسيكي والتقنيات الجديدة، فيقول: سألت قالوا الحبيب مهما غاب يعود، يطيب جريح الهوا اللي بالوصال موعود، يا قلب إيش اللي جرى وخلى الأمل موجود، بكرة تطيب الليالي واللي راح يعود“. تنسحب النبرة الحزينة للحن على الكلمات أيضاً، والتي تؤدي أفضل أدوارها في تضادها مع الإيقاع الراقص، لينتهي أوّل مقطع، ويكتسح الإيقاع باقي الآلات لتدخل معها النغمة الأساسيّة للمقطوعة بصوت واضح. ينحسر اللحن مرة أخرى ويتأوّه باسم مرة أخرى بجراح الحب. تمرّ برأسك هواجس شريرة عن الاستغلال التجاري للموّال في موسيقى الهاوس ولكنّك لا تهتم طالما الـGroove مستمر والبيرة تأخذ مجراها الطبيعي في إسكات مفسد الحفلات بداخلك. وتمضي لحظات من الترقّب للصحوة الثانية للأغنية، فتدخل الطبول بصوتها الخالي من المؤثّرات مع ألاعيب الغيتار الأساسي بنغمات طويلة في المقدمة مع نقرات البايس في الخلفيّة بتناغم الراقصة والسياسي. هنا نكتشف أنّنا نستمع إلى نغمات بلوز حزينة على إيقاعات راقصة، بينما يتدخّل البايس بحكمة على طول المقطوعة، وهذا مزيج من النادر أن يفشل. يتأوّه باسم تأوّهات مودعة وتنتهي المقطوعة بهدوء.

ابتهجت بعض الشيء من البداية الشيّقة، وسكبت لنفسي بيرة أخرى، وبدأت المقطوعة الثانية بطرقعات على النحاس مع التأثير الصوتي لجملة لا نفهمها بوضوح بسبب المؤثرات الصوتيّة. تدخل باقي الآلات وكأنّها تتأهّب لمقطوعة هارد روك، وفجأة، ينحسر كل ذلك لحساب مقطوعة ديسكو عادية في استعراض للتنوع الموسيقي بنغمة متفائلة هذه المرة، على عكس البداية الشيّقة المتناقضة. ثم يدخل صوت نجم الدين شاهين مغنيّاً بإنجليزية متواضعة في مضمونها: I just want to dance with you till the morning light وبأداء لا يرتبط بأي تجربة خاصة بقدر ما يحاكي ما هو متوقّع في هذه المناسبات الراقصة، لكن مع غياب التضاد الناجح الموجود في المقطوعة الأولى. وبذلك، تظهر مؤشّرات فوريّة لنهاية حلم تطوّر المشروع إلى أي صوت جديد.

يتكرر الأمر في الأغاني القادمة، ومنها أغنية Waterside التي تبدأ بدخول الكي بورد بنغمة راقصة وبنكهة أفريقيّة صادرة عن آلات النفخ. تصدح أصوات المؤثرات الصوتيّة حولها ببطء لتنقلها إلى مساحة أهدأ قليلاً، ثم تدخل كلمات إنجليزيّة لا أفهمها ما بين fly high وsun in the sea ثم تدخل آلات النفخ بسلّم خماسي سوداني في محاولة لدفع المقطوعة إلى الأمام بين الحين والآخر، لتعلن عن نهاية كل فقرة. يكرّر المغني الأساسي نفس الكلام على شاكلة fire is burning fire is burning وكلام لا أفهمه بالضبط ولكن من الواضح أنّه يستعيد جبهة wanna be free مثل الـsun in the see، أو شيء من هذا القبيل. تتكرّر ركلة المنفاخ السوداني لتستعرض التنوع الموسيقي من دون أن تنجح بإعطاء طابع من الأصالة للتقليد الأجنبي.

تتوالى المقطوعات الخمسة في الألبوم على نهج واحد في تبادل يبدو مقصوداً لتحقق التوازن: عربي/ إنجليزي وإنجليزي/ عربي في تجاور سلمي يجمع ما بين سحر الشرق وتقنية الغرب. فالأغنية الثالثة تحاول تقليد الأولى بدون جدوى. إذ يدخل الناي مع أصوات باسم وديع وقرع للطبول بإيقاع مكرّر. ثم يدخل إيقاع مصريّ ليهيّئ لباسم أول أبياته: يسهر هو والحبيب طول الليل يقول مواويل. لكن بنغمة غاب عنها التضاد المثير في الأغنية الأولى. إضافة إلى أن الكلمات هذه المرة غير مؤثرة وزائدة، بالكاد تملأ فراغاً تحوم حوله بقية الآلات كطرائد تنتظر استرجاع هذه المساحة التي أخذها المغني الرئيسي لفترات طويلة من دون أن تلتحم معها. حتى المؤثرات الصوتيّة لا تتصاعد لتتخطى التكرار. يحدث كل ذلك ضمن محاولات الإيقاعات المتواضعة وغير الحاسمة لتغيير النهج، لكنّها لا تنجح بتحويلها إلى مقطوعات راقصة، ولا تؤكّد على شق الموّال. هنا يتضّح أن التجربة مكوّنة بحساب دقيق بغرض الاستحواذ على إعجاب جمهور غربي التوّجه بالأكثر، وهو ليس عيباً بالضرورة إذا كان المنتج النهائي جديداً في مضمونه، وليس مجرّد نسخة مقلدة لا تدفع لاكتشاف مناطق جديدة بالفعل.

يمتزج الشرق والغرب أخيراً في النهاية برمزيّة ملحميّة في مقطوعة بعنوان مش هروح والتي يأتي فيها المزج كما ذكرت ما بين العربي والإنجليزي. تبدأ الأغنية بداية صامتة كخدعة مكرّرة يفهم منها أن الإيقاع سيصدح ليطرب آذان السميعة بالتضاد، ولتتحرك المؤخرات بفعل الذروة التي تخلق تصاعد الإيقاع. ويقول نجم الدين أنه مش هيروح باللغة الإنجليزيّة، ثم يكرّرها باسم بالعربيّة. ذلك ضمن تنوّع غنيّ جداً من الآلات، حتى أنّه يدخل ضمنها العود لثوانٍ معدودة ويدخل باسم ليقول أنّه مش عايز أروّح، مع تنويعات على أسلوب باروف ستيلار لتكرار مقاطع سوينغ قصيرة تخلق من تكرارها إيقاعاً، وتتكرّر المؤثرات حتى تصبح مملّة مع قصور ذاتي للإيقاع الذي لا يبني للوصول لأي ذروة ولا يبدو مستمراً لأي غرض. إذ ربما لتراكم المؤثرات، تتماهى كل مرحلة في الأغنية مع الأخرى، ويغيب عن المستمع فهم التصاعد في البناء اللحني.

رغم قصر العرض، إلا أنّني بدأت في منتصفه بالتفكير بالفعل في إيميلات العمل المتأخرة والاتصالات التليفونيّة التي عليّ القيام بها في الصباح التالي، لا لأنّني مفسد حفلات والعياذ بالله، ولكن لأن بناء الأغنية الراقصة يستلزم ذكاءً شديداً للمحافظة على انتباه المستمعين. وبذلك: ما يشعر المستمعين بالتكرار أو الاستطراد المستمر الذي لن يؤدي إلى غاية سرعان ما سيفقدهم اهتمامهم. التطويل في المقاطع مهم للحفاظ على الـGroove، وهو أمر ناجح مع سوبر لوكس لاستخدامهم الآلات الحيّة، ولكن ضرورة التفكير في الخطوة التالية حاجة أساسيّة ربما بتنويعات حاسمة. إذ دائماً ما تبدأ مقطوعات سوبر لوكس في استعراض لشكل وتناغم الآلات، وهو أمر جيد، ولكن لا يتطور هذا الاستعراض لأيّ تصاعد أو ذروة، لتستمر الأغاني بالقصور الذاتي، وتنتهي ما أن يمل صانعوها من عزف، فما بالك من المستمعين.

بعد العرض عدت وسمعت الألبوم مرات أخرى عديدة لكتابة هذه المراجعة، ولم تتغير فكرتي عنه. بالعكس، فهو على المسرح وبفضل العرض الحي أفضل بكثير من نسخته المسجلة التي تقع في نفس المطبات. يبهر بناء الألبوم المستمع بمقطوعة جيّدة جداً في البداية، ثم ينحسر ذلك الانبهار بعد ذلك إلى أن تطفئ المسجّل. قد يدفعك الصبر لتتمسك بتجربة clubbing مصريّة ناجحة، وتستمر في الاستماع بدافع التآخي القومي، ولكن المؤخرات لا تحركها هذه الاعتبارات، وسرعان ما تكل عن نشاطها.

المزيـــد علــى معـــازف