.
تستعرض هذه القائمة ثماني شركات تسجيل من حول العالم، نشأت، أغلبها، منذ بضع سنوات ونَمَت بشكلٍ تصاعدي، فيما رسّخت أخرى جذورها بقوة في المشهد الإلكتروني خلال العقد الماضي، واستمرّت في الازدهار رغم صعوبات الفترة الأخيرة.
ركزت إصدارات أورانج ميلك على الفايبر وايف منذ نشأتها عام ٢٠١١، ثم أفسحت المجال تدريجيًا لاتجاهات تجريبية في الـ بلاندرفونيكس، أو الكولاجات الصوتية. تعد إصدارات مؤسسي أورانج ميلك، جايَنت كلو (كيث رانكين) وسِث جراهام من أهم علامات البلاندرفونيكس بشكله المعاصر، الذي يستمد أصواته من مصادر متنوّعة على مدى التراك الواحد، ويمتاز بدقّة في تقطيع العينات إلى مقاطع مايكروسكوبية ولصقها بشكل متناسق لهيكلة التراكات. لا يقتصر صوت أورانج ميلك على التجريب فقط، إذ يحضر البوب في إصداراتهم وسط الكولاجات، بالأخص خلال آخر بضعة سنوات.
يُظهِر هذا التوجّه في الإنتاج وتنويع المصادر الصوتية، بالإضافة إلى الاستعانة بعينات من ألعاب الفيديو، انعكاسًا لثقافة الإنترنت السائدة، ويحاكي تشابك المعلومات وسرعة انتشارها وكيفية فهمنا وصياغتنا لمعاني الأمور في وقتنا الحالي.
يضم كتالوج أورانج ميلك الضخم ما يقرب من مائة وخمسين إصدارًا؛ بالإضافة إلى بعض كلاسيكيات الفايبروايف، مثل ألبومات إن مِش ودثس دايناميكس شراود والعديد من أعمال اللو-فاي. من خلال أورانج ميلك شهد البلاندرفونيكس بضعة من إصداراته الأهم في السنوات الأخيرة، كما صدرت العام الماضي ألبومات محيطة يطغى عليها التجريب مثل إصدارات مور إيز وجي.إس سلطان، وألبوم جالن تيبتون المميز الذي يخلق عالمًا فانتازيًا يحبس المستمع في لعبة فيديو، أو إصدار لويس بستانا الملحمي، روزا بانو، أو ألبوم ماثيو دي.جرانت الخوارزمي.
تدرّجت تسجيلات سبكالت الصينية بخطوات ثابتة، بدايةً من سلسلة ميكستايبات وألبومات تجميعية وأخرى قصيرة، وصولًا إلى استضافة منتجين ذوي شهرة واسعة من شرق آسيا وخارجها، رجّت موسيقاهم حلبات الرقص والمهرجانات الموسيقية على مدى الأعوام القليلة الماضية.
اختيارات سبكالت مدروسة بعناية، تميل إلى التركيز على إصدارات تدفع بالموسيقى الراقصة وإحداث طفرات وتحويرات بها عن طريق تزويدها بخامات طازجة أو إظهار عناصر من محيط الفنانين الثقافي. تكشف إصدارات هايفي و33EMYBEW وزاليفا-دي ذات الطابع المفاهيمي عن صوت راقص أصلي متحرر من أي جنرا متعارف عليها، متعاملين مع محيطهم الثقافي الشعبي بشكلٍ عميق وتجريبي، يبعد نفسه عن كليشيهات المزج والإكزوتيكية الذاتية، لينتج عنه صوت منصهر غير قابل للفك أو التجزئة.
بينما تظهر الأعمال الراقصة المجددة في إصدارات نهاش وأوشياك بإيقاعاتهما المتشابكة، وإصدار جوووووز بموازينه الإيقاعية غير المعتادة، وسلسلة كاشيه التجميعية؛ تأتي إصدارت أخرى غامرة وأكثر حدّة نتبينها في صوت مونج سينج الاصطناعي وإيقاعاته المعدنيّة المشوّهة، وفي ألبوم الفريق الإندونيسي جابر مودوس أوبراندي، بإيقاعات الجابر السريعة وتأثير الهاردكور والجاملان والنويز. من ناحية أخرى، توازن سبكالت تلك الأصوات بإصداراتٍ سهلة على الأذن، نسمعها لدى أداء سينتي للبوب وين تك للتراب التجريبي، كما تحرص سبكالت على جمع منتجي المشهد الإلكتروني الراقص من خلال تعاونات صايعة، مثل هايفي مع سليكباك وسكوتش إج مع جوووووز وأخيرًا إصدار نهاش مع أوشياك.
حفلت إصدارات ليمبو تايبس بالكنوز المغمورة على مدار أربع سنوات منذ نشأتها، مسلطةً الضوء على جماليات اللو-فاي والدَب والإيلبيانت، مع تركيز على مشاهد صوتية محيطة وتوظيف عينات متهالكة بشكلٍ إبداعي. تعد ليبمو تايبس نافذة على جزء من ثقافة البايس في مدينة بريستول، وامتدادًا معاصرًا للدَب ومدخلًا لإصدارات العديد من المنتجين المغمورين.
تعطي الألبومات التجميعية نبذة عن التوجهات الجمالية المذكورة، مرتاحةً على أصوات عريضة ودافئة وبيتات هادئة تعمل معًا كمحفّزات على الاسترخاء. يجد المستمع نفسه عند الاستماع لـ رودني وكارو وفلايت مود سكواد وهاو ديو ووي إيت سَن في منطقة بين الحلم واليقظة، محاطًا بأنسجة صوتيّة من كل مكان؛ بينما يزيل دايف ريفلكس سرفيس، الذي يحتل الصدارة في أرشيف الشركة، الفوارق بين الحاضر والماضي ويوظّف الذاكرة الجمعية السمعية بحرفيّة من خلال عينات صوتيّة شبحيّة.
يأخذنا ألبوم بلود سيركس لـ تايتس ١٢ إلى عالمٍ لعوب يتمحور حول سيرك متنقل وكرنفال صارخ ذي مزاجات متقلّبة. ألبوم ملائم لمن يبحث عن دَب معاصر، يتميز ببايس غليظ وخامات صوتية مركّبة وألحان مبهجة. بالإضافة إلى تلك الإصدارات، التي تقدّم بلا شك استراحةً من الموسيقى الإلكترونية الراقصة، يمكنكم متابعة عرض ليمبو تايبس الشهري على راديو نوودز، والذي أجده واحدًا من أفضل البرامج الجديرة بالمتابعة، لما يتضمنه من تجارب صوتية وموسيقى حصرية وكولاجات إذاعيّة قديمة وتسجيلات ميدانية، تحت مظلّة تفاعل حي من مقدم البرنامج ومؤسس تسجيلات ليمبو تايبس، تايتس ١٢ (بيت هايزل).
عاشت الموسيقى الشرق أوروبيّة فترة تقلّبات طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تراوحت بين الموجات الإحيائية والنوستالجيا لموسيقات ما قبل الانهيار، وتأثر فجّ بالموسيقى القادمة من أمريكا وغرب أوروبا. تبدّلت الأمور في العقد الماضي عند ظهور شركات إنتاج تبحث عن لغتها الخاصّة، وازدهار الإصدارات التجريبية محليًّا وعالميًا، لتزدحم شركات الإنتاج بالمنتجين البارعين كما حدث في مناطق أخرى في شرق آسيا والمنطقة العربية وأمريكا اللاتينية وشرق أفريقيا؛ تطوراتٌ من شأنها تفكيك الهيمنة الغربية على الموسيقى الإلكترونية.
جين آند بلاتونيك التشيكية واحدة من تلك الشركات، تأسست عام ٢٠١٦. رغم قلّة إصداراتها، يحمل كل ألبوم بصمة مميزة وإضافة إلى المشهد التجريبي. تضم الشركة اثنين من رواد الموسيقى الخوارزمية والترميز الحى، فورسز بخاماته الكثيفة وكيندوم بإيقاعاته التصاعدية، بالإضافة إلى المنتج والفنان متعدد الوسائط، ترينجس، بأسلوبه الإنتاجي الجامح والتفكيكي. كذلك أصدرت جين آند بلاتونيك ثاني ألبومات المنتج البولندي الواعد يولِك بلوسكي، الذي يتلاعب بعينات صوتية وأصوات بشرية ببراعة ليكوّن فضاءات يشغلها الضجيج. ألبوم الثنائي أكشن سبورتس من الأعمال القليلة التي تدمج بين الموسيقى المحيطة والآي دي إم، وتذكرنا بـ بوردز أٌف كندا نوعًا ما، يتبعه ألبوم تواريت هاوس المتّجه نحو موسيقى راقصة تفكيكية.
استطاعت تسجيلات كْلام الإيطالية خلال أقل من عامين فرض نفسها على الساحة الإلكترونية، مركزةً على صوت يتّسم بالعنف والسرعة والقوة المفرطة. أسس كوتي جين وفورونهيل تسجيلات كْلام، بعد تأسيسهما تسجيلات هيل.زون التي ركزّت على الموسيقى الراقصة بشكلٍ أكبر.
تتنوع إصدارات كْلام الثمانية، لكنها تشترك في التصميم الصوتي الإبداعي والأصوات السينمائية وخشونة خامات الضجيج التي تنبض بالصدمات الإيقاعية. تتطرق ألبومات فورونهيل وكوتي جين إلي صوت جديد للنويز، يتّسم بديناميكية عالية وتلاعب بالأصوات كأنها مواد ليّنة، فيصعب توقّع البار القادم في أيّ لحظة من أي تراك.
إذا كان تفكيك الموسيقى الراقصة من الصيحات الحاضرة في وقتنا هذا، يأتي إصدار تروبيكال إنترفيس، بولوشن، كإعلان لمرحلة لاحقة للموسيقى الراقصة الخارجة عن التصنيف. أما الإصدار الأخير لـ تالبا، فتسيطر عليه خامات تفتيتية وممطوطة عالية الضجيج، فيما يتّجه المنتج إلى تفكيك الموسيقى الراقصة والهيب هوب بشكلٍ عنيف، ناحتًا إياهما بعناية. برغم كونها ناشئة ومغمورة، توفّر تسجيلات كْلام ملجأً للمستمع الفضولي الذي يرغب بالغوص في عوالم جديدة.
حظيت الموسيقى المحيطة بقدرٍ كبير من الانتشار ووفرة في الإنتاج خلال فترة الحظر أكثر من أى فترة مضت، ما شجّعني على التعمّق في شركات التسجيل المحيطة لرصد أفضلها، واستوقفتني تسجيلات سفيريك.
يطلق الثنائي الإنكليزي سبايس أفريكا توجهّا للدَب المحيط في ساموير ديسنت تو ليف، تتخلله فضاءات صوتية واسعة ونبضات كيك مكتومة وجليتشات دقيقة. يسير ألبومي إيكيوم على نفس النهج، مع إضافة المزيد من الأنسجة صوتية وخامات كثيفة متناثرة. أما أعمال المنتج الأمريكي جايك موير، فيطغى عليها الطابع اللحني الذي يتراوح بين الحميمية والغموض، مع معالجة للتسجيلات الميدانية التي تُدخل المستمع في تجربة سمعية تأملية.
اخترنا ألبوم روميو بوارييه ضمن أفضل إصدارات ٢٠٢٠، تسجيل يأسر الأذن بفضل لووبات نحاسية مبطأة، مستحضرًا كولاجات الموسيقى الملموسة كلقطات فوتوجرافية لعطلة عائلية من القرن التاسع عشر. أصدرت سفيريك تسجيلاتٍ مقلّة منذ تأسيسها ٢٠١٧، وحمل كل ألبوم قدرًا عاليًا من الإبداع والتخصص في الموسيقى المحيطة.
يحمل كل ألبوم على أووه-ساوندز الإيطالية طابعًا مفاهيميًا متماسكًا مع الموسيقى، وغير مقحم. لا تسعى المفاهيم هنا إلى قضايا كبرى رائجة لإضفاء الجاذبية على إصدارات الشركة، بل تلعب دورًا محوريًا في إخراج أعمال متكاملة متعددة الوسائط، وتُترجم بعناية فائقة في الأعمال البصريّة المرافقة للتسجيلات.
يمتد دور أووه-ساوندز إلى تنسيق إصدارات مشتركة تخلق مساحة للتجريب والمغامرة، مثل إصدار بيدر مانرفلت وشيلي باركر ودايل كورنيش وسيم هاتشنز وجورجيا وبيلوز، بالإضافة إلى مشروع ليف نو ترايس الذي ضم ثمانية عشر فنانًا اعتمدوا فقط على استخدام مواد صوتية من الإنترنت، في عملية استغلال عكسي لبروتوكولات الإنترنت.
يعد ألبوم كراي للثنائي جلاس واحدًا من أهم إصدارات الشركة، يسعى إلى طمس الحدود بين الجماليات البشرية وغير البشرية، وتفكيك تلك الثنائية من خلال تفكيك عناصر البايس البريطاني والأجواء المحيطة المتقلّبة. يعتمد الثنائي على التلاعب بالعينات بحرفية، لخلق خامات غامرة وأنماط إيقاعية متشظية تبرز تصميمهما الصوتي. أما ألبومات هولي سيميلون، فتغلي خامتها الكثيفة والممطوطة المحمّلة بالدستورشن، لتخترقها فقاعات من الصدمات تليها لحظات صمت، تاركةً المستمع متعطشًا لمزيد من الضجيج. تلخّص إصدارات منتجين مثل كالوم جن والثنائي جورجيا التوجّه الأشمل لـ أووه-ساوندز، موسيقى إلكترونية تجريبة تتعدى حدود الجنرات وتحلّ بخفّة على أذن المستمعين.
اعتمدت تسجيلات سيجرايف الإنجليزية منذ نشأتها عام ٢٠١٤ على العبور من جنرا إلى أخرى، مرحبةً بسيلٍ من المنتجين المغمورين. كانت سيجرايف مدخلي إلى العديد من الفنانين الذين حققوا شهرة واسعة لاحقًا، مثل الثنائي آيس_آيز وإيفتسلز وبروشودا وأبو آما ونيبولو وآخرين.
شملت هذه الإصدارات التجريب في الموسيقى الراقصة ومزج الدَب بالموسيقى المحيطة واللو-فاي. يعد ألبوم ترنينج بوينتس للمبرمج رنيك بل واحدًا من أفضل أعمال الترميز الحي التي مرّت علي، كما يحتوي كتالوج سيجرايف على إصدار $$$تاج$$$ (عاصم تاج) الثاني، المميز بتجريبه في الأنماط الإيقاعية والبايس الضخم والأنسجة الصوتية المحشرجة. خلال العامين الماضيين، اتجهت سيجرايف إلى الأعمال الراقصة الصريحة، وبالأخص البايس البريطاني اللعوب. شحنات إيقاعية متشابكة مكثّفة ودسمة، من أبرزها ألبومي براين رايز وكوايت بأسلوبها الذي يجمع بين الجانغل والفوتوورك، بالإضافة إلى درَمسكَل الذي يعكس الطاقة والروح البريطانية لحفلات النصف الأول من التسعينات. نجد المزيد من الفواصل الإيقاعية في ألبومات لو إند أكتيفست وإتش وسنتينل ٧٩٣، التي تفتح بوابة معاصرة للجانغل والتو ستِب والغراج.