fbpx .
شوبرت بيتهوفن معازف أديل adel شوبان باخ موسيقى كلاسيكية أثر بوب معاصر عينات سامبلنج sampling

ما يدين به البوب للأساتذة الكلاسيكيين

معازف ۲۰۱۸/۰٦/۲۱

“لكل أشكال الموسيقى روافد عند بعضها البعض. لذلك تدين أغاني آديل بكل شيء لشوبرت. ولم يكن الاقتباس Sampling ليوجد دون دفورجاك.” يقول هاورد جودال لإيموجن تيلدن.

موتسارت يرضي جمهوره

كانت السنوات بين ١٦٥٠ و١٧٥٠ حقبة ابتكار محموم وإبداع تقني في الموسيقى بلغ ذروته في أورتاريات ortarios هاندل الفخمة وغنائيات Cantantas وآلام موسيقى كنسيّة أُخذ اسمها من آلام المسيح Passions of the Christ باخ. ولربما كان باخ أمهر مؤلف على الإطلاق؛ فلم يحاكِ أي مؤلف التعقيد المدهش لكثير من موسيقاه المتأخرة على وجه الخصوص. لكن كما يحدث عادة في تاريخ الموسيقى، اختزلت الأجيال التالية لباخ كثيرًا من التعقيد النغمي للقدامى بمجموعة أبسط من التعقيد الهارموني بشكل دراماتيكي. خلق أمثال جلوك، موتسارت، وهايدن أسلوبًا جديدًا كليًّا، مبنيًا على أربعة كوردات بشكل رئيسي. كانت معظم موسيقاهم مبنية على القرار والنغمات الثابتة وتحت الثابتة، بالضبط مثل معظم الروك آن رول. ستاتس كوو والرامونز مثلًا أظهرا أن التركيبات القديمة هي الأفضل. بعض ألحان موتسارت التي لا تُنسى في أوبرا الناي السحري مبنية على وحدات هارمونية بالغة البساطة من ثلاثة أو أربعة كوردات.

https://www.youtube.com/watch?v=02u4Jf_aNPI

كان موتسارت – على عكس معظم المؤلفين قبله – قادرًا على العيش مستقلًا عن أي مؤسسة أو راعٍ أرستوقراطي، لكنه عاش أو مات على ما يريد الجمهور سماعه. إن أتى الناس لسماع إحدى أوبراته مرة ثانية، جنى المزيد من المال من الإيراد. لقد فهم أن الألحان العظيمة هي ما يجذب الناس، وأنه إن استمال جمهوره وأسعده فلن يحصل على تكليفٍ آخر فقط، لكن على الأرجح سيأتي الناس لسماع أعماله مرة ثانية وثالثة إن علقت في ذاكرتهم.

كان موتسارت عبقري نغميًا. ما يذهلني هو الإتقان في شكل ألحانه، وحسه الرائع بصعود وهبوط النغم وما يجعله آسرًا للآذان. تغرس تلك الأنغام نفسها في رؤوسنا. هذه الموهبة النغمية نادرة جدًا. أعتقد أن ميندلسون أيضًا، الآتي بعد قرنٍ من موتسارت، كان مؤلفًا ذا موهبة فطرية سهلة للغاية، وكتب ألحانًا فائقة الجمال. ماذا عن الموسيقيين في زمننا هذا؟ لقد كتبت كارول كينج أغاني جميلة، وإن كانت معدودة. كان ريتشارد رودجرز شخصًا لا يستطيع إلا أن يكتب ألحانًا لائقة. لكن إن أردت الانسيابية التامة لموتسارت أو شوبرت فلديك لِنون ومكارتني فقط.

شوبرت يخترع أغنية البوب ذات الثلاث دقائق

ترتكز معظم أغاني البوب على حوالي دزينة من أكثر تتابعات الكوردات المألوفة التي “اكتُشفت” أواخر القرن الثامن عشر. في العصر الحديث، تعتبر فنانة مثل آديل مغنية أصيلة بسبب صوتها، روحها الأدائية وأسلوبها. لكن الكوردات والتتابعات التي تستعملها هي ومعظم مؤلفي البوب موجودة منذ وقتٍ طويل. ربما كان مبتكر أغنية البوب ذات الثلاث دقائق هو جون داولاند قديمًا في زمن شيكسبير، لكنني أعتقد أن مبتكر أغنية البوب الحديثة هو شوبرت.

كان فرانز شوبرت ذا موهبة غير عاديّة. لقد انسابت الألحان منه. كتب ٦٠٠ أغنية، ومثل مؤلفي أغاني اليوم، كانت نيته تأليف موسيقى قادرة على إمتاعك فور سماعها. لم تمر لحظة حاول فيها أن يتعبك أو يجبرك على السماع عشر مرات قبل أن تستطيع استيعاب الأغنية. أرادك أن تدركها من أول مرة؛ هناك مقاطع ولوازم، صوت وبيانو كأرضيّة، ويريدك أن تتذكر اللازمة.

بعض قواعد كتابة الأغاني البسيطة تلك، تستمر في كونها القواعد البسيطة لكتابة الأغاني، وليس هناك في أغاني آديل أو سيمون وجارفنكل أو ليونارد كوين ما قد يبدو غريبًا على الموسيقار الفييني فيما يتعلق بالكوردات، الشكل، الطريقة التي يقود فيها المقطع الغنائي إلى اللازمة، أو مصاحبة البيانو. في الواقع، الشيء الذي سيجده شوبرت غريبًا في أغاني آديل هو أن امرأة كتبتها بدل أن تكون موضوعها.

توصل شوبرت إلى نفس الاستنتاجات التي توصل إليها كتاب الأغنية المعاصرين، أن كتابة أغنية عشوائية بعد الأخرى لا فائدة منه، وأن إبداع عشرين أغنية تشكل بمجموعها رحلة هو أمر أكثر إشباعًا. وبالتالي ذلك ما فعله في دورات أغانيه. إنها قطع طويلة حيث يذهب الناس في رحلة، وتكون كل أغنية المرحلة التالية من القصة.

الواقع أنك إن اختزلت كل ذلك وسألت ما الذي يحاول فعله، إنه يحاول أن يكتب أغاني عن الحب (أو، لنواجه الأمر، الحب من طرف واحد) أو يحاول أن يسعى إلى فهمٍ لكل ما هو غامض في الحياة، وأن يفعل ذلك بطريقة ممتعة بشكلٍ مباشر. كان صغيرًا في السن (صغيرًا جدًّا بمقاييسنا)، لذا كان هناك شيء من السذاجة في الأغاني، وهناك رقة – بالنسبة للبعض – لا تلائم العالم الحديث. لكن لو تركنا ذلك جانبًا، نجده يحاول أن يخلق شيء يحبه كثير من الناس على الفور ويستمتعون به سواء في منازلهم أو في الصالونات.

لا يختلف ذلك كثيرًا عما تفعله آديل. أغانيها تعتمد على فورومولا البيانو، بنية المقاطع واللوازم. معنية بمسألة الحب والرومانسية وتوظيف الصوت بما يتناسب مع كل ذلك؛ بتعبيرها عن العواطف، طولها، صيغتها، تريد آديل أن يستمتع الناس بأغانيها على الفور.

بيتهوفن وطائفة العباقرة المضطربين

لقد غير بيتهوفن النقطة التي تتمحور حولها الموسيقى. أصبح وموسيقاه لا ينفصلان: فقد كانت انعكاسًا لصراعه الداخلي. يتموضع عمله في زمن حركة موسيقية أوسع، حيث كان الفنانون والشعراء يقومون بالمثل، لكنه بدأ بنفسه ما غدا لاحقًا دارجًا موسيقيًّا. حاولت فرق السبعينيات مثل يِس وبينك فلويد فعل نفس الشيء بالتعبير عن أفكار كبيرة في مقاطع آلاتيّة ضمن ألبومات مفهومية.

بشكل عام. كان تأثير بيتهوفن محسوسًا في الموسيقى الكلاسيكية بشكل أكبر من البوب، ﻷنه كتب عن مشاعره دون كلمات. عندما كتب في نهاية حياته رباعياته الوترية الكئيبة البائسة، كانت تجربة سماعها تماثل خوض جلسة تحليل نفسي معه.

لكن طائفة العباقرة المعزولين، الإلهيين أو الشيطانيين – التي كان بيتهوفن مثالها الموسيقي البارز الأول – تطورت إلى مستوى جديد بالكامل مع برليوز. لذلك الموسيقي الفرنسي منا كل الامتنان على صورة المؤلف المختل، أشعث الشعر والمعزول، المستمرة حتى يومنا هذا. هو في حد ذاته كان على شفا المرض النفسي في طليعة هوس منتصف القرن التاسع عشر بالحب التعيس، الموت والقدر، وكتب موسيقاه على نطاقٍ ملحمي، موسيقى ستحتوي كل الحياة. كان مهووسًا ببيتهوفن، مثلنا اليوم، وربما إلى حد بعيد جدًّا. لقد أنشأنا ذلك البناء العظيم لفهم بيتهوفن الرجل مقدّمًا على موسيقاه، لكن إن نحينا كل ذلك وسألنا ما الذي يحدث في تلك الموسيقى، فإنه ليس دائمًا ذلك الشيء السهل الاختزال والاختصار.

لِيسْت يدع الموسيقى تروي الحكاية

أبدع بيتهوفن فكرة أن تروي قصة باستخدام الموسيقى. في سيمفونيته الرعويّة يذهب لتمشية في الريف، يرى فلاحين مبتهجين، هناك عاصفة رعدية … لكن تلك المقطوعة كانت عن المؤلف، مشاعره وردود أفعاله. ِفرانز لِيست على الجانب الآخر، ابتكر مبدأ أن الموسيقى في حد ذاتها قد تروي حكاية. مضى بعيدًا عن فكرة الموسيقى ككيان مجرد نحو الموسيقى الأوركسترالية كتمثيل لشيء خارج عن الموسيقى بقصائده السيمفونية. تتبّعت تاسو الألم والنصر Tasso, Lamento e Trionfo مسار حقبة حقيقية في حياة شاعر القرن السادس عشر تاسو – منسوجة بأسلوب أغاني مجدّفي القوارب الشعبيّة وخالقة مقطع أول بائس عن مستشفى المجانين حيث كان تاسو محبوسًا لفترة. كان شكل المقطوعة محددًا بشكل رئيسي بالقصة. ذروة قصيدته السيمفونية معركة الهونيين Hunnenschlacht مكرسة للوحة معركة أتيلا الهوني ضد الإمبراطورية الرومانية المسيحية لـ كولباخ سنة ١٨٥٠، متضمنةً نوعًا من الزخارف الفخمة التي قد سمعتها في موسيقى ما لا يُحصى من أفلام المغامرة الهوليوودية.

https://www.youtube.com/watch?v=1bEZOy1RGx0

في قصائده اللحنية، قدم لِيست القالب لأجيال من مؤلفي موسيقى الأفلام. لو كنت أضع موسيقى تصويرية لمشهد معركة في فيلم، سأستخدم العديد من التقنيات التي استخدمها لِيست في البداية. تأثيره بالغ، وقد كان له تأثير كبير على موسيقى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لدرجة أنني أتساءل لماذا لا نحبه أكثر اليوم. أعتقد أن الأمر يعود إلى حقيقة أنه لم يكن مؤلفًا فطريًا. لكن بالنسبة لي، كان لِيسْت هو العملاق، الموسيقار الرئيسي في القرن التاسع عشر، ومن أعطى للموسيقى دفعة كبيرة.

استعارات دفورجاك تشعل جدالًا

لطالما استعار الموسيقيون عناصر من بعضهم البعض ومن الموسيقى الإثنية. لا تقيم الموسيقى اعتبارًا للحدود العنصرية والقومية: لمَ لا إن كنت قادرًا على تملّك ما استعرت؟ لم يُلْقَ الضوء على الأسئلة الأخلاقية المحيطة بتلك المسألة مثلما أُلقي في الولايات المتحدة أواخر القرن التاسع عشر، حين وجد الموسيقار التشيكي أنتونين دفورجاك نفسه مركز جدل خلافي للغاية. كانت مصادر موسيقى سيمفونيته العالم الجديد مستعارة – سواء عن قصد أو بتشربها دون وعي – من موسيقى سكان أمريكا الأصليين أو من الفولكلور الأفريقي الأمريكي، مما أثار السؤال إن كان من المشروع الاستيلاء على التراث الثقافي لمجتمع آخر ووضعه في وسط غريب وصناعي من أجل جمهور مختلف تمامًا.

كان لدفورجاك نوايا جيدة بالفعل – تشريف الثقافتين الأفريقية والأمريكية – لكن من المهم عدم رؤية المقطوعة الموسيقية معزولة عن زمنها. كانت سيمفونيته مكتوبة في فترة حيث كان كل ما هو منتمٍ للثقافة الأمريكية الأصلية والأفريقية الأمريكية يُنزع عمدًا منهم لصالح الثقافة البيضاء، وكانت أعمال الموسيقيين الأوروبيين المقدمة في صالات نيويورك في ذلك الوقت جزءًا من الثقافة البيضاء.

ربما لن نعرف أبدًا من كتب الألحان في سيمفونية دفورجاك، ربما كتب كل علامة موسيقية بنفسه. لكن تبقى المعضلات هنا مع ذلك، ﻷنه أصبح من الرائج عند الموسيقيين البيض أن يستولوا على موسيقى السود. بعد ثلاثة عقود، وجد جيرشوين نفسه وسيمفونيته رابسودي إن بلو في مركز جدل مشابه حينما استقبل جمهور الموسيقى من الطبقة الوسطى الغاضب توظيفه للجاز باعتباره موسيقى شارع مبتذلة.

اليوم هناك معارضون للثقافة الشعبية بكل الصور، يتشدقون بأن لا شيء جيد على التلفاز، أن أذواق وعادات وموضات الشباب بغيضة بالنسبة لهم. لكن الحال كان كذلك دائمًا. توظيف موسيقار جاد مثل جيرشوين للجاز في مقطوعة موسيقية كلاسيكية كان تهديدًا ولعبًا على وتر الخوف من أنه سيلوث الموسيقى “الجادة”. لكنك لا تستطيع فصل الأساليب، ﻷنها ستتحد أيًا كانت الظروف.


كتبت إيموجن تيلدن هذا المقال الذي ظهر على ذ جارديان بناءً على حديثها مع المؤلف الفائز بالـ إيمي، بريت والبافتا هاورد جودال. ترجمه لمعازف يحيى محمد، ودققه عبد الهادي بازرباشي.

كتاب هاورد، قصة الموسيقى، متاح للاقتناء عبر دار نشر تشاتو وويندَس.

المزيـــد علــى معـــازف