.
فريدريك لاغرانج من مواليد سنة ١٩٦٤ متخصص في مجال الموسيقى المصرية في عصر النهضة، وهو أستاذ محاضر ومدير قسم الدّراسات العربيّة والعبريّة بجامعة السّوربون، باريس ٤، له عدد من الدراسات الهامة عن الأدب العربي والموسيقى المصرية، يعرفه السميعة العرب كمتحدث إذاعي لبق رشيق العبارة خفيف الظل، بدءًا من برنامجه حكواتي ومغنواتي المذاع عبر أثير إذاعة الشرق من پاريس سابقًا أو عبر لقاءاته مع مصطفى سعيد في مذياع روضة البلابل حاليًا. في مقابلته الطويلة مع معازف، يحكي فردريك بداية متى ندهته نداهة الموسيقى العربية وكيف انجذب إلى صوت أم كلثوم وكيف قادته ألحان زكريا أحمد لها إلى موسيقى عصر النهضة، ويحكي كذلك صعود مدرسة النهضة وأثر صناعة الأسطوانات عليها ولماذا اختفت بعد ذلك، وميراث سيد درويش ومن تلوه ومقومات المدرسة التي تسيدت الموسيقى المصرية ما بعد مدرسة النهضة، ونقد التأريخ الموسيقي المصري الذي يغفل ما قبلها، وحديث عن أم كلثوم كرمز وطني هام، وصولًا إلى الوضع الراهن وتقييمه.
حاوره في القاهرة ياسر عبد الله خلال سبتمبر ٢٠١٦.
أنا اتعلمت عربي عشان أفهم كلام الأغاني، البداية هي فعلًا الموسيقى العربية، أول حاجة عربي سمعتها في حياتي كان عندي تقريبًا ١١ أو ١٢ سنة كانت أغنية فيروز زهرة المدائن، فاكر أنا وأهلي كنا في أجازة في تونس، وكان فيه جوك بوكس Jukebox تقريبًا كان كل الأغاني اللي بتتسمع فيه أجنبي ما عدا أغنية عربية هي زهرة المدائن لفيروز، وأنا وأبويا الأغنية عجبتنا قوي وكنا بنشغلها على طول، ولما رجعنا فرنسا دورنا على الأسطوانة واشتريناها، كان عندي ١١-١٢ سنة، وبدأت أتعلم عربي، أكيد كان فيه انجذاب للغة العربية والحضارة العربية، بدأت أتعلم عربي وسافرت تونس بس المرة دي لوحدي، أبويا كان بيشتغل في شركة بتتاجر في الزيوت الغذائية، وكان لها علاقات تجارية مع تونس، فأبويا سفرني تونس لمدة شهرين، كان عندي ١٥ سنة، وهناك، أولًا فهموني حاجة أنا ما كنتش عارفها، وهي إن فيه فرق بين اللهجة العامية واللغة العربية الفصحى، وإني مش لازم أدور في القاموس العربي على كلمات الأغاني العامية لأن مش هينفع، وطبعًا كان بيحصل لي لخبطة لما أدور على كلمة وتيجي بمعنى مختلف جدًا في القاموس، المهم إن السفرية دي كانت سفرية اكتشاف أم كلثوم، كان عندي ما بين ١٤ سنة و١٥ سنة، هاموت وأعرف الأغنية دي كانت إيه لأني فاكر إن كان فيه حفلة لأم كلثوم بتتذاع على التلفزيون التونسي وفهمت نظام الأغنية، نظام الغصون والمذهب اللي بيتردد دا لقطته، الكلام طبعًا ما كنتش فاهمه، بس حضور أم كلثوم والصوت والمزيكا حاجة فتنتني، مش بس دا لكن أنا أنجذبت، ولغاية دلوقت طبعًا مش عارف الأغنية دي كانت إيه، هي أكيد أغنية من أغاني الستينات، لكن الله أعلم الأغنية كانت إيه، لما رجعت فرنسا صُودف إن خالتي كان عندها أسطوانة لأم كلثوم، LP ٣٣ لفة، كانت أمل حياتي، فلطشت منها الأسطوانة وقعدت أسمع أمل حياتي على طول، وبعدين جبت أسطوانة فكروني، فكروني دي كانت بالنسبة لي بوابة الدخول للموسيقى العربية، عشان كدا أنا حاسس إني لسة مدين لهذه الحصيلة المتأخرة مع إن الموسيقى العربية اللي بافضلها واشتغلت عليها هي المدرسة النهضوية، لكن حاسس إني لسة مدين لموسيقى الستينات، لأن دي كانت البداية، لولا فكروني عمري ما كنت وصلت لـ سلامة حجازي وعبد الحي حلمي، أظن كل واحد له كدا عتبة ولازم يعديها، بوابة بتبقى بداية الطريق والمدخل، وبعد كدا جبت كل الأسطوانات، عبد الحليم حافظ كمان سمعته في تونس في نفس الفترة، فأنا قعدت لفترة طويلة انتبه وأحب مش بتبحر بس بادور على كل أسطوانات موسيقى نهاية الخمسينات والستينات وبداية السبعينات، كل مطربين الفترة دي، نجاة الصغيرة وفايزة أحمد وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الوهاب، فدي كانت البداية، ممكن السؤال الحقيقي بالنسبة لي ما هُواش إيه حببك في الموسيقى العربية، لكن هو إيه حببك في حصيلة بتختلف عن الحصيلة دي.
أكيد دي جات على مراحل، أولًا من فكروني لأنا في انتظارك والأولة في الغرام وأهل الهوى، أظن إن اكتشاف أغاني زكريا أحمد لأم كلثوم دي كانت بداية التحول بالنسبة لي، زكريا هو فعلًا السكة اللي ممكن توصلك للحاجة الأقدم من أم كلثوم، الأقدم من المدرسة الحديثة والمين ستريم اللي هو متشبع بالحصيلة القديمة واللي ظهر ابتداءً من التلاتينات، فأكيد جات بالصدفة لإني طالما كنت باجيب كل أسطوانات أم كلثوم LPs، أكيد كان فيه حاجات مش عاجباني، كان فيه أغاني كنت شايف إنها مملة قوي، خاصة وإنها كانت تتباع بالصيغ متوسطة الجودة، فيه أغاني معينة اتعلمت إني أحبها بعد حصيلة الموسيقى النهضوية على فكرة، أغنية زي جددت حبك ليه ما كنتش طايقها لأنها كانت بالنسبة لي قمة الملل، واتعلمت أحبها بعدين خاصة لما اكتشفت إن فيه صيغ بديلة للي كانت بتتباع وفيه حفلات أجمل بكتير، بس المهم إني سمعت كل الأسطوانات، ممكن الأولة في الغرام كانت صدمة تانية، فكروني كانت الصدمة الأولى وأنا عندي ١٤-١٥ سنة، الأولة في الغرام ١٦-١٧ سنة دي الصدمة التانية بالنسبة لي، مفيش كلام ممكن يوصف حاجة زي الأولة في الغرام، إحنا بنتكلم عن قمة الطرب العربي، قمة في الأداء التطريبي، أداء تطريبي بس التطريب الذكي اللي مافيهوش إعادات، مافيش جملة بتبقى شبه الجملة اللي قبلها ولا الجملة اللي بعدها، كل جملة بتفكر فيها أم كلثوم أو ممكن ما بتفكرش فيها على فكرة، ممكن في هذه الحالات تبقى مجرد وسيط، تبقى روح الموسيقى بتعبر هذا الوسيط اللي اسمه أم كلثوم، تبقى فيه حاجة بتحصل أشبه بالمعجزة، فطالما أنا ذُهلت وأحببت وعشقت الأولة في الغرام، فكان طبيعي جدًا إني أبقى مُهيأ ومُحضر من الداخل لأُقبل على نوع آخر من الموسيقى يشبه إلى حدٍ ما الأولة في الغرام.
في سن ١٨-١٩ سنة تعرفت على اتنين باحثين موسيقيين، واحد كان من أصل لبناني اسمه برنار مُوصَّلي، توفى من عشرين سنة تقريبًا، والتاني توفى قُريب، ممكن من خمس ست سنين، اسمه كريستيان بوخيه، بالرغم من اسمه هو ما كانش فرنساوي، كان نمساوي مولود في حلب، وبوخيه –وليس بوشيه زي ما كتير بيغلطوا– اسم نمساوي–ألماني، والاتنين دول تعرفت عليهم غالبًا لما جبت الأسطوانة اللي أصدرها معهد العالم العربي سنة ٨٧، وكانت أول مرة يهتم بإعادة إصدار الأسطوانات ٧٨ لفة، رحت لكريستيان بوخيه كان بيشتغل في معهد العالم العربي، خدت ميعاد وبالصدفة برنار مُوصَّلي كان معاه، تعرفت عليهم وهما اللي سمعوني لأول مرة في حياتي الشيخ يوسف المنيلاوي، دي كانت بقى الصدمة التالتة، خاصة إن على الصعيد التقني كانت الإمكانيات في إزالة الشوشرة من الأسطوانات القديمة تقدمت لدرجة إنها كانت بتخلي التسجيلات إلى حد ما مسموعة وممكن تستسيغها، فيه ناس مش بتستسيغ هذه الموسيقى لأن الأداء بيختلف بشكل جذري عن الأداء اللي بدأ ابتداءً من التلاتينات، بس كمان فيه أسباب تقنية اللي هي الخروشة الجامدة قوي بتنفر عدد كبير من الناس، ففي التمانينات كانت تقنيات تنقية الأسطوانات وصلت لمستوى ممكن يخليها مسموعة إلى حد ما، ما ننساش إن إعادة طبع هذه التسجيلات العربية القديمة تزامن مع إعادة طبع تسجيلات كاروزو، يعني موجة … محدودة مش موجة عارمة أكيد، بس موجة من إعادات إصدار على CD لتسجيلات قديمة ٧٨ لفة، سواء كانت غربية أو آسيوية، تركية، عربية إلى آخره.
لأ دا التخصص اللي أنا أخترته لرسالة الدكتوراة، لكن رسالة الماجستير كانت عن لغة الأغاني عند أم كلثوم نموذجًا، أنا اشتغلت على الأغاني باللغة العامية فقط لا غير، ما اهتميتش بالأغاني الفصحى، موضوع الماجستير كان عامية الأغاني، بعد كدا Agrégation، اللي هو شهادة تأهيل لتدريس اللغة العربية، خدت الأجريجاسيون فانقطعت عن البحث سنة وبعد ذلك دورت على موضوع بحث لرسالة الدكتوراة، وبما إني كنت باكتشف في نفس الفترة حصيلة النهضة، فأنا قلت هو دا اللي أختاره، يعني الموضوع استهواني في البداية بس كنت لسة مبتدئ تمامًا، دا أنا سجلت في الدكتوراة وكنت سامع يمكن ٤ أو ٥ تسجيلات لسلامة حجازي و٤ أو ٥ تسجيلات لـ يوسف المنيلاوي وعبد الحي حلمي وخلاص على كدا، المقابلة المصيرية بقى كانت مقابلة عبد العزيز عناني.
غالبًا اخترت موسيقى النهضة لأني كنت بابحث عن المصطلح اللي هيكون أقل ضررًا على الصعيد الأيديولوجي، هي دي الفكرة، لأن لو سميناها مدرسة الحامولي–عثمان كما هو المعتاد غالبًا في السرد التاريخي العربي، أنا شايف إننا … مش هاقول لك إننا بندي الحامولي أهمية أكتر مما يستحق لأنه لا شك إن هو القطب، لا شك إن هو شخصية محورية في النهضة، ولكن أنا حاسس إننا بنُغفل أهمية المنشدين اللي انضموا لهذه المدرسة، فبالتالي أنا شايف إنها مدرسة عبده الحامولي ومحمد عثمان ولكن هي أيضًا مدرسة يوسف المنيلاوي وسلامة حجازي وكل المشايخ اللي إما خلعوا الجبة والقفطان ولبسوا الطربوش أو مع إنهم كانوا لابسين العمة والجبة والقفطان اختاروا إنهم يغنوا على التخت مع الأفندية خارج حلقات الذكر، وإنهم يساهموا في إنشاء هذه المدرسة، المدرسة بالمعنى الجمالي للكلمة، فمدرسة الحامولي–عثمان أنا ما كنتش حابب إننا نركز على أسماء ناس معينة، مع اعترافي طبعًا لأن دا شيء واضح وأمر مفروغ منه إن عبده الحامولي شخصية محورية في هذه المدرسة، دا شيء، بالنسبة للمدرسة الخديوية، مع إن برنار مُوصّلي كان يستخدم مصطلح المدرسة الخديوية لكن له مقال من الصعب العثور عليه أظن، نُشر في cahiers de l’orient (كراسات الشرق) تقريبًا في ٨٧ أو ٨٨، وهو بنفسه بيعترف بصعوبة اختيار هذه التسمية، خاصة إنها لو سميناها المدرسة الخديوية إحنا هنساهم في تهميش هذه الحصيلة لأن مجرد التسمية بتقرن هذه الحصيلة بالأوساط الأرستقراطية وضمنيًا هذا يعني إنها ليست موسيقى الشعب بل موسيقى النخبة التركية التي تفتقر إلى فهم الروح الخالدة الأزلية للشعب المصري، نفس الخطاب الأيديولوجي إياه اللي إحنا عارفينه، برنار كان متناقض على فكرة، لإن هو كان بيستخدم هذه التسمية وفي الوقت نفسه هو كان واعي تمامًا لكل المخاطر المتعلقة بهذا الاختيار في اللفظ، بالنسبة للموسيقى الفصحى، فهو أولًا مصطلح حديث جدًا، من عنديات نداء أبو مراد ممكن من عشر سنين، وبعدين هو ساب هذه التسمية، الموسيقى الفصحى، ورجع متأرجح ما بين استخدام هذه التسمية أو لأ، هي على فكرة عاجباني لإن أنا شايف إنها مرادف لمفهوم Musique savante باللغة الفرنسية أو Art music باللغة الإنجليزية، الموسيقى الراقية، لأن طبعًا لما بنقول الموسيقى الفصحى إحنا بنقيم موازاة وموازنة ما بين اللغة العربية الفصحى وما تمثله اللغة العربية الفصحى في وجدان العرب والموسيقى، فبالتالي تكون الموسيقى الفصحى مرادفة لما تمثله اللغة العربية الفصحى عند الناس، وكان نداء كمان بيضيف إن هو قصده إنها بتفصح عن الروح، هي فكرة ظريفة لطيفة لكن المشكلة إنها غير مقبولة، لو كانت الفكرة نجحت فتمام، فيه مشكلتين أولًا هي تسمية ذكية شيقة وكل حاجة ولكن لم يُقبل عليها الناس أو ممكن يبصوا لها على إنها مجرد فذلكة، فأنا كان عندي استعداد إن أنا أمشي وراه بس خلاص محاولة وفشلت في فرض هذه التسمية على الناس، فيها مشكلة تانية إن هذه التسمية لم تكن شائعة في عصر النهضة، والتسمية الشائعة في عصر النهضة هي مدرسة عبده الحامولي، هي مدرسة عبده وعثمان، وفكرة الموسيقى الفصحى ما حدش فكر فيها، لو كانوا فكروا فيها أهلًا وسهلًا.
فنعود إلى اختيار أقل التسميات ضررًا على هذا المضمون وهو قرن هذه الحصيلة الموسيقية بما أُصطِلح عليه بالنهضة، مع إني فاكر في نهاية التسعينات مرة حضرت مؤتمر الموسيقى العربية هنا في القاهرة، وكان فيه مجموعة من الباحثين المصريين منهم د/ رتيبة الحفني وسألتني يعني إيه مصطلح نهضة، لأنه بالنسبة لها مصطلح نهضة كان مصطلح بيستخدمه الشوام والمصريين مش معترفين إن فيه حاجة اسمها النهضة، أنا صُعقت ساعتها، لإني كنت فعلًا بريء جدًا وما كنتش واعي إن فيه عبارة عن حرب أيديولوجية بين الشوام والمصريين في مجرد تسمية هذا العصر بعصر النهضة، دا بالنسبة لي كان أمر محسوم تمامًا لأن في المدرسة وفي الجامعة كنا بندرس أفكار عصر النهضة في الشرق الأوسط، ما حدش قال لنا ودي غلطتهم على فكرة وإحنا بناخد عصر النهضة في الجامعة كنصوص أدبية ونصوص أيديولوجية وكدا إن مجرد هذه التسمية فيها شحنة أيديولوجية وفيها نقاش، مع إن الشوام اللي كانوا ساكنين في مصر ومتمصرين إلى درجة بعيدة زي جورجي زيدان كانوا في أوائل صفوف اللي بيروجوا لتسمية النهضة، فبما إن جورجي زيدان وهو متمصر وهو من المنظرين لفكرة النهضة وهو كان قريب جدًا من عبده الحامولي، وعبده الحامولي هو تقريبًا الفنان الوحيد اللي بيحظى بمقالة في مجلدين جورجي زيدان عن أعلام عصر النهضة، فاخترت هذه التسمية لأني فعلًا شايف إن دي الحقبة التاريخية وفيه مدرسة نهضت إلى حد ما بفن الموسيقى، دلوقت إحنا بنرجع لمشكلة تاريخية مهمة، لما بنقول إن عبده الحامولي ومحمد عثمان وهذا الجيل نهض بالموسيقى العربية هذا أيضًا هو كلام فيه خطر إننا بنُسقط فكرة النهضة عن أواسط القرن التاسع عشر وإحنا أجهل الناس بحقيقة الموسيقى المصرية في أواسط القرن التاسع عشر، ممكن الإشارة الوحيدة إلى الموسيقى المصرية قبل عصر النهضة أو في بداية عصر النهضة هي شوية السطور اللي كتبها الشدياق عن غناء المصريين في بداية كتاب الساق على الساق لما يكون الفارياق في مصر بيصف الغناء المصري في خمس سطور وبيُعجب بالغناء المصري وبيقول إن دا أكتر غناء في الشرق يُطرب السامعين وإن يؤخذ عليهم كثرة التكرار.
نفس الجملة بالظبط، لكن هو بيشيد بجمال صوت المطربين المصريين وبقدرتهم على إطراب السامعين ومع ذلك بينتقدهم على كثرة التكرار، وعلى فكرة الانتقاد لكثرة التكرار كمان دي حاجة بنقراها في العشرينات في تقرير عن حالة الموسيقى في مصر سنة ١٩٢٢ لإسكندر شلفون.
على فكرة ما افتكرش إنها كان ممكن تبدأ في مصر، مصر هي آخر دولة كان ممكن يحصل فيها إعادة اكتشاف الحصيلة النهضوية المصرية لنفس الأسباب الأيديولوجية اللي إحنا عارفينها اللي هي إن فكرة السبعة الكبار في القرن العشرين هم سيد درويش والقصبجي وعبد الوهاب وأم كلثوم ورياض السنباطي وزكريا وأسمهان، على فكرة فيكتور سحّاب وإلياس سحّاب مع إنهم شوام هم آخر عنقود هذا الخطاب القومي شديد الإنحياز لمركزية مصر واللي بيقدم الموسيقى التي أُنتجت ولُحنت وتم غناؤها في مصر ابتداءً من الثلاثينات كعصر ذهبي يأتي كتحقق لتطور دارويني للموسيقى وإننا وصلنا مرحلة الكمال معهم، فالأوساط الموسيقية المصرية لا تكاد تهتم إطلاقًا، لهذه الأسباب الأيديولوجية والجمالية المقرونة بالأيديولوجية لأن طبعًا لم تسمع حد بيقول لك دا هو الجميل دي مقاييس الجمال خلاص هتصدق.
خاصة إنها جميلة وجذابة جدًا فالناس ما عندهاش استعداد إنها تسمع حاجة بيعتبروها بدائية، بيعتبروها إرهاصات أو مجرد روافد جات تصب في نهر التطور الدارويني، “ثُم جاء سيد درويش ثم جاء محمد عبد الوهاب ثم جاءت أم كلثوم“، فإعادة اكتشاف الحصيلة النهضوية المصرية ما كانش ممكن تتم في مصر، كان ممكن تتم في بلاد الشام بس ما حصلش، بس هما كمان مش خواجات قوي اللي أعادوا اكتشافها، برنار مُوصّلي هو لبناني الأصل، بوخيه نمساوي بس مولود في حلب ومتشبع بالفن الحلبي بالذات، ما تنساش كذلك دور علي جهاد راسي، هو بالنسبة لي الأستاذ الكبير، الأسطى اللي أنا مدين له بالفكرة العبقرية اللي هي الاعتماد على أسطوانات ٧٨ لفة، الرسالة بتاعته هي رسالة أساسية ومجهود جبار، الجزء المخصص للأسطوانات في رسالة الدكتوراة بتاعتي هو فقط تكملة وتصحيح بعض المعلومات اللي كانت خاطئة بسبب إن هو كتبها سنة ٧٨ وأنا جيت بعديه بعشر سنين، أنا كان من حسن حظي إني عرفت أدخل أرشيف هايز عند E.M.I واكتشف وثائق كان مُحتفظ بيها هناك في هايز وبالتالي قدرت أغير شوية تواريخ وشوية تفاصيل كدا.
أولًا على حسب عدد الكاتالوجات اللي في حوزتك، بالنسبة لشركة زي جراموفون آه، لأن مجموعة كاتالوجات جراموفون مجموعة مهولة فيها أكتر من ٢٠٠ كاتالوج فالواحد ممكن يحصل على تواريخ تكاد تكون شبه صحيحة وإضافة للكاتالوجات، لأن الكاتالوج دا مصدر بس المصدر التاني هو كل البحوثات اللي اتعملت في تأريخ التسجيلات على حسب الشركات، الشغل دا اتعمل مش للموسيقى العربية بس لكن لكل إصدارات الشركات كأوديون وكجراموفون، بالنسبة لجراموفون إنت لازم فقط تعتمد على رقم المصفوفة، غلطتي الكبيرة وأنا لسة مبتدئ لما كنت بسجل عند العناني في التمانينات كنت باكتب كل المعلومات ما عدا رقم المصفوفة لأسطوانات جراموفون، فمعنى ذلك إن كان ممكن أحصل على تاريخ دقيق لبعض التسجيلات، الحاجة اللي بنكتشفها مع الكاتالوجات هي إن تاريخ التسجيل غير تاريخ الصدور، وساعات بيبقى فيه فرق شاسع بين الإتنين خاصة في حالة وفاة المطرب وخير مثال على ذلك يوسف المنيلاوي، ما ننساش إن آخر أسطوانات يوسف المنيلاوي تقريبًا أصدروها بعد وفاته بـ ١٥ سنة، الراجل مات سنة ١٩١١ وهما كانوا لسة بيطلعوا أسطوانات جديدة للشيخ يوسف المنيلاوي في أواسط العشرينات، ولأسباب معروفة وهي عملية النصب اللي هو تعرض لها من قبل شركة جراموفون، فيمكن الاعتماد على الكاتالوجات إلى حد ما فقط إنت لازم تضيف معلومات، التأريخ مشكلة عويصة جدًا إنت لازم تعتمد على ذكريات الناس وساعات بتبقى محظوظ جدًا ويبقى فيه حدث تاريخي مذكور، مثلًا عبد الحي حلمي بيقول موال وبيقول “الله يرحمك يا مصطفى يا كامل” فيبقى دليل على إن التسجيل دا اتعمل في نفس الفترة اللي مصطفى كامل مات فيها فدي حاجة بتساعد طبعًا.
بالظبط، مع إن الكاتالوجات هي سلاح أو وسيلة أو مؤشر من ضمن المؤشرات اللي الواحد ممكن يعتمد عليها لإيجاد تاريخ مُحتمل.
ممكن نرجع لموضوع السرعة لأن دا موضوع نقاش اليومين دول خاصة وإن فيه نقد موجه من أحد السميعة لإصدارات AMAR إن فيها سرعة زايدة، وبيعيد تقديمها بسرعة مبطأة مما يجعل صوت المطربين أشبه إلى ما نحن معتادين عليه، في بعض الحالات أنا معاه، فاكر مرتين تلاتة أنا سمعت تعديلات عملها هو وقلت آه دا ممكن إحنا ما أخدناش بالنا ووزعناها سريعة سِنة بسيطة ولكن يبقى بالنسبة لي سؤال جوهري وهو ما ردش عليه، والسؤال هو إننا بندور الأسطوانات ٧٨ لفة، هو طبعًا وارد جدًا نظرًا لطول المقطوعات العربية إن شركة الأسطوانات تقرر بشكل استثنائي إنها تدور الأسطوانة على سرعة ٧٥ لفة عشان تسجل أكتر شوية، إذا كان دور والدور ٢٠ دقيقة تقريبًا وإنت عاوز تخزن أكتر وقت ممكن من المزيكا دي، ٤ دقايق ونص على كل وش أسطوانة فماشي إنت هتدور الأسطوانة بسرعة مثلًا ٧٥ لفة، والسرعة دي هتدي لك يمكن ثلاثين ثانية زيادة، تمام .. قشطة، ولكن أنا شايف إنه من المستحيل تمامًا إن كل الشركات تتآمر وتتفق كلها على إن كل التسجيلات المصرية هتتعمل بالسرعة الزايدة، فلا شك إن معظم التسجيلات كانت بتتعمل على السرعة النظرية اللي هي ٧٨ لفة لأنها السرعة اللي بتضمن جودة التسجيل بكل بساطة، هما ما جابوش رقم ٧٨ لفة من لا شيء دي كانت السرعة المثالية اللي بتضمن جودة التسجيل فما ينفعش نبطئ كل التسجيلات ونقول الصوت الحقيقي ليوسف المنيلاوي أو لعبد الحي حلمي أو لسلامة حجازي هو هذا الصوت اللي بنلاقيه مبطئ بشكل مبالغ، أنا مش مقتنع بنظريته عن هذا السبب التجاري، ما هو مهندسين الصوت كانوا مسؤولين عن جودة التسجيل فبالتالي ما كانش ينفع يقرروا إنهم يسرعوا كل التسجيلات ويخلوها كلها ٧٥ لفة، أكيد كانوا بيعملوها ساعات، وساعات بيبقى فيه فرق سرعة بين وش أسطوانة ووش تاني لكن مش كل مرة، ففي الغالب الأصوات كانت حادة، ممكن تحس إني بأروح بعيد قوي بالمثال دا، حاول تغني أغنية ستة الصبح لحسين الجسمي، هتحس إنها حادة جدًا، غالبًا وهو بيغنيها في حفلة بينزلها نص تون تحت، فهل سجلها كدا أو سرعوها؟ أنا باضرب المثال دا ليه لأنه غالبًا المستمع العربي بيستسيغ الأصوات الرجالية القادرة على الإتيان بالجوابات العالية شوية، فأنا معاه ومع كل اللي شايفين إن السرعة زايدة في تسجيلات كثيرة للشيخ سلامة حجازي عل سبيل المثال ولكن يبقى إن غالبًا صوت الشيخ سلامة كان حاد وغالبًا صوت الشيخ يوسف المنيلاوي كان كدا، فيه قرارات وهو قادر على النزول لقرارات بس هو غير صوت عبد الحليم حافظ، فما ينفعش نخلي الأصوات القديمة تشبه الأصوات اللي ظهرت بعد التلاتينات أو أصوات الخمسينات زي عبد الحليم حافظ، والذوق العربي ما زال يستسيغ هذه الأصوات الرجالية الحادة، حتى لو كان إيهاب توفيق اتسجل سنة ١٩١٥ كان صوته هيشبه إلى حد ما اللي إحنا بنسمعه في التسجيلات القديمة، وأخيرًا تقنيات التسجيل البدائية هي لا شك بتغير من خامة الصوت.
زي التليفون القديم بالظبط، ولكن اسمع صالح عبد الحي لما تحولوا للتسجيل الكهربائي ما هو لسة صوته حاد. الخشخشة أو الخروشة دي اللي ساعات بتاكل الكلام، أساسًا لنفسي بأفلتر فلترة جامدة قوي، أنا عارف إن فيه هواة بيحبوا الأسطوانة زي ما هي من غير فلترة خالص اللي هي السادة كدا، لأ أنا من أنصار الفلترة الشديدة بس دا ذوق شخصي، وفعلًا فيه حاجات استسغتها بعد ما عرفت أفلترها وأنقيها تنقية شديدة، هي أكيد بتشيل صوت كمان بس بتنضف الأسطوانة مش كأنك بتسمع مشاوي، كأن المطرب بيشووا لحمة وراه، لأ أنا ما باحبش صوت خروشة المشاوي باحب الصوت نضيف.
مش عاوز أقول كلام ممكن يزعل المؤسسات الرسمية، أنا شفت حالة الأسطوانات القديمة في مؤسسات رسمية سيئة قد إيه فخليها مع الهواة أحسن إذا ما كانتش المؤسسات الرسمية قادرة على حفظ وتقييم هذا التراث، لما بدأت أعمل الدكتوراة في التمانينات كانت الحالة كارثية، كان فيه مشكلة التصاريح وكأنها منشآت حربية، وثانيًا كانت حالة حفظ الأسطوانات سيئة جدًا، وثالثًا ما كانش فيه أجهزة استماع جيدة كان هو بيك أب من الستينات اللي هو عدة ممكن تلاقيها في بيت أي حد مش عدة تنفع لمؤسسة بحثية، كان فيه شخص مسؤول دمث الخلق ومتعاون معايا بس كان محتاس محتار أو مزنوق في وضع المؤسسة، وللأمانة كان راجل أمين ومحترم جدًا بس كان بيشتغل في جحيم من الجهل، فكويس إن كل الثروة المصرية الفنية كانت مع الهواة وإلا كانت ضاعت، مؤسسات مين إحنا هنضحك على نفسنا.
غالبًا أنا وصلت له عن طريق هاوي تاني اللي هو دكتور أبو العينين، أبو العينين كان ظريف جدًا وكان بيحبني قوي وكنت باحبه قوي، بس مشكلته إن كل تسجيلاته في حالة يُرثى لها وكان عنده قابلية غير طبيعية لتحمل الخروشة والشوشرة، وعلى شان تحصل على التسجيل الأصلي أساسًا هو مرتين في حياته فتح الخزنة بتاعته، الله يرحمه كان عنده شقتين كبار في الهرم دورين فوق بعض، وكان مخزن في الشقة التحتية أكوام من الأسطوانات بس ما كانش عنده عدة محترمة، الفونوغراف بتاع العناني كان حلو على فكرة وعملت تسجيلات كويسة جدًا من عنده، أبو العينين كان سخي وكان رجل كريم وهيدي لك كل الموجود عنده، العناني كنت هتتحمل تكلفة التسجيل بس كنت هتاخد تسجيل نضيف زي ما إنت عاوز، خدت عنوانه وكلمته ورحت له فتبناني، لكن ما كانتش تكلفة التسجيل كبيرة ولا حاجة، وهو كان راجل لذيذ ومثقف وكان بيفهم قوي وبيديني نصايح حلوة قوي وكان بئر من المعلومات، الحاج عبد العزيز كان هو المدرسة القديمة وكان راجل بسيط في عيشته، وعلى فكرة تحمل تكلفة التسجيلات ما كانش جشع منه أبدًا أظن لو كان غني وقادر كان ادى التسجيلات للجميع بدون مقابل، كان راجل جميل وأنا حبيته قوي، ودلوقت طبعًا طالما بنتكلم عن هواة مصريين فلا بد نذكر الدكتور محمد الباز وهو بيجمع ما بين الاتنين، عنده مجموعة حلوة جدًا زي العناني وفي نفس كرم وسخاء أبو العينين، وتسجيلاته نضيفة وهو منظم أسطواناته حلو قوي، الحمد لله إن لسة فيه هواة كبار في مصر، غالبًا أنا شايف الدكتور الباز هو الوريث الشرعي لكل الجيل القديم.
أظن الفرق واضح يعني، اللي ما استمعش لموسيقى عصر النهضة وعاوز يستمع لهذه الحصيلة وعاوز يكتشفها عبر الأداء النويري هيسمع ألحان بتشبه ألحان عبد الحليم حافظ وأم كلثوم في الستينات، هو نفس التوزيع اللي إحنا واخدين عليه ونفس الجماليات بتاعة الخمسينات والستينات ولكن على ألحان أقدم من كدا، لكن كل مقومات الموسيقى القديمة ضايعة تمام الضياع في هذا الأداء، هي سكة مسدودة تمامًا، اللي هما حاولوا يعملوه في الستينات مفهوم لكن لا شك كان فيه إصرار يكاد يصل إلى حد الهوس عند واحد زي عبد الحليم نويرة في رفض مبدأ التخت، حكت لي سلوى الشوان في آخر مؤتمر حضرته في القاهرة في أبريل الماضي إن حتى أبوها عزيز الشوان مع إنه بتاع (مدرسة الموسيقا المصرية المُطورة) كان بيقترح على عبد الحليم نويرة ليه بقى ما نخليش تخت إلى جانب الفرقة الكبيرة يؤدي ألحان التخت وكان نويرة يقول لأ ما ينفعش لازم فرقة، لازم أوركسترا وبس، ولا حتى تخت موسع هو كان رافض مبدأ التخت كليًا، أنا مش عاوز أقول إن دا تشويه لحصيلة مدرسة النهضة لأن لو قلنا إنه تشويه معنى ذلك إن الأداء غير الموزارتي لموسيقى موزارت هو تشويه، وليه؟ ما هو الواحد حُر يؤدي موسيقى موزارت بطريقة تختلف عن حالة الفرق في زمن موزارت أو أي واحد تاني، كل واحد حر ولكن على الأقل يبقى فيه حرية الاختيار وثانيًا مشكلة هذا الأداء النُويري إنه بيطمس تمامًا ما هو أساسي وجوهري في هذه الموسيقا وهو الهيتروفونية والارتجال، طالما إنت بتؤدي هذه الألحان بغناء كورالي لا يسمح بفردية الصوت ولا يسمح بالطرب في الواقع ففي نهاية الطريق إنت بتلاقي نفسك قدام ألحان جميلة رشيقة خالية من الروح.
تقريبًا كل المصادر المكتوبة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين بتوصف الوصلة بشكل دقيق ومتفق عليه، الليلة بتتكون من ٣ وصلات من بداية السهرة وإذا كانت سهرة صباحي فآخرها هيبقى قبل الفجر بشوية، الوصلة بتبدأ بالمعزوفات ثم يكون فيه موشح ثم الليالي والموال ثم في الآخر دور والوصلة الأخيرة ممكن يبقى فيها قصيدة على الواحدة بدل الدور وبدل الموال ممكن قصيدة مرسلة، هل الوصلة الحقيقية كانت بتتبع هذا الوصف الدقيق؟ الله أعلم كل اللي إحنا نقدر نقوله إن إلى حد ما الوصلات اللي سجلها صالح عبد الحي في الخمسينات تتبع هذا النموذج فالأرجح إن هو النموذج السائد لماهية الوصلة، مع إني أشك إن كل المطربين كانوا بيتبعوا هذا النمط بالظبط وغالبًا لو كان فيه مطربين متخصصين في الموشحات كانوا بيقولوا كذا موشح، واحد زي المنيلاوي غالبًا كان بيقول موشح واحد، سيد الصفتي احتمال كان بيقول أكتر من موشح ممكن كان فيه مثلًا موشحات متسلسلة فدا هيبقى نمط مختلف عن النمط المتعارف عليه، من شروط الوصلة اختلاف المقام ما بين كل وصلة ما ينفعش وصلتين يبقوا نفس المقام لازم يكون فيه تنوع في المقامات، وطبعًا كل وصلة لازم يكون فيه مقام طاغي عليها بس لو وصلة بياتي هتسمع مقامات تانية غير البياتي من مشتقات البياتي كتلوين مقامي وخاصة في الأدوار بس أكيد الموشح مش هيخرج عن البياتي بس ممكن في التحميلة هيبقى فيه خانة من مقام تاني وكذلك بس بيكون فيه وحدة مقامية إذا كانت الوصلة بياتي لازم الموال بياتي ولازم الدور بياتي كمقام أساسي للقطعة وهي دي الفكرة، اللي حصل بعد كدا وخاصة بعد التحول الكبير ابتداءً من أواخر العشرينات بداية التلاتينات إن كلمة وصلة فضلت بس أُفرغت من معناها اللي هي فكرة التسلسل والوصل ما بين القطع المكونة للوصلة مع إننا نقدر نقول إن الأغنية الطويلة على النمط الكلثومي هي في الواقع عبارة عن وصلة، لأنها بتجمع ما بين قطعة موسيقية في المقدمة أو بين الكوبليهات بيكون فيها المُرسل وبيكون فيها المُوقع، بيكون فيها جمل موسيقية ملحنة تمامًا وبيكون فيها ارتجال فبالتالي تشبه إلى حد ما الوصلة في هذا التنوع والتناوب ما بين الأجزاء المرسلة والأجزاء الموقعة ما بين الأجزاء الملحنة والأجزاء المُغناة فبتبقى إلى حد ما وصلة، دا غالبًا إبقاء أم كلثوم على كلمة وصلة على شان تصف أغنية من أغانيها وأم كلثوم أكيد كانت ما بتغنيش ٣ أغاني نفس المقام في الحفلة الواحدة، فروح ومنطق الوصلة كانت أم كلثوم إلى حد ما بتحافظ عليها، وأنا باتساءل هل أم كلثوم هي الوحيدة اللي حافظت على هذا المنطق في آدائها؟ ما افتكرش إن مثلًا حفلات عبد الحليم حافظ كان فيها ٣ أغاني، عبد المطلب مثلًا أغانيه كانت قصيرة، أم كلثوم كانت هي الوحيدة يمكن اللي أبقت على هذا المنطق وهذا النموذج حتى لو تغير فحوى ما يُصطلح عليه بالوصلة.
الدولاب دا لغز على فكرة، إحنا ممكن نسمع منه نماذج، عند الشيخ سلامة حجازي الدولاب راقص كأن الشيخ سلامة مشخلع الدولاب يعني مخليه رقص وشخلعة، عند عبد الحي حلمي مثلًا، داخل الدولاب بعد ليالي والآداء بيختلف بشكل جذري عن سلامة حجازي، مثلًا دولاب العواذل عند المنيلاوي وهنا بيقوله من مقام الراست، فنرجع لدور الدولاب وحكايته، طبعًا دا لغز مفيش حد يقدر يقول بقدر من الثقة إيه حكاية دولاب العواذل الشيء الذي يكاد يكون مؤكدًا هو إن دولاب العواذل متاخد من دور، دي جملة متاخدة من دور سيكاه مما يوحي بإن الصيغة الأصلية هي الصيغة السيكاه مع إن الصيغة البياتي هي الأكثر تداولًا لأن الأكثرية من القصائد الموقعة متقالة بياتي، ممكن يكون ٥٠% بياتي والباقي مُوزع ما بين المقامات التانية، ولكن يبدو إن الصيغة الأصلية هي الصيغة السيكاه لأن دي جملة أنا لقيتها مرة في هوامش كتاب من الكتب المطبوعة في نهاية القرن التاسع عشر بيذكر كلمات الأدوار، إزاي انتقلت جملة من دور وأصبحت عادة بتؤطر القصيدة على الواحدة … دا لغز، ولكن القيمة المعنوية لدولاب العواذل أظن واضحة وفعلًا نداء أبو مراد أثبت على إن الجملة اللحنية بتاعة العواذل تعمل كرحم أو مصفوفة للإتيان بصيغ مغايرة كلها مشتقة من دولاب العواذل فدولاب العواذل هو المحفز هو روح القصيدة على الواحدة أساسًا، الكلام فعلًا يعمل كبوابة، هو العتبة اللي بنعبرها ونصل إلى عالم القصيدة على الواحدة والموضوعات المتطرق إليها في القصيدة على الواحدة اللي هي كلها شعر غزلي، لما يكون الموضوع غير غزلي مش ممكن يكون فيه دولاب العواذل، دولاب العواذل هو مقرون أساسًا بلوعة الحُب.
ما هو دايمًا دنيوي حتى لو كان ديني لأنهم بيلعبوا على الكلام، ولما بياخدوا شعر ديني بيبقى ابن الفارض مش ابن عربي، لأن ميزة شعر ابن الفارض إن الكلام ممكن يتفهم دنيا وممكن يتفهم دين، لو إنت عبد الغني النابلسي طبعًا هتفسر كل كلمة في قصائد ابن الفارض تفسير ديني، بس الواحد ممكن يسمع قصيدة لابن الفارض ويفهم فهم دنيوي تمامًا، فدي عتبة الدخول عشان كدا أنا ممكن أوافق نداء أبو مراد على تفسيره، ودلوقت هو بيقول مقدس ممكن لأنه بيشبه وظيفة المطرب بوظيفة الكاهن فبيبقى فعلًا الدولاب هو عتبة الدخول في المعبد، كاهن الطرب بيخليك تعبر عتبة معبد الطرب والمطرب هنا يبقى كاهن ودي الطقوس، فأنا معاه إن الدولاب دا له وظيفة طقوسية بحتة، بتبقى كأنك بتلبس الإحرام، دولاب العواذل عبارة عن إحرام يقول لك خلاص إنت دخلت حرم الطرب.
هما بيقولوا دا، ما دا من ضمن الحاجات اللي كنت باقول لك عليها هل يجب علينا أن نؤمن بهذه التوصيفات النمطية وكأنها حقيقة مُنزلة؟ الله أعلم، هل فعلًا كانت القصيدة على الواحدة هي فقط في الوصلة الأخيرة؟ هذا ما نقرأه في أكثر من مصدر، غالبًا قسطندي رزق وكامل الخلعي وأحمد أمين أو محمود تيمور، غالبًا كلهم بيدوا نفس الوصف، كلهم بيجمعوا على إن الوصلة الأخرانية هي للقصيدة على الواحدة.
المفروض آه، بس هما بيقولوا إن الدور هو سيد السهرة، لكن أنا شاكك إن مثلًا في المناسبات الدينية في رمضان ممكن كانوا بيكثروا من القصائد، الله أعلم، أو ممكن الجمهور كان يطلب قصيدة، دي حاجة انتبهت لها في حفلات أم كلثوم، أنا حاولت أشوف إذا كانت أم كلثوم بتؤدي القصائد بس في الوصلة التالتة ولا لأ، فلقيت لأ هي ممكن تبدأ بقصيدة، فهل هذا هو من محض حريتها ومالهاش دعوى بالتقاليد القديمة؟ أو دا دليل على إنه أساسًا الكلام دا مش صحيح وإن أساسًا كان فيه شيء من الحرية، فإحنا ما عيشناش الفترة دي وحتى الناس اللي كانت عايشة في الخمسينات وسمعت صالح عبد الحي في الإذاعة مش هيفتكروا إذا كان بيقول فعلًا القصيدة في الوصلة الأخرانية ولا لأ.
هو تضافر أسباب، أظن علي جهاد راسي أثبت بجدارة في رسالته أهمية الأسباب التجارية في اختفاء هذه المدرسة، الأسباب الأيديولوجية لا تقل أهمية، هو تضافر أسباب جمالية وأيديولوجية واستنفاد نموذج وأسباب تجارية مرتبطة بشركات الأسطوانات، شركات الأسطوانات أنقذت هذه الحصيلة اللي كانت هتنقرض وكانت هتتنسي، هي انقرضت بالفعل بس اللي كانت هتنقرض وتتنسي وتتمسح وما يبقاش لها أثر لولا دخول شركات الأسطوانات، ولكن هي في نفس الوقت ربما سرعت عملية اختفاءها، شركات الأسطوانات سجلت الموسيقى كما هي قبل الحرب العالمية الأولى في إطار حدودها التقنية، أي كون المدة القصوى اللي ممكن تسجيلها على وش الأسطوانة ٣ دقايق ونص، فإنت ممكن تسجل سبع دقايق وممكن توصل لـ تمن دقايق وحتى تسع دقايق لو عملتها ٧٥ لفة وقطر الأسطوانة يكون ٣٠ سم، ساعتها ممكن الأسطوانة تشيل تسع دقايق، وأسطوانتين ١٨ دقيقة، أدوار زي يا ما إنت واحشني بصوت يوسف المنيلاوي ١٨ دقيقة أو أكتر كمان، فدا دليل على إنهم حاولوا بقدر الإمكان تسجيل الموسيقى كما هي، وبما إن الطبقات اللي كانت قادرة على شراء هذه الآلة الثمينة كانت الأرستقراطية والنخبة أو أعيان الأرياف فطبيعي إنهم ادوا مكانة كبيرة جدًا للموسيقى الراقية ومكانة تكاد تكون هامشية للموسيقات الشعبية والدينية، ولكن اللي هو واضح جدًا في كل تسجيلات ما قبل الحرب العالمية الأولى هو إن الأسطوانة بتحاول إنها تكون صورة لأداء، أداء بمعنى performance مش بمعنى performing، هي طبعًا صورة مشوهة أو بلاش مشوهة خلينا نقول مهزوزة، هي صورة مهزوزة للأداء performance لسبب بسيط وهو إن غالبًا ما ينفعش الدور يكون بس تلت ساعة غالبًا الدور كان نص ساعة، الله أعلم طبعًا بس أكيد الوصلة كانت حوالي ساعة زمن أو ممكن أقل شوية، فالدور كان بياخد من ٢٠ دقيقة لنص ساعة ـ ففي الغالب اللي بنسمعه من يوسف المنيلاوي، مش صورة مختصرة لكن نقدر نقول صورة من غير إعادات أو تكرار، ولكن تسجيل يا ما إنت واحشني بصوت يوسف المنيلاوي، it’s real performance، أداء حقيقي لهذا الدور، أقصر من اللي كان هيعمله في حفلة حية في الغالب، ممكن ١٠ دقايق لأنه شال كل الإعادات، بس غالبًا هو أداء حقيقي، لما بنسمع في العشرينات أم كلثوم وهي بتغني دور شرف حبيب القلب، فدا مش أداء، غالبًا اللي بنسمعه غير اللي بتؤديه أم كلثوم في المسرح، دي حاجة معمولة للأسطوانة، صيغة أسطواناتية للأغنية ولا تعكس واقع الأداء المسرحي في وسط وصلة لهذه الأغنية، الفرق الأساسي ما بين تسجيلات ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها، التسجيلات القديمة قبل ١٩١٤-١٩١٨ بتحاول إنها تدي صورة ولو مهزوزة للأداء الحقيقي على المسرح بعد ذلك أصبحت صناعة الأسطوانة تقدم للجمهور صيغة مُقولبة للقطع الموسيقية داخل قالب الأسطوانة الوشين، والدليل القاطع على ذلك إن كل الأدوار بتبقى وشين مفيش أي نموذج لدور 4 وشوش بعد الحرب العالمية الأولى، كل الأدوار بتبقى وشين وخلاص، لإن ما بقيتش وظيفة الأسطوانة، صناعة الأسطوانة غيرت منطقها في تعاملها مع الموسيقى الحية، لم تعد تحاول أن تعكس واقع الموسيقى الحية بل بقت تنتج منتج أسطواناتي بيكون البذرة الأساسية اللي منها ممكن يقدم على المسرح صيغة مُطولة مُطورة لنفس هذه القطعة.
إحنا في الواقع ما نقدرش بالظبط، اللي هنقدر نعمله نقول بداية التلاتينات، التحول يبدو جليًا من إنتاج الأسطوانات ما بين ١٩٢٩-١٩٣٢ أو ١٩٣٥، سنة ٣٠ هي نقطة التحول، غالبًا فيه عامل مرتبط كذلك بالأزمة الاقتصادية العالمية اللي بدأت في نيويورك ١٩٢٩ وطالت مصر ١٩٣٢، وترتب على الأزمة الاقتصادية العالمية انخفاض حاد في إنتاج الأسطوانات في مصر، صناعة الأسطوانة تراجعت بداية من ١٩٣٢ كانوا لسة بيعملوا أسطوانات بس مش زي الأول خالص.
ما هو السينما والراديو دخلوا في الموضوع بقى والأسطوانة تراجعت كثيرًا ولكن هل يعني ذلك أن الوصلة النهضوية اختفت مرة واحدة سنة ١٩٣٠؟ هي اختفت على مستوى الإنتاج التجاري أكيد إنما على صعيد الإذاعة وإنتاج الحفلات ما افتكرش، أولًا برامج الإذاعة سنة ٣٥ الشيخ علي الحارث بيغني حفلة فيها، ليلى مراد وإحنا بنتكلم على سنة ٣٥ هنا يعني ليلى مراد لما لسة هي بنت زكي مراد والمدرسة القديمة، ليلى زكي مراد بتغني دور الصبا قد ما أحبك زعلان منك، أنا قريت برنامج الإذاعة لقيت ليلى مراد هتغني كدا.
والكلام دا وإحنا لسة في أواسط التلاتينات، وأم كلثوم لسة بتسجل أدوار، يمكن آخر أدوار اتسجلت هي أدوار أم كلثوم، أحداث رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ أظن أواسط التلاتينات، ولو فاكر حسن الأخ الكبير من التلات أخوات حسن وحسين وحسنين، اللي هو البلطجي، بيغني في الأفراح البلدي وبيغني هذا الكلام بالذات، دا في الفيلم وكمان في الرواية نفسها، “والله زمان زمان والله” دا دور بستان جمالك هو لسة بيغنيه وإحنا في أواخر التلاتينات، فعلى صعيد الإنتاج التجاري غالبًا فعلًا نهاية المدرسة النهضوية هي بداية التلاتينات، على صعيد الأداء والإذاعة وامتداد أداء مثل هذه الموسيقى أظن إنها احتضرت أثناء الحرب العالمية التانية.
ما افتكرش لعب أي دور، قريت حاجة لمصطفى سعيد وشفت إنها قيمة وكان بيقول إن غالبًا المفعول الملموس جدًا للمؤتمر هو في التدريس وفقط، وأنا معاه في كدا، مؤتمر الموسيقى العربية كان حدث مهم على مستوى الكلام والنقاش والتنظير والتوثيق بس بدون مفعول مباشر على المراس الموسيقي خالص، لكن كان له تأثير على التدريس الموسيقي في مصر أولًا وفي البلاد العربية.
دا شيء محيرني من زمان لأن الناس اللي أنا شايف إنهم أبعد ما يكون عن سيد درويش كـ زكريا أحمد هما في مقدمة اللي بيمجدوا في سيد درويش، لا شك إن سيد درويش فعلًا كان له حجم في بداية العشرينات وهو جاء كصدمة واُعتبر ظاهرة في الأوساط الموسيقية، لكن الشيء الغريب إن بقدر ما الأوساط الموسيقية بتنفخ في صورة سيد درويش فواقع التسجيلات ينفي هذه الأهمية، هو من ضمن اللي اتسجلوا عند بيضافون وأدواره هي اللي اتسجلت ومافيش أي دليل على إن مبيعاته كانت أعلى من مبيعات المطربين التانيين، وهو مش في بداية الكاتالوج هو من ضمن الفنانين الآخرين في الكاتالوج دا أولًا، وسجل عند ميشيان وهي شركة صغيرة والجودة التقنية لتسجيلاتها محدودة، فأنا في الواقع محتار وما عنديش تفسير، لأن، من ناحيتي على صعيد الأدوار بأميل لأدوار داوُد حسني وإبراهيم القباني أكتر بكتير من أدوار سيد درويش، وإن كانت جميلة وباعترف إنها مُطربة بس اللي عاوز يطرب وهو بيسمع دور مقام شوري يختار دور سلمت روحك ما يختارش ضيعت مستقبل حياتي، ما بين سلمت روحك وضيعت مستقبل حياتي فين روح مقام الشوري بالظبط، هي أكيد مش عنده.
هو قيمته طبعًا ارتباطه بثورة ١٩١٩ والمضمون الاجتماعي الثائر في عدد كبير من الألحان اللي هو لحنها وارتباطه بطليعة شعراء العامية من بديع خيري لبدايات بيرم التونسي ويونس القاضي كذلك، يونس القاضي طبعًا كان بيكتب للجميع بما في ذلك الطقاطيق الخليعة بس الظاهر إن سيد درويش عرف فعلًا ينقي النصوص الذكية، وهو ارتبط بالمسرح الغنائي من منظور مختلف تمامًا عن سلامة حجازي، سلامة حجازي هو المنشد والمقرئ يعتلي خشبة المسرح، دا سلامة حجازي صاحب الآرياز الطويلة بتاعة إن كنت في الجيش وسلامٌ على حسنٍ دي تلاوة، فن التلاوة القرآنية بس على كلام دنيوي وخلاص، لا شك إن سيد درويش بيُشكل قطيعة مع هذه المقاربة للمسرح الغنائي، أولًا النصوص باللغة العامية وليست باللغة الفصحى، مضمون اجتماعي ساخر وناقد سياسي، فعبقريته في انتقاء الكلمات وفي محاولة إنشاء مسرح غنائي مصري، التأثير الغربي للأوبريت فيه واضح للغاية شأنه في ذلك شأن كل ملحنين جيله، ما هو فين داوُد حسني بتاع المسرحيات من داوُد حسني بتاع الأدوار، يعني داوُد حسني كدا منقسم لشخصيتين مختلفتين للغاية، أظن إن سيد درويش نفس الشيء، ربما هو أذكى من الآخرين في انتقاء النصوص اللي فيها هذا المضمون الساخر الناقد الاجتماعي، هو كان ثائر ولسة صغير وغالبًا كان شخصية مثقفة ولها وعي سياسي ودا اللي منح له هذه المكانة في الوجدان وفي الذاكرة وكونه مات صغير كذلك، فأنا مش حابب إني أقلل من حجمه علمًا بإن ناس كزكريا أحمد وكالشيخ إمام عيسى شايفين إن سيد درويش هو قدوة يحتذى بيها وهو مؤسس من مؤسسين الموسيقى المصرية، ولكن يبقى إن مافيش حاجة بدأت مع سيد درويش، قد يكون عبارة عن نيزك عبر سماء الموسيقى المصرية بس هو مش جاي من لا شيء ولا هو اللي حول الموسيقى المصرية من الحالة اللي كانت عليها إلى حالة وصلت إليها وإدعاءات الوراثة تبدو لي كاذبة تمامًا، عبد الوهاب في قصائده الأولى امتداد لأبو العلا محمد امتداد لمحمود صبح مش امتداد لسيد درويش وفي الطقاطيق الأولى امتداد لزكريا أو بالأصح معاصر له وتقريبًا روح واحدة، ممكن الشيء الأساسي في سيد درويش هو ربما عدم التهيب أمام البُعبُع الغربي، بعبع الموسيقى الغربية، هو اللي بيدخل الأربيجات في آهات الأدوار، أظن ممكن يكون هو اللي فك عقدة الخواجة، “ما ناخد حاجات من عندهم“، في الكتاب عن إبراهيم القباني اللي كتبه ابنه قصة طريفة جدًا، بيقول إنه لحن دور من مقام العجم وقدمه لـ زكي مراد فرفض الدور وقال له “هو إحنا هنغني ببرانيط“، زكي مراد اللي هو اليهودي هو المحافظ قوي على شرقية الموسيقى ورافض الفكرة وبيقول له “هو إحنا هنغني ببرانيط“، رفض اللحن وسيد الصفتي هو اللي خده، ممكن تكون مجرد أسطورة.
كأنها بدعة ودا أساسًا تاريخيًا أي كلام، لأن طبعًا سلم النهاوند مستخدم في الموسيقى العربية ومستخدم في التلاوة القرآنية أساسًا، لكن الحكاية مذكورة بقى على لسان زكي مراد وإبراهيم القباني، بالنسبة لابن إبراهيم القباني دا دليل على إن المطربين كانوا رجعيين إلى حد ما وهو مجدد ومش عارف إيه، بس أظن مهما كانت هذه الحكاية نص حقيقية نص مختلقة مش مهم، المهم إنها بتدل على عقدة أو بعبع أو تخوف أو تهيب أمام القواعد الموسيقية الغربية والأخذ بما قد يبدو غربيًا في الموسيقى، فقد، ودا مجرد افتراض مش أكتر، تكون أهمية سيد درويش إنها بداية تلاشي أو افتكاك هذه العقدة وهذا التخوف أمام الأخذ والاقتباس المباشر من الموسيقى الغربية، طبعًا عن نفسي وكذوق شخصي باقول يا ريتهم كانوا فضلوا يخافوا وما أخدوش من أي حد تاني أي حاجة خالص، بس هو دا اللي حصل ممكن يكون بالنسبة لهم هو بداية الانطلاق، هو شيخ وهو لبس جبة وعمة ولبس طربوش وبدلة، فهو بالنسبة للجيل اللي هييجي بعديه بيمثل إمكانية التوفيق والتلفيق، التلفيق بالمعنى الفقهي مش بالمعنى الحرفي.
أنا باسميه بداية مين ستريم، بس أنا معاك إننا في حاجة لتسمية لأن فيه كذا مين ستريم مختلف، فيه مين ستريمات، أولًا حابب نرجع لمقوماتها، المدرسة الجديدة التي ظهرت مع التلاتينات، ليه ولادتها مربوطة بصناعة الأسطوانة وصناعة السينما؟ من مقوماتها الأيديولوجية والجمالية في آن واحد إنها لا بُد تكون في متناول الجميع، أو على الأقل في متناول طبقة الأفندية، هي موسيقى لا تحتاج إلى طول مراس ولا إلى طول تعود عليها، دا الفرق الأساسي، ودا على تفاوت، لا شك إن حبيبي يسعد أوقاته تلحين أكثر تعقيد بمراحل من بلاش تبوسني في عينيا، ولكن بالرغم من هذا التفاوت الحقيقي بين الألحان، مع ذلك فتذوق الدور وتذوق القصيدة على الواحدة بيحتاج لتكوين من قبل المستمع، لازم تتدرب عشان تسمعها، بالظبط زي حتت في الموسيقى الكلاسيكية بتتحب من الأول بس غالبًا عشان تروح أوبرا وتقعد فعلًا لمدة خمس ساعات في صالة وتتشوق ويعجبك كل اللي بتسمعه في الأوبرا فدي عملية بتاخد وقت وتدريب، فحصيلة النهضة دي موسيقى نخبوية مش بالمعنى الطبقي للكلمة لكن بمعنى إنها بتتطلب هذا التدريب من قبل المتلقي، الموسيقى اللي جات ابتداءً من التلاتينات لا تحتاج إلى نفس هذا القدر من التدريب، ممكن عشان الواحد النهاردا يحب سهرت منه الليالي يحتاج تدريب، ودي كانت تجربة مع صديق سمعناها في عربيته في القاهرة في الإذاعة وطلب نقفلها عشان ما حبهاش خالص، بالنسبة لواحد عايش ٢٠١٦ ومش متبحر في المزيكا حاجة زي سهرت منه الليالي هتبقى صعبة ولكن مقارنة بكادني الهوى أو سفر اللثام على دياجي الحُندسِ فلأ هي أسهل بكتير، يعني المتعة بتيجي منين وإنت بتسمع قصيدة على الواحدة، هي سهرت منه الليالي قصيدة كمان وباللغة الفصحى، فقارن ما بين سهرتُ منه الليالي كتانجو وحتة حجاز غريب وسيكا بلدي كدا، وقارنها بقصيدة من القصايد التقيلة شوية للشيخ يوسف المنيلاوي أو إن كان يوسف للجمال دعاكمُ للشيخ سلامة، متعة الاستماع للي هو بيسمع قصيدة زي ضيعت عهد فتى لعهدك حافظ للشيخ يوسف المنيلاوي، إنك لازم تفهم الكلام، تشوف الشيخ بيلعب مع الإيقاع إزاي، وتفك شفرة الغزل القديم لأن القصائد الغزلية مافيهاش جديد، المعاني معروفة أنا باتعذب عشان باحب، أنا المحب والمحبوب بيعذبني، وآه من عذابي، وخلاص كدا لخصنا ٢٠٠٠ سنة من الشعر العربي، طيب المتعة هتيجي منين؟ من الشفرة، إنت بتشفر نفس هذه الفكرة وبتقولها بطريقة جديدة بكل معنى، فعشان تبهر المستمع اللذة هتيجي من قدرتك على فك هذه الشفرة، وساعات هذا المعنى المبتذل في الواقع بيكون مشفر بطريقة من العبقرية بحيث تكاد تطرب لمجرد الاستماع للكلام، وتعمل كدا “إيه دا !!! هو جابها منين دي“، “إيه الصورة البديعية دي” ففيه متعة فك الشفرة على مستوى الكلام، بعدين طلاوة الصوت، بعدين الألعاب المقامية، بعدين الألعاب الإيقاعية، فدي موسيقى بتتطلب تدريب، بتتطلب استيقاظ تام لمستمعها، نفس هذا الاستيقاظ اللي بتلاقيه عند مستمعي أم كلثوم حتى الخمسينات، لأن هما حاسين هذا الفرق الطفيف بين التكرارات، هي بتعيد نفس الجملة 5 مرات وكل مرة شكل مختلف، ومش هتاخد بالك إن الشكل مختلف غير وإنت مستيقظ هذه اليقظة، والطرب بيتطلب هذه اليقظة التامة، أنا قصدي إن الأيديولوجية السائدة في الحصيلة الغنائية ابتداءً من التلاتينات هي أن نجعل الموسيقى في متناول الجميع، محمد عبد الوهاب قالها بهذا الشكل الصريح، “إحنا عاوزين راجل الشارع يحب الموسيقى بتاعتنا“، المشكلة مش بس في الطبقية اللي كانت في جملة راجل الشارع، ما هو راجل الشارع كان ممكن يحب المنيلاوي على فكرة، المشكلة في هذه الجملة هي فكرة مش لازم الموسيقى بتاعتنا تكون دقيقة ومركبة complex، أو خلينا نقول كثافة التركيب، ففكرة إننا هنقلل من كثافة التركيب على شان أي واحد ممكن يحبها، دي فكرة في منتهى الكرم والسخاء من جهة، لكن خطيرة للغاية من جهة أخرى، دا كان سر نجاح هذه الحصيلة من المحيط إلى الخليج، لا شك إن الموسيقى المصرية، ويمكن من قبل التلاتينات لكن خاصة من بعد التلاتينات بفضل صناعة السينما وأيضًا بفضل مضمونها، قدرت تفرض نفسها كأنها الموسيقى العربية من المغرب للعراق، ولكن على حساب هذه الكثافة في التركيب، مع التباين اللي أشرت إليه، طبعًا لا يمكن أن نقارن أنا قلبي دليلي بـ دليلي احتار، ولكن مع ذلك فيه تبسيط واضح للخطاب النغمي ما بين المدرسة النهضوية وما جاء بعدها، ومقومات النجاح من ضمنها هذا التبسيط، التبسيط الناجح الشيق اللذيذ، مش بانكر إنه لذيذ، دايمًا الصديق محسن صوة يستغرب إزاي باقدر أسمع سلامة حجازي وباسمع وردة، وباقول له دي حاجة ودي حاجة، باحب الاتنين بدون مقارنة بينهم، والأدهى والأنكى بقى إني باسمع سلامة حجازي وباسمع وردة وباسمع المحترفين بتوع مهرجانات اسكندرية.
هي دفنته بس الدفن ما كانش إرادي، دا سؤال وجيه على فكرة، ممكن يكون فيه ميل للحط من شأن الموسيقى النهضوية، مثلًا أغنية زي يا سيدي أمرك هي أغنية لذيذة وفي نفس الوقت هي أغنية أيديولوجيًا قذرة وإجرامية للغاية، تصور عبد الحليم حافظ مش حابب ومش عاوز، “وباغني قديم وأنا إيه ذنبي“، بيغني قديم تحت تهديد باشا بيتكلم بلكنة تركية وبيهدده بالسلاح وهيوديه السجن، أظن إن كل العناصر وكل المؤشرات الأيديولوجية موجودة في الفيلم، هذه الحصيلة القديمة هي أولًا مش كلاسيكية ومش راقية ومش فصيحة، ما هياش موسيقى فصحى بل هي موسيقى قديمة، ما بيغنيهاش مطرب الجيل الصاعد إلا تحت تهديد باشا بيتكلم بلكنة تركية أي إنها مزيكا تركية مش مزيكا مصرية، شحنة أيديولوجية بنت كلب في المشهد دا، عبد الحليم حافظ ومحمود الشريف، يعني محمود الشريف عاوز يعمل إيه عاوز ينتقم من أم كلثوم عشان سابته مثلًا، إزاي واحد زي محمود الشريف مُحافظ في المزيكا بتاعته يقدر يقدم حاجة زي دي، هي أغنية خفيفة الظل بلا شك بس هي إجرامية تمامًا في شحنتها الأيديولوجية، هي بتقول كل اللي عاوز يتقال، رافضين الموشحات لأنها غُنا قديم، رافضين الطقطوقة البستنكار بتاعة منيرة المهدية مع إنه بيبوس منيرة المهدية بعدها بكام سنة في صورة بتجمع بينهم، وبيتريق على أم كلثوم القديمة لأنه ما يقدرش يتريق على أم كلثوم اللي هي معاصرة له، ويتريق على عبده الحامولي، “أنا قلبي عليك عليك قلبي” دا من دور في البعد ياما، بيتريق على القصبجي لأن الطقطوقة البستنكار من تلاحين القصبجي الأولى، فدي ناحية للدفن، ومثال تاني على الدفن، ولاحظ إن الدفن مقرون بالسخرية وبخفة الدم ودا ممكن يكون أخطر أنواع الدفن اللي هو “يا عم إحنا بنهرج“، هو عزيز عثمان، اللي هو أكثر شخصية متناقضة في تاريخ الموسيقى المصرية كيف يشوه مطرب صورة أبوه إلى هذه الدرجة؟
آه ممكن تكون فعلًا مسألة أكل العيش مُر وإذا كان هيقتات من التريقة على فن أبوه وماله؟
وإلى جانب الدفن فيه طبعًا التشبع، لأنهم معظمهم ورثة، لكن مين ماهُواش وريث لهذه المدرسة النهضوية؟، حتى ليلى مراد، هي وريثة زكي مراد وبدأت بأدوار هذا التراث النهضوي، ممكن نقول القطيعة بتبدأ من جيل نجاة، نجاة اتعلمت من أم كلثوم، وردة اتعلمت من أم كلثوم، فهما لأ مش متشبعين بالمدرسة النهضوية، ولكن أم كلثوم وعبد الوهاب وزكريا أحمد والقصبجي كلهم بدأوا بهذا اللون، وأبدعوا في هذا اللون، الشيء اللي يغيظ لحد ما إنهم كانوا حاملين لواء هذه المدرسة، عبد الوهاب وأم كلثوم هما أحسن اتنين غنوا هذه الحصيلة في بدايات عمرهم.
هما شافوا اللي كان بيمشي، وموضوع أيديولوجية التجديد، فكرة إن مشروعية الموسيقى تأتي من التجديد، والتجديد هو شرط منح المشروعية، في إطار مشروع وطني بيدعو للحداثة والتوفيق ما بين الأصالة والحداثة، ولابُد إن المزيكا تكون جزء من هذا المشروع الوطني.
كانت العقدة الكبيرة هي كيف يمكن اللحاق بالعالمية، فكرة إن موسيقانا أقل من الموسيقى الغربية قيمةً وشأنًا ورُقي فبالتالي لابُد أن تتطور وأن تلحق بركب الحضارة، وكانت النتيجة اللي توصلوا لها إنهم يأخذوا عناصر متفرقة من الموسيقى الغربية لإدماجها بقدر الإمكان في الموسيقى العربية، التغرب وفرنجة الموسيقى العربية لا تقف فقط على المستوى اللحني أو النغمي أو المصاحبة الآلية إلى آخره, الفرنجة ابتدت بدري جدًا وعلى كل المستويات، مثلًا مناسبات آداء الموسيقى، كيف وأين ولماذا تستهلك الموسيقى، إذا أخدنا مثلًا أواسط القرن التاسع عشر كنقطة انطلاق فمن الواضح إن الموسيقى تستهلك في مناسبات خاصة وفي أماكن خاصة زي سلاملك الجزء المخصص للرجال، يقابله الحرملك للنساء البهوات القادرين يعزموا مُطرب وتبقى يا إما الدعوة عامة يا إما قاصرة على أصدقاء البيه والباشا، وبيكون فيه بعض الحفلات العامة زي أفراح أنجال الخديوي إسماعيل، الخديوي بيُهدي حفلات لعامة الشعب القاهري، وألمظ وعبده الحامولي يغنوا للقاهريين وليس فقط للنخبة، أفراح الأنجال كانت حفلات عامة في سرادقات مفتوحة أمام الجميع، ففكرة الحفلة العامة استثناء للقاعدة، اختراع أماكن خاصة للأداء الموسيقي كالمقاهي والصالات ابتداءً من القرن التاسع عشر وكون إن جمهور الموسيقى يكون من الذكور والإناث ويكون مختلط، وتكون الأغنية مستهدفة لجمهور مختلط وليس جمهور نوعي من الرجال أو النساء، دي كانت تغيرات في منتهى الأهمية تأتي مع عصر الاتصال بالغرب وعصر الاستعمار، فبالتالي دا أيضًا تغرب في سُبل استهلاك الموسيقى وفي طرق تقديم الموسيقى، كذلك طريقة الأداء، يعني هل تقعد وإنت بتغني ولا تقف وإنت بتغني؟، هما ابتدوا يقفوا في الحفلات العامة ابتداءً من التلاتينات، ودا تأثير غربي واضح جدًا، كيف تُفهم الجمهور إن الأغنية انتهت، بتباطؤ إيقاع الموسيقى، مش دي الطريقة الأصلية، الطريقة الأصلية عشان تفهم الجمهور إن الأغنية خلصت إنت بتقفل بتقسيم على إيقاع البَمب، دي مجرد أمثلة متفرقة تمامًا عشان ألفت انتباهك لهذه الكمية المهولة من الاقتباسات الغربية في الموسيقى العربية، من طريقة الإلقاء إلى وضع المؤدي وهو بيغني واقفًا أم قاعدًا، من أماكن استهلاك الموسيقى، من سُبل استهلاك الموسيقى، من أسباب استهلاك الموسيقى كذلك، إنت بتسمع مزيكا لإنك عاوز تسمع مزيكا أو لإن ابنك بيتجوز؟، فكرة إنك تروح صالة حفلات دي مش موجودة قبل ١٨٩٠ أو ١٨٩٥، ففرنجة الموسيقى العربية بدأت بدري جدًا أما اللي إحنا بنتكلم عليه ما هواش فرنجة الموسيقا وإنما فرنجة الخطاب النغمي في حد ذاته والمصاحبة الآلية، لا شك إن ما كانش فيه أي تهيب من العناصر الغربية الأخرى التي أخذت وطبقت على الموسيقى العربية اللي ذكرتها سابقًا، مافيش حد قام قال “إيه دا أم كلثوم بتقف ليه ما تقعد زينا“، ما حدش قال عليها هو إحنا هنغني ببرانيط، فكرة إن المطربة تغني وهي واقفة يبدو ما كانتش حاجة صادمة، لأن الممثل على المسرح كان بيبقى واقف فخلاص خدت على فكرة إن المطرب ممكن يبقى واقف وهو بيؤدي لأن الشيخ سلامة حجازي وهو بيؤدي قصيدة صلاح الدين وقصيدة إن كنت في الجيش، كان بيؤدي وهو واقف مش وهو قاعد، فشوية شوية التغيرات دي قُبلت وبقت طبيعية، أما الأربيج وإدخال مكونات التوافق النغمي والأكوردات فدا كان موضوع تاني يمكن كانوا شايفينه آخر حاجز بقى، فكيف تم إدماج هذه العناصر؟ اللي حصل في الموسيقى الغربية لما كانوا بيدمجوا عنصر شايفين إنه عنصر شرقي، أي عن طريق ذِكر، مجرد citation، بس هو مش تلميح التلميح بيبقى محتاج فك شفرة، الذكر بيبقى صريح، جملة تانجو صريحة مثلًا، فهما عملوا كدا مجرد ذِكر عناصر متفرقة من موسيقات غربية لأنه طبعًا مفيش حاجة اسمها الموسيقى الغربية، من موسيقات غربية متفاوتة القيمة والمكانة في المرجع الغربي أساسًا، التانجو موسيقى ترفيهية بحتة آتية من الأرجنتين ومرتبطة بأوساط الأوباش وبنات الليل ثم صارت موضة في أوروبا في فترة معينة وأصبحت مرادفة للرقي في مصر مع إنها موسيقى مومسات في الأرجنتين أساسًا، صورة التانجو تغيرت من الأرجنتين لأوروبا بس فضلت رقصة صالونات مش موسيقى راقية إلى رمز للرقي في مصر، يعني شوف نفس العنصر ممكن مكانته الاجتماعية وما يرمز إليه ممكن يتغير من وسط لوسط تاني إزاي، بس هما كانوا طبعًا بيستخدموا آلات موسيقية لإنها بتساعد على تكثيف الوتريات في التخت زي إدخال التشيلو والكونترباص وكانوا كمان بيستخدموا الآلات التلميحية، كالكاستنيات وكالأوبوا Castanets, Oboeبعدين وكالجيتار والماندولين بيستخدموها كcitation، في الواقع هي آلات مالهاش وظيفة غير وظيفة مرجعية، reference، وظيفتها مش إنها تضيف حاجة لكن إنها توحي بحاجة، طالما فيه كاستينيات فدي حاجة بتوحي بإسبانيا، وعلى فكرة ممكن الآلة الشرقية تلعب نفس الوظيفة المرجعية، كل القصائد الدينية بتاعة أحمد شوقي وأم كلثوم بدايتها دُف مع إن مافيش حاجة اسمها دُف في التخت، فليه بتحط دُف؟ لأن الدف مرتبط بحلقات الذِكر وبيدي الجو فدي كمان نفس الوظيفة المرجعية، مثلًا بزق يعني إشارة للشام، ونرجع لدلوقت لنفس السؤال، أظن فيه فرق، المين ستريم إلى حد ما لا زال يتعامل مع الموسيقات الغربية بشيء من السذاجة، وفي نفس الوقت الأندرجراوند بيتعامل مع الموسيقات الغربية بإلمام وبمعرفة، مثلًا شارموفرز لما بيعملوا حاجة زي أغنية خمسة سنتي فدي أغنية ragamuffin ، this is not citational ragamuffin لكن هي أغنية ragamuffin باللغة العربية دا بالنسبة لي مقنع تمامًا، دي مش الموسيقى العربية وأساسًا هل نصنفها كموسيقى عربية طبعًا موضوع قابل للنقاش لأنها موسيقى باللغة العربية مش معناه إنها موسيقى عربية، فما هو تعريفنا للموسيقى العربية هل هذا يدخل في إطار موسيقى عربية؟ على حسب إحنا بنسمي إيه، أنا شايف إن الموسيقى البديلة أو الأندرجراوند بتتعامل مع الموسيقات غير العربية بمَعلمة أما المين ستريم العربي فمازال إلى حد ما متخبط في استخدامه للموسيقى الغربية مع إن ساعات بيبقى فيه حاجات ملفتة، لسة شايف وأنا معدي إعلان كان خير مثال على إصرار المين ستريم على هضم كل ما هو على هامشه، الإعلان كان سميرة سعيد feat. شارموفرز، سميرة سعيد اللي متصورة وهي صغيرة مع عبد الحليم حافظ مستضيفة شارموفرز في أغنية لها، شوف إزاي المين ستريم الحالي لا يقبل وجود حاجة على هامشه ولابُد من احتوائها، ممكن التعامل مع الموسيقى الغربية دلوقت بقى مع وعي أنضج لمكانة الموسيقات الغربية في محيطها الأصلي، مثلًا حبيتك بالصيف حبيتك بالشتا هي من منظور واحد من جيلي مولود سنة 64، هي أغنية بتدعو للسخرية والضحك لأنها بتاخد ما كُنا إحنا كشباب شايفينه أكثر شيء مبتذل في الموسيقى الغربية، اللي هو slow music، المزيكا بتاعة الحبيبة اللي كانوا بيرقصوا عليها ودا بالنسبة لنا كان قمة الابتذال، الشباب اللي كان فاهم كان بيسمع الروك وكان بيسمع الريجي وبوب مارلي فأكيد مش هيسمع مزيكا سلو، فواحدة بتغني عربي وبتاخد موسيقى سلو من منظور واحد غربي، ساعتها بارجع غربي وباشيل بقى العمة وبالبس البرنيطة، لما بالبس البرنيطة باقول إيه دا؟ إيه التخلف دا؟ ما لقيتوش مزيكا غربية تكون محترمة شوية عشان تغنوا عليها؟، كل صحابي سنة ٨٢ و٨٣ كانوا منبهرين بقال جاني بعد يومين، أولًا كانت بتصرخ وبتسرسع وعلى مزيكا إيه دا؟ إزاي ممكن تتقبلوا مزيكا زي دي؟ دي قمة الابتذال في الموسيقى، فلسة لغاية التمانينات، وأنا هنا باتكلم من منظور غربي وكلامي بقى وأنا لابس برنيطة، كان التعامل مع الموسيقات الغربية في قمة السذاجة، بحيث إنهم كانوا بينقوا موسيقات لا مشروعية لها عند الغربيين أنفسهم، دي كانت موسيقات مش شعبية حتى كانت موسيقات الأسانسير، إيه اللي خلاكم تنقوا لحن موسيقى شغالة في الأسانسير وتحطوها في أغنية ومفروض تبقى أغنية راقية والناس بتحبها؟ أنا وقتها ما كنتش فاهم ولغاية دلوقت بس بآخد في عين الاعتبار إن مش لازم تكون الناس مدركة لمكانة الموسيقى في محيطها الأصلي، وشايف إن السذاجة المتناهية دي ما عادتش موجودة دلوقت.
ما ننساش كمان إني أول مرة نزلت مصر سنة ٨٢ ذُهلت إيه الموسيقى الغربية بالنسبة لكم، كان فيه فرقة الناس كلها كانت بتحلف بيها، فرقة الباكارا، كانت فرقة فازت بمسابقة يوروفيجن وحاجة أساسًا كنا بنضحك عليها وكانت قمة الكيتش، وفرقة البوني إم، دلوقت أنا فاهم إن دا اللي كان متوفر في السوق ساعتها، وبقيت متفهم لو الموسيقيين العرب اتأثروا هيتأثروا بدا، مع إني كنت باستغرب لحدٍ ما إنهم المفروض يكونوا مزيكاتية محترفين وبالتالي يكون فيه إلمام أكتر شوية بماهية الموسيقات الغربية أو ودا احتمال أخير ممكن يكونوا واعين جدًا بمكانة هذه الموسيقى لكن عارفين طالما المصريين عارفين إن دي موسيقى غربية فدا اللي هيرادف الرقي بالنسبة لهم ودا اللي هناخده والجمهور عاوز كدا وخلاص، بس دلوقت خلاص ما عادش فيه نفس السذاجة دي، ولكن يمكن المشكلة بقت هي التعامل مع العربي مش التعامل مع الغربي، لأن دلوقت المين ستريم يكاد يكون تخلى عن المقامات العربية اللي فيها ثلاثة أرباع الصوت، والألحان مقتصرة على مقام الكردي بنسبة ٩٠% ونهاوند ١٠% الباقيين، وبياتي وراست ومرة كل شوية سيكاه للشعبي، أمينة ومحمود الحسيني وشعبولا بيغنوا راست وعمرو دياب وحماقي والجماعة دول بيغنوا كردي.
أولًا هذه الفكرة المتداولة في كل مصادر نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وزاعمة بإن عبده الحامولي جاب الحجازكار من إسطنبول وجاب النهاوند، حتى بيقولوا النهاوند، وإزاي ياخد النهاوند أصلًا ودا سلم أساسي في الموسيقى العربية وجاب كذا وكذا والحجازكار كردي من إسطنبول، فأنا مش مقتنع تمامًا، اللي أنا واثق منه إن عدد كبير من المعزوفات أُخذ فعلًا من الموسيقى العثمانية، مع إنها عُربت في روحها وفي أدائها إلى حد كبير ومُصرت، فبالتالي بما إن هذه المعزوفات أصبحت شائعة في الوصلة فطبيعي جدًا إن المطرب والملحن يتأثر بهذه المعزوفات ويدرك بعض الأفكار الموسيقية ويضمها إلى الأدوار وحتى إلى القصيدة، إنما فكرة إنك تحط عِقد حجاز وفوقيه عِقد حجاز وما كانش فيه حد فكر يعمل كدا قبل ما عبده الحامولي يروح إسطنبول ودي تركيبة الحجازكار فلأ دا صعب يتصدق، وبصراحة دي حاجة مش مقتنع بيها أبدًا، أظن فعلًا الاقتباسات العثمانية قاصرة على مستوى المعزوفات، البشارف والسماعيات التي أدرجت في الوصلة المصرية وحصل تأثير مباشر منها على التلحين، فإنت بتسأل عن تغيير بوصلة الاقتباس من تركيا لباريس، مع تحفظي على فكرة إن الاقتباس كان من إسطنبول هاتفق معاك إن كان فيه سيرورة وكان فيه اقتباسات متبادلة بين موسيقات تشترك في نفس المعجم وتشترك في نفس القواعد، أي منطقة الشام ومصر، وإن كان فيه فعلًا تبادل ما بينهم وإلى حد بعيد الموسيقى العثمانية، لأنها فكرة واحدة، ابتداءً من العراق أو المغرب بنخش في أنظمة مقامية مختلفة، إنت ممكن تحللها على إنه حصل تغيير في وجهة البوصلة بس ممكن تشوف كمان إن هو أولًا تلاقح وتبادل ما بين أنظمة موسيقية تشترك في نفس المنطق فبالتالي يكون التبادل بينها مباشر بوصفها موسيقات قابلة للتلاقح، وموسيقات غير قابلة للتلاقح والإدماج الفوري بسبب اعتمادها على مُعجم وعلى قواعد موسيقية مختلفة، فدا اللي حصل بالفعل بسبب هذا الانبهار بالموسيقى الغربية ومكانة وعقدة الخواجة كانت بشكل ما جزء من المعادلة.
طبعًا استخدام الجمع بيمثل خروج من هذه النظرة الأحادية وهي غالبًا اللي وصلت الموسيقات المصرية إلى ما قد يعتبر طريقًا مسدودًا، الساحة الموسيقية الشعبية في حالة تحسد عليها، الموسيقى الترفيهية المصرية في حالة تحسد عليها، ماشية تمام ممكن الشعبي ماشي أحسن من المين ستريم، لأن المين ستريم مش بيقدم أي حاجة مقنعة قوي، ولكن الموسيقى الفصحى مش موجودة ومنسوفة تمامًا، فأظن إن هذه الفكرة الأحادية هي ما أوصل الموسيقى الفصحى إلى هذا الوضع الحالي، فكرة إن فيه حاجة اسمها الموسيقى العربية وإنها يجب أن تكون كدا، شوف اللي كان بيكتبه إلياس سحّاب، “الناس لابُد من إنها تدرس تراث عبد الحليم حافظ“، ما هو دراسة تراث عبد الحليم حافظ هو اللي عمله عمرو دياب، لما تدرس تراث عبد الحليم حافظ إنت بتوصل لعمرو دياب، عبد الحليم حافظ كان بيدرس تراث عبد الوهاب دا اللي أوصله يكون عبد الحليم حافظ، تدرس تراث عبد الحليم حافظ لوحده توصل لعمرو دياب، وتدرس تراث عبده الحامولي وسلامة حجازي وأبو العلا محمد مع أيديولوجية حداثية وفكرة جعل الموسيقى في متناول الجميع توصل لعبد الوهاب، وفكرة هي موسيقى واحدة ولابُد من إنها تمشي هذا الاتجاه فدي الرؤية الداروينية للموسيقى فدا السبب لاستخدامي لصيغة الجمع، هي موسيقات وكذلك مافيش حاجة اسمها الموسيقى الغربية.
هي كانت الفكرة إني كنت بأدور في فن أم كلثوم على ما هي بقايا الفن النهضوي في فن أم كلثوم لغاية الستينات، ما هي العناصر التي أبقتها وما هي العناصر التي تخلصت منها مع إني ما ركزتش قوي على العناصر اللي هي تخلصت منها، ركزت على الجانب الآخر ما هي العناصر التي أبقت عليها، وبالذات في فن الارتجال المُوقع عند أم كلثوم، اللي شايفه كامتداد إلى حد ما للقصيدة على الواحدة، مع إنه ممكن يكون جدًا ارتجال باللغة العامية لكن غالبًا ارتجالات أم كلثوم لما تكون موقعة هي كلها ارتجالات على الواحدة، وفيه بعضها على المقسوم، عندك ارتجال مقسوم في الحتة الأخرانية من أهل الهوى، ودا على فكرة اللي بيدي انطباع إنك بتسمع ذِكر، أظن فيه أغنية تانية كمان بتعمل ارتجال على المقسوم فيها، وفيه محاولة فاشلة تمامًا لارتجال على المقسوم في حفلة هذه ليلتي في طنطا، بتحاول وبيحصل إخفاق، ٣٠ ثانية كدا أولًا لأن الجمهور كان هايج زيادة عن اللزوم شوية، وهي غالبًا ما عرفتش وكانت حركتها بهلوانية قوي كانت بتحاول تتصرف من العجم وترتجل على المقسوم، بس غير كدا المتبع عندها إن الارتجال يكون على الواحدة، فكنت باحاول إني أرى لأي قدر يمكن أن نرى في هذه الارتجالات على الواحدة امتداد لفن القصيدة ولتقنيات القصيدة على الواحدة، طبعًا الفرق الأساسي إن الرحم لخيال الارتجال ما هُواش دولاب العواذل ولا جمل بتأتي منه، غالبًا في أحيان كثيرة الارتجال على الواحدة عند أم كلثوم بيكون تطوير الأفكار اللحنية القائمة في الجمل اللي لسة مغنياها، أو بيكون ارتجال استباقي بمعنى إنها بتتخذ فكرة موسيقية هتبان في الجملة اللاحقة اللي لسة ما غنتهاش، مثلًا هتطلع بياتي، إنت في حجاز وبتطلع بياتي فتقول الله إيه دا إيه الحلاوة دي، بس في الواقع البياتي دا مكانه مش هنا هو في الجملة الملحنة اللي بعديها، هي بتستبق.
آه بتسلطن نفسها ع اللي جاي فهي بتستبق وبتجيبه، وعلى فكرة دي ممكن تكون حاجة غير واعية بس هي بتحصل بالصورة دي، كمان أنا كنت شايف لما بترتجل سواء على الواحدة أو الارتجال المُرسل الفرقة الكلثومية بتعود إلى الحالة التختية، في بعض الأحيان هو فعلًا تخت، لأن الأربعة اللي بيشتغلوا بيكونوا عبده صالح والحفناوي وإبراهيم عفيفي وطبعًا القصبجي، وفي أحيان أخرى بيبقى فيه هيتروفونية مع كل الآلات الوترية، دي حاجة اشتغلت عليها وكمان اشتغلت على ظاهرة أنا شايف إنها كانت طريفة جدًا، إنها بطريقة ما، هي مفارقة بس هي مفارقة بحيث إنها نهضوية في فرض شخصية المؤدي على اللحن كعمليات التمويه وعمليات فرض المرسل في الموقع وفرض الموقع في المرسل، ودي حاجة غير نهضوية ونهضوية في نفس الوقت، غير نهضوية لأن في الموسيقى النهضوية إنت بتغني حاجة غير مرسلة فهي غير مرسلة وخلاص، مش هتقلب موقع في المرسل ولا هتقلب مرسل في الموقع، ما هو يا كدا يا كدا، دا مش نهضوي ولكن فرض شخصيتك كمؤدي عليه دا نهضوي، على سبيل المثال أم كلثوم بتحول حاجة مرسلة في ارتجالها لمُوقعة، أنا خدت مثال قصيدة شوقي سلوا كؤوس الطلا، وقارنت صيغة ١٩٣٧ بصيغة ١٩٥٤، وواضح جدًا إن القصيدة كلها على الواحدة، من البداية للنهاية، فأم كلثوم والسنباطي بيشتغلوا على التمويه ما بين المُوقع والمُرسل، في كذا حتة في حفلة ١٩٥٤ إنت ما بتسمعش الإيقاع مع إنه موجود، الإيقاع موجود وفي الواقع اللحن اللي هي بتؤديه مُوقع، ولكن لا فيه زن من قبل الآلات الوترية ولا فيه رق، هو فقط ذكرى شفافة من جملة مُوقعة، فدي عملية التمويه، وفي حتة بقى جوا القصيدة هي بتقلب لمُرسل حقيقي، يعني مش المُوقع المموه كمُرسل، لأ هي بتخش مُرسل مُرسل، فهي فرضت المُرسل في وسط المُوقع، فأنا شايف الحركة دية اللي هي من أم كلثوم، ممكن نقول المُوقع المموه، دا اختراع بينها وبين أفراد التخت، والسنباطي أكيد حب يخلي قصيدة سنة ١٩٥٤ ما تبقاش تلاتيناتي قوي، يعني حب يخليها تبان خمسيناتي، تبان حديثة وما تفكرش الناس زيادة عن اللازم بالتلاتينات، فمش هنغير اللحن، هيفضل زي ما هو بس طرق معينة بتخليه مختلف، مش مختلف قوي لكن مموه يعني حذف التوقيع، بس فرض الشخصية عن طريق الإتيان بجمل مرسلة تمامًا في وسط القصيدة على الواحدة، فدي الأنا، كأن أم كلثوم بتقول أنا ريسة التخت، فأنا شايف إن دا امتداد بقى للمدرسة النهضوية.
أكيد إنت بتتكلم على القصبجي، أظن فيه مراجع بتدعي إن القصبجي ما كانش راضي على أداء أم كلثوم في حفلة ١٩٥٢ لرق الحبيب اللي هي بتقسم فيها كتير جدًا، أنا غير مقتنع بصحة هذا الكلام بسبب يا قلبي بكرة السفر، كان ممكن أقبل هذا الاحتمال لولا اكتشاف يا قلبي بكرة السفر، اللي بينفي تمامًا احتمال إن الراجل ما كانش راضي عن ارتجالها، لأن يا قلبي بكرة السفر مبنية على ارتجال، أحيانًا هو بيوري سكة وهي بعدين بتنطلق، وفيه ارتجالات معينة فيها واضح إنها مش ارتجال قوي هي متفق عليها، يقول لها خشي كدا وبعدين اتصرفي.
آه طبعًا، هي سكته كانت تعبيرية أكتر من زكريا بشكل واضح بس دا مش معناه إنه ما كانش راضي عن الإتيان بشيء من التطريب في وسط التعبيري، وأنا مش شايف إن دي حاجة ممكن تفقد التعبيرية أساسًا.
خاصة إذا كان التعبير ساذج، إذا كانت الإرادة التعبيرية ساذجة، بس يعني فيه نوايا تعبيرية حتى في المدرسة النهضوية، مع إني كنت على خلاف مع محسن صوة في حكاية البلبل جاني، هل بتنوح بتنوح اللي بيرددها المنيلاوي، مهما كان ساذج، هل دي هي محاولة تعبيرية؟ وأنا كنت باقول آه بالنسبة لي لا شك إن من منظور الشيخ يوسف إنه بتنوح بتنوح ليه هو بيقلد صوت البلبل، دا البلبل، هو كان بيقول لي “لأ دي حلية فنية كدا“، بس أنا مش شايف دا، وكان بيننا نقاش طريف في هذا الموضوع، بس ممكن في بعض من الأحيان نفترض شيء من التعبيرية محدودة حتى في المدرسة النهضوية.
هي مشروع وطني بحيث إن أم كلثوم بتمثل طموحات وطن في مرحلة تكونه ونضجه، أولًا هي مش قاهرية فهي بريئة من لوثة المدينة، هي فلاحة فليها مشروعية الأرض، هي بتحمل معاها مشروعية التراب، هي مسلمة، ما ينفعش الأيقونة الوطنية تكون مسيحية عكس لبنان مثلًا، ما ينفعش سعاد محمد تبقى أيقونة لبنان لازم تبقى فيروز، في مصر لأ، هي مسلمة وهي امرأة، ما ينفعش يكون راجل أيقونة الوطن، ما ينفعش، إحنا في بداية القرن العشرين وأم كلثوم بتظهر في نفس الوقت اللي أصبحت فيه الأمة تصور مجازيًا بصورة الفلاحة، بتتحول صورة أم كلثوم في نفس الوقت اللي محمود مختار فيه بيعمل نهضة مصر، الأمة هي فلاحة، هي بتنتمي للطائفة الصح، وهي مش قاهرية مش مدنية وليست واحدة زي منيرة المهدية وليست واحدة زي نعيمة المصرية، لأ هي الفلاحة اللي درست في الكُتاب، واللي غنت إنشاد، فالجزء المحافظ موجود ولكن في نفس الوقت بتصل إلى القاهرة، و– هاستخدم لفظ أرستقراطي – بتنضف لما بتوصل القاهرة، معاها هذه المشروعية المنوطة بالأرض وبالتراب وبالأصل الفلاحي ولكن بتستقر في القاهرة، بتستقل عن البطانة والأب والأخ، استقلال أم كلثوم من السلطة الأبوية كمان كاستقلال مصر عن السلطات الاستعمارية المتسلطة عليها، وأم كلثوم هترتبط بعائلة عبد الرازق، اللي منهم الشيخ علي عبد الرازق بتاع الإسلام وأصول الحكم، فهي بترتبط بعائلة كبيرة من المفكرين والنخبة، بأحمد رامي شاعر الشباب وهو مُلم تمامًا بخبايا اللغة العربية الفصحى وبيكتب لغة فصحى جميلة في البداية، الصبُ تفضحه عيونه، مع علم تام بالكتابة القديمة، بتتعلم فرنساوي وبتروح راس البر، بتلبس بنطلون أبيض في التلاتينات لما بتنزل الأقصر، فهي بالتالي تجسيد لمشروع وطني، هذا الوطن الذي يصبو إلى الحداثة، إلى التجديد، إلى اللحاق بركب الحضارة زي ما كانوا بيقولوا في القرن التاسع عشر، ولكن في نفس الوقت عندها هذه المشروعية الفلاحية، وهي بتثبت قدرة العنصر الفلاحي على إنه (ينضف)، فتبقى بنت ناس، ست أرستقراطية، مولودة في القرية وبتحلب الجاموسة وهي صغيرة، تروح الكتاب ولابسة الكوفية وبتغني إنشاد وفي الآخر تشرب شاي وبتتكلم فرنساوي، وبتسافر لندن وأمريكا وفرنسا كذا مرة، وبتلبس شيك وبتقول بونسوار وبونجور وميرسي بلهجة رقيقة كدا، وهي بتنكت مع الرجالة وهي متحررة، متحررة من السلطة الأبوية، هي الأمة، هي مصر، فلذلك أم كلثوم هي مشروع وطني، عبقريتها إن كان عندها المكونات المطلوبة على شان تبقى أيقونة وطنية، وبذكائها عرفت تلعب وتبقى قد الدور، طبعًا كان لازم يبقى فيه صوت وجمال وتبقى فنانة، بس إلى جانب ذلك ما يميز أم كلثوم هو ذكاءها وكونها عندها كل المقومات المطلوبة عشان تتحول لأيقونة وطنية.
إحنا عارفين طبعًا إن فيه أغنيتين تلاتة كدا كانت بتجرب حظها في الاتجاه العوالمي وأكيد فهمت بذكائها أو بإيعاز ونصائح من رامي وكل المحيطين بيها إن السكة دي مش هتوصلها لحاجة.
آه بالظبط، قال إيه حلف والخلاعة والدلاعة، هما مش بس أغنيتين بالعدد هما أغاني أكتر أكيد، هي كانت ماشية شوية في السكة العوالمي والناس لحقتها، فحاولت حظها ولكن أكيد فيه فرق واضح جدًا في خامة الصوت وفي الإلقاء، إيه اللي بيخلي تسجيلات أم كلثوم فعلًا هي أولى التسجيلات اللي فيها الصوت بيتميز بسهولة عن أي صوت تاني.
فيه طبقات حادة جدًا بس واضحة ومن غير سرسعة.
وفيه كمان عملية حد جذري لبعض الزخارف الصوتية، اللي هي بتحتفظ بها فقط للوازم التعبيرية في حالة الضرورة القصوى، ما ينفعش نقول إن أم كلثوم ما بتعفقش في الغناء بس بتعفق إمتى؟ بتعفق مرة في الأولة في الغرام، العفق دا واضح جدًا وبييجي مرة واحدة وبتبقى عاوز تصرخ وإنت بتسمع العفق دا، غير منيرة اللي هتعفق ١٥ مرة ورا بعض في جملة واحدة.
عفق عمال على بطال، أم كلثوم تعفق ولكن تعفق مرة، واضح جدًا إنها بتختار ما هي الزخارف الصوتية اللي هتبقي عليها وما هي الزخارف الصوتية اللي تتردم كدا وساعات، في حالة الضرورة القصوى، تستخدمها.
مش هي، دا رامي، أكيد لها مساهمة بس رامي هو مخترع لغة الأغاني الحديثة، طبعًا فيه فرق كبير ما بين نصوص عبد الوهاب محمد ومرسي جميل عزيز ونصوص رامي، بس دا ما كانش ظهر لولا رامي، هما بيثوروا عليه وإنت مش ممكن تثور على حاجة مش موجودة، فرامي هو صاحب عملية الفرز وغربلة الألفاظ، هو غربل ألفاظ، ساب ألفاظ واختار ألفاظ وأبقى على ألفاظ وأدخل ألفاظ أخرى، أدخل مواقف ما كانتش موجودة وأدخل شيء من تحليل الذات، التحليل الذاتي لموقف غرامي، إحنا لسة في الفكرة الأساسية للغزل، آه يا ناري آه يا مراري وأنا باتعذب، من امرؤ القيس لرامي ما غيرهاش، بس التفاصيل بتتغير، وفيه مساءلة للنفس وتحليل نفسي أكتر كتير عند رامي من اللي كانوا قبليه، لدرجة إن ساعات الجمل بتتوه، ساعات كتر التحليل بيقود رامي إلى مأزق، بس كمان فيه رامي وفيه رامي، فين رامي بتاع غلبت أصالح في روحي من رامي بتاع يا مسهرني، وكذا مرة في لغة رامي بيبقى فيه كلمات بتتلفظ بطريقة عامية وهي مش عامية، بس دا مش اختراع رامي دي حاجة موجودة في الأدوار، الأدوار مليانة كلمات عامية فالصو بتتلفظ بطريقة عامية مع إنها مش عامية بالمرة، فرامي هو فقط امتداد لهذه العادة، على صعيد المعجم، كلمة كويس مالهاش مكان في الأغنية الكلثومية، دي لاحظتها في أغنية سيد مكاوي حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة أول ما سمعتها، وقلت كويس جميلة أهي وبقت موجودة، دي حاجات بالنسبة للمصريين بتبدو بديهية بس المراقب الخارجي بياخد باله منها، مثلًا بكى مفيش حاجة اسمها عيط في الأغنية الكلثومية، بس مفيش حاجة اسمها يبكي بالعامية المصرية، رامي أبقى على هذه الكلمات الخاصة بالأغاني، الناس بتبكي في الأغاني مش بتعيط، بس فيه غربلة كمان حصلت على صعيد النحو وعلى صعيد بعض التراكيب غير المستخدمة في العامية، رامي أبعدها تمامًا كل ما هو لم، عكس بيرم اللي شعره مليان كلمة لم، أهل الهوى فيها لم، “واللي كتم شكواه و لم يتكلم“، وعبد الوهاب عنده “لم فتكم“ ودي أكتر كمان، لم وفعل ماضي دي شائعة في اللغة الوسطى القديمة، دي خلاص رامي أبعدها تمامًا.
أنا كنت باقصد بالذات تسجيل كنت سمعته لصوفيا صادق، وهي مطربة تونسية، وهي سجلت الأولة في الغرام، وهي بتقلد أم كلثوم بالملي، صوتها جميل لكن وأنا باسمع تسجيل صوفيا صادق للأولة في الغرام كنت باتعجب من تهافت المحاولة، كنت باستعجب كيف يفكر إنسان عاقل في إنه يقلد ما هو ارتجالي، أولًا وهو ما عندوش المصادر والمراجع اللي بتخليه يقدر ويُقدّر بالظبط ما هو مرتجل وما هو ثابت في هذا اللحن، ودي حاجة بقت دلوقت ممكنة وإحنا عندنا ٣ حفلات مختلفة للأولة في الغرام، طبعًا أياميها ما كانش موجود غير الحفلة التجارية اللي هي حلوة قوي وممكن تكون أحلى واحدة فيهم، دلوقت فيه اتنين تانيين بأداء مختلف، الفكرة هي نفس الفكرة وبعدين أم كلثوم بتنطلق وبترتجل وبتقول من عندها، ما قيمة إنك تقلد حاجة زي دي؟ يبقى إنت مش فاهم أم كلثوم بتعمل إيه، إذا كنت بتقلدها بالظبط يبقى إنت مش فاهم إن الأولة في الغرام هي قمة الفن الكلثومي القائم على القدرة على التصرف، فالكلثومي في الروح غير الكلثومي في الحرف، هي كانت كلثومية في الحرف بس روحيًا كانت على طرف النقيض من فن أم كلثوم، طالما بتقلد أم كلثوم وبتقول بالظبط زي أم كلثوم يبقى هي مش فاهمة أم كلثوم بالمرة.
أم كلثوم هي كلثومية في الروح، أم كلثوم مش بتقلد نفسها، خاصة الأغاني التطريبية قوي زي الأولة في الغرام، مفيش تقليد، الحفلات التلاتة مختلفة تمامًا، مش بتقولها بنفس الطريقة، هي صوفيا كانت أحيانًا بتعيد اللازمة تسع مرات لأنها متعادة تسع مرات في التسجيل التجاري، ليه تسع مرات ما يمكن خمس مرات كفاية، مفيش أي قيمة مقدسة في رقم تسعة، هي جات كدا في التسجيل دا إن اللازمة دي اتقالت تسع مرات لكن مفيش حاجة ثابتة وملزمة إنها تتقال تسع مرات.
فيه مراحل إحنا مش عارفينها، الفراغ الكبير عند أم كلثوم هو قبل ١٩٣٧، ما نعرفش حاجة عن فن أم كلثوم في الحفلات قبل سنة ٣٧، الموضوع اللي حكينا عنه إن صناعة الأسطوانة في البداية خالص كانت بتحاول تعكس واقع الأداء الحي، وبعدين أصبحت موسيقى مقولبة، أم كلثوم بدأت التسجيل في عصر القولبة، فبالتالي كل تسجيلات أم كلثوم قبل التسجيلات الحية لا تعكس إلا هذا المنتج المقولب التابع لصناعة الأسطوانة، فقبل سنة ٣٧ مش بنعرف حاجة عنها، دي مرحلة التكوين والبدايات، بعد كدا فيه فراغ تاني في التسجيلات الحية، في الأربعينات، عندنا شوية تسجيلات من أواخر التلاتينات وبعدين سنوات الحرب العالمية التانية لأسباب تقنية واقتصادية وظروف الحرب مافيش تسجيلات كتيرة، ويبدو إن فيه انتقال في التعامل مع الفرقة الشرقية، فيه انتقال كبير حصل في الأربعينات دا واضح، لأن تسجيلات ٣٧، الفرقة بتعمل حاجات ساذجة، المصاحبة الآلية أنا شايف إنها تعيسة، لأنها لا هي تخت ولا هي فرقة، هما لسة متخبطين، هما لسة بيتعلموا إزاي يتعاملوا مع بعض، في الأربعينات كانوا خلاص فهموا النظام، التسجيلات الناقصة هي تسجيلات سنوات الحرب العالمية التانية اللي غالبًا كنا هنحس إزاي الناس عرفت تشتغل مع بعض، إزاي عرفوا يخلقوا ويكونوا حاجة اسمها الأوركسترا الشرقية أو العربية، بس طبعًا المراحل المهمة هي في التلاتينات بتغني بطريقة مبهرة بس لسة ما وصلتش النضج الكامل، الأوج من الأربعينات لغاية ١٩٥٨، ابتداء من ١٩٥٨-١٩٥٩ غالبًا العلاج بيبدأ يؤثر على صوتها بشكل أوضح بكثير مما كان عليه سابقًا، فبيخلي صوتها أجش، ودا بيبقى واضح قوي من ١٩٥٩-١٩٦٢، وبعدين استنفاد الألحان السنباطية، حتى لو بنشوفها دلوقت كويسة جدًا فأنا واثق جدًا إن الجمهور كان بدأ يمل الألحان السنباطية في ١٩٦٢-١٩٦٣، بداية الستينات واضح جدًا إن هذا النموذج كان بدأ يتقادم، سواء كانت ألحان السنباطي أو ألحان بليغ الأولى السنباطية، في ١٩٦٤ الناس كلها بتتكلم عن إنت عمري بس ما ننساش إن ٦٤ مش بس إنت عمري، لكن 64 هي سنة القطيعة، موسم ٦٣-٦٤ وموسم ٦٤-٦٥ الموسمين دول قنبلة ذرية في فن أم كلثوم، مش بس عندك إنت عمري لكن عندك للصبر حدود وعندك سيرة الحب وعندك أراك عصي الدمع، دا التحول الجذري في فن أم كلثوم، شخلعة أم كلثوم، بداية عصر الشخلعة، وعلى صعيد التلحين عشان ما نستخدمش بس ألفاظ زي الشلخلعة، هي بتروح أبعد ما يمكن في تبسيط الخطاب النغمي، دي مرحلة هي بتذهب فيها خطوة إضافية في سكة تبسيط اللحن، والإكثار من اللوزام، والمقدمات القائمة بذاتها إلى آخر ذلك، فدي طبعًا كانت خطوة واضحة جدًا لأنها ماشية على نظام عبد الوهاب الأيديولوجي، مش بس المزيكا لكن الأيديولوجية بتاعة وضع فنها في متناول الجميع، وحتى السنباطي في الأطلال هو غير الألحان السابقة على الأطلال، بصرف النظر عن اللحن الراقص في هل رأى الحب سكارى، ولازم طبعًا أضيف إني باحب كل الأغاني دي وبأموت فيها بس خلينا نعترف إن ابتداءً من ٦٤ إحنا فعلًا انتقلنا من art music إلى mainstream music بوضوح، هي لعبت دائمًا على خط التماس ما بين موسيقى فصحى متطورة وموسيقى شائعة، بعد ٦٤ خلاص دخلنا في خط الموسيقى الشائعة.
مش انقطاع تام لأنه ساعات بيبقى فيه ذكريات، ما هو العجيب في أم كلثوم إنها في وسط المعمعة دي تقول على فكرة أنا مطربة عربية.
مع إن هو صحيح الهوى غلاب هو أقل ألحان الشيخ زكريا في التعقيد اللحني.
لأ هو وُلد بارتباطه بشخص، العجيب إنه قدر يعيش عشر سنين بعد اختفاء هذا الشخص، وأكتر من عشر سنين، لحن زي سيدي أنا بتاع ميادة الحناوي دا سنة ٨٥ مثلًا، أم كلثوم كانت ماتت من عشر سنين وبطلت من ١٢ سنة، العجيب إن هذا النمط عاش لغاية ٨٥، كان ممكن ينهار قبل كدا كمان.
لكن له علاقة كبيرة بالأفلام وعلاقة بعبد الحليم حافظ، هاني شاكر هو تقليد عبد الحليم، وعمرو دياب هو تقليد هاني شاكر، أنا قلت إنه عمرو دياب اتعلم من عبد الحليم بس الحقيقة هو اتعلم من هاني شاكر اللي كان بيقلد عبد الحليم.
بالنسبة للوضع الراهن قلت لك سابقًا إنه الموسيقى الترفيهية في حالة تحسد عليها، مع هذه القطيعة التي تعكس وضع المجتمع المصري ما بين موسيقى الناس المحترمة والموسيقى البلدي، وموسيقى الناس البيئة والموسيقى الشعبية، مع إنه طبعًا الناس كلها بتسمع كل الموسيقات، بس الموسيقى لها دلالة اجتماعية في مصر مش موجودة في علمي في أي مكان تاني، شوف كمية الطبقية والفوقية اللي بنسمعها “لأ إزاي الموسيقى دي بتاعة سواقين الميكروباص“، وكأن فيه مزيكا للناس اللي فوق ومزيكا للناس اللي تحت، وهذا الانقسام غريب إلى حدٍ ما، بس هو بقى طاغي على الساحة الموسيقية المصرية، وفي الغالب الجزء الشعبي بيحافظ على بعض عناصر الموسيقى العربية أكثر من المين ستريم بتاع أولاد الناس، أنا عاوز كمان أشدد على إن أولاد الناس بيسمعوا مهرجان، واللي بيسمعوا مهرجان بيسمعوا عمرو دياب.
بالظبط هو دا الفرق، الكل بيسمع مزيكة الكل، بس فيه موسيقات يقال إنها وتُعرف إنها مرتبطة بفئات معينة، هي إلى حد ما امتداد للشعبي القديم، واضح جدًا إن فيه تأثير واضح للموال البلدي القديم في فن عدوية على سبيل المثال، وأحفاد عدوية بالطبع بيقولوا أجزاء من مواويل قديمة وفيه نصوص لا زالت مغناة لغاية دلوقت، المأساة المصرية هي اختفاء الموسيقى الفصحى، الكلاسيكية الشرقية من الساحة في مصر، فيه موسيقى بديلة بتستخدم بعض العناصر المأخوذة من هذا الحصيلة القديمة، كمطربات بيغنوا موشح هنا أو هناك، بس مش دا اللي عاجبني الصراحة، والمين ستريم أنا ماليش فيه، وهو متفاوت تمامًا، بالظبط زي ما كان فيه تفاوت في الخمسينات والستينات، فيه فرق واضح بين أنغام وبين حماقي، هما الاتنين باعتبرهم مين ستريم بس دا مستوى معين ودا مستوى تاني ومش بيقدموا نفس الفن، بس هما كمان نفس السكة ما فرقتش، اللي بطلت بالنسبة لي تقدم مزيكا مقنعة أو بطلت تقدم فن ممكن يكون مقنع لدرجة إنه يطغى على الموسيقات المحلية، هو لسة مسموع في الخارج، في المغرب وفي لبنان وهنا وهنا، بس ما عادش النموذج الذي يُنظر له بإجلال زي ما كان، ومش بيأثر على الموسيقات التانية زي ما كان، كل العالم العربي كان بيغني بتأثير مصر، فيه عبد الهاي بلخياط في المغرب بيغني مزيكا مصرية باللهجة المغربية، وكمان مش بلهجة مغربية قوي لكن بلهجة مغربية مبسطة ومهذبة وتكاد تكون شبه مصرية، علي الرياحي في تونس بيغني حاجة لا تُمت بصلة للهجة التونسية، هو في الواقع بيغني مصري بتعطيش الجيم وشوية إيحاءات تونسية، دا كان في الستينات، فمصر كانت النموذج والقدوة التي يُقتدى بها والمثل الأعلى للموسيقى العربية، المركزية المصرية زالت، المين ستريم المصري مازال مسموع بس ما عادش هو المرجع، ولحدٍ ما المين ستريم اللبناني ممكن حل محل المصريين في هذه المركزية، أو هي مقسومة ما بين مصر ولبنان، ليه؟ لأنه بيعيد نفسه قوي ومش بيقدم أي شيء في نظري مجدد أو مقنع، والأصالة الشرقية، مش باستخدم أصالة بنفس المعنى السائد، لكن قصدي إن مقومات الموسيقى الشرقية بتنطمس رويدًا رويدًا وتكاد تختفي من هذه الحصيلة، والموسيقى الشبابية العمالية كالمهرجان، هي موسيقى ليس لها أي قيمة على الصعيد الغنائي أو الأدائي ولكن فيها روح الألحان بتاعة الذكر الصوفي، هي مزيكة حشاشين، لازم تبقى مسطول أو شبه مسطول عشان تستسيغها، الكلام مقلق في رجعيته وذكوريته في الواقع، بس دي مزيكا باحب حتة الذكر اللي فيها وبتستهويني وعشان كدا باسمعها في العربية في فرنسا، بس طبعًا هي موسيقيًا مش غنية أبدًا، وتجارب الأندرجراوند هي حلوة على مستوى النصوص لكن على مستوى الموسيقى مش عارف، لأنها أعلنت قطيعتها مع الموسيقى العربية، دي ناس مش بتؤمن بحاجة اسمها أصالة، ولو قلت لهم أصالة هيقول لك مين أصالة دي؟ أصالة نصري.