fbpx .
محمد حماقي كل يوم من ده معازف مراجعة ألبوم
بحث | نقد | رأي

كل يوم من ده | محمد حماقي

سلطان القيسي ۲۰۱۹/۰۲/۲۵

حتى ألبومه الصادر في ٢٠١٥، كان محمد حماقي – البالغ أربعين عامًا آنذاك – لا يزال قادرًا على استقطاب جمهور الشباب، والحفاظ على ما يكفي من الروح الشابة التي كانت عنصرًا رئيسيًا في نجاح ضرباته الكاسحة المبكرة، مثل أغنية أحلى حاجة فيكي من ألبوم خلص الكلام (أكثر ألبوم مبيعًا في الشرق الأوسط عام ٢٠٠٦). خلال السنوات الأربع الماضية، شارك حماقي كعضو لجنة تحكيم في برنامج ذ فويس، وأظهر جانبًا آخر من موهبته: قدرته على القراءة الصحيحة للأغاني وأسلوب أدائها. يبدو أن دراسته للموسيقى في جامعة حلوان ساعدت على صقل نباهته في التعامل مع الأغاني، من حيث تحليل إمكانيات النجاح فيها وقدرتها على التحول إلى أغاني ضاربة. كل ذلك يدفعنا عند صدور ألبومه الجديد كل يوم من ده، لترقب كيف سيطوع حماقي روحه الشبابية وخبرته في البوب في عصر تحولت فيه أساليب استهلاك الموسيقى وسماعها مع صعود وهيمنة تطبيقات بث الموسيقى.

هناك أهمية خاصة اليوم للأغاني الأولى من كل ألبوم، لأنها تلعب دورًا حاسمًا في نجاح أو فشل الألبوم على منصات البث. لذلك لم يكن من الغريب تسليم أولى أغاني الألبوم، يزلزل، للكاتب أيمن بهجت قمر، فلا أحد يمتلك قدرته على كتابة تعابير كوميدية ساحرة مماثلة: “سمع هنا قالوا عنه يزلزل / شفته عجبني تقلت عليه / ع المستوى ده أنا عمري ما هنزل / بس أنا هفضل غالي في عينيه.” لحّن الأغنية عمرو مصطفى الذي يحيرنا دائمًا بألحانه التي تتراوح بين الرومنسي جدًا والراقص جدًا، لكنه ينجح في الاثنين، كما نجح دائمًا في تقديم أغانٍ ضاربة لعدة فنانين من ضمنهم عمرو دياب.

كتب أيمن أيضًا أغنية كل يوم من ده التي حمل الألبوم اسمها، واتسمت بروح كوميدية إلى جانب شاعريتها: “هحتاج لعيني ليه وعينك معجزة وآية / هحتاج لصوتي ليه خلاص قلت اللي جواية / بالعقل أنا محتاج لإيه / آه لو كل يوم من ده / إيه الكلام ده”. هذه الروح التي تستطيع خلق طقس من الفرح يسود الموسيقى الداخلية للكلام، تعمل كدليل يرشد الملحن إلى إيقاعاته، فتوقعه دائما في حبال الإيقاع الراقص، شاء أم أبى. لحّن الأغنية شريف بدر ووزعها تميم بشكلٍ قريب من أسلوب الشاب خالد بعض الشيء، إلا أن لهجة محمد حماقي أعادتها إلى البوب المصري.

تعتمد أغنية صور على موضوعها الذي سيقود إلى لحن وأداء خاصّين، يتشحان بالدراما والحنين والحب: “صُور لسفر / لفرح لسهر / لحَبِيب في حياتِي في فترة ظهر.” بإمكان محمد يحيى أن يمنح كلمات كهذه لحنًا حزينًا بما يكفي ليأتي متناسقًا مع ما تخلقه هذه الصور في ذاكرة أي متلقٍ، لكن التحدي يبرز عندما نتذكر أن محمد حماقي ذو الميول نحو قوالب البوب الغربي هو من سيغني هذه الأغنية، وبالتالي لا مجال لجوقات الكمان الشرقية أو التخت الشرقي الذي هو أقدر ما يمكن على اجترار الحنين، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تحمل أغنية كهذه على إيقاعات غربية صرفة، ما يعني أن اللحن عليه أن يكون مخاتلًا، مما يفتح للموزع ممرات إلى عالمين متناقضين عليه أن يخلق منهما عالمًا ثالثًا تجتمع فيه عناصر كافية  لمزج الحنين بالحداثة. على مقام النهاوند، تسلق يحيى تسلق العارف، وبإيقاع على قدر ما استخدمه الشرق صار المرء ينسى أنه ذو أصلٍ غربي، ما منح الموزّع تميم فرصة المزج التي منحت الأغنية قوامها، وفتحت دورًا هاما للوتريات، إذ يتقدم العود بين الحين والآخر بيد إسلام القصبجي. على خلاف أغنية صور، تأخذ حكايتنا (من توزيع رامي سمير) منحًا مختلفًا في تضمين الشرقي في التوزيع، فتلجأ للإيقاع البلدي والبلدي المعالَج بالبريكشن، وهي من الأغاني القليلة التي أخذت هذا الطابع في الألبوم.

خلق الشاعر نادر عبد الله مكانةً خاصةً له في الألبوم عبر كتابة أغنية ليلى الرومنسية وذات الدفقات العاطفية الغامرة كعادة نادر في الكتابة. أضاف تامر علي إلى الأغنية بضرباته الإيقاعية التي تتساور مع النبض، كما أضافت إليها إيقاعيات إيهاب فاروق واختيار إيقاع الجيرك الكلاسيكي (إيقاع راقص انتشر برفقة رقصة مصاحبة في الستينات، اسمها الـ Jerk) الذي تم استخدامه بصورة حداثية غير معهودة، لتخلق هذه العناصر مع كلمات نادر عبد الله حالة من التحديث؛ تحديث ما تم التوافق على أنه مستهلك.

اجتمع الشاعر أمير طعيمة مع الملحن عمرو مصطفى في أغنية مِ البداية من توزيع نادر حمدي. بفضل وحدة الموضوع وفرادته، بين طرفي النقاش وعلى نغمة العتاب، أتت الأغنية كبيئة خصبة للمشاعر على مقام الكورد، وبإيقاعات تتلائم مع إيقاع المعنى. نجح حماقي بتقديم أغنية رومنسية تنفع في نفس الوقت لإشعال المونولوجات والديالوجات. تضرب الأغنية أيضًا مثالًا جيدًا على الأغاني التي تتخذ شكل قصة كاملة، أي أنها تعتمد على السرد والأحداث التي تتشكل على صورة مواقف، أو مفاصل تقف كشواخص في الذاكرة.

سيطر ألبوم كل يوم من ده على قائمة الأكثر استماعًا على تطبيق أنغامي لأسابيع عدة، رغم المنافسة غير السهلة التي فرضتها فترة انطلاقه إلى جانب أغاني حلوة وسهلة الالتقاط. ربما لا يقدم الألبوم إضافة كبيرة إلى ميراث محمد حماقي الأسلوبي، لكنه لا يزال يظهر خبرته المتراكمة في توقع الأغنيات الناجحة وصناعة ألبومات كاملة منها. من الأغاني الأولى الجذابة، الحذق في اختيار الكتاب والملحنين الأكفاء، إلى جمع مزاجات ومذاقات متنوعة تساير النزعة الانتقائية في الاستماع، والتي بدأت تزداد مع سيادة منصات البث على الأشكال القديمة من استهلاك الموسيقى. لا يزال محمد حماقي يعرف كيف يلعب أوراقه. يحسب له أيضًا التوزيع التجديدي، الذي لا يتكتفي بالانسجام مع ما هو مطروح في السوق، ويجرؤ على اقتراح وصفات جديدة.

المزيـــد علــى معـــازف