fbpx .
فيل أف لايت لاندسلايد معازف مراجعة

لاندسلايد | فيل أف لايت

عمار منلا حسن ۲۰۲۱/۰٤/۰۲

منذ قابيل وهابيل حتّى ثور ولوكي، تدور واحدة من أقدم السرديّات في التاريخ البشري حول أشقّاء يمضون في اتجاهاتٍ مختلفة، إن لم تكن متعاكسة. لا تقتصر هذه السرديّة على البشر، إذ يمكن أن تساعدنا على فهم مشاهد وجنرات معيّنة بشكلٍ أفضل. خذوا مثلًا البوست بَنك والموسيقى الصناعيّة والدارك وايف، ثلاث جنرات ومشاهد منفصلة مكانيًا وزمانيًا، لكن يصعب متابعتها دون الاشتباه بأنّها تخفي ملامحًا مشتركة، أو أنّها تأتي من نفس المكان.

تتشارك هذه المشاهد عنصرًا رئيسيًا واضحًا، الانسلاخ (detachment). تبدو منسلخةً عن الواقع، عن العالم، عن ذاتها وعن الآخر. تتسم الأصوات إمّا بالبرود أو الخشونة، وتبدو العواطف البشريّة الدافئة كلحظات عابرة تظهر في غير محلّها ويجري نفيها على الفور. يختص الثنائي السويسري فِيل أف لايت في هذه الجنرات، يلعبون على ما هو مشترك بينها، ويبنون منها قلاعًا ثلجيّة مهيبة، ومعرّضة إلى الذوبان لو تعرّضت إلى بعض الدفء.

تنقسم أغاني فِيل أف لايت عادةً إلى طبقتين؛ أصوات إيقاعيّة باردة ومضخّمة تأتي في المقدّمة كجدارٍ ثلجي شفّاف، ومقاطع غنائيّة ولحنيّة أكثر دفءًا تجري في الخلفية، وتحفر بدفئها فجواتٍ خلال الجدار لتصل إلى المستمع. في أغنية يو دن مي رونج من ألبومهم قبل الأخير، إنفلكت، تبدو الفرقة وكأنها تركض حول شجرة، تطارد مشاعرها وتهرب منها. لا تتحدث الأغنية عن أذى لكن تطالب باعتذار، لا تتحدث عن خيانة لكن تطالب بتوقّف الأكاذيب.

أحيانًا، تكون الجدران الثلجيّة أكثر سماكةً من أن تسمح لأي مشاعر أو دفء بالعبور. خذوا أغنية سو هارد من نفس الألبوم، وستجدون عاطفة دافئة وجيّاشة، تحاول اختراق جدار الإيقاعات الضخمة وتنهار خلال محاولتها. ارتبطت الأغنية لدي بالمشاهد الأولى من الفيديو المرافق لها، والذي يصوّر إقلاع مكّوك فضاء، إذ تبدو طاقة الأغنية الانفجاريّة ملائمةً لمشهدٍ مماثل – فضول بشري يتّجه إلى عوالم مظلمة، باردة ومجهولة. تنعكس هذه المعادلة في ألبومهم الجديد الصادر اليوم، لاندسلايد. مع تكرار السماع، يبدو لي الألبوم كمحاولة لاستكشاف الأرض ككوكب غريب والبشر كمخلوقاتٍ فضائيّة. هناك منطق في هذه السرديّة أيضًا، إذ لا نزال لا نعرف الكثير عن الأرض وعن أنفسنا كبشر.

في فيديو أغنية لاف آند موني، نشاهد الثنائي وسط حقولٍ وبساتين، يحملان بيدٍ كيبورد كونترولر وبالأخرى زهور، وكأنّهم يقولون إنهم مزارعون … لو كانت السنثات تنموا على الأشجار. يسيطر على الأغنية سطر بايس سنث نابض في الواجهة، يحجب مقاطعًا غنائيّة روبوتيّة تتحدث عن جني المال وصرف الوقت وإنتاج المعنى، كما لو كانت تحاول فهم المنطق الرأسمالي من منظور شخص وصل إلى كوكب الأرض يوم الأربعاء الماضي.

لو كانت لديكم فرصة واحدة لسماع أغنية ذ براير ويل، تخيلوها كشخصٍ يحبّ النميمة ويحاول كتمان سرٍّ ما. تشي الأغنية بسرّها منذ اللحظات الأولى، عبر تناقضٍ حاد بين إيقاعات لحوحة وأسطر سنث دافئة ومتلكئة، حتّى يعترف المغنّي خلال اللازمة بسرّه: “يمكن يهمني الموضوع، ويمكن ما يعنيلي / أنا أساسًا مش بحصل على اللي في بالي.”

تختزل الفرقة عاطفتها الاحتجاجيّة بسؤالٍ واحد، لماذا؟، في أغنية واي. تبدأ الأغنية بطلقات ليزريّة وعيّنات ناي واخزة تثقب ستارة السنث، ثم تستسلم لمقطع بايس طويل أجرد، يبدو كشتاءٍ نووي تعاني فيه الحياة للبقاء والصعود مجددًا. في أغانٍ أخرى مثل سركلينج ثوتس، نحصل على مقدار أكبر من التنوّع اللحني والإيقاعي والأسطر المكرّرة الجذّابة، التي تعيدنا إلى الأغنية باستمرار من جهة، وتحاكي ثيمة الأفكار والهواجس الرنّانة من جهة أخرى.

لعبت فيل أف لايت على حدود استعادة الثمانينات لفترة طويلة، قبل أن تعبر هذه الحدود بثقة في الألبوم الجديد. تنسج أصوات سنث ثمانيناتيّة برّاقة أسطرًا راقصة ميلانكوليّة في بقع مختلفة من الألبوم، كما في أغنية فرايت التي تذكّرنا بعض الشيء بثنائي دارك وايف من برشلونة، إس دي إتش (على تسجيلات آفانت! أيضًا).

تدّخر الفرقة أثقل إيقاعاتها وأكثر مقاطعها الغنائيّة كآبةً وترددًا للأغنية الأخيرة، ناثينج واز رونج. يمكننا تخيل الثنائي يقفان داخل مكوك فضاء، يضعان كفّيهما على زجاج النافذة وينظران إلى الأرض الآخذة بالابتعاد والصغر. يتساءلان ما إذا كانا قد اتخذا القرار الصحيح، ويقولان لأنفسهما: “على الأغلب، لا”، في خاتمة قاسية وملائمة لألبوم كولد وايف موحِش ومحبوك بإتقان.

المزيـــد علــى معـــازف