fbpx .
قوم يا حامي الظعينة | لطميات الشور بين الرفض والولع

قوم يا حامي الظعينة | لطميات الشور بين الرفض والوَلَع

ليلى العاجيب ۲۰۲۵/۰۹/۰۵

في غرفة كبيرة مليئة بالنساء والفتيات المتّشحات بالسواد، تجلس الحاضرات ليشكّلن حلقة كبيرة يتوسطها حلقة أصغر، تاركات مساحة في الوسط تملؤها نساء وفتيات واقفات على هيئة حلقات متداخلة في قلب بعضها. يدرن بقفزات جانبية قصيرة، ويلطمن بأيديهن بضربات سريعة على جبهاتهنّ وخدودهنّ، بينما يتردّد صوت امرأة تتلو قصيدة حزينة حينًا، وحماسية حينًا آخر، تبعًا لمناسبة المجلس. ينطلق اللحن مستمدًا إيقاعه من صوت اللطم، فتبدأ النساء في وسط الحلقة برسم الإيقاع، وتتبعهن الجالسات، وما أن يستقر الإيقاع حتى تُستبدل المجموعة الداخلية بأخرى، وهكذا، إلى أن تنال جميع النسوة الحاضرات حصتهنّ في الحزن.

يتحوّل إيقاع اللطم بين السرعة والبطء وفقًا لتوجيهات القارئة التي تُعرف باسم المُلّاية، أو بحسب تجاوب النساء مع تغيّر نبرة الصوت بين القراءة المتأنية وتلك المتسارعة. إلى جانب صوت الملاية، تكشف ردود فعل النساء، سواء عبر أصوات شجية، أو ترديد مقاطع من القصيدة، أو إطلاق لازمة مشهورة بين النساء دون الرجال “أحا أحا أحا”، تمكننا من استقراء طبيعة القصيدة، أكانت حزينة أم حماسية. من قلب هذه المجالس المغلقة بالذات، خرج لنا نوع جديد من اللطميات، والذي يعتبّر حتى الآن الأكثر تجديدًا في الفن الحسيني.

تحدّيات التحليل

قبل التعمّق في لطميات الشور، لا بد من التنويه إلى أن الفن الحسيني الفن الحسيني هو الوصف الذي تستخدمه المراجع الدينية الشيعية للإشارة إلى نوع الفنون الإسلامية التي تدور حول الإمام الحسين بن علي عليه السلا وحادثة كربلاء. يتميز هذا الفن بطابعه الديني والشعائري، ويُستخدم للتعبير عن الحزن والولاء وتمجيد تضحيات الإمام الحسين. يتفرّع إلى العديد من الأشكال كالشعر والرسم والتصوير واللطميات والزخرفة والعمارة. هو فن ديني يخضع لمعايير تتجاوز حدود القيمة الجمالية للقصيدة أو لحنها أو مدى قدرتها على الانتشار. هو فن وظيفي يرتبط مباشرةً بمناسبة إحياء وتجسيد ذكرى واقعة كربلاء، التي تُعدّ من أهم الطقوس لدى الطائفة الشيعية. كحال الكثير من الفنون والممارسات في العراق والمنطقة، يعاني الفن الحسيني من ضعف التوثيق والتدوين والتحليل، الأمر الذي يعرّضها إلى سلبيات شائعة حيثما وُجدت هذه الظاهرة، مثل السرقة وضياع الحقوق والأخطاء في التأصيل التاريخي والمناطقي والعلمي.

عليه، حين يحاول الباحثون التعمّق في هذا الفن أو الكتابة عن أي نوع مشابه، فإنهم غالبًا ما يعودون إلى الأساليب الأولية المستمدة من أدوات الأنثروبولوجيا، كالملاحظة والتساؤل والتتبّع وغيرها؛ ومن هذا المنطلق، لا أدّعي أن ما أقدّمه هنا يمثّل الحقيقة المطلقة أو يصلح لأن يكون مصدرًا مرجعيًا، بل هو محاولة جادة للاجتهاد والكتابة حول هذه الفنون بمسؤولية أتحرّى بها الاقتراب من الصواب. كما أتقبّل بالطبع محاججتها ومعارضتها إن كان هناك تحليل مخالف أو مصدر موثوق ينقض ما توصلت إليه بخصوص هذا النوع من اللطميات.

مؤخرًا أصبحت لطميات الشور، التي تتسم برتمها السريع في اللحن واللطم، أكثر ظهورًا وانتشارًا في العراق، وتحديدًا في محافظات الجنوب والبصرة. ارتبط انتشارها باسم الرادود السيد محمد الجيزاني، الذي نقلها من إيران عام ٢٠٠٣ كما ورد في مقابلة معه؛ ومن هناك توسّعت لتشمل السماوة والناصرية، وانتشرت في مجالس الرجال، لتستحوذ على اهتمام الشباب، الذين باتوا يفضّلون مجالس الشور على مجالس اللطم التقليدي أو التراثي. 

يعود هذا التفضيل إلى عدة أسباب، أبرزها انسجامها مع إيقاع الزمن الراهن السريع والمتبدّل، فضلًا عن امتلاك الشباب القدرة البدنية التي تمكّنهم من مواكبة هذا النمط؛ إذ يتطلّب همّة عالية وقدرة تتيح الاستمرار بالترديد واللطم لفترات طويلة. غير أن هذا الانتشار أثار العديد من التساؤلات، خاصةً بعدما فرضت هذه المجالس نوعًا من الفصل بين الفئات العمرية وحتى لو بشكل غير مباشر؛ إذ لا تستطيع فئة من كبار السن المشاركة بمجالس الشور، بينما قل حضور الشباب بشكل ملحوظ في المجالس التقليدية.

مرجعيات النجف والضوابط الدينية 

ولّد انجذاب الشباب إلى هذا الأسلوب الكثير من الجدل حول مقاصد هذه المجالس، فصُوحِب أحيانًا بالاستهجان وأحيانًا أخرى بالرفض. في مفاهيم علم الاجتماع، يعتبر هذا رد فعل شائع تجاه بروز ظواهر جديدة تتبنّاها فئات معينة، إذ تؤدي إلى تولّد مفهوم الآخر، وتصبح هذه الجماعات في موقع بعيد، بما يسمح بحصرها ضمن سرديات وتفسيرات تفتقر إلى الفهم الملم بها من داخلها.

بهذا خرج الشباب في مجالس الشور من إطار الطقس الديني التقليدي، ليصبحوا قضية رأي عام وظاهرة جدلية، خصوصًا بعد ما اشتهرت بعض القصائد القليلة التي تضمّنت مغالاة وتشددًا في المذهب، بدرجات وصلت حد المساس بالعقيدة نفسها، مثل تأليه الإمام علي عليه السلام أو مساواته بمقام الرسول صلى الله عليه وسلم. كما برزت بعض القصائد التي تحمل خطابًا طائفيًا مثيرًا للفتن، والتي تتعرض بالإساءة إلى مكونات دينية أخرى في العراق.

نتيجةً لهذا الجدل، الذي وصل إلى اتهام هذه المجالس بأنها تحاول النيل من الطقوس الدينية للطائفة، تدخّلت المرجعيات الدينية في النجف، إلى جانب عدد من رجال الدين المعروفين، للبت في أمرها؛ وقد أكّدوا أنه لا ضير في حضور مجالس الشور وإقامتها، أو في توجّه الرواديد لأداء لطميات من هذا النوع، مبيّنين أن اختلاف أدائها لا يجعلها غير مناسبة أو غير مقبولة من الناحية الشرعية. مع ذلك، شدّدوا على أنها تخضع، شأنها شأن سائر المجالس، إلى مجموعة من الضوابط، أبرزها عدم استدخال آلات موسيقية أو مؤثرات صوتية وضوئية تنافي طبيعة المناسبة، أو تقليد الأساليب الغربية، ولا سيما أسلوب الراب. كما حرّموا إلقاء أي قصائد تتضمّن مغالاة أو إساءات. بذلك، لا يسوّغ الإقرار بأنها مباحة الخروج عن  الضوابط العامة التي تشمل الجميع. بعد هذا التأطير الذي قدّمته مرجعيات النجف، أصبحت هذه المجالس أكثر انضباطًا، وانتشرت حالة من النبذ ضد الرواديد الذين أثاروا الجدل من خلال قصائدهم.

بالرغم من طابعها المتمايز، أصبحت لطميات الشور واحدة من ألوان الفن الحسيني المعتمدة في مختلف المناسبات الشيعية، باستثناء الجدل الذي يرافق المواكب التي تدخل كربلاء. إذ مُنعت مواكب الشور في غالب الأحيان من الدخول، لا انطلاقًا من رفض مبدئي أو اعتبارها غير مباحة، بل لأسباب لم تُفصِح عنها الحوزات الدينية الهيئات العليا المسؤولة عن تحديد الضوابط الخاصة بأداء الطقوس، كما يناط بها الحفاظ على قدسية المراقد الدينية ومنع أي شيء لا يتناسب معها.. رجّح أن الأسباب تتعلق بروحانية الطقوس وخصوصيتها التي تستلزم الوقار، أو لأسباب مرتبطة بالحفاظ على النظام وسلامة الناس من خارج الموكب.

غير أن بعض مرتادي ومنظمي مواكب الشور رأوا في قرارات المنع نوعًا من التحكم الزائد، فعاد الجدل والتساؤل إلى الساحة حول ما إذا كان سبب المنع سياسيًا أو مصلحيًا أو له مسوغات موضوعية، خصوصًا مع نسب قرارات كهذه عدة مرات إلى أفراد يستخدمون سلطة المرجعيات لكنهم لا يمثلونها بشكل رسمي.

امتازت بعض المجالس في مراحل الشور المبكرة باستخدام مؤثرات صوتية تقوم على بث إيقاع منتظم أشبه بصوت “دِس دِس دِس”، غير أن المرجعيات الدينية حذّرت من ذلك، فصارت لطميات الشور تعتمد على الرادود وشخص واحد مرافق له يقوم بإصدار الصوت بشكل طبيعي باستخدام المايكرفون فقط. يُرجَّح أن هذه الطريقة مستوحاة من بعض الأساليب الموسيقية التي تُنتج نغمات وإيقاعات باستخدام الفم.

أصل الشور وسياقاته

ظهر الشور للعلن في مطلع الثمانينات تقريبًا، وكان الرادود الإيراني السيد جواد ذاكر أول من طوّر هذا النمط في إيران، والوحيد الذي التزم به لاحقًا. لم يثر هذا النمط جدلًا أو استهجانًا آنذاك، بل اعتُبر تجديدًا محمودًا في الفن الحسيني. أما في العراق، فقد كانت المجالس الحسينية الكبيرة ممنوعة في تلك الفترة، وحتى الصغيرة منها واجهت الكثير من التدقيق والمنع والملاحقة. بسبب هذا التضييق، لم يظهر الشور ولا غيره في العراق قبل عام ٢٠٠٣. بعد فتح الحدود مع إيران وسفر الرواديد، انتشرت مجالس الشور بشكل طبيعي، شأنها شأن أي ممارسة تنتقل بين جغرافيتين متقاربتين.

عودةً إلى السؤال عما إذا كان السيد جواد هو مؤسس لطميات الشور؛ تشير روايات متعددة نقلها مختصون في الفن الحسيني، منهم الملا قحطان البديري، إلى أن السيد جواد نفسه قال: “تحسست معاناة الحسين وأجواء الطف من اللطم العراقي”، و”لطميات الشور أخذتها من النساء العراقيات”. بحسب ما يرويه الملا البديري أيضًا، فإن أول مجلس شور للرجال كان عراقيًا، وأُقيم سنة ١٩٨٣.

يبدو أن الفجوة في تأريخ لطم الشور حدثت بسبب عدم توثيق مراحل انتقاله من مجالس النساء إلى مجالس الرجال؛ فبحسب المعلومات المتاحة، لا يُسجَّل ظهوره في مجالس الرجال قبل الثمانينات، سواء في العراق أو في مجالس السيد جواد في إيران. كما أنه لم يكن مثيرًا للتساؤلات قبل بروزه بعد غزو العراق، إذ عُدت مجالس السيد جواد مجالس مقبولة لدى الجميع، واعتّبر اعتماده للطم الشور شكلًا من أشكال التجديد المستساغ. أمّا في مجالس النساء، فهو قديم واعتيادي ويعتبر من الفن الحسيني التقليدي، ولا وجود لاصطلاح خاص به. بالنسبة لهن وللمجتمع، هو تراث تناقلنه جيلًا بعد جيل، وكان قد أُطلق عليه الشور في مجالس الرجال، استنادًا إلى تفسيرات عدة سأتطرق إليها لاحقًا.

كانت الرواية المنقولة عن السيد جواد، بأنه أخذ هذا النوع من مجالس النساء العراقيات، أول خيط دال على أصل الشور، وما تبقى يتعلّق بطبيعة اللطمية نفسها. استند في ذلك إلى سمتين أساسيتين: الأولى أن الرتم السريع في اللطم على وتيرة واحدة موجود أصلًا في مجالس النساء عندما يُسرعن بالضربات، وقد يصل التشابه حد التطابق. في لطمية يا دفّان درب المكبرة منين مثلًا، تُغيّر النسوة الإيقاع أكثر من مرة خلال الجلسة، لكن عند تتبّع أسرع إيقاع، نجده مطابقًا تمامًا لإيقاع لطميات الشور.

يسود في مجالس النساء شعور بالجزع من المصاب، ما يدفعهن إلى اللطم بتوتر أقرب إلى الخوف، وهو أمر مباح ومبرَّر لهن في المصائب. أما في مجالس الرجال، فقد أُطلق عليه الجنون في حب الحسين، إذ يميل اللطم عندهم إلى التعبير عن الغضب وتعظيم هول المصيبة، وكأن الجزع لا يليق بهم، فيحولون جزعهم الخفي ليصبح غضبًا ووعيدًا. 

أما السمة الثانية فهي ترديد المفردة نفسها عدة مرات متتالية؛ ففي مجالس النساء عادةً ما تكون هذه المفردة هي “أحا أحا أحا“، وهي لفظة عراقية شعبية تُستخدم للتعبير عن شدة الحزن، وغالبًا ما تَرِد في سياق الضعف، باستثناءات قليلة تكون فيها في سياق حماسي. في الشعر الشعبي مثلًا، يمكننا تتبّع هذه اللفظة، إذ نجدها تتردّد في مواقف الفقد أو الشعور بالخذلان لدى الرجال والنساء على حد سواء، غير أن حضورها في الفن الحسيني يقتصر في الغالب على النساء.

في القدم، كانت “أحا أحا أحا” تُستخدم للتعبير عن المصيبة التي تحلّ بالنساء بعد فقد الفرسان والأبطال الذين كانوا يتولون حمايتهنّ وصون مقامهنّ. لموت الرجل البطل عند العرب طقوس وإيماءات عدة، منها أن تنزع النساء غطاء رؤوسهنّ تعبيرًا عن انكشافهنّ للخطر بغياب الحامي، أو أن يلطّخن أنفسهنّ بالتراب إشارةً إلى أن فقدان الفرسان جعلهن في مقام يمكن أن يتعرضنَ فيه للمذلة. تحفّز هذه الأفعال، بما فيها من إعلان عن عِظَم مكانة البطل الراحل، مَن يبقى من الفتية والرجال ليقوموا مقامه ويسيروا على خطاه، ضمانًا للأمان وبقاء العشيرة. 

أما الرجال عند فقد البطل، وخصوصًا إذا مات مقتولًا، فالمطلوب منهم أن يتجهّزوا للأخذ بثأره وسد مقامه؛ لذلك يكون حزنهم أكثر تماسكًا ورزانة، وقد يبكون ويصرخون ويلطمون، لكن بغضب ووعيد وترقّب. 

من هنا يمكن تفسير انتقال ترديد المفردة مرارًا، لكن بعد استبدالها؛ فالرجال لا يصرخون أحا أحا، بل ينادون بأسماء الأئمة، وأكثرها شيوعًا اسم الإمام عليه السلام “حسين حسين حسين“. هذه محاولة لتفسير سبب استبدال المفردة، إذ قد يكون الأمر مرتبطًا ببُعد رمزي وديني، أو ربما جمالي بحت، ثم تحوّل لاحقًا إلى عادة راسخة. غير أن ترديد اسم حسين بسرعة إيقاعية ولّد بدوره بلبلة، إذ إن بعض السامعين اعتقدوا أنهم يسمعونها على هيئة “سين سين سين أو سيم سيم سيم”، ولم يتقبلوها باعتبارها لفظًا غير معروف. لكن المراجع في النجف ورجال الدين أوضحوا أن ما يُردّد هو حسين، غير أن النطق بالفارسية يخفّف الحاء حتى تصبح هاءً فتصير “هُسين”، ومع سرعة التكرار تكاد الهاء لا تُسمع، فيلتقطها السامع على هيئة سين. أمر قد يحدث أيضًا مع لفظ الحاء في اللغة العربية عند تسارع الترديد.

تشكّل هذه الترديدات في القصائد فواصل بين كل مجموعة أبيات، لكنها استقلّت مع الوقت عن القصائد، حتى تجاوزت حدود الفاصل البسيط وأصبحت فقرة قائمة بحد ذاتها في المجالس، قد تمتد أحيانًا إلى خمس دقائق أو أكثر. يتولّى قيادة هذه الفقرة عادةً الشخص المرافق للرادود، وتتمثّل وظيفته الأساسية في ضبط إيقاع الترديد، فيما يشارك الرادود نفسه بترديد المفردة الخاصة بالمجلس أو القصيدة بطريقة أبطأ تظهر جمال صوته وأسلوبه.

بحسب الملا قحطان البديري، تعبّر هذه الطريقة بالنسبة لهؤلاء الشباب عن شدة إحساسهم بالفاجعة، إذ يعيشون من خلالها حالة نفسية أعمق وأشد، ويعبّرون عنها بحماسة تكشف شدة ألمهم. يطلقون على أنفسهم مجانين العشق الحسيني، على عكس ما يُشاع عنهم بأنهم يقلّدون جماهير الراب أو الفنون الغربية، أو أنهم يحوّلون المناسبة إلى طقس لا يشبهها، وخارج عن سياقها.

جذور التسمية

بحسب المصادر المتاحة أونلاين، وسؤال بعض المختصين في الفن الحسيني، لتسمية شور تفسيرات عدة، ويجزم كل مصدر بأن تفسيره هو الصحيح. هناك من يقول أن التسمية جاءت مع اللطميات منذ انتقالها عن النساء، مستندين في حجتهم إلى أن هذه اللطميات كانت تبدأ بمقام بيات شور، وهو مقام حزين تستعين به الملاية لافتتاح المجلس، قبل أن يتغير الرتم ليصبح أسرع. هذا ما جعلها تُعرف باسم لطميات شور، حتى وإن لم تلتزم الملاية بقراءة القصيدة على المقام نفسه. مع مرور الوقت ارتبط مصطلح شور بأسلوب اللطم السريع أكثر من المقام.

في قول آخر، تعود التسمية إلى معنى كلمة شور في اللغة الفارسية (حماس، عاطفة، هوس، مالح) وفقًا لمعجم المعاني. ظهر هذا الاستخدام بعد انتقال اللطميات إلى إيران، وظلت تعبّر عنها بعد عودتها إلى العراق بوصفه دالًّا على أحد أساليب مجالس الرجال. كما يقول أصحاب هذا التفسير أن هذه المعاني تعبّر بدقة عن طبيعة اللطميات الحماسية المليئة بالهوس بالعشق الحسيني.

كما يُفسَّر معنى مالح مجازيًا في أكثر من لغة وثقافة للتعبير عن شدة الشوق وما يخلّفه من ملوحة في الفم، أو عن الملوحة الناتجة من سف التراب حزنًا على الفقيد. وكلا المعنيين يحمل وجاهة معقولة، لكن مرتادي هذا النوع من الفن الحسيني يشيع بينهم الاسم دون العودة لجذوره، حتى أصبح اصطلاحًا يعبّر عن الأسلوب الفني للطمية.

في كل عام، خلال المناسبات الدينية الشيعية التي تضم اللطم بين طقوسها، خاصة في محرّم والأربعينية، إضافةً إلى الحسينيات التي تقام فيها مجالس الشور، تخرج أيضًا مواكب المشاية من محافظات عدّة مثل السماوة والناصرية وغيرها، لتكون ثيمتها الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، هي الشور. لكنها تغير الأسلوب عند اقترابها من المراقد المقدسة. ما عدا بعض الرواديد الذين يفضلون التصادم اللفظي مع الجهات التنظيمية، لكن ليس إلى حد الشغب، احترامًا لقدسية المكان. 

في السنوات الأخيرة، انتشرت لطميات الشور في المنطقة متجاوزةً حدود العراق وإيران، خصوصًا مع ما شهده العامان الماضيان من أحداث سياسية كان للمكوّن الديني الشيعي، سواء على مستوى دول أو تنظيمات، دورًا أساسيًا فيها. شكّل ذلك بيئة خصبة لانتشار هذه اللطميات خارج إطار الممارسة الحسينية التقليدية، ووصولها إلى فئات أشمل، لا سيما أن معظم المواد المرئية التي توثّق الأحداث العسكرية باتت تُرفَق بصوت لطميات حماسية، غالبًا ما تكون من نوع الشور. 

بقدر ما أثارت لطميات الشور الاستغراب والجدل في بيئتها الأم، إلا أنها شكّلت نوعًا لافتًا وجذابًا للكثير من البيئات الأخرى. ربما يمكننا القول إنه، رغم كل الجدال، وما قد يرافقه من هفوات فردية أو سرديات مغلوطة، فإن هذا الفن يمثّل امتدادًا روحيًا يربط النفس بالجسد، ويكشف عن قيمة كامنة كان لا بد لها أن تنتقل من مجالس النساء المغلقة إلى مجالس الرجال العلنية، ليأخذ مكانه في الفضاء العام، ويمنح الطقس الحسيني بعدًا أكثر اتساعًا.


صورة الغلاف لـ أسعد نيازي.

المزيـــد علــى معـــازف