.
الطوفان جبّ ما قبله، وفي مقابل أغنية الأطفال الإسرائيلية الداعية للإبادة، التي سرعان ما تم حذفها، هناك عشرات الإنتاجات الموسيقية حول العالم على مدار الشهرين الماضيين تؤكد أنه لأول مرة: غزة قضيّة عالمية ومبدأية. لأول مرة لم يسارع العالم إلى الاعتياد على صوت الإبادة، وبدل أن يخبو الصوت علا ونضج واستعادت من خلاله الموسيقى شيئًا أوشكت أن تفقده، يتجلى هنا في إصدارنا الخاص من النووي.
هذه أعمال صدرت في أعقاب ٧ أكتوبر، واعية باليوم المجيد، وبمحاولات طمسه بالدماء.
من لما بدأ تداول تسجيلاته بالـ ٢٠١٨، ما حقق المنشد اليمني أبو حمزة الحنفاشي تقريبًا ولا ضربة جماهيرية. بنفس الوقت سهل اللي سمعه مرة يخلص لصوته، بشكل بيخلي جمهوره يفزعله وين ما ظهر، مثل ما هو والصاعد محمد أحمد الرازحي فزعوا للطوفان بهالزامل الفخم.
اشتُهر المغربي لمبوق بفكرة فريستايلات الشوارع، والتي نقل عدواها باستضافته عدة رابرز بارزين من خلالها مثل الجراندي طوطو وإم بي ون، ليفتح باب تجربة الفكرة عبر المنطقة. بالمقابل، ظهر في مصر بلاك بي المعروف باحترافه البيت بوكس ليبدأ الفكرة بشكل تدريجي ويحقق شعبية مقبولة. في هذه الحلقة جمع بلاك عددًا من الرابرز المغمورين لأداء كلماتهم عن فلسطين والمقاومة. مع تفاوت الأداء إلا أن المقاطع القوية بكلماتها أو فلوهاتها طاغية.
بينما تتورط معظم الحكومات والمؤسسات والإعلام في الغرب في الإبادة في غزة، نشهد العديد من موجات التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية. نرى ذلك التضامن في المشهد الإلكتروني على مستوى الفنانين الذين علت أصواتهم على السوشال ميديا، وتكثفت إصداراتهم المخصصة لفلسطين والغزاويين .يعكس الألبوم التجميعي الصادر عن تسجيلات بارالكس من برشلونة تلك الموجة؛ ٦٤ فنان من حول العالم اجتمعوا معًا لإنتاج تراكات محيطة تحفل بالمشاهد الصوتية التي تكسر إيقاع مشاهد وأصوات الدمار لماكينة الإبادة الصهيونية. مجهود قوي من تسجيلات بارالكس يسفر عن إصدار متماسك وصادق، على رأسه أسماء مثل كامارو وريتشي كولفر وبن بوندي وكلير روساي وفلورا يين وونج وجاي جلاس دَبز مرال ومارتينا بستا ونيك ليون وباتريشيا وولف.
المهوال هو لقب مغني الهوسة العراقية، كون مواضيعها بتجنح بأغلبها للتهويل بغاية إشعال الحماس، ويبدو إنه الوصف الأدق لجعفر المطيري مع احترافه الهوسات بجزء كبير من إنتاجاته، لو إنه بيفضل يعرف حاله كرادود. لهيك، ربما اختيار الهوسة لهالموضوع تلقائي بالنسبة للمطيري، بس فعليًا كان ضربة معلم، وما بتحتاج مجموعة كبيرة حتى الرقصة عليها تهز الأرض.
عنوان الأغنية كفيل بإنه يشد أي سامع، أصدرت فرقة الوعد الاسلامية اللبنانية المقربة من حماس أغنية أكتوبر أم الملاحم، اللي بتهزأ فيها بلواء جولاني الصهيوني والجنود الخائفين، وبتتغنى بالمقاومة بكل سبلها طيرانًا شراعيًّا أو ضفادع بشريّة أو أنفاق، وخاصة بأبو عبيدة الشخصية الملثمة اللي بتزفلنا بشاير النصر والصمود. الجدير بالاهتمام إنه المقطع الأساسي من الأغنية “يا شرفنا العالي يابو عبيدة…” هو على نفس لحن أغنية يا براقنا العالي اللي أهداها الأخوين اللوزيين للملك عبد الله الثاني، وبالتالي اتحولت الأغنية بظرف أيام من أغنية وطنية إلى هتاف شعبي يعلو بالمظاهرات الداعمة للغزة.
نشر نجم المجوز والمغني الشعبي أحمد العلي أغنية غزة اليوم تنادي بعد أيام قليلة من الطوفان، وتفاجأ لاحقًا إنها انشطبت من منصة يوتيوب بعد ما انشهرت في الشارع الأردني، فأعاد نشرها مرة ثانية بصيغة مختلفة. الأغنية كلماتها بسيطة لكنها بتتعامل مع العدو بنديّة بحتة، بعيدًا عن النبرة الاستعطافيّة اللي بترافق عادة هيك أغاني. المثير برضه هو استخدامه للحن اللطميات اللي أعطى الأغنية طابع قوي وشكل مختلف عن اللي بينتجه عادةً.
نزّلت إصدارات سيز تو إكزيست السويدية ألبومًا تجميعيًا، تذهب أرباحه من أجل المساعدات الطبية ولأطفال غزة. إحدى عشر فنانًا يجتمعون في ألبوم إيمرجنسي فور غزة، عرفناهم بانحيازات سياسية حازمة خلال مسيرتهم مثل فارج (مؤسس سيز تو إكزيست) وفان بووم وإستوك وتومبا وفيا آب. جاء الإصدار مباشرةً بعد بداية الإبادة ويغلب عليه طابع محيط حاد.
أطل الرابر الأردني الأمريكي إدي ماك والرابر الفلسطيني الأمريكي بطاطا بعد مرور شهر على الطوفان ليغنوا بصوت الحرب. أغنية خفيفة وسريعة مع كلمات مشغولة ومؤثرة في الوضع الأمريكي الراهن.
أصدر المغني الكويتي حمود الخضر المعروف بأغانيه ذات الطابع الإيجابي المبالغ فيه والشائع جدًا في عالم السوشال ميديا أغنية فلسطين بلادي. سواء كنا بنتفق مع الطابع اللي بقدمه حمود بالعادة أو لا، من المهم جدًا إنه ننظر لهاي الأغنية في إطار علاقة الكويت الداعمة للقضيّة الفلسطينية وتضامنها الدائم مع الشعب الفلسطيني، في ظل موجة التنصل الكبيرة اللي صايرة في البلدان العربية وخاصة في دول النفط ذات الثراء الفاحش.
بتتوازى أهمية هالنشيد مع جاذبيته وحسن تنفيذه. النشيد مهم لأنه من بطولة رمزي العك، الأسير المحرر بصفقة وفاء الأحرار التاريخية، ومنشد الطوفان اللي أعلن عنه قبل انطلاقه بعشر شهور بنشيد آتون بطوفانٍ هادر، بمهرجان ذكرى انطلاقة حماس الـ ۳٥ بغزّة؛ والشهيد الحيّ اللي تم تداول أخبار عن اغتياله ثم نفيها قبل أيام. بهالنشيد بيطل رمزي العك بصوته الجهوري بالاشتراك مع مصعب الهشلمون وحمودة صلاح ليستنكر صدمة الصهاينة: “كنّه مش عارفنا إنه / زنود السمرا منتظرنّه / عيونه يحكن رغمًا عنه / خوفه ورعبه في جنيني.”
من بين البلدان العربية ومشاهدها الإلكترونية يعلو صوت تسجيلات مرمّة التونسية بإصدار باي أول مينز. يوظف ٢١ منتج الضجيج والخامات الحادة والإيقاعات الثقيلة، تعبيرًا عن غضبهم ورسالتهم القوية لإنهاء الإبادة والاحتلال ودولة الأبارتهايد. دون تجريد أو تجميل، نتبين السخط والحس المقاوم العنيف من خلال أجواء التراكات الصارخة وأنسجتها الصوتية اللزجة التي تأتي كاعتراض على الإبقاء على الأوضاع السياسية والموسيقية والفنية الراهنة.
يربط الكثيرون الزوامل الحوثية بعيسى الليث الفنان الذي حاولت السعودية اغتياله سابقًا. يقود الليث منذ فترة طويلة ثورة الزوامل في اليمن، منذ عاصفة الحزم حتى اليوم وهو مستمر في إنتاج الزوامل الحربية لتحفيز المقاتلين. يظهر الليث في الطوفان ليمجد صباح سبت ٧ أكتوبر ويتغنى بانتصارات المقاومة على أرض المعركة، مؤكدًا على مشاركة الحوثي فيها.
قرار علي العطار بالتزام الأناشيد الوطنية والثورية على مدار ٢٣ سنة مش سهل، خاصةً مع الفرص اللي لطالما كانت مفتوحة قدامه ليكبّر جمهوره ودخله؛ لهيك هو من أكثر الناس اللي دوافعه بهالظروف فوق مستوى الشبهات. بالإضافة لعلي، كاتب الكلمات الناريّة لهالنشيد هو محمد زين شعيب، ابن عملاق الزجل اللبناني زين شعيب، اللي قال مرة: “دعيت الدهر للحرب ودعاني / التقينا واصطدم بيرق ببيرق / طلعت أول أنا والدهر تاني”، ليقول ابنه اليوم: “لبّس للمتكبّر ذل / إشمخ هدّ رقابن حلّ / إنت فخر وعزّ الكل وإنت الوطن المنحبو.”
بينما تستمر الإبادة في غزة والمدن الفلسطينية المحتلة، ينشغل السياسيون الغربيون بتفاهتهم وعنصريتهم بمدى صلاحية أو “خطورة” هتاف المظاهرات الأشهر “من النهر إلى البحر ستتحرر فلسطين”، كما رأينا في إنجلترا ومنع الشعار في ألمانيا. تهمة الهتاف هي “معاداة السامية”، حيث يخلط السياسيون والحكومات العنصرية بين الصهيونية واليهودية كديانة، عن عمد أو جهل، بحجة أن الهتاف يدعو إلى “إبادة” المستوطنين من النهر إلى البحر. لم تعبأ مي-ال الدي جاي المقيمة في بريطانيا بذلك وأنتجت عملًا صوتيًا مكثّفًا يحمل الشعار عنوانًا وثيمة. على مدار ثلاث دقائق يردده ٢٨ فنان من حول العالم بـ ٢٢ لغة وسط أجواء صوتية محمّلة بالتوتر. تراك تشاركي يؤكد على موجة التضامن العالمية من قِبل العديد من الموسيقيين.
ووركرايت، أو عُمَر بونوا، رابر دريل بريطاني من أصول جزائرية أفغانية، يعني مش مجرّد حليف أبيض. على عكس معظم المحاولات الأجنبية بالتطرق للحرب، قدر بونوا يكون واقف ع أرض الحدث أكثر، بشكل بيخلي إلقاؤه باراته بصوت الفلسطيني نفسه بمكانه، مع موسيقى لافتة ومُغرية للإعادة.