.
عندي اعتراف. أنا لا أحب الراب العربي. وهذا يعود لسببين شخصيين.
أولاً، أنا لحسن الحظ (أو سوئه) من هؤلاء العرب الذين نشؤوا وهم يستمعون للعصر الذهبي والفضي للراب الأفرو–أميركي. أنا أتحدث عن أيام عز الراب عندما كانت الكلمات تنهمر بغزارة وغضب، مرنخة بالمعاني والتلميحات الخفية، عندما كان الراب نشيد المحرومين في المناطق السكنية الفقيرة لغير البيض (Projects). كان هذا الراب أخطر من أن يحتمله أو يقبله التيار السائد، ناهيك عن أن يفهمه. كان هذا الراب نيئاً، بلا قيود، محبطاً وغاضباً. وكانت له بيتات وأنغام بيس تأزّ لتوقف شعر ظهرك وترغمك على هز رأسك.
لم أكن من شوارع كومبتون أو بروكلين، والكلمات لم تكن موجهة لي، ولكن الطاقة والروح فيها بدت وكأنها تترجم إحباطاتي كشاب عربي يمتلك نوازع التمرّد.
كان هذا قبل أن يتم الاستيلاء على الراب، قبل أن يسلّع. قبل أن يُسلخ ويفرغ من محتواه.
ثانياً، بما أنني كنت من القلائل الذين استقبلوا الراب العربي بحرارة في بداياته، كان إحباطي مضاعفاً من رداءة الكثير منه. كان الكثير ممّا سمعته مجرد تقليد مبسّط للثقافة الأفرو–أميركيّة. اقتصر الموضوع على اللبس والحركات، وخلت الكلمات من المعنى والتجربة، ولم تكن هناك صلة بينها وبين محيطها. بالنسبة لي، كان الموضوع مثيراً للغثيان.
ولذا وجدت نفسي أبتعد تماماً عن هذا المشهد، بالرغم من محاولات البعض فيه لخرق هذا القالب.
ولكن، بعد غيابي هذا – ويبدو أنني أطلت الغياب– عدت لأجد هناك أن تحرّكاً ما قد بدأ، وهذا التحرك، أو هذه الفوضى، جلبت معها راباً عربيّاً واثقاً من نفسه وأصليّاً، وبعيد كل البعد عن أقفاص التقليد التي حصرت بداياته.
“خط ثالث” مشروع يجلب لنا مجموعة من أبناء هذا المشهد من مختلف المناطق العربيّة. هذا الفريق الذي يشمل “طفّار“، “الراس“، “لتلتة“، “الفرعي“، “كتيبة خمسة“، “كلاي بي بي جي“، علي طالباب، السيّد درويش، هذا الفريق المتمكن يقدم توليفة جديدة، هي أشبه بمزيج من ما كان عليه ال “وو– تانج كلان” و“ديد بريز“، وإرث الشعر العربي وأصحاب المعلقات.
أسرتني الاسطوانة من بدايتها بأغنية ‘من الأول‘ من طفّار، والتي يمكن اعتبارها على أنها نشيد الثورات – ولربما تتفوق عليها من هذه الناحية فقط أغنية ‘أنا الشعب‘ لمحمد عنتر، وهي أغنية قصيرة وشعريّة تتسم بالحدة، وتنافسها أغنية ‘رد الشعب‘ من مجموعة ‘الحق‘ – وحتى النهاية في أغنية ‘جنة جنة‘ من الراس والفرعي، والتي تميّزت بـ“هوكّ” ممتاز لم يخرج من رأسي لأيام عدة.
كما كانت هناك جملة في أغنية ‘يا ديب‘ للراس والسيّد درويش جعلت بدني يرتعش (ستعرفون ما هي عند سماعها). أغنية ‘بوف‘ من لتلتة هي مثال ممتاز لأغنية تماشي النمط السائد من دون أن تضحي بالمحتوى.
كما هو متوقّع، ليست كل الأغاني على الاسطوانة بنفس المستوى. بعض الأغاني تبدو باهتة مقارنة بجاراتها على الاسطوانة. بعض الأغاني مثل ‘يا حيف‘ من طفار و‘رمادي‘ من عاصفة و ‘سلام‘ من “أرمادي بيزرتا” تعاني من التكرار في المحتوى. بدت هذه الأغاني مشوشة بعض الشيء وأقل إبداعاً.
بعد أن سمعت الاسطوانة مرات عدة، توقفت لأدخّن سيجارة وأفكّر بالاسطوانة ككل. الاسطوانة بلا شك ناجحة، وتتضمّن عدّة درر. من ناحية التشكيلة، هي ليست أفضل ما هو موجود (خصوصاً بغياب أي وجود للمشهد المصري). كما أنني كنت لأفضل توسيع التشكيلة وضم عدد أكبر من المواهب الجديدة بدلاً من وضع أكثر من أغنية لنفس المجموعة أو الفنان. وجدت نفسي أيضاً أفكر بعنوان الاسطوانة ‘مبادرة إنضاج وعي شعبي‘ والتي تضمر نظرة دونية للعامة وانصياعاً لمبدأ ‘شعبك الجاهل‘ والتي هي مفهوم طبقي ينفع الأنظمة أكثر من أي جهة أخرى.
أقنعتني هذه الاسطوانة بأن مشهد الراب العربي غنيّ ويحمل الكثير من الجودة. وأنّه تحرّر من التأرجح بين التقليد والتماشي مع النمط التجاري السائد. هناك خط ثالث جديد، ومستقبل المشهد يقع على هذا الخط.