.
باقتراب نهاية التسعينات كان البوب العربي يغير وجهته نحو قيادة لبنانية، خصوصًا في الغناء النسائي، ومع توجه رأس المال الخليجي للاستثمار في نسخة معاصرة من الأغنية اللبنانية الخفيفة، ظهرت موجة لبنانية جديدة تحمل طابع الخفة والمرح، مصقولًا برائحة الغناء الجبلي والتمويلي (نسبة للموال)، وهو الشق الرجولي من الموجة. في هذا الإطار، وعلى أرضية عربية بدأت تتسع لاستقبال أوسع للمطربين اللبنانيين مثل نوال الزغبي ووائل كفوري وديانا حداد وإليسا ونجوى كرم وعاصي الحلاني، وبصورة جرى تنقيحها وتجديدها عبر مدير الأعمال جيجي لامارا، ظهرت أخاصمك آه في ٢٠٠٣ عبر فيديو من إخراج نادين لبكي، وكان الصعود المدوي لـ نانسي عجرم.
خلال العقد الأول من الألفينات زادت جهود الاستثمار في صناعة الألبومات والأغنيات المصورة، باعتبارها صناعة بحد ذاتها بدأت تزداد رواجًا مع ظهور الفضائيات العربية وتخصص بعضها في الموسيقى، وتتيح ميزانيات جديدة ضخمة لصناعة الموسيقى. أدى ذلك إلى ارتفاع المستوى التقني للاستوديوهات في مصر ثم لبنان، حيث تركّز معظم الإنتاج الموسيقي العربي حينها. تمكن المنتجون بفضل هذا التطور من العودة إلى أشكال موسيقية كانت تقيدها محدودية الميزانيات خلال الثمانينات والتسعينات، مثل التسجيل باستخدام وتريات حية متعددة الخطوط اللحنية، والاستعانة بالعازفين الماهرين virtuosos من داخل أو خارج العالم العربي، وأخيرًا قدرة الموزع الموسيقي على إدخال أحدث المكتبات الصوتية الإلكترونية (عالية التكلفة في ذلك الوقت) على توزيعاته الموسيقية، وبالتالي مواكبة تيار البوب العالمي الذي زاد إدماج البرامج الرقمية والحلقات الصوتية (Audio loops) والأصوات الإلكترونية (VSTs) في أهم أغانيه.
كان المصري طارق مدكور على رأس هؤلاء الموزعين، وقدّم إسهامه في هذا التطور عبر إعادة صياغة موسيقى عمرو دياب في ألبومَيه واسعي النجاح تملي معاك وأكتر واحد بيحبك. رفعت هذه التعاونات من أسهم مدكور كثيرًا في السوق المصرية والعربية، وأصبح ربما أشهر الموزعين في تلك الفترة، لقدرته على تخليق الإيقاعات المحلية (المقسوم أساسًا) وصناعة صوت يميّز إنتاجه الموسيقي التخليق هو عملية مرور الإيقاع التقليدي الذي تنفذه آلات تقليدية في عملية ضبط إلكتروني للسرعة quantization يجعلها قابلة للدمج مع آلات إيقاعية إلكترونية منضبطة.
بدأ حميد الشاعري هذه العملية بإمكانيات ومعرفة موسيقية محدودة اختزلت معظم الإيقاعات في قالب المقسوم المركب إلكترونيًا، حتى الإيقاعات الليبية البدوية والمغربية. لكن طارق مدكور استخدم إيقاعات متعددة منها الغربي ومنها المصري والخليجي المركب والمغربي. كانت نانسي عجرم أكثر المطربات اللاتي انسجمن مع طبعة المقسوم الخاصة بطارق مدكور. بدأ التعاون في آه ونص التي رسمت قالبًا لأغنية مقسوم راقصة وزادت سرعة التيمبو بشكلٍ ملحوظ، وهي نقلة في ذلك الوقت عن سواها من المطربات. استمرت نانسي بتقديم هذا القالب كخط أساسي في أغنياتها حتى الآن (أصلي – إيه اللي جرالي – عيني عليك – معجبة مغرمة – أعمل عاقلة). بدأت نانسي مع مدكور كذلك خطًا آخر ميّز أغنياتها بنكهة إلكترونية الطابع Electronic Funk (ياي سحر عيونه – يالا – لسه جاية اقوله) واستمرت بعدها بتدعيم هذا اللون من السِنث بوب في أغنياتها مع الموزع اللبناني هادي شرارة (فيه حاجات – ومعاك – شيخ الشباب).
تميزت نانسي عجرم فيما بعد باستخدام الإيقاعات المخلّقة من إيقاع تقليدي وإيقاع إلكتروني، فقدمت الإيقاعات الخليجية بذات النكهة مع المصري محمد مصطفى في يا كثر وغيرها، وقدمت الدبكة اللبنانية المخلٌقة في أغنيات اتجهت بها إلى النكهة الشعبية المحدثة التي طبعت الأغنية الرحبانية الخفيفة والمؤلفة على السلالم الكبيرة في تعاوناتها المتعددة مع الثنائيين نزار فرنسيس وسمير صفير من جهة، وفارس اسكندر وسليم سلامة من جهة، في أغانٍ مثل شيخ الشباب وماشي حدّي.
بثت نانسي بجرأتها الإيقاعية وذكاء اختيارها للإفيه الشعري المصري أو اللبناني حيوية جديدة في البوب النسائي العربي، واستفادت من هذه الصيغة العديد من المطربات خروجًا على التقسيم الذي كان المطربون الرجال فيه يحتكرون السرعة الإيقاعية وأداء الجمل القصيرة جدًا التي تتعلق بها الأذن catchy phrases، وكذلك تخليق الإيقاعات. أيضًا، ورغم احتفاظها بخط كلاسيكي الكلمة واللحن حرصًا على التواجد في ساحة مطربات مثل إليسا ونوال الزغبي وأصالة وأنغام وشيرين، ظلت نانسي عجرم متجددة باستثمارها في الأغنية السريعة وتعاملها المرن مع تطورات الهندسة الصوتية وعالم الصوت الإلكتروني.
ترافق صعود نانسي عجرم مع صعود الأغنية المصورة، حيث بات الحضور البصري للمؤدي طبقة جديدة تضاف للتلقي إضافةً إلى المحتوى الغنائي والموسيقي، وأصبح الخيال المرئي إطارًا لتصنيع صورة المطرب، وجزء كبير من صوته. في مرحلة أخاصمك آه وآه ونص، اعتمد النجاح العابر للحدود لنانسي إلى مدىً بعيد على ظهورها وأدائها لشخصية فاجأت جمهور المرحلة: استعارة واضحة لصورة فتاة شعبية تشبه في الكثير من الملامح الشكلية والأدائية ديفا في أفلام الأبيض والأسود المصرية. يدور الفيديو الأول داخل قهوة تذكر بأفلام هدى سلطان – وفساتينها – مع فريد شوقي، حيث تغني نانسي وترقص محاطة بنظرات الرجال المتبارين في إظهار عضلات مفتولة، تغازلهم محتفظةً بالمسافة، لينتهي الفيديو بالخناقة الشهيرة بين الرجال السكارى وتكسير الكراسي. أما في الثاني فزاد الانخراط في مفردات البيئة الريفية المصرية، حيث استُلهم الإغراء فيه من جلسة الفتاة على طشت الغسيل، بالجلابية البلدي لهند رستم، لتغمز مشترطة “يابني اسمعني … هتدلعني … تاخد عيني كمان”، بصياغة ذكية للشاعر المصري أيمن بهجت قمر وإيقاع المقسوم الذي تميّز طارق مدكور بتركيبه.
يتذكر من عاش المرحلة كيف كان استقبال نانسي صاخبًا ومثيرًا لجدلٍ واسع. لم يختلف أحد على الانجذاب الكبير إلى الفتاة اللبنانية الجميلة المغرية، التي ترقص وتغمز وترمي بتعاويذها الحسية في كل لفتة، وتحتفظ على مستوى آخر بضحكة فرحة بريئة تنزع عن تلك الإثارة شيء من أنثويتها، تاركة مساحة لعوب لطفلة يمكن اعتبار ما تفعله شقاوة لا تخيف أباها المذعور كثيرًا، إذ يمكن إخمادها في النهاية بزجرة بسيطة.
على مستوى آخر كانت لغة الفيديو مزعجة لجمهور اعتاد على حفظ تلك المشاهد على شريط السينما فقط، وخشيَ من تداولها الواسع على قنوات فضائية منها ما بات يتخصص في إذاعة الأغاني المصورة فقط. هذا التوجس لم يكن بعيدًا عن الحقيقة، فبعد أخاصمك آه تكاثرت وانتشرت الفيديوهات لمغنيات لبنانيات تتمثلن صورة نانسي عجرم، وتشكل خط منفصل يمكن معادلته بخطوط البورن ميوزك في البوب الأمريكي.
كيف فكرّت نانسي؟ هناك بالتأكيد شعبية فائقة يجب الحفاظ عليها وزيادتها، لكن تلك الصورة الأولى التي صنعت الشعبية تنذر بالانضمام لصف مغنيات الإغراء الذي تتزايد مؤدياته. بسرعة بدأت نانسي ونادين لبكي، ومن بعدها المخرجة ليلى كنعان، بإنتاج نوعية مختلفة من الصورة؛ صورة الزوجة التي يقهرها زوجها بالخيانة أو عدم الإنصات لمشاعرها (إنت إيه – فيه حاجات)، والزوجة التي تشكو إنه مطلع عينها (يا طبطب وادلع) وصورة العروسة المحبة (لون عيونك)، وصورة الحبيبة المضحية والمغرمة بحبيبها فاقد السمع (مين ده اللي نسيك) أو الحبيبة الطفولية الغيورة (ماشي حدي – معجبة مغرمة).
زادت نانسي عجرم الحيوية المبهجة التي يزينها أداؤها المرح المتغنج، مع تأكيد على استدعاء أنماط كلاسيكية بصرية مثل ابن الجيران وشيخ الشباب، وغيرها مما تستدعي الدلع في منطقة آمنة كما في قول تاني كده، أنا ياللي بحبك، الدنيا حلوة وعيني عليك؛ وصار واضحًا أن الخط الجديد معني بتعديل الصورة، باستثمار وتوسيع مساحة الطفلة الشقية على حساب مساحة الأنثى / المرأة المغرية. يبدو أن هذا التصور جاء ملائمًا لجمهور نانسي، الذي احتفظ بإقباله على أغانيها المصورة، لكنه كذلك تصور يطرح أسئلة عن نوعية هذا الإقبال.
في معرض حديثه عن ظاهرة الجهاد (يقصد الجهاد الأصولي بشكل عام)، استخدم المفكر بنجامين باربر تعبير الفيديولوجي، بمعنى تعميم الصورة عن نمط الحياة والثقافة المرغوبَين، واستخدام الصورة في التأصيل لوجود الجهاديين المادي وحياتهم اليومية وعملياتهم. فكما تعمم العولمة أنماطها عن الحياة الإنسانية المشتركة عابرة الحدود والهويات، ومظاهر التشابه والانخراط في نمط موحّد للتسوق والاستهلاك، يعمم الأصوليون حنينهم إلى صورتهم الثقافية المرغوبة، ويشاركهم جمهورهم هذا التصور عبر الصورة (الفيديوهات) اليومية المنشورة والمعممة.
يمكن سحب هذا المفهوم على غزو الصورة للأغنية بعد انتشار الأغنية المصورة. في البداية، كان عالم الغناء والصوت يسمح لمطربة واحدة بالتمويه والتلاعب بمناطق متداخلة، كون الصوت وحده وسيط مجرد قادر على الإيحاء غير المكتمل، يحتاج إلى مخيلة المستمع لتكتمل صورته. أما في الأغنية المصورة، فتلعب الصورة دور سلاح الضد، وتنحت شخصية صاحب الصوت لتكبّل حرية اللعب بالشخصيات التي كان الصوت قادرًا عليها عندما ينفرد بالملعب، وهو تحدٍّ من نوع جديد لمطرب/ة يسعى لتنويع صورته وصوته هربًا من القولبة.
لو افترضنا تقسيمًا للمناطق الشعورية التي تغني النساء العربيات انطلاقًا منها عن الحب، منذ اقتحامهن لفنون الأداء الحديثة في النصف الأول من القرن العشرين، يمكن أن نراه يتوزع على: ١- منطقة تتحدد فيها الأنثى بالهوية المقبولة اجتماعيًا، منطقة معتمدة (الدلوعة الحلوة / الأم / الزوجة / الحبيبة المريمية)، منطقة فرحة تطهرية (بيوريتانية). ٢- منطقة تسمح بالتعبير والاستبطان الذاتي، وهي المنطقة التي شكلت مشروعات غنائية تسمح بتعددية أكبر في الهويات الأنثوية (سميرة سعيد، سيمون)، ولا تقصرها على ما يتطرق إليه الذهن مباشرة. ٣- منطقة إغرائية ومراوغة تتسيّدها الاستعارات والدلالات الجنسية، وبالتالي تتيح أيضًا تعدديات واختلافات عن المتفق عليه الواحد.
لدينا صورة عن أم كلثوم وفيروز أكثر ثباتًا من تلك التي لـ صباح أو لشادية. منحت السينما والاستعراض صباح وشادية وسيطًا لاختبار المهنية، لاختبار المدى الذي تستطعن الذهاب إليه بالتخييل برغم ظهورهما المرئي، برغم سلطة الصورة الطاغية، ونجحت صباح وشادية. بينما فرضت الحفلات المصورة لأم كلثوم وفيروز عليهما أن تحملا شخصيتَيهما لمهنتهما، فتصير العظمة وشموخ الوقفة طيفًا مصاحبًا للصوت، لا يمكن الهروب منه ولو رق الصوت أو انكسر أو تغنج.
أما نانسي عجرم فأتاحت لها الأغنية المصورة نفس الاختيار الذي أتيح لصباح وشادية، وهي أيضًا تحمل من ملامحهما خفة الدم والحضور الأنثوي والصوت القريب المتغنج، لكنها لم تسلك الطريق لمهنتها بذات الكيفية. اختارت نانسي شريحة جمهورها الباحث عن المنطقة بين البنت والمرأة، وهي منطقة قد تبعث “فتنة الحورية” (بتعبير الكاتب حازم صاغية)، أو تستعذب الطفولة المحتجزة في عمرها، فلا تكبر بينما تكبر البنت لامرأة. استهدفت نانسي الميل الطفولي لجمهورها، بدلًا من الشباب والكهولة بما يحملانه من أسئلة.
يشير حازم صاغية إلى اختيار نانسي الواضح في وصفه لعمليات التجميل التي أجرتها:
“فمن جهة، لم تقلص نانسي خديها، المتروكين لقرص الأب المفترض، على ما فعلت زميلاتها الأخريات في حرصهن على اكتساب شكل غربي بسيط وضعيف المخيلة. لكنها من جهة أخرى، غلظت شفتيها وقدمتهما قليلًا إلى الأمام. ربما قيل بحق إن الشفاه، في حالة نانسي، لا تؤدي الوظيفة الصريحة والمتوقعة لشفاه جون كولينز أو إيزابيل أدجاني. فبالاكتناز النسبي الذي أبقته لوجهها، تطفّل نانسي جنسية الشفتين وتسكّن حدة الإغراء فيهما، وهي غالبًا ترسل من ورائهما بسمة تخون الإغراء المألوف والمطنطن كما قد تمارسه نجمة كبيرة، أو سيدة محترمة آثرت أن تجافي الاحترام قليلًا.”
نتحدث هنا عن نزوع بيدوفيلي تغذيه الصورة، سواء كانت لشابة أو لامرأة. فيعتمد الحب والقبول على رغبة رجل في قرصة خد صبيّة لا تخلو من إثارة، واطمئنان سيدة أن لفتة مثيرة لن تخدش احترامها. هناك في الخلفية دائمًا صورة لطفلة لا تكبر، طفلة تبعث على الاطمئنان.
يصبح هذا مفهومًا مع اتساع شعبية نانسي عجرم على التوازي مع صعود ظاهرة الفن الهادف والسينما النظيفة، وتوسع شعبيتها الفريد في السوق المصري في ذاك الوقت، وهو السوق الذي تشبّع بذلك الخطاب عن سينما يذهب إليها جميع أفراد الأسرة ولا تخدش الحياء. فالفنانة غير المصرية الوحيدة التي تقبّل الجمهور المصري أن تحيي أفراحه الوطنية بجملة أنا مصري وأبويا مصري، وهلل لغنائها ورقصها على أغنية يا واد يا تقيل – التي يصعب استدعاء روح مغنيتها المهولة دون لوم وتقريع، بات عليها أن تصبح هي أيضًا المطربة التي يُقبل عليها جميع أفراد الأسرة، فتخصص ألبومًا للأطفال وتظهرهم بصورة أكبر في فيديوهاتها، ولا تخدش الحياء.
يعتمد تفسير كلمة الحياء هنا قسرًا على العلاقة بالنساء. فالحياء الذي تحذف المشاهد الخادشة له هو الحياء تجاه ما يُخجِل؛ تجاه العار الذي تحمله القبلة واللمسة والمشهد الجنسي. إذ لم نعرف في مشاهد السينما النظيفة أي حياء يخص الألفاظ البذيئة، وتلميحات التحرش الجنسي التي تحطّ من قدر نفس النساء الممنوع لمسهن، إلا ربما في حالة الضرب. تلك الصورة التي حاولت نانسي تقديم معادل لها هي صورة ممثلات الأفلام النظيفة، ممثلات لا يلمسهن من يذبن فيه غرامًا من الممثلين. فنرى نانسي التي تتغير صورتها تدريجيًا تجنح للاستعانة بمودلز وراقصات لأداء كل ما يلمّح للجنس وإشاراته، بل حتى للدلع وحركاته (فيديو ومعاك – ألبوم نانسي ٩).
تنأى نانسي بنفسها عن مواجهة مع هكذا جمهور ورؤية كهذه للجمال والحياء. تُخضع ذلك الجزء الأنثوي لرؤية الذكور المستهلكين والداعية الجماهيري الذي طغت سطوته في ذلك الوقت خصوصًا على جمهور الشباب (ظاهرة عمرو خالد في مصر)، وتزكي في الإناث الطاعة والانصياع لصورة الأنثى التي يطلبونها. المشكلة الثانية التي وقعت فيها فنانات السينما النظيفة هي التماهي الكامل لشخصياتهم المتخيلة في أعمالهم مع شخصياتهم الحقيقية. فقد اختصر المفهوم المسافة بين الخيالي والواقعي بشكل مخل، أفقد عملية التمثيل مصداقيتها تدريجيًا، ليصير التعليق على شخصية في فيلم حكمًا على سلوك ممثلة وانحرافها من عدمه. حتى صارت الممثلة تتقمص الدور الذي تريده لنفسها في الحقيقة؛ تتمثل الصورة التي سيحكم الجمهور على شخصها من خلالها، وتستبعد من سجل أعمالها أشكال الانحراف كما يعرّفها الجمهور. ربما لهذا تحول النص الغنائي لنانسي عجرم تدريجيًا إلى نص خالي من المفاجأة التي ميزت ظهورها الأول، وتماهت مشاهدها التمثيلية أكثر فأكثر مع الصورة التي تريدنا أن نتحدث عنها “لما نجيب سيرتها”.
ربما يكون اختلاف الحقبة الزمنية، وظهور نانسي وسط جمهور الطهارة، هو ما دفعها نحو الاختيارات محل الإجماع الأكبر، العابر للمجتمعات العربية كما نعرفها جميعًا، والتي ربما انتهت إلى احتجازها هي شخصيًا، حتى بدت في ألبوماتها الأخيرة أقرب كثيرًا إلى صورتها العائلية أو صورتها كسفيرة للجمعيات الخيرية على إنستجرام.