fbpx .
خيام اللامي أبوتومي ليما مقامات معازف Khyam Allami Apotome Leima Scales Ma3azef

هذه حجّتي | مقابلة مع خيّام اللامي

أدهم زيدان ۲۰۲۱/۰٦/۱٦

بعد مسيرة حافلة شملت عدة مشاريع فردية وجماعية كان من أبرزها فرقة الألف، وتأسيسه تسجيلات نوى التي أصدرت ألبومات فارقة مثل أهوار لـ ندى الشاذلي وبنحيي البغبغان لـ موريس لوقا، اتجه خيّام اللامي إلى التعامل مع مشكلة واجهته في شتى مساعيه الموسيقية كعازف ومؤلف ومنتج، رأى لها أبعادًا عميقة على إنتاج الموسيقى العربية اليوم، وهي انحياز برامج الموسيقى التام إلى المعايير الغربية من ناحية التنغيم والسلالم الموسيقية والموازين الإيقاعية.

ليخوض هذه المهمة الملحمية، سجّل خيام في برنامج دكتوراه في التأليف الموسيقي في جامعة برمنغهام سعيًا منه للتبحر في إمكانيات الموسيقى العربية إلكترونيًا، ثم بدأ العمل على تطوير برنامجَي ليما وأبوتومي، اللذَين يقدم من خلالهما حله لمشكلة برمجيات الموسيقى الغربية. ليما وأبوتومي متاحان للاستخدام مجانًا من خلال أي متصفح إنترنت عبر هذا الموقع. حاز خيام اللامي على جائزة إيساو توميتا لهذا العام عن برنامجه أبوتومي، في مهرجان آرس إلكترونيكا.

في المقابلة، يستخدم خيام اللامي مصطلح “التنغيم” للدلالة على ما نسميه عادة في معازف، وكما هو رائج، الدوزان. ذلك لأن عدم اعتماد مرجعيةً غربية، سواء لغوية أو نظرية أو حتى رؤيوية هو أمر محوري في مشروع خيام. في التنغيم، يرى خيام إثراءً للمفهوم، إذ يشير إلى عملية صناعة النغمة، أي اختيار الرنّة المرغوبة، بينما في الدوزان نُحيل الوتر إلى مرجعيّة خارجة عن العازف. الدوزان تطبيق لنظام موجود، بينما التنغيم هو نظام بحد ذاته.

أجرى المقابلة أدهم زيدان، موسيقي ومنتج ومهندس صوت من القاهرة، وترجمتها أميرة المصري.

الصور المستخدمة في المقال إهداء من كاميل بلايك.


أدهم: في البداية أريد أن أقدم تعريفًا وجيزًا للقراء بالتنغيم حسب ما توصلت إليه من خلال البحث، وأرجو منك أن تصححني إن فاتني شيء. على مدار قرون، اتبع تنغيم الموسيقى الغربية نظام التقسيم المتساوي على اثنتي عشرة نغمة، ويعني ذلك تقسيم الأوكتاف المكوّن من نغمتين بمعدل تردد ٢:١ على نفس النوتة إلى ١٢ جزءًا متساويًا.

أما الموسيقى العربية فتستخدم نغمات مختلفة غير موجودة في نظام الـ١٢ نغمة وهي المايكروتون، أو حسب ما دَرَج، الربع تون. عادة ما يشار إلى هذا بنظام التقسيم المتساوي على ٢٤ نغمة، حيث توجد ربع نغمة ما بين كل نغمة نصفية. الوصفان، الـ١٢ نغمة والـ٢٤ نغمة، غير دقيقان فيما يخص التنغيم النقي القائم على السلسلة التوافقية أو النسب بين النغمات. إذا كان معدل الأوكتاف ٢:١ مثلًا، سيكون معدل الدرجة الخامسة المثالية ٣:٢، ومعدل الرابعة المثالية ٤:٣، لكن هذا لا يتحقق بشكل مثالي في أي من النظامين.

هناك أيضًا أنظمة تنغيم أخرى تقسم الأوكتاف إلى ٧ أو ١٩ أو ٢٢ أو ٣١ أو ٥٣، أو حتى ٧٢ نوتة. يعود وجود هذه الأنظمة إما إلى الرغبة في الوصول إلى التنغيم النقي، الأمر الممكن حدوثه فقط في إطار مقام موسيقي واحد، أو إلى الحصول على نغمات غير متاحة سوى عبر هذا التقسيم. مع ذلك، تتطلب كل أنظمة التنغيم التضحية بعنصر ما. في نظام ١٢ نغمة مثلًا، تنخفض الدرجة الرابعة ٢٩ سنتًا، بينما تنخفض الدرجتان الرابعة الكبيرة والثالثة الكبيرة ١٤ سنتًا. أما في نظام ١٧ نغمة تنخفض الدرجة الرابعة ٤ سنتات. هكذا تكون الدرجة الرابعة أكثر نقاءً، لكن الدرجة الثالثة الكبيرة ستنخفض ٣٣ سنتًا، وبذلك لا تصبح الثالثة الكبيرة فعليًا. كما توجد أنظمة تنغيم أخرى لا تتساوى فيها المسافات بين كل نغمتين، مثل تنغيم فيثاغورس أو تنغيم المعدل المتوسط، لكن عادة ما ينتج عنها على الأقل مسافة واحدة غير قياسية في الأوكتاف، ويطلق عليها مسافة متنافرة. هناك أيضًا أنظمة تنغيم لا تقوم على تكرار الأوكتافات من الأساس، مثل سلّم ويندي كارلوس الذي يستخدم مقياس ألفا – بيتا – جاما، لكنني لن أخوض فيه لأنه خارج نطاق موضوعنا. هل هذا ملخص وافٍ للموضوع؟

خيام: نعم، عظيم. أريد فقط إضافة أن ما ذكرته من طرق تمثيل قائمة على البحث الذي أجريتَه، أي أنه يقوم على المعرفة المتاحة وكيفية تمثيل هذه المعرفة. لكن رؤيتي وطرحي للتنغيم مختلفين، وهدفي هو البعد عن هذه المقارنات والتفكير في جوهر موضوع التنغيم وما تعنيه لصنع الموسيقى. بالنسبة لي، التنغيم في الأساس هو نسب أو قيمة النغمات المختلفة المستخدمة في ثقافة موسيقية معينة؛ وهناك قدر لا بأس به من توثيق تعريفات هذه النغمات عبر العصور. يمكن اختصار معظم هذه الاختيارات في العلاقة الداخلية والمعقدة بين كل من النغمة والخواص الفيزيائية وعناصر أخرى يمكن أن نطلق عليها جماليات محلية. يعني ذلك أن الثقافات المختلفة في مناطق مختلفة من العالم استقرت على استخدام طبقات معينة لأن أصواتها أعجبتهم. كما تأثر هذا الاختيار، في بعض الأحيان، بالمواد المستخدمة في صنع الآلات. عندما كانت الآلات تُصنع من الأوتار والأحشاء، كانت لها رنة خاصة ترتّب عليها شكل محدد من التنغيم. بينما في حالة استخدام آلات خشبية من طراز السيلوفون، مثل الماريمبا في أفريقيا، أو آلات معدنية من البرونز، مثل في الصين وإندونيسيا، تختلف رنة الصوت تمامًا، وتسمع توازنًا مختلفًا من حيث التوافقيات الصوتية في كل طبقة. بذلك تتكون علاقات لا تعتمد على الذائقة وحسب، بل وعلى المواد المستخدمة أيضًا. 

أي أنك تنغّم على أساس خامة صوت الآلة.

خامة صوت الآلة مرتبطة مباشرة بإدراكنا للنغمة، بسبب تمثيلها التوافقيات الصوتية. عندما تصنع آلة عليك أن تحدد النغمات التي يمكن عزفها عليها، سواء كنت تستخدم آلة وترية ذات عنق أم أداة تستخدم الأوتار بطرق مختلفة – مثل القانون أو الكوتو أو السنطور، أم كنت تستخدم موادًا أخرى ذات خواص مادية تحدد النغمة المستخدمة. هذا هو التنغيم بالنسبة لي، بعيدًا عن كل هذه المقارنات والتمثيل باستخدام تقييم السنت، ونظام فيثاغورس في مقابل التنغيم النقي. أؤكد على أهمية هذه النقطة لأنها برأيي تساعد على فهم الموضوع بعيدًا عن النظرة والتناول الغربيين له، وهو السائد في وقتنا الحالي.

وهذا مهم لأننا نستمر في الإشارة إلى مرجعية مختلفة، يصعب التعمق فيها وعقد المقارنات معها.

بالضبط، هي مشكلة ناتجة عن التمحور حول مركز واحد. مهما حاولنا التفكير في التنغيم كعنصر أساسي في كل الأنواع الموسيقية من كل الثقافات، والتعامل مع جميع الثقافات الموسيقية بشكل متكافئ، سنجد ذلك شديد الصعوبة لأن الأدبيات الموجودة عن الموضوع دائمًا ما تتمحور حول التقسيم المتساوي، أو مبدأ فيثاغورس والمفهوم المختلق بأن اليونانيين اخترعوا كل شيء، أو على السلسلة التوافقية وما يحيط بها من نظريات، وطرق تمثيلها المرتبطة بالمنظور التنويري أو الرومانسي الغربي لماهية الموسيقى، أو ما يمكن أن تكونه.

كنت أعتبر ذلك من المسلمات. السلسلة التوافقية إذًا ليست واحدةً في كل الأنظمة، أي أنها ليست من الخواص المادية. هل هي مرتبطة أيضًا بالمواد المستخدمة؟

اعتقادك بأن السلسلة التوافقية مرتبطة بالخواص المادية صحيح. إذا ضربت على طاولة أو وتر ستجد سلسلة توافقية في ذلك. السلسلة التوافقية موجودة في كل ما يخص الصوت. لكن من المهم أن نتذكر أن السلسلة التوافقية تتضمن ترددات كثيرة جدًا، معظمها لا يمكننا إدراكه. لذلك فإن أكثر المسافات التي يمكننا سماعها هي النغمة الأساسية، الدرجة الخامسة من الأوكتاف، بالإضافة إلى جزء ضئيل من الثالثة والسابعة، وذلك بسبب مدى سمعنا. السلسلة التوافقية في النهاية مسؤولة عن خامة الصوت والطريقة التي نتفاعل بها مع نوعية الصوت، وليس عن مادة النغمة التي أنتجت الصوت. ستلاحظ مثلًا في مفهوم التنغيم النقي أن النسب الموجودة في السلسلة التوافقية دائمًا ما يتوجّب خفضها إلى مدى الأوكتاف ليصبح استخدامها ممكنًا. قد تستخدم النغم المتوافق الـ٤٩ أو ٢٢ من التردد الأساسي، لكن هذا أمر لا يمكننا تمييزه. هذا ما أعنيه بأنه مفهوم مختلق، لأن ما ندركه في النهاية هو صوت الآلات وكيف نشعر عند سماعه. إذا ضربت لوح الماريمبا الخشبي، ستسمع توافقيات صوتية معينة، وإذا ضربت وترًا ستسمع توافقيات أخرى. هذا لا يعني بالضرورة أنه من الممكن اختيار هذه التوافقيات وبناء نظام تنغيم قائم عليها. ثمة طرق لفعل ذلك لكنها محدودة للغاية، ولا يمكن تجاوز التوافقيات الـ١٧ أو الـ١٩، لأنك لن تسمع ما بعد ذلك بدقة كافية. ينبغي لنا أن نتحرى الدقة في هذا الموضوع كي لا نستمر في طرحه ضمن هذا الإطار الذي أنتج طريقة تمثيل مشوهة لا تضع جميع الثقافات الموسيقية في مكانة متساوية.

ما هو الإطار الذي تقترحه إذًا؟ هل ترى الموضوع في إطار ثقافي؟

هناك عاملان محركان كما ذكرت سابقًا. الأول مرتبط بالتحول المادي للنغمة والترددات من خلال المادة، وهذا العنصر له تأثير كبير على نوع التنغيم المستخدم. أما الثاني فهو عامل ثقافي. في الأنظمة العربية والإندونيسية مثلًا، تجد مسافات بنسب لن تجدها بسهولة في السلسلة التوافقية. قد تجد طريقة ما للتوصُّل إليها لأن السلسلة التوافقية لها امتداد لا نهائي ويمكنك بناء فرضيات كثيرة على أساسها. لكن عمليًا هي غير موجودة. ما تطور عبر الزمن هو نتاج تضافر هذين العاملين. أي آلة تصدر صوت لها خواص مادية، سواء كانت وترًا، أم لوحًا من البرونز أو الخشب، أم جلدًا على طبلة. هناك أيضًا التفضيل الثقافي لشكل معين من التفاعل أو الإحساس أو اللحن، إلخ. عندما يلتقي الاثنان يتفاعلان ويصنعان أنظمة تنغيم متباينة في مختلف أنحاء العالم. 

أي أداة جديدة تُصنع بغرض حل مشكلة معينة. ما المشكلة التي كنت تسعى لحلها عندما صممت أبوتومي وليما؟

أظن أنها مشكلة متعددة النواحي. أولًا، عدم تمثيل أنظمة التنغيم من جميع أنحاء العالم بشكل تعبيري في التكنولوجيا الموسيقية اليوم. ثانيًا، قلة الحرية الموسيقية المتاحة للفنانين الذين لا يرغبون في العمل بنظام الـ ١٢ نغمة المتساوية. ثالثًا، مشكلة التعليم كما ذكرت أنت في البداية، والتعامل مع الأمر على أنه هامشي. المعلومات محجوبة إلى حد كبير وتتطلب الكثير من العمل والطاقة والوقت لفهمها وتطوير أفكار تستند إليها. أظن أن هذه هي العوامل الثلاثة الأساسية.

هل هذا سبب اختيارك لصنع المشروع في متصفح بدلًا من تطبيق أو بلَج ان يعمل على منصة تحكم صوتية رقمية؟ هل هذا مرتبط بإتاحة الأداة بعيدًا عن أية قيود تقنية؟ وهل كان هذا تصورك منذ البداية؟

بالضبط. بدأت العمل على أداة تعمل فقط داخل برنامج آيبلتون لايف، اسمها كوما، صممتها باستخدام ماكس فور لايف. بعدها فُتحت أمامي كل هذه الأبواب، لأنني أدركت أن الجانب التقني أسهل ما في الأمر. أصعب شيء كان كيفية تمثيل هذه المعلومات وإتاحتها، من حيث الرؤية أو المنظور المستخدم في ترجمة هذه الأفكار. عندما أقول إن التقنية سهلة ولطالما كانت موجودة أعني أن إمكانيات التنغيم متاحة بالفعل في ميدي، وهي اللغة الأساسية في كل البرامج والأجهزة الموسيقية، فيما عدا الأنظمة القياسية البحتة. إمكانيات التنغيم متاحة في ميدي منذ ١٩٩١، لكن طريقة تمثيلها كانت محدودة للغاية. يمكنك شراء سنثات معينة تتيح تنغيم مايكروتون، أو يمكنك استخدام برامج لنفس الغرض، لكن حتى هذان الاختياران محدودان بشكل ما ولهما منظور محدد. لم تكن هناك أداة تستوعب كل الثقافات الموسيقية وتعطي الحرية الفنية والصوتية كاملةً في نفس الوقت.

هناك شيء ناقص دائمًا. هكذا أدركت أن طريقة عرض الموضوع وإتاحته، وما نبرزه من عناصر لتعبر عنه، كل ذلك على نفس درجة أهمية إتاحة التكنولوجيا، إن لم يكن أكثر أهمية. كان يمكن أن أصدر كوما قبل ٤ سنوات، وقت تصميمها، وأن أتيحها للجميع، لكنني قررت ألا أفعل ذلك لأنني لم أكن جاهزًا لتوفير معلومات عن سياق الموضوع تسمح للناس بفهم مدى أهميته، والأهم من ذلك كيفية استخدامه بشكل مفيد. ليس من المنطقي أن نتحدث عن كل هذه العناصر غير الموسيقية، مثل الجانب التاريخي والسياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ثم نصدر أداة لا تقدم أية معلومات عن السياق. إذا فعلت هذا أكون قد اتبعت نفس منهج التعامل الإكزوتيكي مع كل هذه المواضيع وتهميشها، وهذا ليس ما أريده. استخدام الإنترنت كواجهة منحنا حرية أكبر في عرض معلومات معينة بشكل مفيد، لكنه أعطانا أيضًا حرية ما من حيث السماح للمستخدمين بإعطاء معنى لما يصنعونه، وهذا على نفس القدر من الأهمية بالنسبة لي. 

بالنسبة لي، الفردية أو قدرة الفرد بنفس أهمية طرق تناول الأفكار الثقافية أو التراثية. السماح للناس بكسر القوالب والتحرر من القواعد، بطريقة ذات مغزى، على نفس القدر من الأهمية، وكذلك مدى إتاحة الأداة. إذا صممت أداةً تُستخدم فقط في ماكس فور لايف، يجب أن يمتلك المستخدم البرنامج، ويعني ذلك أنه يجب أن يكون قادرًا ماديًا على شراء كمبيوتر يشغّل البرنامج بكفاءة، إلخ. لكن المتصفح متاح أكثر وأسهل في الاستخدام، كما يسمح لنا بطرح تحديثات وأفكار جديدة والتطوير بسهولة دون الاعتماد على إصدار نسخ من التطبيق نفسه، ما قد يتعارض مع استخدامه على نسخ برامج معينة. كان من المهم أيضًا أن نفكر على المدى الطويل.

هل يمكن القول إنك ترى ليما كتطور لكوما؟

نعم.

يعني ذلك أن كوما وليما متشابهان، فيما عدا أن الأولى تتيح تصميم تنغيم خاص دون أي إعدادات جاهزة أو معلومات إضافية؟

نعم ولا. هناك وظائف في كوما غير متاحة في ليما، والعكس صحيح. يعود هذا إلى قيود الواجهة التي عملنا من خلالها، أَي ماكس أو جافاسكريبت أو تون جاي-إس، وإمكانيات ميدي على الويب. أهم إمكانية في ليما أنها تتيح مخزنًا لأنظمة تنغيم، ما يسمح للناس بالاستكشاف والتعلم أكثر. هذا غير موجود في كوما لأن المساحة محدودة، أما ليما فيمكن تحديثها وتطويرها باستمرار. الأهم من ذلك طريقة تمثيل عناصر أساسية من مادة النغمة التي أمامك. النقطة المحورية في ذلك، بالنسبة لي، أن طرق التمثيل الغربية غالبًا ما تتعامل مع التنغيم والسلم الموسيقى كأنهما شيء واحد. هذا لا يعبر بشكل دقيق عن طرق استخدام التنغيم في ثقافات معيّنة. عندما نُغفل تمثيل استخدامات بعض الثقافات للتنغيم يفقد التمثيل معناه. على سبيل المثال، إذا فتحت برنامج لوجيك وذهبت إلى تفضيلات المشروع، يمكنك تحديد التنغيم من قائمة فيها إعدادات جاهزة، ويمكنك تحديد السلم، لكن لا يمكن حفظ هذه الإعدادات. 

يجب أن تُدخلها كل مرة.

نعم، يمكنك حفظ نموذج واحد فقط. في هذه القائمة مثلًا تجد نظام اسمه الفارابي، أو شيء من هذا القبيل. عندما تحمّله تجد تنغيمًا مقسمًا على ١٩ نغمة في أوكتاف واحد فقط، أي ١٢ نغمة. يؤدي ذلك إلى ضياع النغمات السبع الأخرى. هذه مشكلة جوهرية في فهم طريقة التنغيم في أنحاء العالم. في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا والهند، وهذا جزء كبير من العالم، يضم التنغيم كل هذه النغمات المختلفة الممكن استخدامها، لكن الموسيقى التي تُصنع في الحقيقة غالبًا ما تكون إما على سلم خماسي أو سباعي، أي أن كل أوكتاف فيه خمس أو سبع نغمات. تُعد هذه مجموعة جزئية من المجموعة الأساسية. التفريق بين التنغيم والسلم أو الوضع الموسيقي شديد الأهمية، لأن هذا قد يترجَم في التقنية المستخدمة اليوم إلى أننا لا نحتاج إلى أجهزة عدا كيبورد ميدي ذي ١٢ نغمة. الفكرة أننا غالبًا ما نتعامل مع سلالم سباعية، مع بعض نغمات خارج السلم التي قد تقع منفردة على نحو متفرق. في النظام العربي مثلًا، بعض نظم التنغيم تقسم على ٢٥ نغمة، أو ١٧ نغمة، أو ١٩ نغمة، بتقسيمات مختلفة للأوكتاف، لكن في النهاية تترجم هذه التقسيمات إلى مجموعات سباعية، أي أن كل أوكتاف يحوي ٧ نغمات مع بضع نغمات متفرقة خارج السلم. هناك أيضًا طريقة الانتقال من مقام إلى آخر. هناك مسافات معينة لا تتكرر أبعد من الأوكتاف بطرق مختلفة، لكن هذا لا يعني أن كيبورد الـ١٢ نغمة لا يمكن استخدامه لترجمة هذه الأنظمة. هذه نقطة مهمة جدًا.

على ذكر التنغيم في مقابل المجموعات الجزئية في هذا النظام، عندما نعقد هذه المقارنة أجد نفسي أعود إلى المرجعية المتمحورة حول السلم الكروماتيكي، في مقابل أي سلم آخر كالسلم التناسقي الصغير مثلًا. في النهاية، أنا أعزف ٧ نغمات وهناك ١٢ نغمة. عندي مشكلة شخصية مع كيبورد الـ١٢ نغمة والقياس المستمر عليه، لأنني أرغب بالمزيد من حرية الاستكشاف. ما يثير حماسي بشكل شخصي هو إمكانية الانسجام في هذه الأنظمة. قد يكون الانسجام مفهومًا غربيًا في الأساس من الناحية التاريخية، لكنني لا أراه كذلك. في حالة استخدام هذه الأنظمة البديلة، إذا كان أمامي ١٢ مفتاحًا فالأمر يشبه ضبط الأورج الشرقي، بغض النظر عن النغمة التي ستخرج بالفعل عند خفض نغمة المي ومدى دقتها. قد أكون قادرًا على استخدام الكيبورد وعزف كورد مينور يليه كورد ميجور، لكنني لن أكون قادرًا على لعب كورد على درجة السيكاه ثم تعديلها مباشرة إلى كورد على درجة ثالثة ميجور، أو استكشاف كل هذه المسافات الضئيلة بحرّية تامة. كانت هناك عدة محاولات لحل هذه المسألة عبر التاريخ، بتصميم آلات أورغ وهاربسيكورد تعمل بطريقة الكيبورد؛ وطبعًا في حالة عدم وجود دساتين لا ينطبق ذلك بالأساس. الآن هناك أجهزة كيبورد ميدي سداسية متساوية الأبعاد، مثل لوماتون أو تيربسترا، وغيرها. في محاضرة قدمتَها قبل بضعة أعوام في سي-تي-إم، تحدثت عن البدّال الذي صنعه عبد الله شاهين من لبنان للتحايل على هذا الأمر. كذلك هناك طريقة أخرى باستخدام مفاتيح إضافية أو جهازَي كيبورد مجتمعَين. ذكرت أنه في كل هذه الحالات لا نحتاج سوى ١٢ نغمة في المرة الواحدة، وهذا يعيدنا إلى نفس معضلة المركزية.

تقصد أننا ما زلنا نستخدم كيبورد البيانو ونرجع إلى الرؤية الغربية والتنغيم الكروماتيكي بشكل ما. أظن أن هناك عدة نقاط ردًا على ذلك. أولًا، معك حق أن استخدام الكيبورد المعتمد على ١٢ نغمة وحده مقيد. لكن استخدامه مع جهاز رقمي أمر آخر تمامًا، وهذه حجتي الأساسية. نستخدم اليوم الأدوات الرقمية في صنع الموسيقى واستكشافها، وهي تتيح لنا إمكانيات غير موجودة في الأجهزة المادية. كيبورد ١٢ نغمة كان وما زال مجرد جهاز ميكانيكي، يسمح بالضرب على وتر أو عدة أوتار، ما نطلق عليه تآلفات، بحد أقصى ١٠ أوتار في المرة الواحدة إذا استخدمت أصابعك فقط. قد تستطيع أن تضرب أكثر إذا استخدمت مرفقك أو ذراعك، لكن هذا هو الغرض منه في الأساس. أما في حالة استخدام آلة دولسيمر، وهي تشبه السنطور، يمكنك الضرب بمطرقتين فقط. إذا أقرينا بأن الكيبورد مجرد جهاز ميكانيكي وأن الصوت الصادر تنتجه الواجهة الرقمية، فلا يوجد ما يمنعنا من الاستكشاف بحرية، كما تقول، على نفس الجهاز. أقول هذا لسببين. ذكرتَ الانسجام في البداية، وأنا أيضًا مهتم بنفس المبدأ. لكن ما تعلمته هو أن الانسجام مفهوم غربي مرتبط بالانسجام والكاونتربوينت، حيث تتمازج عدة ألحان بعضها مع بعض. أما في البوليفوني فتتفاعل الأصوات المختلفة بعضها مع بعض، وهذا أمر مختلف تمامًا. أرى أن البحث عن أنواع جديدة من البوليفوني داخل هذه الأنظمة الموسيقية هو تصوير أدق للفكرة، بدلًا من البحث عن نوع جديد من الانسجام. لا أقصد بذلك التقليل مما ذكرته في البداية، لكن أظن أن اختيار المصطلحات مهم جدًا. 

عندما تفكر في البوليفوني تفكر في أصوات متعددة، قد تكون كوردات، أصوات يتداخل بعضها في الآخر. لكن عندما تفكر في الانسجام ترجع إلى رؤية غربية محددة للموسيقى تأتي من فترة زمنية معينة، الفترة الرومانسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والموسيقى النمساوية الألمانية المقتصرة على طبقة اجتماعية معينة وتدعمها الكنيسة وعدد محدود من الرعاة. أما البوليفوني فيشمل أنواعًا أخرى كثيرة من الموسيقى تستخدم هذه الأفكار خارج هذا النطاق. كما يمكن التفكير في البوليفوني المتأصل في رنة الأوتار التي نسمعها في الموسيقى الهندية، أو آلات الجاميلان الجاوي الإندونيسي، مثل الجونج أو الميتالوفون. مع الأسف، بسبب طريقة تناول هذه الثقافات الموسيقية والمكانة الفوقية التي تُعطى للموسيقى الغربية الكلاسيكية، ترسخت هذه الحدود الفاصلة وفكرة أن الانسجام غير ممكن في كل هذه الثقافات، لأن الانسجام مفهوم تطوّر في أوروبا وأصبح بناءً ثقافيًا أوروبيًا. أظن أن انتقاء المصطلحات مهم هنا لأنه يؤثر على خيالنا. رجوعًا إلى حديثك عن الحرية، إذا كانت لديك أداة رقمية تتيح لك اختيار نسبة النغمة التي ستصدر عندما تضغط مفتاحًا ميكانيكيًا، وتسمح لك أيضًا بالتنقل بين مجموعة من النغمات وأخرى، لا يوجد ما يمنعك إذًا من الاستكشاف حتى في ظل وجود كيبورد ١٢ نغمة المعتاد.

النقطة الأخيرة في هذا الموضوع أن هناك ١٢ نغمة في لوحة المفاتيح، ٧ مفاتيح بيضاء و٥ سوداء، الأمر ليس عشوائيًا. هذا الاختيار قائم على حقيقة أنك إذا بدأت بتردد أساسي ثم استخدمت مسافة الدرجة الخامسة، واستمريت في الارتفاع، ستنخفض القيمة عندما تتجاوز الأوكتاف وقد يعود وجودها داخل مسافة أوكتاف واحد، وبعد ١٢ دورة ستنتهي عند قيمة قريبة جدًا من الأوكتاف، أعلى بجزء صغير. هذه المسافة هي الانحراف الطفيف الذي يحدث عندما تكون هناك ١٢ درجة خامسة وأوكتاف نقي، ويطلق عليها اليوم الكوما الفيثاغورية. هذا هو لغز التنغيم الذي حير البشر عبر العصور. لماذا يمكن الارتفاع على مدار ١٢ درجة خامسة مثالية والوصول إلى ما يقرب من الأوكتاف، لكن عندما يقسم الوتر بمعدل ٢:١ نصل إلى أوكتاف كامل له نفس الصوت. معضلة لم تُحل أبدًا وتجدها في قلب كل أنظمة التنغيم المختلفة في أوروبا، وهي سبب صنع تنغيم مقسم بالتساوي. ما أريد قوله هو أن المسافات التي تمثلها المفاتيح البيضاء ليست بالضرورة متساوية ولا ما تصل إليه في النهاية متساوي. عندما تنهي دورة الدرجات التي تمثل المفاتيح البيضاء تنتقل إلى المفاتيح السوداء والنغمات الأخرى. لذلك كل ما نحتاجه هو تغيير هذا الارتباط الراسخ في أذهاننا بين لوحة البيانو كتمثيل للتنغيم على ١٢ نغمة متساوية والموسيقى الغربية الكلاسيكية والنغمة الثابتة. علينا أن نغير تفكيرنا وتقييمنا لهذه الفكرة، لنرى لوحة مفاتيح البيانو ١٢ نغمة كمجرد جهاز ميكانيكي ذي طريقة أنيقة في تمثيل طريقة عمل هذه النسب.

سلم سباعي ونغمات خارج السلم.

أو سلم خماسي ونغمات خارج السلم إذا أردت عكس الترتيب. الأمر المرتبط في النهاية بالسيادة التي مُنحت للبيانو، هكذا لقّنونا على مدار الثلاثة قرون الماضية، أن الموسيقى الغربية الكلاسيكية وآلة البيانو في مرتبة عليا، وهذا وجه مفاضلة هذه النظرية الموسيقية. إذا أقرينا أن هذه الآلة مجرد جهاز ميكانيكي، أظن أننا سنبدأ في تطوير طريقة مختلفة للتفكير في الموسيقى، لا تنحصر في التلاعب بالدرجة الثالثة السيكاه أو الميجور أو المينور. عندما تفكر في الأمر في شكل نسب أو سنتات، مثلًا أن تعزف ١:١ مع ٦:٥، أو ٨١:٨٨، أو حتى أية صيغة أخرى لقراءة النغمات كمقاطع، سيختلف الأمر كليًا. سأعطيك مثالًا بسيطًا: في العالم العربي نستخدم نظام الصولفيج بسبب التأثير الإيطالي والفرنسي. عندما نغني دو ري مي بالعربية، يمكننا غناء المقاطع ذاتها بنغمات مختلفة. ينطبق نفس الشيء على نظام سارغام في الموسيقى الهندية، حيث يستخدمون سبعة أسماء فقط للمقاطع: سا ري غا ما با دها ني سا. قد تختلف النغمات لكن يظل اسم النغمة كما هو. بنفس المنطق، عندما تضغط على المفتاح الأبيض الأول، وعادة يكون اسمه دو، ثم تنتقل إلى المفاتيح التالية، سيكون لكل مفتاح نغمة مختلفة، وهي ليست بالضرورة ثابتة، بل هي نغمة قابلة للتغيير. كل ما يتطلبه الأمر تغيير طريقة تفكيرنا في الموضوع.

يشبه ذلك التفكير في منصة تحكم متحركة بدلًا من منصة ثابتة.

بالضبط، هي أقرب إلى فكرة التحريك. الأهم من ذلك، برأيي، أنك عندما تبدأ في البحث في إمكانيات البوليفوني، أو الحركة الهارمونية، ستدرك سريعًا أن هناك أنماط وتوليفات معينة أفضل من غيرها. هذا لا يعني أن يقتصر استخدامنا عليها، كل الاحتمالات مفتوحة برأيي. لكن مع الوقت ستجد أنه لا حاجة إلى وجود أكثر من ١٢ نغمة في المرة الواحدة، لأن الأمر سيتحول وقتها إلى خليط بلا ملامح. مع ذلك، يتيح الاعتماد على الواجهة الرقمية لترجمة هذه الأفكار أكثر من ١٢ نغمة في المرة الواحدة. يمكنك رص ٣ أجهزة ميدي رخيصة الثمن، أو أكثر، واحدًا فوق الآخر أمامك، وستحصل على أي عدد تريده من النغمات. هذا لأن الواجهة الرقمية لا تعتمد بالضرورة على واجهة الأجهزة.

تحدثتَ في البداية عن أنواع البيانو المختلفة التي صُنعت عبر العصور. أرى أن أكثرها عبقريةً البيانو الذي صممه المؤلف التشيكي ألويس هابا. صمم هابا بيانو ربع تون، لكن ليس لأنه كان مهتمًا بالموسيقى العربية. لقد عرف بوجود الربع التون من خلال بحثه في الموسيقى العربية، لكن غرضه الأساسي كان البحث عن أنواع جديدة من الانسجام والبوليفوني في النظام الرباعي. تكمن عبقرية بيانو هابا في أنه بدلًا من استخدام لوحتي مفاتيح استعان بثلاثة. الأولى كانت منغّمة على نظام ١٢ نغمة المعتاد، والثانية كانت منغّمة على ربع تون أعلى، والثالثة كانت مثل الأولى. كان يفكر في طريقة تجعل الحركات اللحنية أسهل من الناحية الجسدية، بدلًا من اتّباع البناء النظري للموسيقى. عندما تسمع مؤلفاته لهذا البيانو المكون من ثلاث لوحات مفاتيح، ستجد سلاسة في الصوت غير موجودة في أي معزوفة ربع تون أخرى، وهذا لأنه كان يفكر في الجانب العملي من أداء العزف وسهولة التنقل بين لوحات المفاتيح المختلفة. هذه نقطة شديدة الأهمية، لأن معظم أدبيات التنغيم نظرية بحتة، مجرد أرقام على ورق. قليل جدًا من الباحثين خاض بعمق في سماع واستكشاف هذه الأفكار على آلات. الآلة المستخدمة بكثرة في هذا السياق هي المونوكورد، والتي يمكن مضاعفتها لتصبح دايكورد، فيصبح لديك وتران للمقارنة بين مسافتين مختلفتين بالقياس. لكن هابا رأى إمكانية الحصول على كل هذه النغمات المختلفة بطريقة عملية، طريقة ذات دلالة في سياق الموسيقى التي أراد صنعها.

رجوعًا إلى سؤالك الأصلي حول ارتباط ذلك بالسلسلة التوافقية أم أن الأمر ظاهرة ثقافية أو فيزيائية. مسألة النظرية في مقابل الممارسة كمعضلة الدجاجة والبيضة بالنسبة لموضوع النظري والعملي. شخصيًا أرجّح أن الممارسة تأتي قبل النظرية. يصادفك شيء، تجده في طريقك، يعجبك ويحفز خيالك، ثم تبدأ بتحليله وملاحظة التفاصيل. هذا هو مسار الأشياء عبر التاريخ. التركيز على سهولة التنفيذ والجانب العملي شديد الأهمية في هذا السياق. لذلك صممت ليما، وحتى أبوتومي، بحيث يسمحان بالعمل من خلال تفاعل عملي وبديهي وأيضًا بأسلوب نظري وعلمي متقدم، الاثنان متساويان دون تفضيل رؤية على الأخرى.

صممت كوما من أجل تأليفك الشخصي، ولم تصدرها لأن المعلومات اللازمة لوضع الأداة في سياق مترابط كانت ناقصة. كيف تطورت الفكرة من هنا وكيف كان مسار تصميم ليما وأبوتومي؟ وما هو دور استوديو كاونتربوينت؟

كاونتربوينت استوديو يديره سامويل ديجينز وتيرو بارفيَينِن، ولقد تولى تصميم كل شيء تراه على الشاشة وطريقة عمل الأداة، من كتابة الكود إلى مساعدتي في تصميم الواجهة. كانت لدي فكرة بالفعل عن شكل الواجهة ومرجعيات محددة أردت الاستناد إليها، وكنت قد وضعت مخططًا للوظائف التي أريد لهذه الأداة أن تؤديها، وقمت بالبحث اللازم لترجمة هذه الأفكار على نحو ذي معنى. عندما بدأت دراسة الدكتوراه في التأليف في معهد بيرمينغهام الملكي للموسيقى في إنجلترا، وأنا حاليًا في العام الأخير، وجدت فرصة للحصول على منحة صغيرة جدًا للقيام ببحث، ولم يكن الموضوع مقتصرًا على التأليف. التمييز بين الاثنين مهم جدًا بالنسبة لي. صممت كوما بغرض تسهيل الوصول إلى النتيجة النهائية. عندما بدأت في استخدامها أدركت أن ما أسعى إليه حقًا ليس وسيلة توصلني إلى غايتي، وإنما إلى الحرية الإبداعية. أعني بذلك القدرة على استكشاف الموضوع بطرق مختلفة مع الحفاظ على الدقة في مسار العمل، سواء من الناحية الأكاديمية أو العلمية أو البحثية بشكل عام.

كانت كوما أقرب إلى أداة بديهية تتيح تأدية المطلوب بسرعة. لكن ليما تسمح بالغوص في كل هذه الإمكانيات المختلفة على نحو مقنع، إذ تتيح الواجهة فهمًا أفضل للموضوع من حيث تعميق البحث والمعرفة حوله. بدلًا من التركيز على كوما وتطويرها، كان قراري تصميم أداة أخرى يسهل العمل بها، تسمح بالبحث والاستكشاف والتعلم بينما تتيح الحرية الإبداعية والصوتية. تواصلت مع كاونتربوينت لأن لديهم خبرة كبيرة في العمل مع أنظمة الموسيقى المولدة ذاتيًا، والعمل على الويب بالصوت والميدي والسنثات. كما أنهم يعتنون للغاية بالتصميم وماهرون في ترجمة هذه الأفكار التقنية بشكل بصري، وهذا ما شجعني على العمل معهم. عرضت عليهم بعض الرسوم الأولية والأفكار، وتحمسوا للعمل على المشروع لأنهم أيضًا مهتمون بالموضوع. بدأنا العمل سويًا واستغرق التنفيذ نحو عامين.

ليما إذًا أداة لتنغيم مايكروتون، لديك نغمات مثل دو، دو مرتفعة، ري حادة، ثم تدخل قيم تعديل السنت بالموجب أو السالب، صحيح؟

نعم.

لفتت واجهة المستخدم نظري لسهولة التفاعل معها، سواء في ليما أم أبوتومي. ليس من السهل أن تجد شيئًا كهذا، خصوصًا في أبوتومي. ليس لدي خبرة في الموسيقى المولدة ذاتيًا، لكنني لم أشعر أن ذلك ضروري. شاهدت الفيديوهات الإرشادية لاحقًا لفهم طريقة عمل بعض الأشياء، لكنها كانت في المجمل بسيطة للغاية.

أشكرك على هذه الملاحظة، لكنني أريد أن أشير إلى أن هذه البساطة ليست أمرًا اخترعتُه، ولا يمكنني نسب هذا الفضل لنفسي ولا لكاونتربوينت. لقد طور الصينيون تنغيمًا باستخدام عيدان من البامبو مسدودة من الأسفل، يتباين طول كل منها بفارق الثلث. يأخذون العود الأساسي ويضيفون إليه عودًا آخر أقصر أو أطول بمسافة تساوي ثلث الأول، وهكذا مع سائر الأعواد. بإضافة الثلث تنخفض إلى الدرجة الرابعة المثالية، وبقص الثلث ترتفع إلى الدرجة الخامسة المثالية، وكلما قصرت العيدان ارتفعت الطبقة. هذا اكتشاف صيني، ويقال إنه يعود إلى ١٧٠٠ قبل الميلاد. كان من الممكن أن يصمموا سلمًا كروماتيكيًا من ١٢ نغمة، لكنهم اختاروا تصميم سلم كروماتيكي من ١٢ نغمة على أساس مسافات الدرجات الخامسة، دورة من الدرجات الخامسة.

بعد ترتيبه بشكل تصاعدي أو تنازلي ستدرك أن العود الأساسي الذي بدأت به يقع في المنتصف وليس في الأسفل. حل بسيط وأنيق للغاية. في الهند، اختار علماء الموسيقى آلة تسمى فينا، فيها وتر مقسم. كما قد صمموا نظام الشروتي من خلال وضع تقسيمات محددة، الدرجة الخامسة المثالية والرابعة المثالية ودرجات أخرى، ثم جاؤوا بنسخة أخرى من الآلة ونغّموا الوتر على نغمة منخفضة تماثل أحد الدساتين، واستخدموا باقي الدساتين كمرجعية في التقسيم، ثم كرروا نفس العملية أربع مرات. هذا أيضًا حل جميل وأنيق للغاية. أيضًا، بحسب وثائق تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، استخدم اليونانيون منذ عصر إقليدس المونوكورد، وهو صندوق ملحق به وتر واحد، مع تقسيم الوتر بطرق مختلفة للحصول على هذه النغمات المختلفة. كلها حلول مرتبطة ببعض بشكل أو بآخر، وكلها على قدر كبير من البساطة والأناقة ولا تتطلب تقنية معقدة، سواء كان عود بامبو أو صندوق ووتر أو قيثارة.

في بلاد الرافدين مثلًا اخترعوا نظام تنغيم وسلسلة مقامات في ٢٥٠٠ قبل الميلاد، حتى قبل المصريين، وذلك فقط عن طريق دوزنة مجموعة الأوتار بقياس بعضها على البعض الآخر. هناك لوح يشرح عملية الدوزنة هذه، ويوضح مثلًا أنه في حالة كان صوت الوتر أ والوتر ب واضحًا أو نقيًا فهذا يعني أنك في مقام ج، وإن كان صوت الوتر د والوتر هـ غير واضح عليك أن ترفع دوزنة الوتر د ليصبح في مقام ح، وهكذا. هذا أيضًا حل أنيق وبسيط للغاية. بمجرد اكتشافي هذا الأثر التاريخي لكل هذه الأنظمة المختلفة، أدركت أنه لا حاجة إطلاقًا إلى زيادة الأمر تعقيدًا، خصوصًا مع وجود تكنولوجيا تسمح بترجمة الفكرة بطرق مختلفة. كل ما عليك فعله هو البحث في الأمر وتغيير رؤيتك للموضوع.

إذا كنت تأتي من خلفية نظريات الموسيقى الغربية أو التجريب الغربي، ستنتهي بك الحال إلى تصميم نظام معقد ومتشابك جدًا. حتى وإن كان يسمح علميًا بتأدية هذه الوظائف المختلفة، لن يكون سلسًا بشكل عملي وبديهي. لكن إن كانت خلفيتك من أيٍّ من هذه الثقافات التي صنعت الكثير عبر العصور، فيمكنك الاختيار من بين كل هذه التأثيرات المختلفة وتصميم أداة بسيطة وذات دلالة، مثل الأدوات التي استخدمت عبر آلاف السنين للاستكشاف والشرح والأداء.

على ذكر بلاد الرافدين، عندما بحثت عن معاني الأسماء التي استخدمتها وجدت أن الكلمة المستخدمة في عنوان الموقع الإلكتروني، إيشارتوم، مذكورة في مرجع واحد فقط ضمن قائمة لإرشادات التنغيم، وأظن أن معناها بداية أو نهاية مجموعة من النغمات. أما ليما فتشير إلى المسافة بين لا وسي منخفضة، وأبوتومي تشير إلى المسافة بين لا ولا مرتفعة، حسب تنغيم فيثاغورس، وهي على العكس من التنغيم على مسافات متساوية حيث يوجد تكافؤ توافقي، فتكون مي المنخفضة ولا المرتفعة نفس النوتة. لماذا اخترت هذه الأسماء؟

لأنني أردت استعادة ملكية هذه الأسماء. هناك تصور وهمي بأن الإغريق مركز الحضارة الغربية، ولذلك ينسب إليهم فضل اكتشاف مفاهيم معينة، وتحديدًا لفيثاغورس. لكن من المعروف أن الإغريق تأثروا كثيرًا بغيرهم، ولم يكن ذلك أمرًا بسيطًا أو عابرًا، إذ احتل المصريون والفينيقيون اليونان. على مر العصور القديمة، تحدث علماء الإغريق وكتّابهم، من هيرودوت وأفلاطون إلى أرسطو، عن قدوم المصريين إلى اليونان حاملين معهم ديانتهم ومعارفهم، والتي تطورت بعد ذلك في اليونان. كما ذهب فلاسفة ورياضيون إغريق إلى مصر للدراسة وتوسيع معرفتهم قبل العودة إلى اليونان لتطوير الأفكار. هناك رابط واضح جدًا بين الثقافتين. أجد مشكلة في ادعاء أن فيثاغورس اخترع هذه المفاهيم، وأننا نتحدث اليوم عن تنغيم فيثاغورس، لأن نفس المفهوم كان مستخدمًا في بلاد الرافدين قبل ٢٠٠٠ عامٍ من فيثاغورس، كما كان موجودًا في الصين والهند؛ وطبعًا في مصر، مع أنني لم أجد فرصة للتعمق في علم المصريات وتاريخ الموسيقى في مصر، هذا مشروع للمستقبل. كنت أريد استعادة ملكية هذه المصطلحات وأن أقول أن أسماء هذه المسافات التي طورها المنظرون اليونانيون، مثل ليما وأبوتومي، يجب أن توضع في سياق ما قدموه للمعرفة البشرية؛ ولا يوجد ما يمنع استخدامها لتصوير فكرة عن التنغيم تحترم جميع الثقافات الموسيقية. كما أن المنظرين العرب اعتمدوا أيضًا على النظريات الإغريقية، بدءًا من الكندي في القرن التاسع. 

مصطلحات مثل كوما وليما وأبوتومي كانت مستخدمة في النظريات العربية لتطوير الأنظمة العربية، وهناك رابط مباشر بين اهتمامات العرب والإغريق، ومن قبلهم المصريين، ومن قبلهم بلاد الرافدين، كلها بينها عوامل مشتركة. كما اخترت إيشارتوم اسمًا لعنوان الموقع لأن لا المرتفعة تعد الأولى في الأوضاع المذكورة في نظام بلاد الرافدين، وهو من أقدم المقامات التي عُرّفت كتابةً. ربما كان هناك غيرها بالممارسة، لكننا لا نعلم عنها؛ وفكّرت أنها ستكون لفتة طيبة تظهر احترامًا للمكان الذي نشأت فيه كل هذه الأفكار.

أعجبني أنك أعطيت نفسك قدرًا كبيرًا من حرية التصرف، وهذا للأسف ليس المعتاد في العالم العربي، حيث نرى أنفسنا غالبًا كمستهلكين لما يصنعه الغرب. أجد عملك ملهمًا، وأتساءل إن كانت قد قابلتك أي عوائق ذهنية في محاولتك للتغلب على هذا الأمر، أم أنك لم تفكر فيه بشكل صريح وكان ذلك مجرد رد فعل طبيعي لغياب الأدوات التي تحتاجها؟ 

لقد كانت عملية صعبة للغاية، تخللها كثير من النقد والتأمل الذاتيين. كما ذكرت من قبل، قررت ألا أطور تصميم كوما لأنني كنت أبحث عن تمثيل أفضل لهذه الأفكار. سأعطيك مثالًا: كوما بتصميمها القديم كانت في الحقيقة تتمحور حول التنغيم المتكافئ. أعني ذلك حرفيًا، إذ كانت كل الأقراص تعدِّل الـ١٢ نغمة الكروماتيكية حول هذا التنغيم، ولكي تصمم التنغيم الخاص بك كان عليك أن تعدل عليه بالنقصان أو الزيادة. في المراحل الأولى كانت هذه أسهل طريقة لتصميم الأداة بالنسبة لي، قبل أن أتعمق في البحث في هذه المفاهيم. لا يمكن أن أنكر تأثير حركة بلاك لايفز ماتر وكل أحداث العام الماضي الناتجة عن موت جورج فلويد، فقد أحيت النقاش حول العنصرية والفوقية والسيادة، وحفّزتني في هذا الاتجاه. شعرت أيضًا بالحاجة إلى العمل بطريقة لا تتمحور حول فوقية نوع موسيقى معين لتمثيل هذه الأفكار. كانت هذه مهمة صعبة جدًا، لأننا نشأنا على أفكار تحدد لنا من نحن، ومن أين أتينا، وقيمتنا في المجتمع والتاريخ والطبيعة. نحمل الكثير من الأحمال الزائدة، ولكي نتخلص منها علينا أن نبذل مجهودًا مركّزًا وجمعيًا. كان هذا يعني أن علي أن أجلس وأتأمل في كل كلمة وفكرة وفي تمثيل مفاهيم الموضوع، سواء في واجهة الاستخدام أم في الخلفية التقنية، في طريقة عمل كل شيء. من الناحية العملية، كان ذلك يعني أنه مع كل خطوتين للأمام علي أن أتوقف وأعيد تقييم كل شيء، وربما التراجع بضع خطوات، قبل أن أتمكن من الاستمرار. مثال بسيط على ذلك، عندما صممت ليما في البداية، أول نموذج على الإطلاق، كان يمكن كتابة قيمة النسبة أو السنتات المرغوبة، لكن كانت هناك أيضًا خانة في منتصف الشاشة تحسب تلقائيًا التقسيم المتساوي للأوكتاف بناءً على الرقم الذي أدخلته. كنت متحمسًا لذلك جدًا لأنه كان سهلًا للغاية، إذا كتبت رقم ٣٦ سيقسم الأوكتاف إلى ٣٦ قسمًا متساويًا. ثم أدركت أن وضع هذه الخانة في منتصف الشاشة، حرفيًا، يرسخ فكرة أن التقسيم المتساوي للأوكتاف مهم، وهذا يخل بأهمية استخدام النسب أو كتابة الأرقام وكسر القواعد وصنع الأشياء بطريقة مختلفة. قد يبدو هذا الخلل هامشيًا للبعض، لكن له دلالة كبيرة لدي، وهو اختيار سياسي، إما أن أتمحور حول التجريب الغربي، وهذا في الأساس جوهر التقسيم المتساوي للأوكتاف، أو أتمحور حول مسار أكثر احترامًا لمختلف الثقافات الموسيقية. لم يكن هذا مقصودًا في التصميم، كانت مجرد خطوة بديهية بالنسبة لي، لأن شكل الخانة وهي تتوسط الشاشة كان أفضل مثلًا. لكي أتخلص من هذه الأحمال الزائدة، كان عليّ مراجعة العملية عدة مرات. أيضًا، بعد الإطلاق بيومين قررت حذف كلمة مايكروتون من كل النصوص المكتوبة عن ليما وأبوتومي، لأنني أدركت أن استخدام مايكروتون يهمش الفكرة، كما ذكرت من قبل، فتصبح هناك صناعة الموسيقى بشكل رئيس والمايكروتون على هامشها.

مصطلح مايكروتون استخدمه المنظرون الغربيون لوصف أي مسافة تقل عن النغمة النصفية، ويشمل ذلك كل أنواع الموسيقى عبر التاريخ. مع هذا القدر من انعدام التكافؤ، غير منطقي أن استخدمه في مشروع بهذا السياق السياسي. لذا قررت استخدام عبارة “عابرة للثقافات” لوصف ليما كأداة لصنع الموسيقى. أصبح هذا المصطلح المفتاحي في فهم المشروع، لأنه يسمح بالاستكشاف والعزف عبر ثقافات موسيقية مختلفة، وهذا ما أصبحنا عليه اليوم. رجوعًا إلى سؤالك عن اختيار الأسماء، ما كنت أحاول قوله من خلال هذا المشروع هو ضرورة وجود التكافؤ بين كل الثقافات الموسيقية من اللحظة الأولى؛ وفكرة المزج والتأثر والتهجين مهمة جدًا، لأن هذا ما شهدناه عبر التاريخ. لا يوجد شيء نقي، كل شيء مهجن. عندما نبدأ في احترام وتقدير هذا المبدأ والاعتماد عليه، سيكون فهمنا لغيرنا أكثر اتزانًا وبعيدًا عن الثنائيات الفاصلة التي ترسخت عبر المعلومات التي نشأنا عليها.

تحدثت في حوارك الأخير مع ناكول كريشنامورتي عن فكرة مهمة، وهي عدم الانتماء إلى مكان محدد، وعن كونك عربي يشعر بهذا وتبحث عن آخرين من ثقافات أخرى يشعرون مثلك لتتعرف على تجربتهم المختلفة. ما الجمهور الذي كنت تستهدفه عندما صممت هذه الأدوات؟ هل كنت تستهدف من البداية جمهورًا منفتحًا على ثقافات أخرى، لأن هناك مناطق كثيرة حول العالم تحتاج إلى مثل هذه الأدوات؟ وهل كنت ترى هذه الأدوات تصلح أكثر للعمل في الاستوديو أم في العروض الحية؟ وماذا كان تصورك عن الموسيقيين الذين سيستخدمونها وعن استخدامك أنت شخصيًا لها؟

من الناحية الثقافية، وبما أن الهدف كان التعامل مع جميع الثقافات على قدم المساواة، فهذه الأدوات تستهدف أي شخص من أي ثقافة موسيقية، سواء من إندونيسيا أو اسكندينافيا. طبعًا استخدام اللغة الإنجليزية في كل شيء قد يشكّل عائقًا، لكن هذا جاء بسبب القيود الزمنية والمادية. لقد نفّذت كل شيء بمفردي، وبميزانية محدودة جدًا، وهذا ما زاد من صعوبة الأمر. أما من ناحية الإمكانيات العملية لهذا المشروع، فكنت أريد أن يكون متاحًا للجميع. أظن أن الأهم من ذلك، أنني صممته لأغراض تعليمية. أرى أن هذه مجرد الحلقة الأولى في سلسلة من الأدوات التي أريد تطويرها للتعلّم عن هذا الموضوع وتعليمه. من خلال إتاحته على المتصفح أصبح بالإمكان مشاركة أي تنغيم تصممه مع الآخرين بمجرد نسخ الرابط. أظن أن هذه الإمكانيات البسيطة مفيدة جدًا في التعليم. في النهاية، هذه الأدوات مصممة للموسيقيين الراغبين في استكشاف بعض هذه الأفكار. قد لا تكون الأفضل في صناعة الموسيقى، لكنها مصممة لتلهمنا أفكارًا جديدة وتساعدنا على نسيان ما تعلمناه وتعلم شيء جديد. لقد اعتدنا كثيرًا في العالم العربي على مفهوم المقياس المتساوي، وأن السيكاه تساوي ناقص ٥٠ سنت. لكي نتحرر من ذلك نحتاج إلى هذا النوع من البحث والاستكشاف. لا أراها كأدوات أنصح باستخدامها في العروض الحية. هو ممكن، لقد استخدمت أبوتومي في عرض حي من قبل، لكن أرى أن قوتها تكمن في البحث والإلهام. كلنا تكيفنا بشكل ما على أفكار معينة، سواء من خلال التعليم أو المجتمع أو الثقافة أو الموسيقى. لا مفر من ذلك، لكن ما يمكننا فعله هو أن نحاول مقاومة هذا التكيف من خلال التخلص من بعض الأحمال. مثلًا، كلاعب عود أعرف أنني عندما أمسك بالعود ستصدر عني حركات أصابع وجمل لحنية معينة، لأن هذا ما اكتسبته عبر سنوات من العزف على الآلة.

ذاكرة العضلات.

بالضبط، وهي تفرض نفسها علي. لكن عندما أستخدم نظام توليد ذاتي قد أسمع أصواتًا لم أكن لأصنعها بنفسي أبدًا. قد لا تكون أصواتًا جيدة، لكنها على الأقل مختلفة؛ على الأقل صرت أعرف ما لا يعجبني وما يحفز خيالي. عندما أجلس وأعزف وأستكشف وأسمع كل هذه الاختلافات، سيأخذ اللاوعي شكلًا مختلفًا، وأنا مؤمن بقوة تأثير اللاوعي. عندما تكون في بيئة معينة وتسمع أصواتًا معينة طوال الوقت، سواء كانت “موسيقية” أم لا، تؤثر على رؤيتك للموسيقى والعالم والسياسة وعلاقاتك مع الآخرين. من خلال تهكير اللاوعي باستخدام هذه الأنظمة المولدة واختراقه بألحان ومسافات وأنماط إيقاعية مختلفة، قد لا يكون لها معنى في معظم الأحيان، تصبح أذني أكثر حساسية، والأهم من ذلك أنني أكوّن مجموعة من الذاكرات التي يمكن استخدامها كمرجعية. بالنسبة لمن هم مثلنا، المهتمين بالموسيقى العربية وبتجريب طرق مختلفة واكتشاف إمكانيات جديدة، أو بالغوص في مناطق لم تطرق من قبل، أظن أننا ينقصنا مرجعية نستند إليها. تسجيلات النهضة مثيرة للاهتمام، لكن على مستوى حديث لا توجد سوى كاميليا جبران وخالد جبران وقلة من زملائنا المعاصرين الآخرين. ليست لدينا مكتبة نعتمد عليها. لكن إذا بحثت في الموسيقى التجريبية في أوروبا، قد تمضي عقودًا في دراستها والاستماع إليها، ونفس الشيء بالنسبة للجاز. 

قد تُمضي عقودًا في دراسة عقد واحد فقط.

ينطبق نفس الأمر على الموسيقى الإلكترونية أيضًا. تفرض فكرة أنه ليست لدينا مراجع سمعية وصوتية قيودًا علينا. قد أتخيل شيئًا ما، لكنني لا أستطيع سماعه، وفي هذه الحالة لن أتمكن من ترجمته إلى صوت – هذه طريقة عملي. إن كانت الأدوات لا تسمح بهذه الترجمة، فالفرص معدومة. يصبح الخيار الوحيد الالتزام بحدود الآلات الصوتية، أو أن نجد مجموعة من الموسيقيين المستعدين والقادرين على استثمار وقت وطاقة في أمر كهذا، وهذا غير متاح اليوم. لم نعد نعيش في عصر صن رع ولا فرانك زابا، حين كان يمكن جمع مجموعة من الناس والتدريب لمدة ١٢ ساعة يوميًا والقيام بعروض بأجر معقول.

الاقتصاد اختلف، وأصبحنا أكثر تفرقًا في أنحاء العالم.

بالضبط، لم يعد ذلك ممكنًا، لذلك يعمل الجميع اليوم على مشاريع فردية. نحتاج إلى أدوات تتيح ذلك بطريقة ما، وتسمح بتطوير هذه الذاكرات والمراجع. 

بعيدًا عن الجمهور المستهدف، وعن الغرض الشخصي من المشروع، إتاحته للجميع بهذا الشكل فارقة.

صمم فنانون كثيرون أدواتٍ لمشاريعهم الخاصة في السنوات الماضية، وأنا معجب بكثير منهم، لكنهم لم يتيحوا هذه الأدوات للعامة أبدًا. أدركت من البداية أنني لا أريد أن أكون واحدًا منهم. أحتاجها في عملي ومشروعي الشخصي، لكنني أرى أنه يجب إتاحتها للجميع لأن البعد السياسي للمشروع له أهمية كبيرة برأيي. العناصر غير الموسيقية في المشروع أهم من العناصر الموسيقية بشكل ما بالنسبة لي.

أظن أن الجميل في المشروع أنك اهتممت كثيرًا بإعطاء المستخدمين قدرًا كبيرًا من حرية الاختيار، حتى في أشياء ربما لم تخطر ببالهم، مثل وظيفة تجميع النغمات الإلزامي (force tuplets) في أبوتومي، لم أكن أعرف ما هذا وعندما استخدمته أدركت أنه مفيد جدًا. كذلك بالنسبة لإضافة دعم للموازين الإضافية أو المختلطة، من الغريب أنه حتى الآن لم أجد إمكانية إضافة موازين متكررة متغيرة في أية منصة تحكم عملت بها من قبل، فليس من الصعب إضافة مازورة ٣/٣ أو ١/٤، ولا داعي لأن أبرمج موازين عبر ١٤٤ مازورة للحصول على هذه النتيجة. لماذا أضفت هذه الإمكانيات؟ هل كانت نتيجة التجربة والخطأ أم نتاج نقاشات مع كاونتربوينت أو مع مجموعة قامت بتجريب أولي؟

وجود هذه الإمكانيات مرتبط بالرؤية التي وراء الأداة وعملية النقد الذاتي التي مرت بها كما وضحت من قبل. الميزان ظاهرة مثيرة للاهتمام حقًا. يظن معظم الناس أن الميزان مفهوم ثابت، وأنه يمكنك تغييره أو تغيير منصة التحكم دون أية قيود. لكن في الحقيقة مازورة ٩/٤ بالنسبة لموسيقي تركي ليست نفس الشيء بالنسبة لموسيقي أوروبي ولا لموسيقي من المغرب أو شرق أفريقيا. مفهوم الميزان المركب مهم جدًا، لأن الدورات الإيقاعية موجودة في كل العالم، لكن تقسيم هذه الدورات يشكل فارقًا هامًا. علم الموسيقى الغربية لم يشمل هذه الدورات الإضافية المعقدة في تاريخه. لذلك عندما يحلل المنظرون الغربيون موسيقى من بلدان أخرى يفرضون رؤيتهم الغربية عليها. لحن تشيفتاتيلي [الفلكوري] مكوّن من ٩ دقّات، وبهذا تكون دورته ٩ دقّات، لكن إذا ساويته بكل إيقاع آخر من ٩ دقّات ستفقد الكثير من التفاصيل. من خلال إضافة موازين إضافية يتغير المفهوم ونعود مرة أخرى لفكرة تأثير اللاوعي. إذا كتبت ٩/٤ ونفذت اللحن على هذا الميزان، سيكون تركيز النطق الموسيقي على النوتة الأولى، أي أنك ستبدأ عند ١ يليه ٩ إيقاعات أيًا كان شكلها. لكن إذا كتبت ٩/٤ في هيئة ٣+٣+٣، سيتكرر التركيز على النوتة الأولى والرابعة والسابعة، وسيختلف جروف اللحن وإحساسه. هذه في النهاية طريقة عرض نظرية وبصرية.

لنتخيل أن برامج مثل برو تولز أو لوجيك أو آيبلتون لايف تسمح بكتابة ٣+٣+٣ بدلًا من ٩، ماذا كان سيختلف؟ لا شيء، لأنك كنت ستضطر أيضًا إلى برمجة بقية الوظائف. لكن إذا ترجم ذلك بصريًا على الخط الزمني أمامك، سيكون له تأثير عليك، أما الشبكة (grid) التي تظهر عادة فلها تأثير آخر على ما تصنعه. لا أرى أن الشبكات فكرة سيئة، لكنني أرى أن الشبكات المحدودة إشكالية لاقتصارها على الرؤية الغربية للموسيقى والوقت وتقسيماته. في أبوتومي، تظهر نتيجة هذه الموازين الإضافية بتفعيل خانة “use accents”. يؤدي ذلك إلى إضافة نقاط تركيز على كل قسمة فرعية. أرى أنها إمكانية جميلة، وقررت تقديمها لأن فهمي للبُنى الإيقاعية قائم على دراستي للموسيقى العربية والهندية تحديدًا. شعرت أنها ضرورية للتأكيد على هذه الفكرة. ذُكر هذا المفهوم للموازين في مقال نُشر على بيتشفورك، ولقد تعرض هذا المقال لكثير من النقد بسبب استخدام مصطلح التحرر من الاستعمار. تفهمت النقد بالطبع لكن في نفس الوقت صدمت لمدى فقر الخيال في ردود كثير من الناس. أولًا، افترض كثيرون أن هذه الإمكانيات التقنية كانت متاحة بالفعل، وبالتالي ليس هناك سبب لإضافتها، وهذا غير صحيح في الواقع؛ إذ كانت متاحة بأشكال محدودة جدًا، ومن هنا كانت الحاجة إلى هذه الأداة. من أكثر التعليقات المضحكة تلك التي ادعت أن آيفكس توين قدم هذا منذ سنوات، هذا ما كتبه كثيرون في التعليقات على صفحة فايسبوك. إلا أن بلج إن-في-إس-تي لحل نفس المشكلة أصدره آيفكس توين بعد صدور ليما وأبوتومي بشهرين تقريبًا. ثانيًا، كما ذكرت، كانت هناك أزمة خيال. قال الجميع إنه يمكن إضافة أي مقياس زمني إلى منصة التحكم، فما الجديد هنا؟ كان هذا رد فعل على الشكل الحالي للتكنولوجيا، وقد أثار مصطلح “التحرر من الاستعمار” غضبهم. لكن لا أحد فكر فعلًا في تأثير هذه الأدوات على اللاوعي وتوجيهها نحو نوع موسيقي محدد. في آيبلتون لايف مثلًا، إذا أزلت الشبكة ستظل مرئية على شكل نقاط غير متصلة. لماذا ليس متاحًا أن أتخلى عن طريقة العرض هذه وأرى مساحة مسطحة بدلًا من الشبكة؟ هذه مشكلة في القدرة على تخيل إمكانيات مختلفة، ولقد صدمني هذا لأنني لا أحب أن أفسر طرق عملي وأسبابه بلغة حرفية. لكنني اضطررت إلى التفسير لأن معظم الناس عجز عن تخيل شيء مختلف عن الموجود بالفعل. كما كان هناك نقد يقول بأن شباب المهرجانات يفعلون هذا الشيء منذ فترة طويلة، فما الجديد وما المهم في ذلك؟ لا أحد يتساءل إن كان هناك مغزى أعمق من وراء ذلك. أول رد فعل دائمًا ما يكون التشكك أو الرفض، وهذه مشكلة كبيرة. أعرف أن شباب المهرجانات يفعلون ذلك منذ فترة، ومن قبلهم بليغ حمدي، لكن كل منهم نفذها بطرق مختلفة لأسباب مختلفة. أبحث عن مساحة بين هذه الثنائية يمكننا استكشافها بطرق مختلفة تسمح بالتفكير في احتمالات المستقبل وليس إعادة إنتاج الماضي.

من ضمن الردود المعتادة التي سمعتها من كثيرين، أن الغرض من هذه الأدوات هو صنع موسيقى تراثية ببرامج رقمية، وهذا غير صحيح على الإطلاق. ليس الغرض منها إحياء الماضي أو الدخول في طريق النوستالجيا المسدود، بل تحفيز الخيال وفتح الاحتمالات والتفكير في المستقبل. أنا أتطلع إلى إمكانيات البوليفوني وسماع تفاعل كل هذه المسافات مع بعض، وأتطلع أيضًا إلى أربيجات على مسافات غير متساوية، كما أتطلع إلى أنظمة تنغيم قائمة على قياسات جسدي بدلًا من أي أساس رياضي. أمامنا الكثير لنستكشفه، ويمكننا تعلم الكثير من الماضي، لكن الأهم برأيي هو التقدم إلى الأمام. أتمنى أن يفهم الناس ذلك. أعرف أن الموضوع يحتاج إلى وقت لأنه كما قلت يبدو معقدًا في البداية، وليس من السهل التخلص من كل الأحمال الزائدة التي حملناها لفترة طويلة، لكن علينا أن نبدأ العمل على ذلك.

اندهشت أيضًا من الجدل المثار حول مقال بيتشفورك ولم أفهم المشكلة. إذا كان أحد قد فعلها من قبل فهناك دائمًا مجال للتحسين والتعديل والتحديث وإيجاد حلول مختلفة. هذا يشبه أيضًا ما يقوله المبرمجون بأنه لا يوجد سوق لهذه الأدوات. أظن أنها نفس مشكلة فقر الخيال، وهو أمر مؤسف لكنه يفتح أيضًا بابًا للنقاش.

رجوعًا إلى ما ذكرته عن الشبكات، أحب استخدام برنامج برو تولز جدًا، حتى إن كان يستفزني أحيانًا، إلا أنه البرنامج الوحيد الذي أشعر بالراحة في استخدامه لأنه لا يفرض نفسه على ما أصنعه، على عكس البرامج الأخرى مثل آيبلتون وريزون وريبير. في آيبلتون مثلًا، ليس من الصعب التخلي عن الشبكة في ظل وجود الجروف، ما دامت البيانات موجودة في بنية النظام من الممكن بسهولة تغيير طريقة العرض.

تحدث تيرو بارفيَينِن في ندوة في سي-تي-إم عن فكرة أن أي أداة لا تتواجد وحدها في الفراغ، إنما تعمل ضمن سلسلة إنتاج تضم أدوات أخرى عليها التواصل معها، وهناك مسألة المرجعية أيضًا. قد يسبب استخدام الشبكة مشكلة في التواصل، أو دور البيانو مثلًا، لأن بيانات ميدي تستند إلى ذلك في النهاية. هل واجهتك أي مشاكل من هذا النوع أثناء تصميم أبوتومي أو ليما؟ وما هو التصور المثالي لبرامج أو أجهزة صنع الموسيقى في رأيك؟

لم تواجهنا أية مشاكل تقنية. كنا نعرف منذ البداية أن كل الأجهزة المعنية تستخدم ميدي بطرق مختلفة. لا توجد طريقة لترجمة بيانات النغمة بشكل مفيد سوى بيانات تعديل النغمة، هذا أساس كل شيء. عندما أعلنت شركة آيبلتون أنها ستطرح دعم إم-بي-إي (تحكم ميدي للتعدد النغمي)، أضفنا دعم إم-بي-إي لأنه يحل كل هذه المشكلات، وأرجو مع إصدار ميدي ٢٫٠ المنتظر أن تنتهي تمامًا. ما كان تيرو بارفيَينِن يقصده هو فكرة أن يكون هناك بروتوكول، لكنك غير قادر على التحكم في كل عناصره أو في كل جهاز سيستخدمه. كانت هذه مشكلة مع ميدي، لأن ميدي لا يفرض على المصنّع سوى عناصر بسيطة للغاية، ويظل الباقي اختياريًا.

هكذا كان على المصنعين إضافة إمكانيات التنغيم لأن هذه طريقة عمل ميدي. ما عطّل الاستمرار في سلسلة الإنتاج هو أن بعض المصنعين لم يضيفوا إمكانيات ملائمة. لذلك المشكلة الوحيدة التي واجهتنا كانت اختيار طريقة واحدة للاستخدام، واستقرينا على التحكم بالطبقة. ليست طريقة مثالية لأنها تخلق بعض الزوائد، وبعض الأصوات الرنانة أو محدودية في الصوت، لكنها تتماشى مع كل الأدوات الأخرى وتسمح بالاستكشاف. كانت هذه العقبة التقنية الوحيدة. لكن كما ذكرت من قبل، العقبات المرتبطة بالأفكار المسبقة والمفاهيم الراسخة أهم. لقد واجهنا هذا النوع من العقبات باستمرار، أنا وتيرو وسام، خلال محاولتنا مراجعة أنفسنا وعدم الانجرار إلى الطرق المألوفة ذات الرؤية المحدودة. كان علينا أن نشق طريقًا جديدًا. أظن أن هذا كان التحدي الأكبر؛ وكما قلت في ندوة سي-تي-إم، الجزء التقني من هذا المشروع كان الأسهل، والصعوبة كانت في كل هذه الإمكانيات الجانبية التي تعتمد على رؤيتنا للموسيقى.

يأخذنا ذلك إلى إجابة سؤالك عن برنامج الموسيقى المثالي. البرنامج المثالي هو الذي يتيح كل الخيارات الموسيقية، ويسمح بترجمة كل هذه الخيارات بصريًا وسمعيًا. أعني بذلك إمكانية تعديل طريقة عرض الموازين والموازين الإضافية والشبكات الممثلة للإيقاع وتقسيم الوقت، سواء من حيث الجروف أو الموازين، وإلا لا ينبغي أن تكون هناك شبكة من الأساس، هذه أشياء أساسية. الأمر الثاني يخص تمثيل التنغيم بطريقة مقنعة وبديهية مع الحفاظ على مستوى متقدم يسمح بمزيد من الاستكشاف على أساس علمي وتجريبي. لا يوجد ما يمنع تواجد كل هذا في نفس المكان والوقت، الأمر متوقف على الرؤية وطريقة العرض. أتمنى بعد النقاشات المثارة حول هذا الموضوع وتطور الخطاب حول العنصرية والفوقية، وبعد إصدار آيفكس توين لهذا البلج ان بالتعاون مع أود ساوند، أن يشجع ذلك مطوري البرامج والمصنعين على الاستجابة إلى هذه الاحتياجات، لأن الأدوات والبيئة التي تشكلها تؤثر في المنتج النهائي. إذا كنت كاتبًا يستخدم الورقة والقلم ستجد أن نوع القلم والورق يؤثر على خطك وتدفق كتابتك وشعورك تجاه ما تكتبه. كلها أدوات، ولا يوجد ما يجعل الأدوات الرقمية تختلف في تأثيرها. علينا التعامل معها على هذا الأساس وأن ندرك أن اختيارات التصميم التي نحددها عندما نصنع برنامجًا أو جهازًا ستؤثر على النتيجة النهائية، وكذلك الإعدادات الجاهزة والتلقائية. لذلك تجد الإعدادات التلقائية في ليما وأبوتومي اختيارية. برأيي هذه مسألة فلسفية وسياسية في النهاية.

في هذه الندوة طرح أحد الضيوف سؤالًا حول الرؤية الشخصية في ظل غياب الأدوات اللازمة. أظن أن أقرب تشبيه إلى ذلك هو اللغة، فعندما طرحت الهواتف المحمولة لم تكن تدعم الكتابة بالعربية، وأدى ذلك إلى رواج كتابة العربية بالحروف اللاتينية، أو ما يطلق عليه فرانكو آراب، وهو إشكالي على عدة مستويات. أنا شخصيًا من الجيل الذي استخدم الفرانكو آراب وكان عليَّ تعلم الكتابة بالأحرف العربية، لغتي الأم، بعد سنوات. أظن أن هذا الجدل غريب لكن على الأقل طرح كل هذه النقاط للنقاش مفيد.

كل هذا يبدو بداية كمحيط شاسع، ما هي الشواطئ المحتملة في رأيك؟ ما هي النقاط التي يمكن للناس المهتمين بالأمر أو الراغبين في إثراء ذائقتهم السمعية الانطلاق منها؟ هل هناك حد أدنى من المعرفة النظرية اللازمة لاستخدام هذه التطبيقات؟

لا، وهناك نقطتان يمكن الانطلاق منهما. الأولى هي التمرين الذي أضفته في دليل الاستخدام [الصفحة الرابعة عشر]، وهو طريقة للتفكير في التنغيم بصيغة أرقام بناء على النظام الصيني. أنصح باتباع هذه التمرين والذي يتطلب حل مسائل حسابية بسيطة مثل إضافة أو طرح ثلث، إلخ؛ لأن هذا سيقرب مفهوم الأرقام والتنغيم أكثر بالتجربة العملية. أما بالنسبة لعالم الصوت، فأنصح باستكشاف بعض أنظمة التنغيم والمجموعات الجزئية الموجودة في قاعدة بيانات ليما، والأهم من ذلك تصميم تنغيم خاص باستخدام ليما عن طريق الضغط العشوائي على الاختيارات ثم الاستماع إليه. أظن أنه بمجرد تصميم نظام تنغيم خاص وربطه ببعض النغمات، سواء كان سلمًا خماسيًا أو سباعيًا، ستجد أن الصوت الذي كنت تظنه نشازًا في البداية ليس كذلك في الحقيقة.

لا يوجد نشاز طالما الصوت متناغم مع ذاته. أظن أن أصعب شيء في هذا الموضوع هو التحرر من الأفكار المسبقة التي تخص جماليات الصوت وعلاقات النغمات. عندما تصنع تنغيمًا خاصًا وعشوائيًا وتستمع إليه وتعتاد على مسافاته، ستجد جمالًا فيه وتبدأ بتقدير تفاصيله، بدلًا من الاعتماد على التنغيم على مسافات متساوية والتقسيمات والتنويعات. هذا الشعور أهم من الدخول في النظريات بالنسبة لي، لأن معظم النظريات معقدة للغاية وتحتاج إلى قدر كافٍ من المعرفة المسبقة. ستبدأ في القراءة وتصطدم بحاجز فتدرك أنك تحتاج إلى قراءة المزيد، وهكذا. لكنني كتبت دليل الاستخدام بطريقة تحاول شرح هذه الأفكار بلغة بسيطة. هو متاح حاليًا بالإنجليزية فقط، لكننا نعمل على ترجمته قريبًا.

هل هذا التمرين في دليل ليما أم أبوتومي؟

هو دليل واحد يشمل الاثنين، والتدريب موجود في القسم الذي يخص ليما.

على أي أساس اخترت نظم التنغيم الموجودة في ليما حاليًا؟

كنت أريد إضافة أنظمة من ثقافات موسيقية مختلفة، لكنه لا يشمل كل الأنظمة الموجودة بالطبع، وسنعمل على تحديثها باستمرار؛ ومع أنها محدودة العدد إلا أن المستخدمين يمكنهم تصميم أنظمة خاصة بهم أو رفعها، هذا الاختيار متاح للجميع.

أظن أنه من مزايا تصميم أداة بنفسك أن ترى الآخرين يستخدمونها بطرق لم تتصورها. هل حدث ذلك مع ليما أو أبوتومي لدى تجريبهم في سي-تي-إم؟

نعم، ليما محدود بعض الشيء ولذلك يصعب استخدامه لغرض لم يصمم من أجله، لكن هذا متاح في أبوتومي. لقد أبهرني استخدام سليكباك للبرنامج ووجدت الأصوات التي صنعها غريبة حقًا. الأداة تركز على التنغيم طبعًا لكن سليكباك استخدمها بطريقة أنتجت مشهدًا صوتيًا قويًا جدًا وغير متوقع. كذلك أعجبني استخدام واهونو للأداتين، ليما وأبوتومي، مع آلات الإيقاع الصوتية والسنثات الأخرى. أنصح الجميع بمشاهدة الفنانين الثلاثة الذي جربوا أبوتومي، دينا عبد الواحد وواهونو وسليكباك.

أعجبني أيضًا العرض الحي باستخدام أبوتومي، عندما برمجته ليرسل بيانات ميدي إلى آلات يتحكم بها موسيقيون. أظن أن الفكرة وراء العرض كانت جيدة جدًا. هل كان هذا تصورك منذ البداية؟ وهل ترى إمكانية لتطوير ذلك في المستقبل، بأن تقيم عرضًا في القاهرة مثلًا؟ وكيف يمكن تنفيذ ذلك؟

أرغب بذلك بشدة، وإن كان صعبًا حاليًا بسبب كورونا، لكنه في الخطة بالتأكيد. تستهويني فكرة التأليف الحي وإعطاء الموسيقيين حرية اختيار الأصوات والخامات وطرق التفاعل معها. توازن ليس من السهل تحقيقه، لأنه يتطلب العثور على نقطة انطلاق مشتركة. لكن بمجرد العثور عليها تكون النتيجة حماسية، وهو تدريب على التواضع أيضًا، لأنه تأتيك أحيانًا فكرة وتريد الدفع بها في اتجاه معين لكنك لا تفعل لأن الفنان الآخر يمسك بالصوت في اتجاه مخالف، فيكون عليك أن تتراجع لتسمح لهم بالانطلاق قبل أن يأتي دورك. هي عملية أخذ وعطاء متبادلين ومثيرة للاهتمام حقًا.

كما كنت تقول، يبدو أن النقاش يفرض نفسه أكثر فأكثر، مع شيوع إم-بي-إي، وهو تحكم يسمح لبيانات ميدي بالتواجد في كل عقدة، ما يسمح بضبط النغمات ويسمح لأداة مثل ليما بالتنغيم بتعدد نغمي، ولم يكن هذا ممكنًا من قبل. مع إصدار ميدي ٢٫٠ المنتظر، سيكون من الممكن تصميم تنغيم باستخدام معيار ضبط ميدي ووحدة تحكم أساسية وتحديث التطبيقات الثابتة. ألم يكن ذلك ممكنا قبل ٣٠ عامًا في ظل وجود أجهزة سنث مختلفة تضم قوائم تنغيم مختلفة؟

صحيح، ستلاحظ في جهاز نوفيشين مثلًا أن طريقة تغيير قيمة النغمة في بايس ستيشن ليست باستخدام السنت. في النهاية الأمر مرتبط بالمنظور وطريقة تناول التكنولوجيا. لست متأكدًا، لكن أظن أن طريقة التطبيق الحالية هي رفع أو خفض القيمة بمعدل ١٢٨، وهو المعيار في ميدي، وليس ٠٢٥٦.

أظن أنك ترفع ملفًا للقيَم.

صحيح، ترفع ملف سكالا، لكنني كنت أتحدث عن التنغيم السمعي أو التعديل السمعي.

الارتجال ليس متاحًا في هذه الحالة على الإطلاق، يجب أن أرفع الملفات قبل الاستخدام.

وذلك باستخدام ملف سكالا وإم-تي-إس. يسمح واحد من أجهزة السنث الجديدة بالارتجال لكنه لا يعطي القيمة بالسنت.

وإنما بقيمة ميدي. 

بالضبط. لكن هناك مشكلة أريد توضيحها هنا. هناك من يقول أن كورج مينيلوج قادر على فعل هذه الأشياء بالفعل. هذا صحيح، وكما أشرت أنت الآن بايس ستيشن قادر على ذلك أيضًا. لكن المنظور يختلف، وهذه الأجهزة تسمح لك باستخدام تنغيم ١٢ نغمة واحد في المرة الواحدة، لا يمكنك التبديل بينهم بسهولة. إذا كنت تريد عزف مقامات مختلفة، عليك الغوص في القائمة كل مرة قبل التغيير من مقام إلى آخر؛ وحتى بعيدًا عن المقامات، إذا أردت التبديل من تنغيم إلى آخر عليك الرجوع إلى القائمة أيضًا، لا توجد طريقة سهلة لفعل ذلك، وهذه نقطة محورية.

صحيح، مثلًا إذا كنت تريد أن تصعد مقام رست وتهبط في مقام صبا. لكن رجوعًا إلى السؤال، عندما ننظر إلى أدوات مثل مايكرو بيتش في بيتويج أو بلج ان أود ساوندز، إم-بي-إي، ميدي ٢٫٠، هل تشعر أنها كلها خطوات على الطريق الصحيح؟ أم أنها تقع في نفس فخ إم-تي-إس؟

أظن أن خطر الوقوع في نفس ما حدث بعد إم-تي-إس ما زال قائمًا. أؤكد مرة أخرى على أنها مسألة منظور وخيال وليست مسألة تقنية. على مطوري هذه الأدوات ومصنعيها أن يدركوا أن عليهم بذل مجهود لتحقيق المساواة بين كل الثقافات الموسيقية، وذلك لا يحصل بمجرد إضافة بعض الإمكانيات التجريبية أو التقنية. لا معنى لإمكانية رفع ملف سكالا إذا كانت طريقة عرض البيانات والتفاعل معها بلا دلالة. الأمر مرتبط بالمنظور والبحث والمعرفة، وقبل كل شيء احترام الثقافات الموسيقية بدلًا من إعلاء قيمة النظرية الغربية والمنظور الغربي للموسيقى.

هل هناك شيء يمكن للفرد العادي أن يفعله، كالتوقيع على عرائض مثلًا أو مراسلة المصنعين؟

هذا سؤال صعب في الحقيقة. ممكن أن نبدأ في مراسلة المصنعين والمطالبة بالمزيد من إمكانيات التنغيم في البرامج وإمكانية تحديدها في الأنظمة على مستوى أساسي، فنحددها مثلما نحدد السرعة والميزان عندما نفتتح أي تراك لكنه طلب محمل بالتفاصيل، فمن السهل إضافة هذه الإمكانية بشكل رمزي أجوف لا يخرج عن إطار المنظور الغربي المحدود، بدلًا من أن يكون أكثر شمولًا لمختلف الثقافات. هنا تكمن المشكلة. لا أظن أن الإنسان العادي قادر على فعل شيء في الوقت الحالي، الفعل يقع على عاتق الفنانين والتقنيين. علينا أن نتقدم بالنقاش ونجعله ظاهرًا للكل، لأنني أظن بمجرد ما يتأصل الموضوع في المخيلة العامة، سيكون من الأسهل إقامة حوارات حول الموضوع وتطوير الأفكار أكثر. ما أحاول فعله الآن العمل مع رابطة ميدي لتفادي المشاكل المتكررة مع إم-تي-إس. كما تواصلت مع بعض الفنانين المعروفين لمطالبة بعض الشركات التي تصنع أدوات معينة بتغيير طرق العرض. أتمنى أن يستجيبوا قريبًا. فيما عدا ذلك أظن أنه كلما زاد عدد المهتمين بالموضوع والاستشكاف كلما زاد الطلب، وبمجرد وجود طلب كافٍ سيصبح من السهل التفاهم مع هذه الشركات وإيجاد حلول للقيود الموجودة حاليًا.

هل تخطط لإطلاق أبوتومي أو ليما في صيغة بلج ان أو برامج منفردة؟ وهل هناك أي تطويرات أخرى منتظرة فيما يخص الاثنين؟

أتمنى ذلك بشدة، لكن المشكلة في الوقت والمال. أظن أن الناس لا تدرك حقًا كم يتطلب الأمر من الاثنين. لقد تمكنا من صنع الأداتين بميزانية محدودة جدًا لأننا استخدمنا الويب كواجهة، لكن صنع بلج ان في-إس-تي يتطلب كتابة أكواد متخصصة وقد يتحول في النهاية إلى مشروع ربحي. إن لم يكن كذلك فلا بد وأن يكون هناك دعم أكاديمي، وهذا ليس سهلًا. أظن أنني سأركز حاليًا على البحث عن منحة صغيرة لتطوير ليما وأبوتومي وتقديم بعض الخواص الجديدة التي أجلناها بسبب ضيق الوقت. لقد وضعت بعض التصاميم الأولية بالفعل وأظن أنها ستلقى إعجاب الناس. كما أبحث عن طريقة لتطوير ليما بحيث يصبح مَخزنًا لأنظمة التنغيم المختلفة، بالتعاون مع باحثين آخرين. أود أن أختم كلامي بأن ليما وأبوتومي بالنسبة لي شرارة بداية، وأنا أبحث عن طريقة للعمل بشكل جمعي أكثر لحل هذه المشاكل، بدلًا من أن يعمل كلٌّ منفردًا كما قلت من قبل. أظن أن الحل الجمعي والمشاركة الجمعية للأعباء قد يؤديان إلى نتائج أغنى وأكثر حماسًا من الحلول والرؤى المنفردة.

سؤالي الأخير إن كنت ترى أعمالك كلها في سياق متصل؟ وإن كانت كذلك، ما الخط الرابط بينها؟ وبما أن كل شيء يستغرق وقتًا كثيرًا، كيف توازن بين مشاريعك المنفصلة حتى وإن كانت ذات سياق متصل؟

جميعها في سياق متصل بالطبع، لأن كل المشاريع تعود إلى حب الموسيقى والرغبة في صنع شيء له صدى ويستند إلى نشأتي الثقافية شديدة الاختلاط. من الصعب جدًا أن أجد هذا التوازن، أنا بلا توازن، دائمًا ما أتأرجح من جانب إلى آخر وأتنقل من محور إلى آخر. الأمر يستنزفني بصراحة. أن تجد هذه الثقوب وتحاول أن تجد حلولًا تسدها وأن تحافظ على مستوى من الطاقة يكفي للإنتاج الفني والتفكير الإبداعي، كل هذا صعب جدًا حتى وإن كانت مواضيع متصلة. هي عملية مستمرة، لكنني لم أجد حلًا سحريًا حتى الآن، فيما عدا التأمل.

المزيـــد علــى معـــازف