.
وقفت نانسي منير على المسرح لأول مرة في عامها السابع عشر، ولم تنقطع عنه على مدار أكثر من عقد ونصف، انغمست خلالها في مشاريع عديدة، بشكل رسمي أو غير رسمي بحكم صداقاتها، عازفةً لعدّة آلات وموزعةً ومؤلّفة، وعلّمت وتعلّمت. اليوم ما زالت نانسي تعرّف عن نفسها بخجل، ورغم كون ألبومها المنفرد الأوّل نزهة النفوس السبب الرئيسي لتأسيس تسجيلات سمسارة، ما زالت تجيب على معظم الأسئلة المستفيضة في تحليل الألبوم بأن “الموضوع أبسط من كدا بكتير.”
في هذه المقابلة تحكي نانسي القصة كاملةً، من محاولات العزف في الكنيسة طفلةً إلى الاحتراف، مرورًا بالمشاركة في تأسيس فرقة ماسكارا ودخول مجال الموسيقى التصويرية في فيلم من إنتاج نتفليكس، وانتهاءً بقصة ست سنوات من العمل على ألبوم نزهة النفوس تغيّر فيها كل شيء.
يشهد اليوم إطلاق ألبوم نزهة النفوس الرسمي على كل منصّات السماع، والذي يعيد قراءة حقبة ضائعة من الأغنية المصريّة.
صورة الغلاف في استوديو نانسي منير المنزلي، من تصوير إسلام عبد السلام.
أنا ابتديت فعلًا من ٢٠٠٥ أعزف مع فِرَق وابقى مع ناس في مشاريع، بس انا دايمًا بحب ابقى مع مغنية أو فرقة أو مشروع مثلًا، أكون بوزّع وبألّف.
لأ. مبحبش أبدًا. بالنسبالي دا خطر كبير. بس المرة دي برضه ف نزهة النفوس أنا حاسة ان انا مش في الواجهة الحمد لله. أَي نعم فيه مسؤولية أكبر من كل مرة ، بس لأ مش في الواجهة برضه أبدًا. هُمَّ المطربين منيرة وعبد اللطيف وصالح وحياة صبري وفاطمة سرّي وكلهم، هُمَّ اللي شايلين الموضوع.
يمكن هي مرحلة متوسّطة قبل ما تصيري جاهزة للواجهة؟
مش بفكّر كدا. يعني معنديش مشكلة أعمل مزّيكا أو أوزّع أو كدا. ممكن المستقبل برضه يوريني حاجات تانية. بس آه هيَّ أكيد خطوة مهمة ف حياتي وتجربة مختلفة عن اللي فات كله.
آه هُمَّ الاتنين في الكنيسة وهُمَّ الاتنين في الكورال بتاع الكنيسة. بابايا تينور وماما آلتو، واحنا ابتدينا كدا كدا في الكنيسة. عندنا في الكنيسة الإنجيلية في اسكندرية في الإبراهيمية. عندنا الموسيقى دايمًا حاجة مهمة. وبعدين أنا عشان في الأول ما كانش عندي أستاذ للكمنجة ولا أي حاجة، فبلعب وِحِش قوي. بكتشف لسا وبطلّع بودني وحاجات كدا. فأكيد كان في تخييش رهيب في الأول. بس هُمَّ في الدايرة دي عندهم الأداء بتاع “ربنا يباركك كمّلي”. ف آه، دا كان دور الكنيسة في الموضوع.
بابا بيعزف أكورديون لحد دلوقتي وبيعزف في الكنيسة لحد دلوقتي، ومامتي بتقود كورَس ترانيم لحد دلوقتي. وعندنا دايمًا بيكون في عيد القيامة والكريسماس فيه كورال بيغنوا أربع أصوات، سوبرانو آلتو تينور بايس، فبابايا تينور ومامتي آلتو، وكانوا كمان بيحفظوا الأجزاء بتاعتهم على شرايط كاسيت.
بابايا كان بيسمع أكتر في العربية الأجزاء بتاعته، مامتي بتسمع في المطبخ. فأنا وأخويا بنسمع نفس الأغنية من زوايا هارمونيّة مختلفة. فأظن دا اللي نمّى عندنا قوي كمان فكرة الهارموني.
خامسة ابتدائي. في الثانوي رحت سنة الكونسرفاتوار، بعدين أهم مدرّسة كمنجة في اسكندرية قالتلي إن انا كبرت قوي على التعلُّم. ففيه مدرّس تاني هوَّ مرن أكتر، اسمه إيهاب تكفة. للأسف ما قعدناش كتير. هوَّ كمان كان مهندس، وكان بيعزف في أوركسترا مكتبة اسكندرية. فادّاني شوية حصص قليّلة، بس كان دايمًا بيشجّعني وكان مبسوط قوي من فكرة ان انا بعزف الحاجات بودني برضه. يعني ممكن يعزف المقطوعة وانا أعزفها بودني.
وبعدين فوقتها كان عندي فرصة إن انا أفك شفرة النوتة واتعلّم شوية. بعدين للأسف سافِر. مرحلة قصيرة جدًا.
١٨. أو قول تانية ثانوي لما جبت درجات كويسة قُلت لأهلي إن انا عايزة مكافأة، عايزة اروح آخد دروس بقى. بس هُمَّ كانوا شايفين إن آه الموهبة مش بالضرورة إنها تكون مهنة، يعني ممكن أدرس حاجة تانية وتبقى الموسيقى حاجة جنبها. بالرغم من تشجيعهم بس هُمَّ ما كانوش متطمنين قوي لفكرة إن انا عايشة حياتي كموسيقية. بس.
وجيت القاهرة بقى فـ ٢٠٠٨، كان عندي عشرين سنة.
مارجي كانت ف الكنيسة اللي هيَّ جميع القديسين، فاسكندرية برضه ف ستانلي، وكان وقتها كمان مامتي عندها خدمة مع اللاجئين السودانيين هناك وكنا بنحضر هناك، تحديدًا يوم الجمعة الصبح. فكان بعد ما الكنيسة بتخلص أنا وأخويا بنروح نجري على البيانو وبنقعد نعزف. فهيَّ قالت لبابايا ومامتي أنا عايزة أقضّي وقت أكتر مع ولادكم وادّيهم برضه دروس. هجيلكو البيت ومش هاخد منكو حاجة وأنا بس عايزة أعمل كدا. ف بس.
قعدنا برضه فترة، برضه كانت فترة صغير جدًا لأنه حصل ١١ سبتمبر بعدها على طول، فهيَّ اضطرت ترجع بلدها. بس الفترة القصيرة دي أنا فاكرة إنه كان فيه حفلة في الكنيسة، كل الأطفال اللي اتأثروا بمارجي سودانيين ومصريين وأجانب وكل حاجة، عملتلنا حفلة هناك، وقالتلنا: “أنا ماشية. أنا عارفة إن انا ملحقتش أقعد معاكم وقت طويل، بس انا أقدر أقول إن كل واحد فيكم يقدر يكون مدرّس نفسه.”
مش لوحدي قوي طبعًا، بس آه طول الوقت بحب أذاكر، أذاكر بمعنى إنه أتمرن، أسمع أغاني، أطلعها واحللها.
بعد موضوع مارجي والكونسرفاتوار كان فيه أهم حد برضه ف حياتي قابلته من وانا صغيّرة كان فتحي سلامة.
لأ هوَّ كان بيدّي وِرَش، وهوَّ طيب جدًا وكريم جدًا. فكان بييجي اسكندرية في الجيزويت. يعني هوَّ ٢٠٠٥ كنت ابتديت فمكتبة اسكندرية. قابلت شيرين عمرو من ماسكارا وقابلت أيمن مسعود من مسار إجباري، وطبعًا وائل السيد والمجتمع الموسيقي في اسكندرية.
ف قالولي إنه فتحي سلامة جاي وهيعمل ورشة في الجيزويت، وانا وقتها ما كنتش اعرف مين فتحي سلامة. أنا عارفة إنه حد عظيم وعنده جرامي وكدا. فكان بيسأل مين الشباب الموجودين؟ مين تفتكروا مهتم إنه يحضر الورشة؟ فكان بييجي تقريبًا كل سنة يعمل ورشة أو ورشتين في الجيزويت في اسكندرية. بيجمّعنا كلنا، بيقولّنا طيب عندكم إيه أغاني؟ وبيبتدي يورينا توزيع الأغاني مع بعض. يبتدي يعمللنا زي مقدمة للهارموني والحاجات، إزاي نتمرن في البيت على سلالم، إيه أهمية المترونوم في التدريب في البيت. كدا يعني.
ف هوَّ كان بيعمل دا، وبيورينا بشكل عملي في الأغاني بتاعتنا كلنا، إيه اللي ممكن يحصل في الأغنية عشان تتوزع. وكان كمان بيعمل كدا في الدايرة اللي احنا قاعدين فيها مثلًا يعمل بروجرشن هارموني وكل حد بالدور يرتجل، مثلًا. ف آه دي وِرَش فتحي سلامة.
لأ أنا في الأول طبعًا كان فيه بيانو في الكنيسة، وفيه ريكوردر في البيت، وفيه ماندولين في البيت، وفيه أول جيتار …
كان بتاع بابايا أظن وقت المدرسة، بس انا كان نفسي ف عود في الأول قللي طب خدي دا وبعدين نشوف هنجبلك عود إمتى. فجابولي عود وانا فتالتة ابتدائي، وكان ضخم. بس عزفت عليه برضه فحفلة الكنيسة وفحفلة المدرسة. فكان فيه شوية بيانو وشوية عود وشوية ريكوردر. بس كان نفسي في الكمنجة.
لأ طبعًا. ملحقتش. ما اعرفش يمكن وانا طفلة كان عندي إحساس – ولحد دلوقتي طبعًا – إن كل آلة جزء من الباليتّا وكله بيصب فبعضه. مبحسش بأي ذنب مثلًا لو انا فيه فترة مش بتمرن فيها كمنجة وبتمرن ثيرمين بس مثلًا، بسبب ظروف صحية. مثلًا كان عندي مشاكل في ضهري. الكلام دا كان في ٢٠١٨ – ٢٠١٩. فمثلًا بقى فيه ثيرمين في الحياة. أو في الوقت التاني مثلًا اللي ابتديت ألعب فيه كولة. معرفش ليه قررت ان انا أدّي وقتي بشكل كبير للكولة.
وكانت دايمًا كميليا جبران حتى بتفضل تقوللي إنه يا حبيبتي إنتي ليه مش بتركزي كويس؟ إنتي عايزة تعملي إيه؟ وانا دايمًا أسئلتها بتخليني أبقى عندي شوية وعي أكتر، حتى لو انا ببقى مستنية منها إجابات كأستاذتي يعني، هيَّ دايمًا بترميلنا أسئلة بدل الإجابات، والأسئلة دي كانت بتساعدنا دايمًا إن احنا نفكّر أكتر إحنا عايزين نعمل إيه وليه. ف انا بالنسبالي إن الواحد يعزف آلات كتيرة حتى لو مش مستوى رهيب، كله بيصب فبعضه، كله بيكون ليه علاقة بتنمية مهاراتي كموسيقية من زوايا مختلفة.
بابا عنده شيء كدا في الهندسة أظن، بالنسباله برضه كله بيصب فبعضه. يعني لو بيتعامل مع جهاز صغير بيصلحه بيكون عنده نفس الشغف زي ما بيكون بيصلّح باخرة. فعنده برضه موضوع كله بيصب فبعضه دا. يمكن دا، فكرة إن انا بشوف بابا بطريقة تعامله في الموضوع دا يمكن.
وبعدين برضه بابا كان بيسمّعنا مزيكا غير اعتيادية كتير. كان برضه بيسافر وبيجيب أسطوانات وشرايط كاسيت وحاجات كدا من سفرياته. دايمًا بيبقى احنا عندنا حاجات غير اللي كل العيال اتربوا عليها.
في الموضوع دا بحس انه الموضوع بيكون في التوزيع تحديدًا. أنا طبعًا نفسي ألعب آلات أكتر من كدا. دايمًا بحس إن انا مثلًا، حتى لو عندي مشكلة معينة فحياتي، اللي هيحللي الموضوع دا إنه يبقى فيه آلة جديدة. فانا دلوقتي مثلًا مهووسة جدًا بالهاردي جاردي زي ما كنت مهووسة بالثيرمين تقريبًا، ابتديت رحلة البحث.
وببقى عندي موضوع إن انا حاقعد اتفرج واسمع الآلة لحد لمّا بلاقي نفسي تلقائيًا بلعبها فخيالي قبل ما تيجي في الحقيقة.
موضوع الثيرمين دا أنا أصلًا مكنتش اللي هوَّ أنا بدور على آلة تبقى صوتها طويل وكدا، لأ خالص. حصل برضه بشكل تلقائي وانا بوزّع أغنية يا عينك يا جبايرك.
فعلًا جه مع نزهة النفوس، أصل المشروع أخد سنين طويلة.
وانا بشتغل في يا عينك يا جبايرك فجأة سمعت ف خيالي … أنا ببقى بسمع الأغنية كأني سامعة التوزيع ملغوِش في الأول أو حاسة بالأجواء بتاعة التوزيع، بعدين ببتدي أسمع الأجزاء وحدة وحدة بشكل مركّز أكتر. فسمعت جزء للثيرمين، فقعدت ادوّر مين اعرفه بيلعب ثيرمين؟ مكانش فيه حد. بعدين لقيت نفسي بسأل وحدة صديقتي جاية من أمريكا قلتلها ينفع وحياتك تجيبيلي البتاع دا معاكي [تضحك]؟ عشان كان خلاص بيحصل هوَس والهوَس بيزيد فتحس إن انت مش هتنام إلا امّا تعمل كدا.
أكيد ورشة فتحي سلامة حطت الموضوع دا بشكل ادتله إسمه، إطاره، آه الشغلانة دي اسمها كدا. بس أظن من قبل كدا واحنا، أنا وأخويا، بنعزف من واحنا أطفال، بنعزف ففرقة الكنيسة. إحنا بنقعد نعزف مع بعض كتير، أكيد مش دايمًا بنجيب الميلودي مزبوط الأول، ممكن نلعب حولين الميلودي. أخويا كمان شاطر قوي في الهارموني من واحنا صغيّرين. فدايمًا كان عندنا تجريد وحتّى مع أصحابنا في الكنيسة، فيه اللي هوَّ دلوقتي عندنا الترنيمة هنعزفها، ف مفيش قوي برضه فكرة هنعزفها بالشكل دا بالنوتة دي، الترانيم الجديدة تحديدًا فيها حرية أكبر وفيها مساحة: طب العبوا صولو طب العب ارتجال. والمغني مثلًا بيغني، أنا هعزف معاه اللي اقدر عليه، فاللي اقدر عليه دا بيكون حولين الميلودي، فازّاي دا ممكن يوسع ويتطوّر، وبعدين ازّاي دا ممكن يتحوّل لفكرة وبعدين ازاي دا ممكن يتحوّل لفكرة توزيع.
كمان مثلًا إحنا ممكن يبقى عندنا عجلة ام تلات عجلات دي واحنا أطفال، فكنا بنشقلبها، وبعدين نجيب معالق الخشب من المطبخ، وشوية غُطيان حلل، وبنعمل الشيء دا واحنا صغيرين قبل ما نبقى عارفين إن اسمه درامز برضه. ومرة فاكرة أول جيتار عندنا كان بتلات أوتار بس، واحنا عندنا كمان فكرة إن احنا هنلعب، مش مهم الدوزان إيه، إحنا هنعمله زي ما احنا حاسين دلوقتي. وفيه الكاسيت الناحيتين دا. كان عندنا تجارب تسجيل وانا صغيرة أنا وأخويا، إن احنا نسجّل على الشريط وبعدين الشريط يبقى بيعرض حاجة واحنا بنسجّل فوقيه حاجة تانية، وبنسجّل على الشريط اللي بعده نبقى مشقلبين دا ونحط دا هنا، وهكذا.
برضه فألبوم تدوّر وترجع كان حصل حاجات كتير بنفس الشكل، إنه أوكيه أنا مش معايا نوتات، أنا عارفة روح التوزيع هتبقى عاملة ازّاي. فانا هروح أقله افتحلي تراك، فألعب وبعدين أقله طب سيب دا وافتحلي واحد تاني تحته، فألعب، فمن هنا بتبدي تتكوّن الطبقات فوق بعضها.
دا نشاط أسري عندنا في البيت. أنا وبابا وماما وأخويا كنا زمان واحنا صغيّرين بنقعد دايمًا بنلعب شطرنج، وبابا كان بيعلمنا دروس في الحياة من الشطرنج. حاجات كتيرة قوي فيها حِكَم. وبعدين اكتشفت إنه … وكمان مكتوب عن الموضوع دا في كتاب معيّن إسمه ميوزك، ذا براين آند إكستاسي، إنه الشطرنج شيء بالنسبالي مريح لإنه شبه التوزيع والتأليف في المزيكا، نفس النشاط الدماغي بتاع ان احنا بنجرب حاجات كتيرة، وبعدين بتختار مسار تكمّل فيه.
كمان أهم حاجة بتبقى في اللعبة إن انت ما بتفكرش من زاويتك انت بس. يعني انت كل ما فكرت أكتر من زاوية الشخص التاني كل ما بقى الوضع أحسن. إنه بتبقى بس على دراية ووعي بإيه اللي بيحصل في الرقعة هنا، إنما لو انت بتفكر من ناحيتك انت بس حاجة سخيفة. بس الممتع أكتر إن انت تفكّر مكان اللي قدامك. تأثير دا بقى على الحياة عامل ازاي، في التعامل مع البنيآدمين وكدا، وانه نشوف المواضيع من كذا زاوية.
جيت على شغل ف سمارت فيلايج، قعدت سنة ونص ملتزمة وشاطرة وكل حاجة ومركّزة في الشغل، وانا بعمل تدريب شغل والمفروض أرجع اسكندرية. وبعدها حصل إنه جالنا كذا سفرية مع فرقة ماسكارا.
بعدين اللي حصل إنه رحت الشغل، بعدين كان إبتدا إن انا محتاجة أجازات أكتر عشان اسافر، وابتدا يحصل تضييق من الشغل، اللي هوَّ تمام إحنا ممكن ندعمك في بعض الأجازات، بس الموضوع هيطول، الموضوع بيزيد ويكتر في السفر وكدا. فاضطريت ان انا اسيب الشغل، واركّز في المزّيكا أكتر.
كان طبعًا لازم يكون عندي شغل تاني بجانب الموضوع دا فكان واحدة صديقتي من فرقة الورشة، هيَّ بتشتغل مدرّسة فقالتلي طب أنا عارفة المدرسة عندنا محتاجين مدرّسين موسيقى، تحبي تيجي؟ فانبسطت جدًا. كانت تجربة حلوة انه على الأقل أنا بعمل حاجة بحبها، وببتدي اذاكر أكتر عشان ادرّس. الأول كان أطفال مثلًا، بعد كدا في المدرسة اللي بعدها، إعدادي وثانوي، وكانت تجربة تحفة بالنسبالي.
مش فاكرة بالظبط بس أظن آخر مرة درّست فيها كان ٢٠١٦ يمكن.
آه. بسيب وارجع، ومدارس مختلفة في النص. بس الأول كان أطفال، بعدين لقيت ان في المدرسة البريطانية ممكن أنا كمان أعمل المنهج اللي انا عايزاه، فكنت بدرّسلهم موسيقى وتكنولوجيا الموسيقى. مش لازم ادرّسهم نوتات، أنا ممكن أدرّسهم هارموني أساسي، إزاي يلعبوا أغاني، يعني إيه هندسة صوت، يعني إيه البرامج اللي بتسجّل دي بتعمل إيه.
فكنت مبسوطة إنه أعمل دا مع ولاد في إعدادي وثانوي، سن صعب، بس فنفس الوقت أنا كنت بنبسط معاهم جدًا. هُمَّ كمان عندهم طريقة ان هم يتعلموا بسرعة وينفذوا قدامك، فبالتالي إحنا كلنا بنلعب مع بعض. بعدين بقى فيه ١٢ فرقة في الآخر، آخر السنة قبل ما نمشي. عملنا مهرجان في المدرسة، في الملعب جبنا مسرح، كنا بنلعب أغاني كتيرة، وكان فيه منهم عملوا حاجات بتاعتهم، وابتدوا يتعلموا يعني إيه تسجيل، يعني إيه ميكسر، يعني إيه أمبليفاير، وكانت تجربة حلوة.
أنا اتعلمت بشكل بديل تمامًا، وانا ممتنة فعليًا لإن انا مروحتش درست بشكل تقليدي. في الأول كنت غضبانة، بعدين بقيت ممتنة للموضوع دا.
كان في وقت ألبوم تدوّر وترجع، كنا بنشتغل مع مفدي ثابت. عنده دريم استوديو في مصر الجديدة، وهوَّ شخص سخي جدًا، وعنده الصبر وطولة البال. أنا بس كنت قاعدة جنبهم بتفرج، سواءً هو أو محب، بيشتغل برضه في الاستوديو إديتر. وبالمناسبة هُمَّ كان ليهم دور برضه ف نزهة النفوس، إن انا رحت كتير قوي للحاجات اللي محتاجة فيها مونتاج. يعني فيه كذا مونتير اشتغل في المشروع دا.
كان فيه مرة مفدي ثابت قللي إن عنده ورشة هيدرّب مهندس صوت فقناة راديو، فقاللي تعالي الورشة دي، فرحت الورشة دي فعلًا وكانت مؤثرة جدًا. وطبعًا المهم جدًا جدًا فحياتي، من أعظم أساتذتي، علاء الكاشف، مهندس صوت بيشتغل مع فتحي سلامة، سجلنا عنده الغُنا بتاع تدوّر وترجع، وشوية رتوش، وسجلت عنده الغُنا بتاع نزهة النفوس في تعالى يا شاطر. وسجلت عنده كام حاجة. أنا حتى قلتله أنا ممكن اجي أتفرج عليك وانت بتشتغل؟
فهوَّ حقيقي فيه فترة تبناني فيها، يعني أنا قاعدة جنبه شايفاه وهوَّ بيشتغل، سواءً بيشتغل موسيقى، موسيقى تصويرية، فولي للأفلام. بتشوفه بيلبس جزمة فإيده وبيفتح الأرض حتى وتلاقي خشب فتلاقيه بيعمل كدا (أصوات حك أو طرق الجزمة بالخشب) والشاشة قدامه، بيركّب الأصوات في الأفلام. وهوَّ كمان سخي تمامًا. وهوَّ بيعمل الحاجة، وانا قاعدة جنبه ببص في قمة الانبهار، تلاقيه هو بيشرحلي: إحنا هنا عملنا كذا، أنا عملت كذا عشان الصوت محتاج كذا. فاتعلمت بالطريقة دي.
أيمن مسعود من مسار إجباري كان وقتها زي أخويا الكبير. يعني مثلًا عندنا حفلة فساقية الصاوي في القاهرة، فييجي يتكلم مع أهلي ويقول متقلقوش أنا هوديهم بالعربية وهجيبهم بالعربية، فأهلي يقولوله تمام طالما نانسي معاك فاحنا كدا متطمنين عليها.
قبل ما انقل القاهرة. قبل ٢٠٠٨ بكتير.
ساقية الصاوي كانت ابتدت تفتح، الوِرَش برضه بتاعة فتحي سلامة في القاهرة ابتدت تحصل. كان برضه عندنا الإحساس بتاع أنا مش عايزة ورشة وحدة ولا اتنين، أنا عايزة احضر كل المساحات اللي فيها الراجل دا هيتكلم وهيقول أي علم. فوقتها أيمن مسعود كان كمان مسار إجباري عندهم استديو هاي هات ف اسكندرية، استوديو للأسف مبقاش موجود دلوقتي، بس عندنا ذكريات كتير هناك.
كانوا دايمًا مسار إجباري اخواتنا الكبار. في الأول كانوا هُمَّ بيشجّعونا: طب تعالوا اتمرنوا عندنا. بنشوفهم برضه وهُمَّ بيشتغلوا بنتعلّم. فأيمن، حتى أول سفر ليا برا مصر، كان مع مسار إجباري ومجموعة فنانين في اسكندرية، كانت سفرية لمالطا، مش فاكرة سنة كام، يمكن ٢٠٠٦. برضه كان وجود أيمن مسعود مهم في السفرية.
اتقابلنا أنا وشيرين في حفلة في المركز الثقافي الفرنسي. أنا أول حفلة ليا برا الكنيسة كانت مع عازفة بيانو اسمها هبة سليمان، كانت عاملة فرقة. وبعدين واحد صديقي من الكنيسة عازف قانون قاللي ما تيجي الحفلة دي، قلتله أنا بقرا النوتة لسا على قدي، قاللي تعالي تعالي هتنبسطي، الناس منفتحة وفيه مساحة للارتجال، وعازفة البيانو دي شاطرة جدًا. وهيَّ فعلًا هبة سليمان مبهرة جدًا، حتى كنا بنقول عليها عزيزة مصطفى بتاعة مصر، حاجة قوية جدًا.
فابتديت أخش في الأنشطة بتاعة مكتبة الاسكندرية، أحضر حفلات في المركز الثقافي، أشوف مين بيعمل إيه. فكنت بحضر حفلة برضه لهبة في المركز الثقافي الفرنسي، وكنت معايا كمنجة، وشيرين كانت من ضمن الجمهور وشايلة جيتار، فاتعرفنا على بعض بعدها، وكان الميتال خضّني في الأول، حسيته تحدّي.
شيرين بتعمل ميتال، صوتها فشيخ في المساحة دي. شيرين من الناس القليّلة اللي بتشوفهم … يعني انا رحت مهرجانات ف كل حتة، فشفت مهرجانات ميتال تحديدًا. أغلب الوقت بتلاقي اتنين مغنيين، حدّ بيغني رايق وحدّ بيغني خشن. شيرين فشيخة في الحتة دي، وبتغيّر صوتها ممكن كلمة وكلمة، ف آه، هيَّ شيرين اللي كان عندها المبادرة دي. فانا طبعًا أول بروفا رحت اتخضّيت شوية من صوت الديستورشن، ما اتعرّضتش لأي حاجة شبه كدا الأول. وبعدين لقيت انه فيه حاجات، فيه فِرَق برضه ميتال بتدمج ما بين جنرات مختلفة. فيه فرقة مثلًا اسمها هاجريد، تحس ان هي موسيقى باروك وفيها ميتال. فيه ديمو بورجير نفس الموضوع، بيلعبوا ميتال بس مع أوركسترا كبيرة. فعجبني الحاجات دي، فشيرين قالتلي بس دا مش نوع الميتال اللي انا بحبه، قلتلها مش مهم، هنلاقيه. كنا دايمًا بنلاقي طريقة في النص.
بحس ان أبعد مكان دي هيَّ تجربة ليها علاقة أكتر بشيرين، بس … وطبعًا أيوا الصداقة وكل حاجة، بس هيَ ملهاش علاقة بماسكارا. حتى احنا عملنا بعد الموضوع دا حاجة اسمها ذي أذر سايد أوف ماسكارا، واحنا بنلعب حاجات أكوستيك، نفس الأغاني الميتال بنلعبها أكوستيك، من باب التغيير، من باب ان احنا نحاول ناخد مساحة فأماكن تانية، لأن ما كانش فيه أماكن كتيرة قوي بتخلينا نلعب ميتال، خصوصًا بعد ٢٠١٢ والحاجات دي كلها. مش دايمًا الميتال ليه مساحة.
مظبوط، بس من قبلها، كان وائل السيد وصديق تاني مغني من اسكندرية، كريم أبو ريدا، كانوا يقولولي إحنا حاسين إن انتو هتبقوا صحاب، وحصل فعلًا.
وِرَش فتحي سلامة برضه. وهيَّ عرفتني على فرقة الورشة، ويعني إيه تراث وكدا. وهيَّ ألحانها غنية جدًا. دينا من أهم الملحنين المعاصرين بالنسبالي، ألحانها فعلًا مفتوحة جدًا. متأثرة بالتراث لكن في نفس الوقت فيها تجريب في الإيقاعات معاصرة جدًا. وهيَّ عشان فطرتها قوية فبالتالي عندها شيء خاص جدًا فموسيقتها.
ليها دور وصلني شوية بالتراث بشكل عام، لإن انا كنت جاية من خلفية إن انا بحب موسيقى الباروك، بيرجوليزي وبتاع والهارموني والجاز، يعني بحب المزيكا اللي فيها معلومة وزخم وهارموني، فما كنتش لسا بعرف أستطعم الموسيقى الشرقية. ف دا حصللي على مراحل. مع وِرَش فتحي سلامة مع دينا الوديدي مع فرقة الورشة، مع كميليا جبران بقى بعدها. الورشة اللي مع كميليا جبران ف ٢٠١٢، هنا في القاهرة، هيَّ دي اللي أنا روّحت من الورشة بسمع إيه اللي حصل قبل مؤتمر ١٩٣٢.
وبعدين لما حصل إن انا سمعت الحاجات من الحقبة دي حسيت كأن انا كنت محرومة. يعني ليه أم كلثوم وعبد الوهاب مدى الحياة ودا تراثنا؟ لأ يا جماعة فيه بلاوي تانية كتيرة قوي بس مش في الذاكرة الجمعية.
أنا حاسة إن صناعة مزيكا بتُحتّم على الفنان أو المطرب إنه يبقى عنده شكل معيّن وطريقة أداء بقابلية أقل أوقات لإنه يبيّن ضعف، ويبقى فيه تخطيط كدا. يعني جزء من الصناعة، بالذات في البوب قوي، فكرة إيمتى هنتحرك إيمتى الجمهور هيسقف. بس بالنسبالي الموسيقى طقس روحاني جدًا في الأول أصلًا وشخصي. أنا مثلًا عندي التجربة دي أحب إن الجمهور يبقى بيشاركها معايا، أكتر من إن احنا رايحين نعمل استعراض.
حالة الغنا في الزمن دا قبل ما تبقى ع المسرح كانت في ناقات بتاعة البيوت، يعني كان عندهم حفلات كتير. حتى صالح عبد الحي بيحكي عن الموضوع دا. كان الموضوع حميمي في الأول، وبشكل مختلف. كانوا براحتهم، نقول اللي احنا نقوله، بعدين بقى نشوف هنسجل إيه ومش هنسجل إيه. وفيه منهم ما عندهمش مشكلة ان همَّ يسجلوا كلمات ما تبقاش لايقة على الوضع دلوقتي، في ٢٠٢٢. حتى أم كلثوم راحت شالت حاجات ودمّرت حاجات وعملت مونتاجها الخاص، عشان يبقى الموضوع شخصية مصر بعدها، هنبقى محترمين لازم نبقى بتاع مش بنقول الكلام الخليع والكلام دا. بس لأ كان فيه خلاعة طبعًا.
عبد اللطيف البنّا كان بيحكي انه بعد ما ساب القاهرة ورجع البلد، هُمَّ لسا عندهم حفلات اللي هوَّ مأمور يتنقل من هنا لهنا يعملوله حفلة، وتفاعل جمهور وكل حاجة، بس قصدي انه الحفلات كانت مش إنه يللا الجمهور، الإذاعة، يللا نستعرض.
مثلًا هيَّ هنا بتستعرض (تشغّل تسجيل أنا في انتظارك بصوت زكية حمدان)، بس انت حاسس بيها وهيَّ بتتألم. هيَّ مش قصدها تفرد عضلاتها، هيَّ دخلت في الحالة والجمهور موجود، صدفت إن الجمهور موجود، بس هيَّ بتخش في الحالة دي أوقات تانية كتيرة أكيد عشان توصل للمرحلة دي، تبقى بتعمل كدا ع المسرح مع ناس.
بعدين هيَّ كمان الثقافة كانت مختلفة، الثقافة بتاعتهم بتاعة التنقل ما بين المقامات والحرية. الموضوع بالنسبالي قبل مؤتمر ١٩٣٢ كان حاجة مختلفة.
فكرة توحيد السلم والأبعاد سخيفة جدًا. فكرة إن احنا يللا نعمل دوزان معتمَد في المنطقة كلها ونساعد إن احنا نعمل تنويت للموسيقى الشرقية ومدرسة المعرفش إيه. زي في العرض برضه لما صالح عبد الحي بيتكلم، ما كانش فيه مدارس أو معاهد. بالظبط اللي كان بيحصل إنه كان بيبقى فيه حد زي الأسطه، وفيه حد بيتعلم منه. الأسطه دا سواء بيغني بيقول قرآن بيعمل أي حاجة، بس المعرفة بتتنقل من جيل لجيل بشكل إنه بيشرب الموضوع، غير إنه يروح ويشوف سبورة ويبقى عنده نوتة ويتعلم كدا. دا شيء ودا شيء.
إنت متخيل إن فيه حد دلوقتي بيعرف – غير كميليا جبران – يتنقّل ما بين المقامات بالحرفنة دي مثلًا؟
عدة أسباب. من ضمنها آه إن انا مش هلاقي حد يكيفني مثلًا قد منيرة وصالح عبد الحي وعبد اللطيف، وحياة صبري قصتها مختلفة شوي، بس آه مش هلاقي حد. زائد إن انا فمرحلة السمع دي كوّنت مشاعر تجاه صوتهم برضه. بعد العشا تقريبًا الأغنية اللي ورطتني في المشروع بشكل كبير. بالنسبالي دي لغاية دلوقتي أجمل أغنية بتعبر عن الحب.
اللي هو بدل ما اخش في الحزن التام بعد انتهاء علاقة أنا ممكن أخش ف إنكار، “إنسى اللي فات وتعالى بات” كل دا إنكار. ف آه، الأغنية دي أثرت فيا جامد، بس صوت منيرة، محدش تاني صوته هيأثر فيا زي منيرة، لإنه مرتبطة بالتجربة دي.
وبالنسبالي برضه صوتهم وهُمَّ بيغنوا فمراحل الاستماع الأولانية خلتني عندي فضول رهيب اعرف أكتر عنهم وعن قصصهم وليه إحنا منعرفش عنهم قوي دلوقتي. هتنزل لأي حد في الشارع، سواق تكسي بيشغّل أم كلثوم: طب تعرف الست دي؟ تعرفلها أي أغنيّة؟ لأ. أو حتى من صحابنا الموسيقيين مش هتلاقيهم عارفين إيه اللي حصل. الأغاني دي كانت إيه كان كام؟ مين؟ ولحد دلوقتي.
بداية ٢٠١٦ أظن، مش فاكرة تحديدًا الرقم لأنه أنا حسيت إن انا دخلت ففجوة زمنيّة (تضحك). بس هوَّ بجد ما كانش فيه القصد إنه يللا أقعد ابتدي مشروع. أنا كنت بالنسبالي بسمع وبتشحتف وبتفاعل، وبحس إن صوتهم صادق جدًا لدرجة إنه بينقللي حاجات عن حياتهم. صوتهم مليان مشاعر. آه مليان خرفشة وعوامل الزمن وكدا، بس بالعكس دا ناقللي مشاعر كتيرة قوي، تحس إن انت تقدر تعرف عن شخصيتهم من صوتهم بس. حصللي تواصل كدا إنه … مثلًا الأغنية بتاعة فاطمة سرّي أنا بس ساكتالك، سمعتها وحسيت إن الست دي أكيد عندها مصيبة كبيرة قوي. صوتها بيقول إن فيه مصيبة، وفعلًا تبتدي في البحث مع حكيم عبد النعيم وياسر عبد الله تلاقي ان فعلًا فيه مصيبة كبيرة.
أيوا طبعًا. تلقائي كنت ابتديت أعزف. لإن انا مثلًا ممكن ابقى سامعة هارموني في دماغي أو صوت في دماغي. كمان اللي حاصل في الموضوع ان الترددات اللي التسجيلات دي بتجيبهالنا مش بتاخد من العشرين للعشرين ألف هرتز، فيه مساحة في اللو إند، مساحة في الهاي إند، ومساحة للهارموني. فالمشروع أصلًا مديني مساحة، أغانيهم مدياني مساحة إن انا أتخيل أولًا.
أنا مسجلة أغلب الألبوم في الأوضة دي. أنا سامعة الطبقات التانية دي أو العالم الصوتي اللي بيتكوّن فمخّي وانا بسمعهم، حسيت إن انا عايزة مش بس يبقى فخيالي، محتاجة اسمعه بوداني مش بس اسمعه بعقلي، ف من هنا ابتدت فكرة ان انا عندي كانت محاولات أولى. من ضمن القصص ان انا عندي صديقة سورية محببة إلى قلبي جدًا، صداقتنا ٨ سنين، اتقابلنا بس الشهر اللي فات أول مرة فحياتنا. هيَّ برضه موسيقية رهيبة اسمها راشيل الغانم ومهتمة بالتوزيع. كنت اللي هو إيه، إحنا دايمًا بنشارك بعض بالدرافتس، هيَّ تسجل حاجة ع الجيتار فتبعتلي، أنا اسجل حاجة فابعتلها.
هيَّ حتى لسا بتقوللي قريّب إن فيه حاجات في المحاولات الأولى محببة إليها أكتر، معرفش هيَّ تعودت عليها ولا إيه. بس يعني إنت في الأول مثلُا بحط هارموني أساسي، أو مثلًا فيه أغنية أنا حاسة ان انا أول آلة دلوقتي نفسي أمسكها حالًا هو الأكورديون، زي ما تخافش عليا مثلًا. أو فأغنية تانية أحس ان انا عايزة جيتار هنا، أبتدي الهارموني بالجيتار، أو آلة تانية أبتدي بكاونتربوينت. وفيه حاجات فيها أصوات بقى في الألبوم غير آلات، أصوات عشان تعمل المساحة الصوتية بتاعة العالم دا.
أنا أول سنتين وانا بعمل المشروع معنديش أي فكرة إن دا مشروع أصلًا. أنا بس غطسانة، كنت سبت التدريس وقتها، سبت كل حاجة، وقعدت أركّز، أشوف إيه دا؟ لا إراديًا، حقيقي. أقعد اسمع واتفاعل، وكان لسا عندي موضوع الاستوديو في البيت دا لسا جديد ولسا بتعلم. وكنت آه لقيت نفسي بسمع وبتفاعل، وبعدين الاقي نفسي مش عارفة انفعل كفاية هنا، فبفتح عيني دا معناه إن فيه حاجة في المونتاج في الإيقاع لازم اظبطها، فاظبطها عشان اعرف اعمل كدا. والعب بقى.
أنا بالنسبالي طول الوقت فيه تفاعل، لحد الحفلة بتاعة أول مبارح دي كانت تفاعل برضه. إحنا حتى كموسيقيين معاهم على المسرح، إحنا بنتفاعل مع اللي احنا سامعينه، إحنا بنحاول منسبقهمش ونقول احنا حافظين، لأ احنا كأننا بنلعب معاهم. بنتعامل معاهم كصوت حيّ.
بس على مدار السنين بتقعد تبني في الطبقات وحدة وحدة. أنا مكنتش بفكر في تكنيك للمشروع على قد ما هوَّ شوية شوية لقيت نفسي بعمل حتى حلول بلدي جدًا، زي ما بقول لأدهم زيدان، مهندس الصوت العظيم اللي مَكسِج الألبوم. حتى كل مرة بروح اقوله بقولك ايه انا عندي حل بلدي جدًا للقصة دي (تضحك). فكل شوية بحس ان المشروع محتاج كذا، أو فيه مثلًا الأغنية دي مش مسموعة كويّس، يللا نرمم الحروف ازاي بطريقة بلدي جدًا. فمفيش مرحلة معينة أو نقطة معينة، بس هو على مدار العمل كله. يعني بعد أول سنتين واحدة صديقتي قالتلي بقولك ايه، بما إنك بتعملي دا بس، أظن ان دا مشروع. قولتلها آااه تصدقي (تضحك).
كان فيه صعوبات طبعًا، بس غير الصعوبات كان فيه أوقات فيها خلاص زهقت من المشروع وعايزة أطلع برا الحالة بتاعة التوحّد دي واشوف، أروح آكل عيش (تضحك) أعمل أي حاجة تانية. وفيه أوقات تانية بتبقى مرهق تمامًا أو محتاج تريّح ودنك وترجع تاني، أو حصل حاجة. بتبقى مرهق محتاج تسيبه وترجع تاني وانت فريش أكتر، شهرين، تلاتة، أيًا كان. بظروفها يعني، بس مفيش وقت انا عايزة أجبر نفسي فان انا بشتغل في الموضوع دا وعندنا ددلاين وكدا. أنا في الآخر بالنسبالي أنا بعمل دا من باب الهوَس أكتر من باب ان انا عندي مشروع أنا عايزة أقدمه للناس.
علاقتي مع المشروع دا فيه وقت كنت حاسة بمسؤولية تجاه أصواتهم معرفش ليه. بالتحديد الخمسة الموجودين في العرض، منيرة وصالح وعبد اللطيف وحياة صبري وفاطمة سرّي، الخمسة دول معرفش ليه حسيت بمسؤولية تجاههم.
من صوتهم الأوّل. ويعدين فيه غضب طبعًا ليه الناس دي مش معروفة، ما بيقولولناش ان فيه دا، لازم نكتشف إنه فيه دول يا جماعة، فاهم قصدي؟ مش موجودين في الذاكرة الجمعية بالشكل اللي بيستحقوه.
وبعدين لما يتعمل فيلم عن قصة فاطمة سرّي تيجي أم كلثوم تعمل فيلم ضعيف اسمه فاطمة، مطلعاها فيه ممرضة ويا سعادة الباشا والممرضة الغلبانة وبتاع، لأ. دي كانت مغنية أوبرا فشيخة وكانت ست عظيمة جدًا. ليه يعملولها فيلم عن حياتها فيقوموا مبهدلين القصة كدا؟ هو المفروض إهداء لفاطمة سرّي، وهو ولا إهداء ولا نيلة، قلّته أحسن. مالهوش أي علاقة بمذكرات فاطمة سري لو قريتها، أو حتى الجزء بتاع العرض دا، احنا بنقرأ أول باراجراف من أول صفحة، بس هو
١٣ حلقة، كل حلقة ٣-٤ صفحات. مذكرات فاطمة سري قوية جدًا.
أنا مكنتش اعرف الروايات السائدة الحمد لله من الأوّل، أنا عارفة بس إن منيرة المهدية بتطلع بشكل تريقة. حتى صالح عبد الحي في اللقاء بتاعه، أو في الأواخر كانوا بيتريقوا عليه جدًا وبيقولوا عليه حمار الإذاعة عشان عنده القدرة انه يغني بالساعات من غير ما يوقف.
ف مش إنه أنا عرفت حاجة ف كدا، لأ بس هيَّ من الأول، من أول ما الواحد يسمع صوتها بيدوب. الست دي صوتها مش طبيعي.
هيَّ ست عايزة تعمل فن، بيقولولها ان هيَّ مستبدة بس هيَّ لأ، هيَّ بس مهووسة بتفاصيل شغلها، وانا عارفة افهم دا فيها. آه ممكن تبقى حادّة شوية. كمان فكرة الحب، إن هيَّ عندها كرامة فشيخة.
دا عرفته بعدين بس انا كنت حاسّاه، من تفاصيلها فعُرَبها مثلًا، فأغنية زي حبك يا سيدي مثلُا، يا لهوي، الأغنية دي من أهم الأغاني. بالنسبالي بقعد اتسائل ليه يا جماعة الأغنية دي مش معروفة؟
فيه حاجات بتبقى حاسسها من الأول، يعني الوثيقة أو اللقاء دا ممكن يبقى بيأكدلك إحساسك اللي وصللك من الأول.
مجلة المسرح أكتر حاجة. وفيه كمان لقاءات طلعت. عبد اللطيف البنا لقاءه نزل ع الإنترنت ٢٠١٨، قبل كدا مفيش معلومات قوي، سطرين على ويكيبيديا وانتهينا. طبعًا انا بقعد أحدّث المعلومات طول الوقت. وحتى باين من كلامه ان روحه خفيفة، زي ما بيتكلم زي ما بيغني. الناس دي كانت زي ما بتتكلم زي ما هتغني زي ما هتقابلهم في الحقيقة. عندهم شفافية ومصداقية تحس مفيش تكلّف خالص.
مش فاكرة، بس في اللقاءات باين إمتى التضييق عليها بدأ يحصل. إنت بتلاقي في لغة الحوار في اللقاءات المكتوبة إنه إمتى بيكون فيه الجزء بتاع: طب انتي مش متعلمة، طب انتي مش عارفة إيه، بعدين ينشروا جزء من رسالة بخط إيدها عشان يقولولك لأ هيَّ بتعرف تقرا وتكتب. بس إمتى بقى يقولولها انتي مستبدة إنتي مش متعلمة إنتي متحكّمة في الفرقة جدًا … كدا. بتلاقي النبرة بتاعة اللقاءات بتتغيّر.
أكتر حاجة شدتني ان هُمَّ كلهم كانوا فأواخر الزمن … أماني ناشد مثلًا، شخص مهم جدًا، بتسألهم دايمًا: إنتو عندكو تلفزيون؟ شفتوا السينما؟ اشتغلتوا في السينما؟ عندك راديو؟ بتسمع اسطوانات؟ بتسمع اسطواناتك؟ فبتلاقيهم كلهم في الآخر عندهم زُهد بالدنيا مش طبيعي، عندهم حالة من الوحدة، ومحدش بيسأل عليهم.
كان فارق معايا أكتر من إني أعرف سنة كذا حصل كذا، إن انا أعرف ليه حصل كدا؟
أنا بس حضوره في المشهد الموسيقي في الفترة دي وصوته فتسجيلاتهم كان بالنسبالي أهم حاجة. هوَّ بيلعب صولوهات في الألبوم، فيه صولو خاص جدًا في يا عينك يا جبايرك، قعدنا نتفنن واحنا بنتعامل مع صوته في الأسطوانة بشكل مختلف. أظن ان ف أي مشهد موسيقي بيبقى فيه تركيز على المغنيين بشكل كبير والموسيقيين زي حالاتنا بيتنسوا أوقات، بس هو طبعًا عظيم. عنده تكنيك وستايل خاص جدًا. أنا حاسة ان صوته باين في المرحلة دي.
غير بس كدا، أنا مثلًا بالنسبالي التحميلة، كشكل، اللي هيَّ تيجي الناس تقوللك جاز ومش عارفة إيه، يا جماعة ما احنا عندنا أهه من زمان، مش لازم يبقى كدا. التحميلة كشكل شيء فشيخ، وتحميلة الصبا بتاعته قريبة جدًا من قلبي برضه بالصولو اللي بيلعبه دا. فكنت سعيدة ان انا في المشروع اتعرفت على حد موسيقي مؤثر في المشهد بالشكل دا. تحس ان قد إيه وجود الموسيقيين بيفرق في الصوت، في العمل. ازاي الموسيقي بيحط شخصيته وبتبقى جزء من المغني.
أنا بالنسبالي الآلة الأولى هيَّ الصوت. أمّا ما بغنيش، أو مش هبقى مغنية أبدًا. بس لمّا بتطلّع حاجة بودنك، قبل ما تمسك الآلة وتعزفها إنت بتطلّعها من جواك، بتتعلم اللحن من جوا، بس بالنسبالي كان مش إن انا اتعلمت الغُنا في دا. بغني من زمان بس في الخلفية، يعني أغني ورا دينا في جملتين، أغني ورا شيرين في حتة صغننة، أعمل حاجات بصوتي في البيت، تجارب، أستخدمه كإنه آلة مثلًا. بس انت برضه لو بصيت هتلاقي فيه حاجات تانية برضه مش منطقية بس عادي بستعملها. لو بصيت هتلاقي مثلًا فيه ألعاب عادي بستعملها (تمسك لعبة جرس). أي حاجة، لعب آلات مش ماسكة نفسها بتاع، كله بالنسبالي بيصب برضه فنفس المنطقة.
بس فيه حاجة، تلاقي أغلب الناس اللي لعبوا ثيرمين كانوا بيلعبوا يا إما تشيلّو يا إما كمنجة، لإن فيها موضوع النغمات اللي مش محددة دي فإنت محتاج تستخدم ودنك. بس كان فيه ملاحظة من الأصدقاء مثيرة للدهشة شوية، إن هُمَّ أوقات وانا بعزف ثيرمين كإنهم بيشوفوا ان انا حنجرتي بتتحرك، كإني بغني ف سرّي. معرفش، ملاحظتهاش أبدًا، ما كنتش واعية ليها.
فموضوع الغُنا فنزهة النفوس دا، فيه أغنية وحدة بس فيها غُنا في الخلفية، أغنيتين، بس فيه واحدة فيهم صريحة الغُنا صريح، تعالى يا شاطر نروح القناطر.
بس الباقي فيه موضوع إنه الحروف واقعة، معرفش انت لو لاحظت في العرض في بنت مصر كان فيه حتة صوتي فيها طالع برضه في الغُنا، بس موطياها شوية، بس عشان يبقى في س ش ب ت ك. دول كلهم فوق الـ ٥٠٠٠ هرتز مثلًا فما بتسمعهمش قوي في التسجيلات، ففيه كلام كتير قوي طاير، فلازم نقول معاهم ونسيب مساحة للحروف دي بس ونحاول نميكسهم مع الأغنية القديمة.
أنا فجأة لقيت إن احنا لازم نعمل عرض. كان موريس لوقا قاللي بتعملي إيه في المشروع دا؟ وانا كنت فمرحلة بائسة. كان المشروع تقريبًا بيخلص، فموريس عرّفني على سارة المنياوي. أنا كنت اتكلمت معاها قبل كدا، وانا عارفة إن هيَّ عندها شركة سمسارة، وكان عندي عقدة زمان من فكرة شركات التسجيلات. فلما اتعرفت على سارة والفريق، مي وعالية، اتحمّست. موريس قاللي طيب أنا هعرفك على سارة وبعدين برلين جاز فستيفال ممكن نعرض فيه شيء من المشروع أو عن المشروع، فإنتي عايزة تعرضي المشروع دا ازاي وفين؟
أول حاجة جات فبالي معهد الموسيقى العربية، عايزة ألعب هناك، عشان المؤتمر وإلخ، ومكان حلو ومناسب للعرض الأول. فقلتله أنا نفسي أعمل دا بس انا من جوايا عارفة ان هو مستحيل تمامًا. فربّك سهلها، وفي الأوبرا قابلنا الدكتور خالد داغر، إبن عم عبده داغر، هو مدير البيت الفني في الأوبرا. فوجوده غيّر كل الموازين فجأة، فلقيت فجأة ان فيه عرض.
قبلها كنت اتكلمت مع ليلى سليمان، صديقتي، من أهم مخرجين المسرح في الدنيا مش في مصر بس. عشان بتشتغل برضه من قلبها جدًا، وتفاصيل، أدق التفاصيل بشكل رهيب. يعني إحنا بعد كل عرض مسرح بتدينا ملاحظات للعرض اللي بعده. يعني بعد سنتين من السفر المستمر مع آخر عرض عملناه، آخر ليلة في السنتين دول كإنها هتدينا ملاحظات برضه، ليه منعرفش بس إنه دايمًا الشغل ممكن يتطور، حتى لو مش هنعرض تاني العرض دا. ف سألتها من فترة، من كذا سنة قولتلها ليلى إنتي شايفة إن احنا لو عملنا … عندي مواد وثائقية وعندي كذا وفيه أغاني، فهنعمل إيه؟ ولسا لحد دلوقتي إحنا مش عارفين العرض دا عرض مسرح ولا حفلة. كَثُر الأخذ والرد حول الجنرا اللي بنلعب فيها دي وبرضه إحنا مش فاهمين قوي، بس مش مهم.
ف ليلى قالتلي في الأول لأ دا كل قصة، كل حد فيهم يتعمل عليه عرض لوحده، ولا انتي عايزة تتعاملي بالمرحلة ولا إيه؟ فانا معرفش مكملناش كلام في الموضوع دا وكانت هيَّ سافرت وحصل تفاصيل، وبعدين لما روحنا الاجتماع دا بعدها بمُدّة فلقيت ان فيه عرض لازم نعمله فعلًا (تضحك). بس زي ما انت شايف دايمًا هُمَّ عندهم قصص بتاعتهم بأصواتهم، وزي ما تقول بيلقّفوني لبعض. طبعًا أنا عاملة مونتاج كتير قوي في اللقاءات، بس بتلاقي ان منيرة تقول: “الله يرحمه كان دمه خفيف” على صالح عبد الحي فبننتقل على أغنية صالح عبد الحي. أو مثلًا هيَّ تكون بتسأل أماني ناشد تكون بتسأل عبد اللطيف، فيجيب سيرة سيد درويش فنطلع على أغنية، حاجة من سيد درويش، حياة صبري بتاعة بنت مصر.
فيه برضه محاضرة حضرتها أونلاين وقت الكوفيد مع حد بيكتب مسرح اسمه رافاييل خوري، وكنت وقتها برضه بقول الناس اللي بتعمل مسرح وثائقي دول، لو عندهم خجل … أنا عندي خجل إن انا أفكر أصلًا إن انا أعمل بنية. فهوَّ عارف المشروع فقاللي برضه إنه هُمَّ بيبقوا سايبنلنا علامات في تسجيلاتهم ولقاءاتهم، دي لو مشينا وراها في البحث هنشوف هُمَّ عايزين يقولوا إيه، ونحس قد إيه الأرشيف دا شيء حي عنده صوت، وان قد إيه هُمَّ صوتهم صداه دلوقتي ليه مساحة ومكان. زي فكرة مثلًا لقاء ينزل ٢٠١٨ مع الحاجات اللي نزلت. أنا بحس ان هيَّ فيه قصد كدا، ان هُمَّ عندهم تواجد هيزيد بشكل أو بآخر مش بس في المشروع دا، بس في الذاكرة بتاعتنا. هُمَّ مهمين طبعًا، مهم ان بعد ميت سنة أهه بنفكر في إيه اللي حصل من ميت سنة بالظبط عشان نعرف نفهم إيه اللي بيحصل دلوقتي برضه، شوية، جزء منه أو زاوية مختلفة.
مثلًا في اللقاء بتاع منيرة أنا كنت بالفطرة حطيت أسئلة من غير إجابات في الأول، لإنه كان بيعكس شوية الحالة اللي انا فيها، أسئلة ومالهاش إجابات. وبعدين ترتيب الجُمَل في اللقاء واختيار الجمل كان دايمًا فيه شيء إنه أنا كنت عارفة إن هيَّ أكيد هتنهي مثلًا بالحتة بتاعة “صالح عبد الحي الله يرحمه كان دمه خفيف”، كنت عارفة ان دي هتتحط في الآخر مع انها في بداية اللقاء هنا، بس تتحط في الآخر وهيَّ تاخدنا، منيرة تاخدنا على صالح عبد الحي. نفس الموضوع مع عبد اللطيف البنّا، إنه ياخدنا لسيد درويش فنسمع: “أسطوانات أوديون. ألحان الشيخ سيّد درويش. الآنسة حياة صبري.” فيقوم آخدنا على أغنية بنت مصر. بعدين بنت مصر والنسويّة فبنسمع عن قصة هدى شعراوي. ف آه العرض عمل نفسه بنفسه، بس كان فيه موضوع الحدس أو الفطرة. شوف بقى هيَّ كانت عايزة تقوللنا إيه.
لعدة أسباب. أولًا تدوّر وترجع كانت تجربة فشيخة، حتى لو فيها كان صعوبات وبنتعلم وأول تجربة. التجربة كانت تقيلة، وكل حد فينا طلع بعدها بيعمل حاجة تانية، حتى دينا بعدها عملت مشروع منام، ألبوم القطارات. كل حد فينا دخل في حالة مختلفة. أنا كان عندي بشكل شخصي تساؤلات حوالين الحفلات في مصر. الموضوع كان مع أغلب الفِرَق والمشاريع اللي بلعب معاها، التفاصيل كانت مختلفة عن توقعاتي.
بس قعدت أفكر عايزة العب فأنهي سياقات؟ طب هل أنا مثلًا عايزة العب فحفلات جمهور أقل؟ ولا انا مش عايزة العب خالص؟ مشاكل الصوت اللي بتواجه الفِرَق. حتى في الكوفيد كنا عاملين حاجة اسمها معسكر، كنت بسأل محمد صبري (مهندس صوت) في القصة دي تحديدًا، إنه ليه كل حفلة بيكون فيه خطر إن الصوت يا هيطلع حلو يا هيطلع وحش؟ ليه منبقاش مرستقين الموضوع دا بشكل ما بحيث إن انت مش طالع آخد المخاطرة. فكان فيه علامة استفهام حولين أنا عايزة ابقى مين في المشهد الموسيقي دا، ولا انا محتاجة أطلع شوية آخد بريك أتعلم شوية حاجات أفهم أنا عايزة أعمل إيه أو أنا محتاجة إيه، وبعدين أرجع تاني.
في ٢٠١٦ حصل موضوع زج زج، أول مسرحية اشتغلها مع ليلى سليمان. كان عندي تخوّف في الأول، اللي هوَّ: لا لأ مسرحية إيه وانا وحدي بالكمنجة وناس وبس كدا؟ أنا اتعودت فرقة ومزيكا وهارموني. بس أنا مع بداية نزهة النفوس برضه، من ضمن الخيارات الصعبة إن انا سبت شغلي، وكنت بمر ففترة حاسة إن انا فيها محتاجة توحّد تام، محتاجة أتواصل تاني مع نفسي وأشحن لوحدي، وبعدين ابقى أرجع تاني مع الشغل والناس والفِرَق والمسرح، والأداء بشكل عام.
بس زج زج كانت أول مسرحية ابتديت أفهم فيها حاجات مختلفة، ابتديت أفتكر كمان إن انا بحب المسرح من أيام الراديو، لما بيبقى فيه المسرحية بتتذاع في الراديو زمان وبيبقى فيه حد يقوللك ودلوقتي دخل مش عارفة إيه من فين. هيَّ مش مسرحية إذاعية، هيَّ مسرحية حقيقية، مبحبش قوي المسرحيات الإذاعية. بس بحب آه المسرحية الحقيقية اللي فيها حد بيعلق وبينقللك التفاصيل. وبعدين جمهور المسرح مختلف، بيسمع أكتر، وأنا ما عليّاش تركيز زي في الفِرَق.
حل الموضوع دا إنه كل موسيقي لازم يكون عنده مبادئ معرفة بالصوت، بالتالي لما مثلًا يبقى فيه مغني أو مغنية، ما ينفعش يقول لمهندس الصوت أنا صوتي مخنفّ، أو افتحلي صوتي شوية، فيه مصطلحات كنا بنسمعها زمان، دلوقتي الحمد لله الجيل بتاعي اتطور مبقوش يعملوا كدا، بقوا عارفين يعني إيه ميد راينج ويعني إيه هاي ميد ولو ميد، وفيه منهم بيعرفوا بالأرقام: رجعلي الخمسمية اللي انت شلتهم من هنا، مش عارفة إيه، عايز شكل الريفرب يبقى عامل ازاي. فبالتالي كل ما يبقى فيه معلومات أكتر، كل ما تحكم الموضوع أكتر. بس كمان الموضوع مش معلومات بس.
أنا مثلًا ممكن ابقى بلعب، ف أنا ف اختبار صوت، فانا صوت الكمنجة فيه حاجة غلط، أنا لازم على طول أفكّر إيه اللي مهندس الصوت دا عمله عشان اسمعها كدا. فيه مثلًا شيء رائج جدًا، إنه بيشيل اللو إند، بيقوللك أصل دا مش موجود في الآلة أصلًا، مش في المدى بتاع الآلة، بس هو موجود، فبالتالي لما بيشيله بتحس ان فيه عمق اتشال من الآلة. مثلًا. فلازم نطور نفسنا فموضوع الصوت دا عشان يكون الموضوع من ناحيتين.
عمرو دياب مثلًا بحبله أغنية اسمها يا كنزي وكل ما ليّا. بحب قوي الأغنية دي.
هيَّ الفكرة ان انا مثلًا بسمع الأغنية دي، بس ممكن ادندن كل الأجزاء اللي بتحصل ورا بقى، مخّي بيروح فكل الحاجات دي، البتاع دا بيعمل ايه الجيتار دا بيعمل ايه الغُنا في الخلفية جه إمتى، كل الحاجات دي. فدي اللعبة من واحنا أطفال.
بصراحة الحاجات اللي بتبقى لوباية وبتتعاد دي مبستحملش. بس بحس الموضوع زي الطبخ، لو حد عامل مجهود في الأكلة آكلها، أيًا كان، حتى من باب الفضول.
أنا غصبنعني في الفترة اللي فاتت بحاول اسمع قديم أكتر برضه. عشان عندي فضول. آه بسمع الجديد وانا ببص في الإنترنت إيه اللي بيحصل وكدا، بس لما بصحى الصبح ببقى عايزة اشوف إيه اللي قديم صوته مختلف، إيه التسجيلات القديمة اللي هتعرّفني على مايكروتونز ما عدتش عليا قبل كدا.
لسا من كام يوم ابتديت أتجنن بأغنية إيرانية من العشرينات، كنت لعبتها مع واحد صديقي اسمه إسلام الشاعري بيلعب رباب أفغاني. فكنا بنلعب الأغنية دي، بعدين قريّب لقيت النسخة العشريناتي منها. أنا عندي حاجة إن انا ألاقي أغنية بحبها، أسمعها شهرين ممكن ورا بعض. ممكن مثلًا ألبوم كميليا جبران حبكة، أنا لسا فحبكة مثلًا، فانا باخد مرحلة من الزمن أسمع أغنية وحدة وبعدين الشهر اللي بعده أسمع أغنية تانية وبعدها بشهرين ألوب ع الأغنية التالتة.
طبعًا هيَّ ندى الشاذلي. كلمتني هيَّ وخيري بشارة بالليل يوميها، تاني يوم الصبح كان خيري هنا قبل المعاد، وقاللي أنا بعمل معاينة ويللا. ندى جت وعملنا الأغنية فيوم. بعدين اتدبّست فإن انا أعمل مزيكة الفيلم دا. كان عندي زي كسر فكتفي اليمين، شرخ على تمزق على خلع، حادثة بالعجلة. فقلت لخيري إمتى الفيلم؟ عشان محتاجة أتعافى وكدا. فقاللي يللا نشتغل، فدخلنا في الضغط بتاع التجربة. مختلفة طبعًا.
كمان عشان هوَّ عايز مزيكا كتير قوي في الفيلم تتعمل من قبل ما الفيلم يتصوّر، فبالنسباله كان برضه بيلعب وشايفني في اللوكيشن، فانا أشوف الحاجات فبالتالي يحصللي تحفيز وارجع أكتب مزّيكا مثلًا. هوَّ عنده ثقة عمياء، معرفش بيجيبها منين (تضحك).
لأ. بس أول مرة اشتغل لفيلم هيتشاف بجد. عملت فيلم قبل كدا مع مخرج سوداني اسمه حجّوج، اسمه أكاشا. وعملت كذا فيلم قصير. بس كلها تجارب أندرجراوند برضه، إكسبريمنتال في الخفيف، قصيّر. بس المرة دي كانت أول مرة بقى إنتاج، تصوير، وحدات، مش عارفة إيه. عارف انت الأجواء دي.
هيَّ التجربة لسا حديثة قوي برضه. أنا حاسة إن انا خلصت التجربة دي من فترة، بس الفيلم لسا نازل دلوقتي، ومن بعدها وانا مشغولة فكل حاجة ليها علاقة بنزهة النفوس، بالتالي الناس بتقوللي مبروك على الفيلم مثلًا فانا فاكراهم بيقولولي مبروك على نزهة النفوس. اللي هوَّ أي حد بيقوللي مبروك: آه الله يبارك فيكو، ان شاء الله تلاتة ستة هينزل كله (تضحك).
لأ هو شجعني جدًا. مثلًا فيه مشهد التانجو دا، راح قاللي أنا عايز تانجو بكرا، بعد ما خلاص صورنا واحتفلنا وخلصنا، بعدها في المونتاج بيقوللي احنا لازم نشيل المزيكا اللي كنا حاطينها في المشهد بتاع التانجو، قلتله ليه؟ قاللي عشان هيَّ حقوق، قلتله ما هيَّ طبعًا ليها حقوق، قاللي آه بس انا عايزك تعمليلي تانجو بكرا، عايز تانجو ٦ دقايق بكرا! وهوَّ شايف إن انا هقدر اعمل دا. أنا ما ببقاش شايفة إن انا هقدر اعمل دا، بس غالبًا لازم اتحط تحت ضغط معيّن فبعمل دا في الأخر. عنده طريقة إنه بيشوف حاجات ما بنبقاش احنا عارفينها قوي.
معرفش. كل مرحلة ما ببقاش عارفة اللي بعدها إيه اللي بيحصل. في النص كان فيه المسرح، ما حدش حس بيه قوي هنا. كان تجارب كتيرة قوي مع ليلى سليمان. أكبر مسرحيتين كانوا ميوزيَم أوف لنجز وزج زج. زج زج بتحكي عن نزلة الشوبَك والقصة اللي حصلت هناك والانجليز.
كنا احنا خمس بنات فيه قدامنا فايلات. مسرح وثائقي، أنا كنت بدرّبهم صوت للأغاني اللي في العرض وكنت بعزف كمنجة في العرض. دا ف زج زج. ف ميوزيَم أوف لنجز، كان ثيرمين وجيتاليلي وشوية إيقاعات وبريثينج ماشين وشوتي بوكس … كنت انا وموسيقي تاني، عندنا كمية كراكيب مش طبيعية. وغنيت في العرض دا مثلًا.
ساعة وشوية.
مش فاكرة سنة سنتين عملنا جولة عروض، حاجة كدا. بس كان سفر أكتر بكتير مع زج زج.
بس آه، دا ميتال ودا دينا ومالهوش علاقة بمسرح مالهوش علاقة بـ … بس يمكن كله بيصب فبعضه.
آه. كلها تجارب بتعلمك تكنيكس مختلفة وبتورّيك الحاجات بشكل مختلف وبتدّي تطوّر للرؤية بشكل مختلف.
صح، دا حقيقي آه.
مع دينا مثلًا رحنا الأردن، مع تانيا صالح رحت لبنان. ورحت حتت تانية، وكان مهم أبص إيه اللي بيحصل هنا. وآه، طبعًا بعد وجود الإنترنت الواحد بقى يشوف أعمال الناس التانية ويتابع الناس التانية الموجودة. أنا مثلًا ما رحتش المترو، مترو المدينة اللي ف لبنان، بس عارفة ان فيه مترو المدينة ف لبنان، عرفت بقى فيه إيه وكدا. مثلًا.
عندي علاقة حب وكره أفظع منها مع اسكندرية. اسكندرية الموضوع أصعب شوية.
مثلًا اسكندرية أنا مشيت كنت عارفة إن دي مدينة جميلة جدًا محدش بيسيبها وييجي هنا في التلوث والضوضاء والبتاع، فكان في الأول عندي دايمًا حنين برضه لاسكندرية. بعدين ابتديت ألاقي أصحاب موسيقيين في القاهرة، ألاقي فُرَص تعرُّف على ناس من دواير أكبر وأوسع. القاهرة فيها أداء تنافسي شوية، دايمًا الناس عندها مشاريع ونشوف مين عمل مشروع، بالذات الفترة دي. فيه ناس كتيرة جدًا مجتهدة عندها مشاريع وتجريب. تحس ان دلوقتي فيه حركة، مش بس في الراب والتراب، لأ فيه عالم موازي خالص بيحصل فيه بلاوي.
عندك مثلًا حد زي هدى عصفور. عندها كذا مشروع بتجرّب فيهم كلهم، مالهمش علاقة ببعض. يسرا الهواري الأغاني اللي بتكتبها في الفترة دي مالهاش أي علاقة بالأغاني اللي بتكتبها قبل كدا. في كذا حد شادد حيله وفيه أكشن معيّن. فبالتالي ابتديت أحب القاهرة أكتر. عندي استقلالية، عندي آلاتي الموسيقية، عندي مساحة. مقدرش اكون بشتغل الشغل اللي انا بشتغله دا وانا عايشة مع عيلة. فابتديت احب القاهرة أكتر واحس ان انا مستقرة، خاصةً دلوقتي بقالي ١٤ سنة.
فنفس الوقت اللي انا ببتدي فيه أحب القاهرة شوية شوية، طبعًا مفتقدة البحر، مفتقدة الجو، مفتقدة الصحاب بتوع زمان، اللي هُمَّ أغلبهم نقلوا القاهرة دلوقتي فتمام. بس بترجع اسكندرية تلاقيها زي ما تكون بتتغير كل مرة. ترجع تلاقيها مش على حالتها، شكلها بيتغيّر. والموضوع دا عمللي أزمة نفسية لدرجة إن خلاص مش عايزة اشوفك تاني. اللي هوَّ إيه دا الكوبري دا اتعمل إمتى؟ دا وسع إمتى؟ الكورنيش حصل فيه إيه إمتى؟ المبني دا اتهد إمتى؟ العمارة دي راحت إيمتى؟ الاستوديو دا اتهد إمتى؟ فابتدا يبقى فيه كمية مشاعر … غير انه العيلة الكبيرة قاعدة أكتر برا اسكندرية ف مكان اسمه كينج ماريوط. الجو حلو جدًا هناك، مش جوا اسكندرية ذات نفسها بزحمتها ببتاع. ابتدت علاقتي تتغيّر.
بس طبعًا الأسبوع دا حاسة بمشاعر كتيرة مركبة تجاه العرض اللي جاي في اسكندرية، حاسة فيه حاجة في المدينة انها تصالحني بشكل ما. بس هيَّ آه القاهرة انت ما بتلحقش تشم نفسك فيها خالص، حتى لو قاعد عندك بريكات صغيّرة بتحس ان انت مش ملاحق طول الوقت، فيه حاجات بتحصل أو حاجات هتحصل أو لازم تعمل كذا أو … بقالي مدّة ما أخدتش وقت برا القاهرة، من ساعة الكوفيد، بس انا بقيت بحبها أكتر.