.
مع صدور دُق دُق دُق بالتعاون مع الناظر وشب جديد العام الماضي، تابع هيكل مساهمته بتغيير وتطوير مشهد رام الله، دون المساس بخصوصية أسلوبه الكتابي، المستوحى من الفلسفة والشعر العربي، والذي شكّل محور ألبومه القصير الأول، كسّر الأرض. جاء كسّر الأرض بعد غياب هيكل ثمانية أشهر، عمل خلالها على شحذ أسلوبه في الكتابة والإلقاء، وتوسيع ذائقته الإنتاجية. بفلوهات سريعة معقدة مرفقة بتوزيع متأثر بالجرايم والتراب، شهدنا انتقال هيكل من صوته وتدفقاته المعتادة، إلى صوتٍ معاصر. يخوض هيكل مغامرة أسلوبية أُخرى في ألبومه القصير الثاني، حبي مش كافي، حيث يركز على الألحان وأسلوب الغناء وسرد القصص، على حساب تعقيد الكلمات والقوافي.
يفتتح هيكل الألبوم بتكرار اللازمة “ماشي الحال / ماشي الحال، شو ما صار” بصوت أوتوتيوني، محاولًا إخفاء حسرته لمدة أطول، لتغمره المشاعر تمامًا ويفشي ما بداخله في المقطع الأول: “حبي مش كافي يخليها تضل، البجع قاتم / وأنا مرات بكون خيخا قلب / الوضع مخيب أمل.” متنقلًا بين تدفقات سريعة وبطيئة تبرز باراته بشكلٍ أوضح. بينما يحاول هيكل التماسك وعدم الإفصاح عن سبب تدهور العلاقة: “بقدر أشوف اللي صار ككوميدي / آه بقدر أشوفها ألعاب وحنكتب”، سرعان ما يكشف عن عمق تداعيات الانفصال: “وإذا برفض إني أواجه وأتقبل اللي فقدته، حيسكر علي بير عميق / بحاول أتخلص بتكسير البواب.”
لا تخلو الأغنية من بصمة هيكل في الكتابة، حيث يضيف بعض المراجع الفلسفية والشعرية: “والمشاعر أجوا من طريقة التفكير / والبشاعة ترجو من يريد أن يعين.” تتضح ثيمة المكاشفة في فراشة، أبرز أغاني الألبوم إنتاجيًا ولحنيًا، حيث يسترسل هيكل بمغازلة ودية على أمل أن يقنع حبيبته بالرجوع إليه: “استرخي فوق عالسطح / اتمددي عالبيت هاد / خلي الايقاع يوضّح.”
يمضي هيكل خلال الألبوم في التجريب مع الغناء، والاستخدامات الأكثر طموحًا للأوتوتيون والتأثيرات على صوته. في بيلف بدور، ينشد هيكل اللازمة: “بلف بدور مش راح يعطيك صافي روح / بضل بلف يدور / بلف يدور” بصوتٍ مخدر يوحي بعدم المبالاة. قد تبدو اللازمة بسيطة حين سماعها للمرة الأولى، لكنها تكتسب تأويلًا جديدًا عند سماعها بعد كل مقطع من الأغنية. يعتمد هيكل على بنية لازمة / مقطع خلال الألبوم، مستبدلًا أسلوبه المشابه للفريستايل الذي طغى على أعماله السابقة.
قد يبدو إنتاج جريس بابيش (من استوديو المختبر) المتأثر بالتراب المعاصر رتيبًا وغير مغامر أحيانًا، إلا أنه يساعد على تكثيف الوقع العاطفي للألبوم. في فراشة، يتماشى صوت السنث المبهج والمتأرجح مع صوت هيكل المشبع بالمؤثرات في توزيع آر آند بي معاصر؛ بينما يضيف البايس الكثيف والهاي هاتس المتقطعة حالة ريبة على صوت وبارات هيكل في ماشي الحال. ينسجم التوزيع أيضًا مع توجه هيكل لاستخدام إيقاعات مسترخية وبطيئة، تسلط الضوء على ما يقوله.
يظهر هيكل في حبي مش كافي وجهًا عاطفيًا لم نره بهذا الوضوح في أعماله السابقة، ونسمعه يخاطب المستمع بما يجول في باله بأقصى قدر من المباشرة. رغم وجود لحظات استعراض لبراعته التقنية، لا تصبح هذه اللحظات المحور الأساسي للألبوم؛ الذي يشهد تطور هيكل كرابر واسع الحيلة، قادر على تجاوز نبرته العنيفة والمتمردة، وتقديم تجربة سماع ممتعة وسلسة، تضيف إلى مسيرته التي بدأت بنيل الشعبية التي يستحقها.