.
بعد قضائه عامين كأحد عضوي الثنائي ZZH.5 مع اِل كاسترو، والذي كان بدوره جزءًا من مجموعة زمرة، أهم مجموعة متأثرة بالراب الأمريكي (مقابل الفرنسي) في تونس، قرر علاء الصيف الماضي بدء مسيرته الفردية. قوبل قرار علاء بالتردد والشك، بل حتى بالعدائية من قبل البعض الذين اعتبروا خروجه انشقاقًا من نوعٍ ما. لكن الأغاني التي سمعناها من علاء على قناته الجديدة، والتي صدرت تحت إسم آيه.إل.آيه ومندرجةً تحت مشروع ألبوم أون ذ رود، تساعدنا على فهم دوافع وتداعيات خروج علاء بشكلٍ أفضل.
بإمكننا أن نأخذ أحدث أغاني علاء، يوزد تو، كمثال على تغير وتطور أسلوبه الفترة الأخيرة. أول ما نلحظه في الأغنية هو إيقاعات التراب المصقولة المترفة، والتي يقف خلفها هنا مهدي مشفر، المنتج الذي عمل على معظم أغاني أون ذ رود حتى الآن، والذي عمل بشكلٍ موسع مع علاء واِل كاسترو أيام الثنائي، منتجًا بضعةً من أغانيهما الفردية والمشتركة. حتى عندما يذهب علاء إلى منتجين آخرين، فهو يلتزم بالأسلوب ذاته، ويفضل اختيار منتجين قد عمل معهم من قبل. هو يبحث عن تحسين لصوته في الثنائي، لا عن استبداله بصوت جديد. نلاحظ ذلك في تعاونه الأخير مع المؤلف وعازف البيانو راتشوبر (سهيل غصمي) على إنتاج أغنية نارزين، المسجلة بالتعاون مع الرابر المغربي المحنك توتو، وإحدى أكثر أغاني أون ذ رود شعبيةً حتى الآن. عمل راتشوبر بدوره علاء واِل كاسترو من قبل، كما أعاد تقديم نفسه بقوة مؤخرًا عندما تولى إيقاعات أغنية من الصفر، أولى أغاني القناة الجديدة لكلاي بي بي جي.
تبدأ الأغنية بوصف علاء لنفسه بأنه قائد المدرسة الجديدة (في الراب)، ما قد يعده البعض إشارة إلى تطور أسلوبه عن الزمرة وزملائه السابقين. الملفت هنا أنه في الوقت الذي تتضح فيه تأثيرات التوجهات الجديدة في الراب والتراب على أغنية علاء، إلا أنه يحافظ على ولاء معين للمدرسة القديمة بالتوازي. في مقابلة حديثة مع مجلة A Mag، قال علاء إن رابرز كـ بيجي و٥٠ سِنت هم “مراجع لا سبيل لتفاديها” في الراب. مرجعية علاء لهؤلاء الرابرز، مجموعةً مع طلاقته في التوجهات المعاصرة في الراب والتراب، تترك أثرها على أسلوبه في هذه الأغنية، وفي أغانيه الفردية الأخيرة، على ثلاثة مستويات.
من ناحية هناك ولاء لغوي للإنكليزية مقابل الفرنسية كلغة ثانية بعد اللهجة المحكية التونسية، وهذا ليس جديدًا إذ سمعناه منذ أغاني الثنائي. لكن أغنية علاء الجديدة تقدم مجموعة من أفضل الأسطر التي تستطيع جمع الإنكليزية والعربية التونسية بسلاسة، خصوصًا في القوافي ثنائية اللغة: “ربي اللي عطاني لسان / راجل ومحبوب اسأل many men” و”حاطط في ساقي jordan / وعافس فوق الجرذان” و”مقطع حيلكم إربًا / وديمًا رابي urban.”
من ناحية ثانية، بدأ علاء بالابتعاد عن الصدامية والراب السياسي والشارعي الذي كان سائدًا في الزمرة، ليركَّز أكثر على تفضيلاته في الإيجو تريب وراب الهجاء والتبجح على مستوىً شخصي. من الواضح أن علاء يعرف ما يقوم به هنا، إذ أن هذا التغيير في الخطاب تلاه مباشرةً تحسن في حدة الكلمات والأسطر اللاسعة، خصوصًا عن الحديث عن تفاصيل خاصة به، كعبارة: “ماتحبوناش نوصلو / صرفتو علينا فلوسكم / J’AIME PAS من موسكو W SHAY” التي يشير فيها إلى شراء أحد كارهيه لخدمة ديس لايك على يوتيوب مركزها روسيا.
أخيرًا، ومع اقتراب الأغنية من نهايتها، تتغير كافة العناصر فجأةً حتى نشعر أننا نستمع إلى أغنية مصغرة داخل الأغنية، تتباطأ الإيقاعات وتخشوشن الأصوات وتدخل عينات لتلقيم مسدسات وإطلاق رصاص، ينفتح المجال أمام علاء لاستعراض تدفقات وأسطر أكثر تقليديةً، ويبدأ بمقارنة نفسه بإمينم بعد أن كان قد ذكر توباك، معربًا عن ولاءٍ جمالي أكثر مباشرةً لتأثراته بالمدرسة القديمة. تنتهي الأغنية بأناقة بعد تحول اللازمة من التراب الغنائي إلى الغناء الميَّال للأنين.
هناك الكثير ممن اعتادوا على علاء في إطار الزمرة وإلى جوار اِل كاسترو، رابرز القضية والشارع والاحتجاج على قانون المخدرات الذي يتسبب بسجن عشرات الآلاف في تونس كل عام، لذا من الطبيعي أن يشعر الكثيرون بأن انتقال علاء إلى المودلز والسيارات كـ انشقاق أو حتى انحدار إلى التجارية. لكن لو نحينا مشكلة الخطاب هذه لخرجنا برواية مختلفة، رواية تقول إن إقامة علاء مع زمرة ومع اِل كاسترو كانت مُغنية ومفيدة للطرفين، لكن تفضيلاته الأسلوبية بدأت تأخذ اتجاهًا آخر مؤخرًا، وهذا الاتجاه بدأ رأسه يضرب بسقف الثنائي والمجموعة، وكان بحاجة الخروج كي يتمكن من متابعة نموه. من وجهة النظر هذه يغدو السؤال الأبرز: أين أصبح علاء أسلوبيًا بعد حوالي العام من المسيرة المفردية؟ قد لا يكون قائد المدرسة الجديدة في الراب التونسي بعد، لكنه أحد روادها بلا شك.