fbpx .
بحث | نقد | رأي

بنات الراب المصري

ياسين زهران ۲۰۱٦/۰۷/۲۹

أميرة
أميرة

لا نستطيع ولا نريد إنكار دور المرأة في الراب منذ أول ظهور له على يد المؤسس كوول هيرك Kool Herc، المدين لأخته سيندي في تنظيم أهم حفل في تاريخ الراب، الذي استطاع هيرك من خلاله نقل الراب من الشوارع الخلفية إلى العالم. كما هو واضح تماماً أيضاً دور المرأة في المشهد الأمريكي الممتلئ بالفنانات اللواتي استطعن تطوير الراب والإضافة إليه، مثل ثنائي سولت آن بيبا Salt-N-Pepa وكوين لاتيفا. أنا أتحدث هنا عن الثمانينات فقط، وليس عن الظهور الأول للمرأة في الراب الذي يرجع إلى منتصف السبعينات مع فريق مرسيدس لايديز وليدي بي وغيرهن من الملهمات، والحضور النسوي القوي الراب الأمريكي منذ بداية هذا القرن.

ظهر الراب في مصر متأخراً، منذ حوالي ١٥ عاماً فقط. كذلك كان ظهور البنت المصرية متأخراً فيه ظهرت مغنيات راب في فلسطين مثلاً قبل مصر . كانت الاسكندرية مكان ولادة الراب المصري لدى كلا الجنسيين، وفي ٢٠٠٣ ظهر أول فريق راب بنات هو إكس كرو المكون من مها كوين إكس ونور كاندي من خلال أغنية البنات جت.

لا نستطيع القول إن بساطة الراب هي ما جعلت الناس تقبل عليه، والسبب هو أن الكثير حاولوا صناعة الراب وفشلوا. الراب سهل ممتنع، لا يمكن اختزاله بالكلمات والإيقاع رغم كونهما عناصر رئيسية. من خلال سماعي الرابرز المصريات يلقين بباراتهن على الإيقاع، أستطيع الجزم أن اختيارهن وحبهن للراب ليس على سبيل الاستسهال أو الصدفة، بل هناك عقول حرة تقود هذا الحس الفني إلى التمرد.

الكتابة بمختلف أنواعها طريق لاكتشاف الذات. من خلال كتابة سطور الراب تجد هؤلاء الفتيات أصواتهم ويعرفن من هن، ليقصصن عليها من بعدها أحداث حياتهم اليومية أو أي ما يهمهن أو يشكل هاجساً لهن. سأقدم هنا ثلاث فنانات راب تتمتع كل منهن بشخصية مميزة وتسلك كل منهن طريقاً مختلفاً.

يوكا شاهين

“متقولش بنت قول راب نيجا”

تؤكد يوكا شاهين في هذه الأغنية أنها ليست البنت المصرية العادية أو الرابر المصري العادي، هي نيجا، اللفظ المتداول في ثقافة الهيب هوب وذو الدلالات العديدة، من أهمها أن النيجا يعتبر من أهل الدار، دار الهيب هوب بالتحديد. تدور الأغنية كلها في نطاق تنافسي تؤكد من خلاله يوكا شاهين على مركزها في المشهد. هي الإمبراطورة على الرابرز من الجنسين.

https://soundcloud.com/yukka-shahin/rapper

تظهر شخصية الإمبراطورة على طول الأغنية، ليس عبر الكلمات فقط بل في طريقة إلقاء تلك الكلمات على الموسيقى بأسلوب واثق حاد عدواني وصوت يعبر عن الصلابة والقوة، ليعطي فكرة واضحة عن شخصيتها خلف المايك، ولتفرض علينا احترام الإمبراطورة.

في بداية المقطع الثاني تتحد صلابة الأداء وحدة النبرة مع الإيقاع الطبلي، ليتكون إيقاع ثالث من صوتها وأدائها وصوت الطبل الغليظ المصحوب بنغمات متقطعة تمهيداً للتغير الذي سوف يطرأ علي الإيقاع، لكن هذا التغيير لا يتم في الإيقاع الأساسي بل في ملحقاته من أصوات إضافية.

ولا يقف أسلوب الإمبراطورة عند حدته وصلابته، بل هي متمكنة تقنياً إلى درجة تسمح بسماع سطورها بمعزل عن الموسيقى، فهي تتمتع بوزن داخلي وتدفق يجعله يستحق الإصغاء بتأني.

مي مراد

“آخرك قلمين والبوكسر تبات من غيره

والدس لو طلع مني حتاخده وبخيره”

كلمات قوية وأداء متقن لـ ملكة الشارع التي لا تهاب أحداً، بل هي من يجب على أهل المشهد أن يحسبوا لها حساباً. رغم كثرة الخلافات والحروب بينها وبين رابرز كثر في المشهد إلا أن مي لا تتراجع، وتستمر في القتال. أسلوب ملكة الشارع هو المزج بين صوت أنثوي غير مألوف، واستخدام الكلمة التي تدل على المعنى الذي تريده دون أي اعتبارات ثقافية أو حتى تقاليدية. مي مراد تكتب دون أن تفكر في رد فعل أهل أبلة فضيلة وأصحاب العفة. يتضح هذا في أغاني الدسات التي تلقي فيها بكل ما أوتيها من قوة لتدمر خصمها.

المزج هنا صوتي وكتابي وأخيراً طريقة إلقاء لا تتقيد بأي شيء بشكل محدد، فهي تلقي كما يحلو لها حسب ظرف الأغنية، و هذا هو المطلوب. في المقطع الأول من أغنية مياو تتعقب مي مراد البايس جيتار والإيقاع الطبلي المصاحب لتلقي بكلماتها كأنها ترص الكلمات على سلم الأغنية. كل كلمة في مكانها المناسب، مع الحفاظ على حقها في تغيير هذه الطريقة في الإلقاء في منتصف المقطع الأول، حين يصبح البايس وحده وأداء الملكة المحور الأساسي للأغنية.

أميرة

أميرة رابر من وإلى الشارع إن صح القول، فهي لم تسجّل أي تراك حتى الآن والسبب اهتمامها بالدرجة الأولى بـ هيب هوب الشارع و سيركلاته حلقاته. هي أيضاً تحترم الصنعة، وهذا مؤشر حسن، إذ قالت في حديث لي معها أنها ما زالت تتعلم وتراقب المشهد عن كثب.

ظهرت هذه الثائرة بشكل أكبر خلال مبادرة ١٦ على الطاير، المبادرة الممتازة من أدهم مؤسس عشيرة الغوريلا، حيث قبلت تحدي الآخرين لها وسجلت بعض الفيديوهات. 

ثم هناك سوسكا

هذا للأسف مثال سيء. لا أعلم لماذا يتوجه كل شخص يحب الغناء – لكن صوته لا يسعفه للغناء بالأنواع السائدة – للراب لكي يصب عليه موهبته المتواضعة. هناك كم هائل من أعمال هي مسخ بين الغناء المصري الرائج والراب. يظن بعضهم أن ما ينتجوه هو راب، لكن ليس كل ما يقال على الميكروفون وله وزن وإيقاع يعد راباً، فمونولوجات اسماعيل ياسين ليست راب، ولا الشعر راب. ليس كل سجع راب.

الرابر المصرية

لا يزال الظهور الأنثوي في الراب ضعيفاً ولا يمثل إلا نسبة صغيرة في المشهد المصري، ويرجع لدور المجتمع في تقبل هذا النوع الموسيقي من أساسه، وأيضاَ تقبل دور البنت فيه. يزيد من صعوبة هذا أن الراب لا يزال تحت الأرض في مصر ولم يظهر للسطح بعد، بالإضافة إلى الفكرة السائدة بأنه نوع شبابي متهور خنفسي كله سب وقذف ولا يليق بالبنت أن تنجذب إليه،  فيكون الجهل والتحامل العائقان الأساسيان أمام الرابر المصرية.


سرقنا صورة الغلاف من مجلة Arbejderen الهولندية.

المزيـــد علــى معـــازف