fbpx .

المستقبل الذي انتهى | ٣٠ عامًا من الجانغل

رامي أبادير ۲۰۱۹/۰۷/۰٤

ارتبط مفهوم المستقبلية بدفع الموسيقى إلى الأمام وإحداث تغيرات في الصوت ينتج عنها ظواهر وأنواع جديدة، حيث يلعب الخيال والتكنولوجيا دورًا حيويًا في تصور مستقبل محملٍ بإمكانيات جمالية ومفاهيمية عديدة. من الممكن النظر للمستقبلية في الموسيقى كأفلام الخيال العلمي حيث يغزو المستقبل الحاضر، ولكن على عكس تلك الأفلام المحمّلة بالرهبة من الكائنات الآتية من المستقبل، فإن المستقبلية الموسيقية تأتي بأصوات جديدة للحاضر دون رؤية سوداوية للمستقبل. من أوائل التيارات التي تبنت مفهوم المستقبلية هو جماعة المستقبلية الإيطالية، أصحاب مانيفستو الضوضاء الذي يبلور خلاصة أفكارهم عن الخامات الصوتية اللا نهائية التي تتيحها الضوضاء مقارنةً بالخامات المحدودة لآلات الأوركيسترا التقليدية. ألهم المانيفستو العديد من الفنانين وظهر صداه بعد الحرب العالمية الثانية لدى موسيقيين تجريبيين مثل شتوكهاوزن وزيناكيس. من ناحية أخرى فإن صن رع وكرافتفرك يعدّون أفضل أمثلة عن دمج الجانب المفاهيمي بالجمالي لتصور مستقبل وعوالم أخرى. خلق الأول عالمًا خاصًا به يغلب عليه الخيال وخليط من ثقافات مختلفة كاسرًا مفاهيم شائعة خاطئة عن أصالة الثقافات السوداء. أما كرافتفرك فاعتمدت رؤيتهم المستقبلية على الحماس للتكنولوجيا، الحد من المجهود العضلي في لعب الآلات الموسيقية، والتطلع إلى دمج الإنسان بالآلة. ألهم كرافتفرك الموسيقيين الإلكترونيين في الثمانينات مثل في الإلكترو والتكنو وبدايات الهيب هوب وانعكس ذلك على أسامي الفنانين والتراكات مثل ثنائي الأسيد هاوس فيوتشر وسايبوترون وذَ فيوتشر ساوند أُف لندن وسبيدي جي وغيرهم.

مع بداية التسعينات وحدوث قفزات تكنولوجية في صناعة الأجهزة الموسيقية، كان هناك تطلع واسع للمستقبل في بريطانيا. ظهر ذلك من خلال مشهد الموسيقى الراقصة الذي تشعب في فترة قصيرة إلى عدة مشاهد. في النصف الثاني من الثمانينات وصلت موسيقى الهاوس والتكنو من أمريكا إلى بريطانيا لتبدأ ثقافة الرايف المعتمدة على وصلات دي جاى طويلة وحفلات تستمر أيامًا وصلت إلى قمتها في ما يعرف بصيف الحب الثاني عام ١٩٨٩. شملت تلك الفترة موسيقى الهاوس والأسيد هاوس والتكنو والإلكترو فظهرت أسماء لامعة مثل ٨٠٨ ستايت وأدونيس وأدامسكي وذَ كي إل إف وإِ جاى كُلد جيرالد ودي موب، بالإضافة إلى بعض فرق الروك مثل ستون روزس وهابي موندايز. كما بدأ المنتجون في تلك الفترة استخدام الفواصل الإيقاعية التي يرجع لها الفضل في نشأة موسيقى الهاردكور والجانغل في ما بعد.

على المستوى الاجتماعي، وعلى عكس ثقافات فرعية سابقة انحصرت على طبقات بعينها، تمكن الرايف من إذابة الفوارق الطبقيّة والثقافيّة في جمهوره، محطمًا الفكرة النمطية حول اقتران الثقافات الفرعيّة بالصراع الطبقي. كما أثبت إنه هناك عوامل أخرى لتشكل الثقافات الفرعية اعتمدت على التعددية، مثل تعدد النوع واللون، حتى أن مشجعي كرة القدم المتعصبين صاروا جزءًا من المشهد. جذبت حفلات الرايف الشباب غير المهتم بالسياسة وكان المشهد قائمًا بشكل كبير، مثله مثل أى مشهد، على المخدرات، وبالأخص الإكستاسي، مما أثار حفيظة حكومة ثاتشر والإعلام الخاضع لها، والذي حاول تشويه سمعة الرايف والتضييق على الشباب. تم سن قوانين لتحجيم الرايف، بدأت منذ ١٩٨٩ عقب صيف الحب الثاني وتصاعدت تدريجيًا حتى وصلت إلى ذروتها عام ١٩٩٤ حينما أصدر البرلمان البريطاني قوانين تعسفية لتقييد الحريات والتجمعات والقبض على منظمي حفلات الرايف.

“الجديد الذي جاء به الجانغل كان نتيجة الانتشار الواسع لتقنيات السامبلنج، والتي أتاحت أصواتًا جديدة وطريقًا جديدة لمعالجة الصوت (الإيقاعات والغناء الممطوط) … كانت، بكلمات كودوُ إشون الشهيرة، “سايكاديليا إيقاعية“، مؤلفة من منحنيات وإلتفافات ودوامات صوتية. لم يكن هناك أي من الخطوط الآلية الجامدة للتكنو. كان الجانغل مظلمًا، ولكنه كان أيضًا رطبًا ولزجًا وغامرًا”

هكذا وصف المنظر والناقد البريطاني مارك فيشر الجانغل، مقتبسًا وصف كودوُ إشون للجانغل الذي ظهر في كتابه مور بريليانت ذن ذَ صن. تعد الفواصل الإيقاعية عامود أساس الجانغل (مثلما لعبت دورًا كبيرًا في الهيب هوب). تعتمد فكرة الفواصل الإيقاعية على عينة صوتية إيقاعية يتم التلاعب في سرعتها أو درجتها أو دمجها مع عينة إيقاعية أخرى أو فلترتها وإخضاعها للمؤثرات أو استخدامها كما هي. ومن أشهرها فواصل آمن وثينك وفانكي دارمر وأباتشي وذَ بيج بيت. استخدمت الفواصل الإيقاعية في الأسيد هاوس بشكل مُقل ومن ثم نشأ الهاردكور الذي بالإضافة إلى الفواصل اعتمد على عينات البيانو وأجزاء من أفلام وغناء السول والبايس الآتي من الـ تي بي-٣٠٣ أو السنث أو السنث أو عينات من البايس جيتار ملازمًا لإيقاع فور تو ذَ فلور بقيادة الكيك.

تعامُل منتجي الهاردكور مع الفواصل كان قائمًا على تسريعها لتصل بين ١٢٠ لـ ١٥٠ بي بي إم (حدث ذلك تدريجيًا)، الأمر الذي كان له تأثيرًا قويًا في حلبات الرقص. في ظل ازدهار الهاردكور وباقية الأنواع الراقصة أصبح تأثير الجيل الثاني من المهاجرين الجمايكيين واضحًا، إذ دخلت عناصر جديدة مثل الدَب بايس ذا التركيز على المدى المنخفض وعينات من الريجي والدانسهول والغناء باللكنة الباتوا الجمايكية، وانتشار ثقافة الأنظمة الصوتية التي ترجع أصولها إلى الخمسينات في جمايكا. هنا بدأ الجانغل في التشكل، بالذات عندما تم الاستغناء عن إيقاع فور تو ذَ فلور الملازم للفواصل مثل في الهاردكور.

من كلّ الجنغلست وإليهم

تعود تسمية الجانغل والجانغلست إلى سكان مناطق ترنشتاون وأَرنِت جاردنز Trench Town وArnett Gardens بعاصمة جمايكا كينجستون، حيث كان الإم سي القدامى بحفلات الرايجا في السبعينات يهتفون للجمهور بعبارات تضم الكلمتين مثل Rebel got this chant alla the junglists. صار المصطلح شائعًا في أوائل التسعينات وسط الجنرا الصاعدة من خلال الإم سيز والعينات الصوتية من أغاني الرايجا والدبَ.

الراجا جانغل هو أحد أوائل الأنواع التي استغنت تدريجيًا عن عناصر الهاردكور واتبعت طريقًا خاصًا بها، يظهر ذلك لدى راجا توينز ورِبِل إم سي. بعض المنتجين، مثل 4هيرو في مستر كِرك وذَا ساينتست في إكزورسست وميكي فِن في شيز بريكينج أَب ونويز فاكتوري في بي فري، استغنوا عن دور الإم سي الخاص بالراجا جانغل وركزوا على البايس والعينات الصوتية المجردة مع الاحتفاظ بالفواصل السريعة التي تُلعب بشكل ثابت على مدار التراك.

بحلول عام ١٩٩٢ تشكل صوت جانغل جاد تم تجريده من العديد من عناصر الهاردكور وباقية مشهد الرايف، وإن ظلت الحفلات تضم كل من النوعين حتى حدث الانفصال في ١٩٩٣ بالأخص عند ظهور الهابي هاردكور. في تلك الفترة بدأ منتجون مثل جولدي ودي جاى هايب و4هيرو وإل تي جي بوكِم وأَندي سي وجوني جانغل بالتوجه إلى صوت أكثر غموضًا وتعقيدًا من حيث التلاعب بالإيقاع. مثله مثل أنواع موسيقية مستقبلية أخرى فإن ولع الجانغل بالمستقبل يتّضح من خلال أسامي تراكات مثل ترمينيتور وتايملس وفيوتشرويد وبرينج يو ذَ فيوتشر وليفينج فور ذَ فيوتشر ووي آر ذَ فيوتشر وروتس أَند فيوتشر. إذا نظرنا إلى تراك جوستس أُف ماى لايف لريفيوجي كرو أو إلى رنيجايد سنايرز لأومني تريو أو بلادكلُت أَرت أتاك لإد رَش نستطيع تتبع النضوج والكشف عن التوجه المستقبلي الذي يعد أساس الجانغل والدرام أَند بايس فيما بعد.

على مستوى المفاهيمي والجمالي فإن الجانغل يطغى عليه خيال واسع تستخدم فيه التكنولوجيا لتصور موسيقى تتجاوز الحاضر وأُنتجت في المستقبل عند طريق تكنولوجيا تفوق قدرات الإنسان المتعارف عليها. يعلّق كودوُ إشون في نفس الكتاب على ذلك قائلًا: “منتج الموسيقى المستقبلية هو العالم الذي يغوص في أعماق الفواصل، متجاوزًا الدرامر كإنسان ليتحرى الأبعاد الفائقة للفواصل الإيقاعية المتفككة.” من أهم السمات المستقبلية في تلك التراكات الثلاثة هو التعامل مع التكنولوجيا المتاحة في وقتها بشكل مبدع ودفع إمكانياتها إلى أقصى الحدود لأغراض لم تخطر على بال مصنّعي الآلات المستخدمة من قبل المنتجين. يأتي على رأس هذه الآلات في التسعينات جهاز العينات الصوتية مثل أجهزة شركتي إيميو وأكاى وبرنامج كيوبايز للمعالجة والسيكْونسرز الذي يُستخدم على كومبيوتر آتاري إس تي أو آى بي إم أو ماك بالإضافة إلى سنث مثل جونو ١٠٦ وياماها دي إكس٧ ونوفايشن سوبر بايس ستايشن ورولاند جاى في ٢٠٨٠ ومِكسر.

نشأ نتيجة ذلك صوت جديد عن طريق تحكم المنتجين بهذه الأجهزة وتخيّل قدرات آلية خارقة تلعب الدرامز بسرعة وصلت في وقتها إلى ١٦٠ بي بي إم، بشكل متداخل ومتعدد الطبقات، بالإضافة إلى إخضاعها لمؤثرات صوتية خارج قدرات الإنسان مثل الرولّات السريعة المتلاعب في درجاتها والانتقال فجأة من فاصل إلى آخر. شمل الأسلوب أيضًا مط أصوات الفواصل والعينات وتغيير درجاتها ودمجها وتقطيعها لتكون النتيجة إنفجارًا من الإيقاعات والبايس الثقيل، بالإضافة إلى النغمات والسنث بادز والبايس تُلعب بنصف سرعة الفواصل. يخلق تباين السرعات طابعًا حيويًا واضحًا بين عناصر التراكات، ومفهومًا راقصًا يختلف عن إيقاع التكنو والهاوس والهاردكور الثابت، حيث يصعب توقع الراقص والمستمع للبار القادم.

من أكثر النقاط الملفتة في الجانغل خلوه من النوستالجيا. فبالفعل تعود الفواصل الإيقاعية المستخدمة إلى موسيقى الفانك في حقبة الستينات والسبعينات، ولكن منتجي الجانغل تعاملوا معها كمادة صوتية فقط أو بمعنى آخر رفات من الماضي تُستخدم في الحاضر لتصور المستقبل، حيث صار التعامل مع الزمن بشكل مُسطّح غير خطي  خالٍ من إحياء الماضي وتقديسه . نظر فيشر لتلك النقطة قائلًا: “عندما يتخلى الحاضر عن المستقبل، علينا أن نستمع إلى رفات المستقبل في الإمكانيات الخامدة في الماضي”

تشعبات الدرام أَند بايس

ازدادت “السايكاديليا الإيقاعية” عام ٩٤ بفضل تعقيد الإعداد والتلاعب بالفواصل ويظهر ذلك في تراكات ستامينا لـ ذَ دريم تيم وذَ لايسنس لدي جاي كروم ومستر تايم ودرام أَند بايس وايز لـ ريمارك. نشط المشهد بفضل ظهور محطات الراديو المقرصنة كول إف إم التي ظلت الشرطة تطاردها في كل مقراتها. كما نشطت حركة شركات الإنتاج في لندن فظهرت شركات مثل تيرن فاينل وراجد فاينل وري إنفورسد وفوتِك ريكورد وليفتن سبيرت بالإضافة إلى إصدار ألبومات تجميعية لكل من تلستار وفنتازيا تحت عنوان جانغل مِنيا وفنتازيا تايكس يو تو ذَ جانغل. رجع أيضًا صوت الراجا مرة أخرى كما يظهر في إنتِليجنت وومن لدي جاى راب وأوريجينال نوتا لـ يو كي أباتشي وشاى إفكس وإنكريدبل لجنرال ليفي. في العام التالي قرر بعض المنتجين مثل بوكِم وفابيو ودُك سكوت وفوتك وديلينجا وجاى ماجيك الانفصال نهائيًا عن الراجا وبدء مرحلة جديدة بصوت أكثر نقاءً ذا طابع محيط نوعًا ما تنحصر نغماته إلى بعض العينات والسنث المقل ليبدأ فصلٌ جديد من الجانغل تحت إسم درام أَند بايس.

خلى الدرام أَند بايس من غناء الراجا وظهر في كثير من تراكاته صوت كيك الـ ٨٠٨ مع تركيز أكثر على السَب بايس، بالإضافة إلى زيادة سرعة الإيقاع إلى ١٦٠ -١٨٠ بي بي إم. تفرع الدرام أند بايس إلى أنواع على حسب العناصر المستخدمة، الدرام أَند بايس المحيط أو ما أطلق عليه البعض الدرام أَند بايس الذكي تميز بطابع محيط وتوازن دور الأجواء (عن طريق الغناء أو العينات الغنائية) مع الفواصل كما لدى بوكِم وبالأخص في ألبومه لوجيكل بروجرشن وأومني تريو وفاول بلاى. اتجه البعض إلى الجاز ستِب متأثرين بالجاز من حيث الآلات المستخدمة والكوردات والغناء والعينات الغنائية مثل جولدي وروني سايز وليمون دي وفوتِك وأَلكس ريس الذي أدخل إيقاع التو ستِب في الجنرا كما في تراك بالب فيكشن، وهو التراك الذي يعد أساس التكستِب في ما بعد. شهدت الفترة ما بين ٩٥ و٩٦ طفرة على المستوى التجاري فانتشرت تراكات الدرام أَند بايس في سباق الأغاني في بريطانيا وعلى سبيل المثال حقق ألبوم تايملس لجولدي مبيعات وصلت الـمئة وخمسين ألف نسخة في بريطانيا.

لم تكن ثقافة المشهد معنية بأى فعل سياسي وكان أقصى طموحها تجاهل الشرطة. لم تنجح الدولة باحتواء المشهد فبقي على الهامش وشيطنته الصحافة الصفراء، على عكس البريتبوب التي احتوته الدولة وحزب العمال الجديد وطعّمته بنزعة قومية وصراع طبقي مفتعل بين فريقي بلور واوايزس. كان البريتبوب استعادي لفترة الستينات بنسبة كبيرة ولم تساعده وعود الحزب الحاكم الكاذبة بمستقبل أفضل على الاستمرار، فصار تأثيره لحظيًا ولم يطرح جديدًا، في حين ظل مشهد الدرام أند بايس يحلم بالمستقبل والتطلع للجديد فاستمر وتشعب إلى أنواع فرعية منتجون مثل دي جي كراست وفاير فوكس وماشين كود وأَندي سي منتجين نمطًا أُطلق عليه الـ هاردستِب، يتميز بعينات صوتية وسنث أقل وبايس عنيف وصوت فواصل الجانغل المعتمد في أحيان كثيرة على الخامة القديمة وغير المنقحة على عكس بقية أنواع الدرام أَند بايس. من ناحية أخرى كان هناك الجَمب أب والذي لم يختلف كثيرًا عن الهاردستب إلا في اعتماده على أكثر من فاصل إيقاعي في التراك الواحد والإكثار من الدروب لتحميس الراقصين، كما طغى عليه الحس الفكاهي من خلال النغمات والعينات. نتبين ذلك لدى دي جاى زِنك في سوبر شارب شوتر ودي جاى هايب في ستومب يا فيت وداينَميك ديوو في جوكر جَمب إت أب.

التكستِب والنيوروفانك

منذ منتصف ٩٦ تقريبًا بدأت حقبة جديدة في الدرام أَند بايس ميزها استغناء المنتجين عن الفواصل المعقدة واتجاههم إلى إيقاع ثابت لامع من فاصل واحد أو معتمد على عينات أحادية single shots لعناصر الإيقاع. لعمل ذلك كانوا يسلسلون كل عينة على مسار خاص فيتشكل الإيقاع الثابت المحدد quantized بعيدًا عن الفواصل الجاهزة والمتداخلة. يعد ألبوم نيو فورمز لروني سايز وكلارز لآدم إف خير مثال على ذلك وعلى تغير إيقاع الجاز ستِب ليصير أكثر ثباتًا وتقليلية. من أهم الأنواع الفرعية لذلك التوجه هو الدارك ستِب الذي اشتهر به جروف رايدر مثل في ميستريز أُف فانك، كما نشأ التكستِب الذي تميز بطابع غامض ومُجرّد خالي من النغمية كرد فعل للجاز ستِب، والمزيد من السَب بايس والتجريب في أصوات البايس وتشويهه. كما اشتهر بالمشاهد الصوتية وعينات من أفلام الخيال العلمي مثل ترمينيتور وبلايد رانرز وروبوكَب وبريديتور ٢. يعود هذا الصوت إلى ألبوم تجميعي أنتجته تسجيلات إيموتيف بعنوان تكستِبن عام ٩٦ بالإضافة إلى تسجيلات نو يو تِرن وألبومها التجميعي تُرك الذي صدر العام التالي، ليلتحق بهما تسجيلات ميتالهدز. أصبح أسلوب الجنرا لدى منتجين مثل إد رَش وأوبتيكل ونيكو وباد كومباني مسيطرًا عامي ٩٧ ٩٨ لتتحول تدريجيًا إلى النيوروفانك، وهو الاسم الذي أطلقه الناقد البريطاني سايمُن راينولدز، ليسفر الأمر عن صوت أعنف وبايس حاد وأكثر تجريبية، وخلو التراكات من الدروب وأي عينات غنائية. إتسمت الإيقاعات بالميكانيكية، كما ظهرت عناصر مقلة من نغمات الجاز والفانك. لعل ألبوم وورمهول لإد راش وأوبتيكل أفضل مثال على النيوروفانك بما فيه من تلاعب في البايس، والذي أثّر على أنواع موسيقية أخرى كالدبستِب في بداية الألفية.

نهاية العصر الذهبي

مع إنتهاء القرن بدأ رواد الكلَبز النفور من الدرام أَند بايس بسبب جموده وصوته العنيف المتكرر والسريع. هجر الراقصون قاعات الدرام أند بايس لقاعات موسيقى الجراج، الأمر الذي كان صدمة لمنتجي المشهد الذي نزحت الأضواء عنه تمامًا. بدا أن انشغال المنتجين بالتجريب في الجنرا والإفراط في ميكانيكيتها وسوداويتها عزلهم عما يدور في قاعات الرقص. ملَّ رواد الموسيقى الراقصة، ولم يعد الدرام أَند بايس مستقبليًا ولا يطرح أى جديد، فقرروا الاستمتاع بالحاضر الذي رسمه لهم الجراج. كان الجراج أو ما عُرف في بريطانيا بالسبيدي جراج حافلًا بالبايس وبسرعة تصل إلى ١٣٠ بي بي إم على إيقاع فور أون ذَ فلور تطغى عليه النغمية والعينات الغنائية الممطوطة والمتلاعب في درجتها. تطورالسبيدي جراج للتو ستب جراج والذي يقوم على حذف الدقة الثانية والرابعة للكيك في البار الواحد لإيقاع الفور أون ذَ فلور، بالإضافةً إلى الغناء النسائي وعناصر بوب جذابة مما حفّز رواد النوادي الراقصة ليشهد المشهد الراقص تغيرًا واضحًا.
يقول رينولدز في حديث له “أصبح الدرام أَند بايس صعبًا للغاية – لقد كان مشهدًا يتّسم بالاستعراض الذكوري إلى حد كبير، وقد جذبت هذه الموسيقى الجديدة الجنسين بالتساوي. كان لديها عنصر البوب، وخرجت منه أغاني ضاربة. كان شيئًا أحبه الكثيرون في بريطانيا، أكثر من الجانغل، وأصبح أكثر شعبية منه.”

وصول الدرام أَند بايس لحالة من التشبع بعد ما يقرب من عشر سنوات هو بمثابة الدورة التي تأخذها أي جنرا التي عادةً ما تنتهي إلى مشهد صغير متمسك بذاته محاولًا تغيير أو إضافة بعض عناصر في الصوت والبنية للحفاظ على الجنرا وضمان استمراريتها. فيتشابه الدرام أَند بايس والجانغل مع البوست بانك أو الهيب هوب أو ما يحدث الآن في المهرجانات.

مع دخول الألفية حى نهاية العقد الأول من الألفينات كانت الغلبة للـ ليكويد فانك وهى الجنرا الفرعية الجديدة بقيادة فابيو التي جاءت كرد فعل لما وصل إليه النيوروفانك وبداية صفحة جديدة للدرام أَند بايس. سيطر على الليكويد فانك طابع نغمي ومحيط وتركيز على دور السنث والإيقاعات والفواصل الثابتة ذات بالإضافة إلى بايس عميق وممتلئ ولكن غير حاد والرجوع إلى الغناء. لم تستطيع الجنرا مواكبة الصعود القوي للدَبستِب والجرايم _الذين قضيا على التو ستِب_ ولكن بعثت بعض الأمل لجمهور الدرام أَن بايس، ليصير صوتها أكثر هدوءًا واسترخاءً مع نهاية العقد الأول من الألفينات. نشطت شركات إنتاج مثل هوسبيتال وجود لوكينج وليكويد في وشهد المشهد فنانين مثل فابيو ودي جاى ماركي وكاليبر، كما التحق بهم جروفرايدر وبوكم.

المشهد اليوم

إذا نظرنا إلى الدرام أَند بايس الآن سنرى أن هناك موجة إحيائية للجانغل التسعيناتي وإضافة بعض العناصر إلى صوته وإيقاعه المركّب من قبل بعض المتحمسين الذين رأوا أن الدرام أَند بايس خيّب أملهم مرة أخرى بسبب صوته المضغوط وشديد اللمعان وغير الحيوي. كما رأو أن المشهد الراقص تشبع بتفرعات التكنو والهاوس، كما لو كان التاريخ يعيد نفسه. ففي حين سعت شركات مثل إنجريدْينتس وأستروفونيكا وميتالهدز في الحفاظ على الجانغل على مدار السنين، ظهرت شركات جديدة مثل جرين باى واكس وأَكو بيتز ورابتشر إل إن دي لصاحبيها دابل-أو ومنترا ويو في بي-76 ووسترن لور لـ دد مانز تشِست لتدفع بمنتجين جانغل جدد إلى المشهد وتعيد إحياءه، بينما حافظت على ريبرتوار أعمال عدة من المنتجين الهامين بالمشهد مثل تِم ريبر ودابل-أو ومنترا وريكي فورس. تأخذ تسجيلات ديب إن ذَ جانغل بقيادة دي جا هايبْرِد اتجاه إحيائي صريح وهذا يظهر من خلال الوصف الذي يستخدمونه على باندكامب “إحياء أنواع الجانغل من الماضي وإعادتها إلى مكانها الصحيح في مقدمة ومنتصف حلبة الرقص.”

من ناحية أخرى، نجد في تراكي إكس بلَس واى وفانتا من ألبوم إِسكايب لـ صالي تعاملًا جديدًا مع السناير واهتمامًا بالتصميم الصوتي بشكل كبير يُغْني صالي عن الالفواصل. هناك أيضًا أُم يونيت وفراكتشر اللذان يضيفان عناصر من الفوتوورك إلى الجانجل مما يمد حدود الجنراتين.

سيظل جمهور الجانغل والدرام أَند بايس موجودًا بفضل الشركات الإنتاجية والحفلات والألبومات التجميعية ولكن من الصعب أن يعود إلى أمجاده في التسعينات. تحولت الجنرا من كونها تبحث عن المستقبل إلى محاولة لأحياء تصور التسعينات عن المستقبل أو بمعنى أصح مواكبة الحاضر. ولكن كما حدث من قبل سيظل الجانغل والدرام أَند بايس مصدر إلهام لأنواع أخرى مما يكشف عن تأثيرهما الجاد المستمر. من ناحية أخرى، يحاول البعض إيجاد صوت جديد لهما والتفكير فيهما بواقعية بدل من محاولة الحفاظ عليهما وإحيائهما. قد يكون ذلك ممكنًا إذا استمر المنتجون في التجريب وإضافة عناصر جديدة وتجريدها من عناصر أخرى واستخدام أساليب إنتاجية غير معتادة على الجنرا، أو الاستعانة بعناصر أنواع موسيقية أخرى كما فعل فراكتشر وأُم يونيت.

المزيـــد علــى معـــازف