.
صعد عازف البايس كيلسي غونزاليس بهدوء ليعدل جيتاره كأنه يريد تأدية المهمة بأسرع ما يمكن كي لا ينتقص من الدخول الكبير لپاك، لكن هذا لم يمنعه من استغلال هذه اللحظات القصيرة لإثارة الجمهور وغمزه بمطالع أغانٍ معروفة كسوبرستيشن لستيڨي وندر، ثم عاد إلى الكواليس تاركًا المجال لمهندس الضوء لتجربة جميع التركيبات الممكنة.
بعد دقائق طويلة طالب خلالها الجمهور بحضور آندرسن الفوري، ظهر الأخير مبتسمًا أكبر ابتسامة يسمح بها وجهه، مرتديًا بذلة سوداء مقلمة بالأبيض من السبعينيات، العقد الذهبي للفانك.
“پاري آر يو فيلينج سِكسي تونايت؟” أجابه الجمهور بهتافات جاءت من جميع زوايا حديقة ڤانسين أطلقت الحفل. لساعة كاملة، تنقل پاك بين ماليبو وفينِس، مؤديًا أغانٍ من الألبومين دون توقف، سواءً التي سجلها لوحده مثل كام داون و ذ سيزن / كاري مي، أو التي شارك فيها فنانون آخرون كدانڭ وسويد اللتان تعاون فيهما مع ماك ميلر ونولدج على التوالي، دافعًا الجمهور إلى ترديد كلمات كل الأغاني بينما يحثهم على الرقص بجمل فرنسية مليئة بالأخطاء، يقولها بابتسامة محببة تقنع الجمهور الباريسي بالتغاضي عن فرنسيته.
عندما شغّل دي جاي وعازف الطبول كالوم كونور الألحان الأولى لأغنية أم آي رونج، فصل آندرسون الميكروفون عن العصا وجلس خلف الدرامز مكان كالوم، لينطلق في عزفٍ تلقائي عاد به إلى بداياته كعازف طبول فرقة الكنيسة عندما كان مراهقًا. ختم الأغنية بإضافة وصلة جاز ارتجالي بمعية رون على الكيبورد وخوسي على الجيتار، صرخ بعدها آندرسن “ييس لورد!” منتقلاً بسلاسة إلى أغنية سويد.
فرض آندرسن نفسه بقوة في عالم الهيب هوب، ابتداء من ألبومه ماليبو الذي حقق نجاحاً كبيراً ووضع في كثير من قوائم أفضل ألبومات العام، ومنها قائمة معازف. لم يتوقف پااك عن التسجيل و التجوال منذ إطلاق الألبوم، ترافقه فرقته ذ فري ناشنالز التي تتألف من أربعة عازفين يؤدون عروضًا بارعة الأداء، محمّلة بالجروڤ.
يتعرق آندرسن ويقدم كل ما يملك لأداء عرض ممتاز، كان أداءً فيه جوع، من فنان ذاق طعم الفشل، فعاهد نفسه على الحفاظ على ما تبعه من نجاح. الأزمات التي مرَّ بها پاك هي ما شكلت حياته اللاحقة، فبعد أن فقد عمله في مزرعة ماريجوانا وجد نفسه متشردًا مع عائلته، فغامر بمستقبله آملا أن تنجح موسيقاه، حتى ابتسم له الحظ في صورة شفيق حسين، عضو مجموعة الآر آن بي والهيب هوب البديل سا را، والذي عرض عليه عملًا وسكنًا لينهي تسجيل ألبومه الأول. بعد ست سنوات، أصبحنا نعرف پاك كمرشح للجراميز سبق له وأن اشتغل مع كندريك لامار، دكتور دري وسكولبوي كيو.
صوت آندرسون خشن وغناؤه بذيء لكن تأثيره مبهج. هذا التوازن يميِّز أسلوبه ويجعله مرنًا، يتناوب في تدفقه بين السول و الراب، وفي كلماته بين الكبرياء الذكوري وحسرة العشاق. كم المميزات الصوتية التي يمتلكها ظهرت جليًا خلال الحفلة، إضافةً لشخصيته الضخمة على الخشبة، ما مكنه من مزاوجة هذا العدد من الأصناف الموسيقية بشكل مثالي جعل لاسم آندرسن پاك آند ذ فري ناشنالز قوة فريدة.
أمر الناس بالرقص فامتثلوا، وعندما طلب من الجميع النزول أرضًا في رقصة جماعية لم يبق أحد واقفًا. شكر الفرقة بعد كل أغنية وترك لها فرصة عزف فواصل موسيقية مثيرة، جن على أثرها الجمهور، ثم أخد المايك ليأكد على ضرورة الحب واستغلال اللحظات المتوفرة لإسعاد الذات والآخرين، وهو ما يحاول فعله بصدق.
ضم مهرجان وي لاڨ جرين في باريس فنانين كثر، لذا كان الجمهور في حفلة آندرسن مكونًا بشكلٍ كبير من أشخاص لم يسمعوا موسيقاه قط ويريدون الانشغال بحفله بانتظار فنانيهم المفضلين، كذلك كان آخرون يعرفون اسمه ويودون اكتشاف المزيد. لكن آندرسن پاك آند ذ فري ناشنالز تمكنوا من إشراك جميع الحاضرين في التجربة بعزفٍ متقن وقوة شخصية.
عندما أنهى آخر أغنية، ذ بيرد، جرى مغادرًا المنصة، تاركًا المتفرجين يصرخون طالبين المزيد. عندما اقتنعوا بأنه لن يعود، انسحبوا مبتسمين كمن ارتاح أخيرًا بعد أسبوعٍ شاق ممتع.