.
دي جاي شادو سامبلينغ سامبلينج سامبلر معازف
أجنبي جديد

التجلي ما بعد الأخير | عن السامبلينج وعمر الموسيقى

رين حسن مشورب ۲۰۲۰/۰۱/۲٦

عندما اخترع هاري شامبرلين الكيبورد الذي حمل اسمه عام ١٩٤٩، كان الهدف الأصلي من صناعته أن يكون وسيلة ترفيه. في ذلك الوقت، شغل الجهاز مساحة كبيرة، وكان سعره الباهظ يتجاوز الخمسين ألف دولار بعملة اليوم. خلال أول عامين من إصداره، لم يُصنع سوى ١٠ ماكينات من الشامبرلين.

اعتمد الشامبرلين على تشغيل شرائط تحتوي على أصوات سجلها المستخدم، ليصبح بذلك أول سامبلر في التاريخ. في ١٩٦٣، صدر الميلوترون، الذي اعتبر لفترة كلعبة صوتية، بلغ سعر أول نسخة منها ١٤ ألف دولار بعملة اليوم، ليصبح بدوره السامبلر الأوّل الذي أُنتج على نطاق واسع. استُخدم الميلوترون من موسيقيين مثل كينج كريمسون، ودايفيد بووي في أغنيته الأيقونية سبايس أوديتي.

على كل حال، لم يستخدم مصطلح السامبلينج بشكل واسع حتى إنتاج الفيرلايت سي إم آي عام ١٩٧٩. قد يبدو الفيرلايت بدائيًا بمعايير اليوم، إلا أنه كان حينها ابتكارًا رائدًا لاحتوائه على فلوبي ديسك بسعة ٥٠٠ كيلوبايت، يتضمن ٢٠ صوتًا لآلات كلاسيكية. رغم سعره الباهظ، انتشر سريعًا بين موسيقيي بريطانيا، مثل بيتر جابريال من فرقة جينيسيس، جون بول جونز من لِد زِبلين، كايت بوش، آلان بارسونز وريك رايت من بينك فلويد. لاحقًا، أصبح ستيفي واندر وتود راندجرين وجوني ميتشِل وسواهم أول الموسيقيين الأمريكيين ممن استخدموا الفيرلايت، لحقهم كرتيس بلو الذي أدخله على الهيب هوب.

تطور السامبلر عبر السنوات، ليتبلور كآلة تلقَّم بالأصوات المسجلة مسبقًا، وتستطيع تكريرها وإضافة التأثيرات عليها وتسريعها أو إبطاءها، رغم أن مفهوم السامبلينج سبق ظهور الآلة. نشأت هذه التقنية في الميوزك كونكريت، المدرسة التجريبيّة التي ابتكرها بيير شايفر في الأربعينات، حيث استخدم أصواتًا من الحياة اليومية (ضجيج السيارات، طقطقة الأصابع، صراخ امرأة … )، وعدّلها بمؤثرات ثم جمعها في تسجيل موسيقي متماسك على شريط الريل. ظلّت هذه التقنية بعيدة عن الرواج بسبب نخبوية الفن التجريبي، وغلاء السامبلرز الأولى التي كانت حكرًا لفترة طويلة على شركات الإنتاج الكبرى؛ لكن السامبلينج كان يكتشف مرةً ثانية في الستينات ضمن ثقافة الساوند سيستم في جامايكا.

كان لاعبو الأسطوانات في جامايكا في ذلك الوقت يعلمون أنفسهم كيفية عزل الغناء وآلات معينة، ليصبح لديهم نسخة معدلة عن الأغنية الأصلية، أو كيف يمكنهم لعب جزء معيّن من الأغنية ليمزجوه مع أغنية مختلفة. انتقلت ثقافة الساوند سيستم مع الهجرات الكبيرة من جامايكا إلى بريطانيا والولايات المتحدة، واستمرت بالتطور في عدة مسارات، من بينها ظهور ثقافة البريك في نيويورك في مطلع السبعينات، على يد الدي جاي الجامايكي / الأمريكي كوول هيرك.

استخدم هيرك الترن تايبلز والأسطوانات ليعزل جزء الإيقاع المنفرد من الأغنية، أو ما عُرف بالبريك، لتشغيل هذه العينات بشكل متكرر وتمديدها، مؤسسًا بذلك أسلوب البريك بيت. لعب البريك بيت دورًا محوريًا في ظهور الهيب هوب، إذ استخدم الدي جايز هذا الأسلوب لخلق الإيقاعات التي ارتجل عليها الرابرز، قبل ظهور الجيل الأوّل من منتجي الراب وصانعي الإيقاعات.

أدّى الانتشار الواسع لثقافة البريك بيت إلى منح بعض الأغاني القديمة حياة ثانية، أو حتى آلاف الحيوات الأخرى. يستحيل الحديث عن البريك دون ذكر الثواني السبع الأشهر من أغنية آمين، بروذر لفرقة وينستونز. سُجلت الأغنية عام ١٩٦٩ ولم تُحقق نجاحًا يُذكر حينها، لكن في الثمانينات، أعيد اكتشافها واستُخدمت في أكثر من أربعة آلاف أغنية، كما شكّلت العمود الفقري للدرام آند بايس والجانغل. استحقت الثواني السبع تلك لقبًا خاصًا بها، الآمين بريك، وعلى الأغلب أنكم سمعتموها من أغاني إن دبليو آي وتايلر ذ كرييتور وأويازس وسكانك آنانسي وآندي ستو وفينيشن سنيرز وسلاير.

خلافًا لفرقة وينستونز، كان جايمس براون أسطورةً حيّة. لذا لم يكن بالأمر الغريب اقتطاع أجزاءٍ من أغانيه، سواء كان إيقاع أغنية فانكي درامر، أو غناؤه الصارخ من أغنية ثينك مع لين كولينز، أو البريك من عمله مع فرقته الجاي بيز. نجد مقتطفات من موسيقى جايمس براون التي ألّفها على مدى نصف قرن في أكثر من ١٢ ألف أغنية، من كندريك لامار إلى آيفكس توين ومادونا وجاي ديلا وبانيك آت ذ ديسكو. يعد جورج كلينتون اسم أسطوريّ في الفَنك، كما أنّه جزء لا يتجزأ من البريك، إذ توجد أكثر من ٢٥٠٠ أغنية تقترض ألحانه، من شايلديش غامبينو وأوتكاست إلى ريد هوت شيلي بيبرز وإيريكا بادو. نسمع صوت لوليتا هولواي في أكثر من ٦٠٠ أغنية، بفضل حدة إنشادها القادر على رفع منزلة أي عمل موسيقي، ولو كان مبتذلًا بعض الشيء.

استمر السامبلينج ليشكّل جزءًا لا يتجزأ من الهيب هوب. في البدء لم يكن المنتجون قادرون على تحمل كلفة السامبلرز الباهظة، فاستخدموا أجهزة شرائط رباعية. اعتبارًا من منتصف الثمانينات، بدأت شركات الآلات الموسيقية بإنتاج سامبلرز أرخص سعرًا وأسهل للاستخدام. كان الآكاي إس ٩٠٠٠ والآكاي إم بي سي الأكثر انتشارًا بين فرق الهيب هوب، مثل بابليك إينيمي وبيستي بويز.

خارج ثقافة البريك، أصبح السامبلينج ملاذًا للمنتجين والموسيقيين الذين يفتقدون الإمكانيات المادية لتسجيل كوردات وتسلسلات إيقاعية على آلات معينة، فلجؤوا إلى الأسطوانات وإعادة تدوير موسيقى موجودة فعلًا. أدّى هذا التوجه إلى ظهور ناس تؤمن بأن السامبلينج عملية استيلاء يقوم بها أفراد غير قادرين على تأليف موسيقاهم الخاصة، فيقتاتون على موهبة آخرين.

في العام ١٩٨١، صدر ألبوم براين إينو ودايفيد بايرن، ماي لايف إن ذ بوش أُف جوستس. الملفت في الألبوم ليس الموسيقى، بل التسجيلات التي جمعها الموسيقيان وصنعا منها كولاجًا من الأصوات. استخدما سامبلز من أحاديث مسجلة من المذياع، عظات إنجيلية، أجزاء من موسيقى فولكلورية، تسجيل لجلسة طرد أرواح، تجويد القرآن، وأغانٍ لدنيا يونس وسميرة توفيق. الكلمة التي وصفت العمل حينها هي تنبؤي. كأنه قد انعكس في هذه الأسطوانة – التي لم تكن شعبية – مستقبل موسيقي ذو طبقات، كتحفة تزداد أهميتها مع مرور الوقت. شهد عام ١٩٩٦ صدور ألبوم فريد من نوعه أيضًا، إندتروديوسينج لـ دي جاي شادو، الذي يعتبر أوّل ألبوم صنع كاملًا من السامبلز. صناعة ألبوم كامل باستخدام معدات بدائية وتسجيلات لآخرين قد يبدو بسيطًا أو مثيرًا للريبة، لكن هذا الألبوم ما زال يعد حتى اليوم من أفضل ألبومات التريب هوب. بموسيقاه السلسة وإيقاعاته المضبوطة التدرج وتنوعه، يستحيل إنكار أهميته من الناحية الموسيقية أو التقنية، ويقدم حجّة قوية ضد عقيدة أن السامبلينج سرقة فكريّة.

انتقلت هذه الاستخدامات الأكثر تحررًا للسامبلينج إلى الهيب هوب مرة ثانية. في واحدة من أكثر حقب الراب تنافسيةً، بنى أفراد وو تانج كلان هويّتهم حول أفلام الكونج فو القديمة التي كانوا مولعين بها. من اسم الفرقة إلى ألقابهم الخاصة، استندوا إلى شخصيات من تلك الأفلام. الأهم من ذلك استعانة منتج الفرقة، رزا، بسامبلز من جمل حوار وأصوات شجارات منها في كل أغنية على الألبوم. كونت الفرقة صوتًا خاصًا بها، فصلها عن الجميع وربط اسمها بثقافة الكونج فو. عزز أعضاء الفرقة هذه الهوية عبر ترويج تعاليم الكونج فو كالتأمل والتحلي بالصبر والسكينة، لا القتال وحسب. استخدمت فرق الروك والميتال بالمثل سامبلز من أفلام وأجزاء من خطابات، لخلق هوية قاتمة تناسب أغانيهم. استخدم فريق بارادايس لوست خطابًا لشارلز مانسون في أغنية فوريفر فايلور، كذلك وظّف فريق نايبالم دِث حوارًا من فيلم ذَي ليف في أغنية ديسكوردانس.

إلى جانب خلق هوية مميزة للفرقة، استخدم الكثيرون هذا التوجه في السامبلينج في الأغاني السياسية. ضمّنت بيونسيه خطابًا لمالكولم إكس عن تهميش المرأة السوداء في أمريكا في أغنية دونت هرت يورسِلف، وخطاب شيماماندا آديشي عن النسوية في أغنية فلاوليس. فيما استعان جاي كول بخطاب للرئيس جون إف كينيدي في أغنية ميس أمِريكا بشكلٍ ساخر، منتقدًا فساد الرأسمالية والمجتمع الاستهلاكي. استعمل كندريك لامار قول المراسل جيرالدو ريفيرا بأن الهيب هوب ينشر الفساد بين الشبان السود، ضمن أغنية هيب هوب تدعو الشبان السود إلى اعتناق إرثهم والفخر به.

بسبب طبيعته المتوافقة مع الإنتاج الموسيقي أكثر من التأليف التقليدي، لعب السامبلينج دورًا محوريًا في الموسيقى الإلكترونية أيضًا، سواء في الأصناف الشعبية كالهاوس أو المغمورة كالبريك كور والآي دي إم. ترافق انتشار السامبلينج في الموسيقى الإلكترونية مع تقدمه وإتاحته كتكنولوجيا، وتغذّيه على تقنيات أخرى كالحاسب الشخصي والإنترنت. من ناحية فتح الإنترنت باب السامبلينج على أرشيف لا متناهي من الأصوات، الموسيقية وغير الموسيقية، التي يمكن تحويلها إلى عيّنات، بعد أن كانت التقنية تعتمد على الأسطوانات بشكل رئيسي. فيما أدّى تطور الحاسب الشخصي إلى ظهور برامج سامبلينج رقمية مستقلة، إلى جانب برامج مدمجة (plug in) بتطبيقات الإنتاج الرقمية.

كان كيوبايس، الصادر عام ١٩٨٩، أول برنامج أخذه الموسيقيون والمنتجون على محمل الجد. لكن لم يشهد استخدام السامبلرز الرقمية تفجرَه الشعبي حتى بدايات القرن الحادي والعشرين، مع برامج مثل إف إل ستوديو وآيبلتون وساوند فورج، وغيرها، التي تحتوي معظمها على مكتبات من السامبلز، تضم أصوات آلات وأصوات خلفية وإيقاعات قصيرة. انتشرت بالتوازي ثقافة السامبل باك (حزم العينات الصوتية) على الإنترنت، وصار بوسع الجميع تحميل مئات أو آلاف السامبلز ضمن حزم مجانيّة أو متاحة بأسعار معقولة، أو مقرصنة. مع الوقت، أصبحت ثقافة السامبل باك أكثر تخصصًا، مع ظهور حزم مختصّة بأصناف أو أساليب معينة، أو حزم خاصة بمنتجين أيقونيين، معاصرين أو كلاسيكيين. عزّز هذا من عمق وسعة الأثر الذي يمكن أن يمتلكه المنتجون الأشهر في أصناف معينة، كالتراب، إذ يصعب سماع مجموعة من أغاني التراب اليوم دون سماع السامبلز الخاصة بـ مترو بوومين.

ليس مترو بوومين المنتج الوحيد الذي اقترن صعوده إلى الشهرة بالسامبلينج. يُعرف كانيه وست لشيئين: كونه الرجل الذي قاطع خطاب تايلور سويفت في حفل جوائز إم تي في ليقول إن فيديو بيونسيه أفضل، والمنتج الذي أصبح أسطورة بفضل استخدامه للسامبلينج. في ٩ ألبومات، استخدم كانيه وست أكثر من ١٠٠٠ سامبل. عندما استخدم كانيه في أغنيته بارت تو سامبل من أغنية باندا لـ دزاينر، قفزت أغنية باندا إلى المرتبة الأولى في لائحة بيلبورد لأكثر الأغاني مبيعًا / بثًا.

منذ بدايته كمنتج إلى جانب رابرز مثل جاي زي، وحتى مسيرته الفردية الاستثنائية كرابر، غيّر كانيه وست الطريقة التي يفكر بها الناس في السامبلينج. ساهم في التيّار الذي يتعامل مع الصوت البشري كآلة، وأحيانًا كإيقاع أو موسيقى خلفية، وفتح أصنافًا موسيقية، أحيانًا من حقبات مختلفة، على بعضها. استعاد أغاني أوتيس ردينج ونينا سيمون في أغانٍ دفعت حدود الراب المعاصر قدمًا، ليكسر العلاقة بين استخدام سامبلز قديمة وضرورة الانتهاء بصوت استعادي / نوستالجي. أثبت قدرة السياق في الأغنية على إظهار روح مختلفة في السامبلز، ولجأ باستمرار إلى موسيقيين معاصرين وتجريبيين للاقتباس منهم.

في ٢٠١٨، أصدر كانيه ألبومه الثامن، يي، وفي غضون أقل من ٢٤ ساعة، أعلنت بان، شركة إنتاج ألمانية مستقلة تختص بالموسيقى التجريبية (أمنيجيا سكانر، هيلم … )، أنّ ويست استخدم سامبل من أغنية فريش، للمنتج المصريّ كريم لطفي، ظهرت على ألبوم مونو نو أواير ( ٢٠١٧). بعد أنّ هددّت بان برفع دعوى قضائيّة، استبدل كانيه السامبل بأخرى. أعادت هذه الحادثة إثارة جدل كبير حول أخلاقيات السامبلينج، خاصةً عند ارتباطه بـ كانيه وست، الذي بعكس المنتجين المبتدئين، يملك كافة الإمكانيات لمنح المنتجين الذين يستخدم موسيقاهم الجزء الذي يعود لهم من الأرباح.

يجري التوافق العام على ضرورة ذكر المؤلف أو المنتج الأصلي عند استخدام سامبل من أعماله، ومشاركته الأرباح التي تجنى، إلّا أن التجاهل المستمر لهذا المبدأ، أدّى إلى اقتران السامبلينج بالكثير من الدعاوى القضائية التي يرفعها موسيقيون يشعرون بالاستغلال. دارت واحدة من أشهر المحاكمات التي تناولت السامبلينج، ما بين دايفيد بووي وكوين ضد فانيلا آيس، حيث استخدم الأخير مقدمة آندر بريشر في أغنيته آيس آيس بايبي دون إذن من المؤلفين الأصليين، وأجبر بعد المحاكمة على دفع مبلغ من المال، وذكر بوي وكوين كمؤلفين مشاركين للأغنية.

في ٢٠١٣، طلب ذ ويكند من فرقة التريب هوب بورتيسهيد البريطانية إذن استخدام مقدمة أغنية ماشين جَن، في أغنيته بيلونج تو ذ وورلد. رفض جيف بارّو، منتج الفرقة المعروف بحرصه، منْح الإذن، قبل أن يتفاجأ بإصدار ذ ويكند لأغنيته متضمنةً السامبل المذكورة على كل حال. الملفت أن ذ ويكند أنكر استخدام السامبل، وقال إنها سامبل أخرى تشبهها، لكنهل مختلفة بقدرٍ كافٍ يعفيه من المساءلة القانونية والغرامة. رغم إدانته المستمرة، لم يرفع بارّو دعوى على ذ ويكند، بالنسبة له المشكلة ليست في المال وحقوق الملكية الفكرية، بل في رغبته بأن لا تستخدم موسيقاه في أعمال لا يستسيغها.

يمكن النظر إلى هذه المشاكل كأعراض لولادة اقتصاد السامبلينج، ويمكن خلالها فهم سعة وتعقيد أثر السامبلينج على موسيقى اليوم، بشكل يتجاوز كونه مجرد تقنية، بل أقرب إلى ثقافة متكاملة غيّرت الطريقة التي نفكر بها في عمر الموسيقى، مصدرها، ومصيرها.

المزيـــد علــى معـــازف