.
تنشر هذه المقالة ضمن إتفاقية شراكة وتعاون بين “جدلية” و”معازف”.
الخطاب المشفّر للأغنية الأنثويّة العربيّة
تتبدّى لنا في تجربة المغنية رباب (1958-2010) عراقيّة الأصل وكويتيّة الانتماء، بعد مسيرة تجاوزت الثلاثين عاماً في الحقل الثقافي على مستوى الشعر والموسيقى والغناء، وبعد أرشيف من الأغنيات المصورة، سواءً لصالح الدراما (كالمسلسلات) أو للعرض التلفزيوني، صورة محددة الملامح يمكن تمييزها هنا:
–الشخصية الثقافية وعلاماتها في تكريس النموذج المتحول.
–القيمة الثقافية والجودة في أثر وفعالية أرشيف وذاكرة غنائيتين.
–خصوصية التجربة والحالة على مستوى الأنوثة الأخرى.
وإذا كنا رصدنا، مع تراكم التجربة والخبرات، تحوّلات موضوعات الأغنية من وترها القهري والعنفي مع الرجل والحب والغربة في دراسة سابقة*، فهناك موضوعات في “الأغنية الربابيّة” تعزف وتر الحنين والتسامح مع الماضي وصراعيّة العلاقة مع الرجل (وهو إرث امتناع العلاقة)، ولعبة الإخفاء من الخوف (مثليات أنثويّة مضمرة).
هذه الأغنية “الربابيّة” تمثّل خطاب الغناء الأنثوي للمغنية العربية –الأنثى بالطبع– إذا قصد فيه الرجل حبيباً، فهو “يأخذ مكانه بكامله وبهويّته الجنسية. والأنثى هنا تفاخر بحبها له؛ لأنه يعزّز قيمتها وينسج المحال لإظهار كامل مشاعرها. أما إذا كان المغني ذكراً، فيتبع الطريق المقنع: جاعلاً الحبيب ذكراً بدلاً من أنثى، قاصداً الأنثى” (1).
يمكن ملاحظة ما يمثله ذلك الخطاب المشفر عبر أرشيف غناء النهضة العربية. خاصة في نموذج أغنيات منيرة المهدية ونعيمة المصرية وصديقة الملاية ومنيرة الهوزوز وسعادة البريكي (أوائل القرن وعشرينيّاته وما بعدها).
ثم يعقبهما كل من سليمة مراد وأسمهان وليلى مراد وزكية جورج وعودة المهنا (فترة الثلاثينيّات والأربعينيّات). ولحقتهما شادية وهدى سلطان وصباح (أغاني الأفلام السينمائية). ومن بعد ذلك ظهر جيل آخر تمثّله وردة ونجاة الصغيرة، سواءً في أغاني الأفلام أو حفلات المسرح، خاصة مغنيات فترة ما بعد الستينيّات.
ولا ننسى أغاني: لميعة توفيق وعفيفة اسكندر ووداد –حيث استطاعت المرأة أن تحدّد هوية الخطاب الثقافي في الأغنية، باعتباره خطاباً موجّهاً للرجل، على العكس من التباس (أو تشفير) المخاطب عند مغنيات كثيرات أوائل القرن ومنتصفه، مثل: ماري جبران ونادرة وفتحية أحمد وأم كلثوم. ثم بشكل متباين كل من نور الهدى وسعاد محمد وشهرزاد اللواتي فصلت التجربة الشخصية (النفسيّة والفرديّة) عن التجربة الثقافية (الاجتماعيّة والإعلاميّة) في الغناء. لتبرز المواضيع الكبرى: الوطن والدين والحب بشكل مطلق عن المقصد والتحديد، والحيادية كالأناشيد الحماسية للحروب وسواها.
الأصوات الذكوريّة المضمرة/ أو “الخنثويّات الغنائيّة“
ورغم مسارات الفحولة والرجولة المتبدية في غناء الرجل العربي، خاصة عند: زكي مراد وعبد الحي حلمي ومحمد بن فارس وعبد اللطيف الكويتي، ثم محمد عبد الوهاب ومحمد عبد المطلب ومحرم فؤاد وفهد بلان ووديع الصافي وغريد الشاطئ، مروراً بعبد الكريم عبد القادر ومصطفى أحمد وأبو بكر سالم وغازي علي، وصولاً إلى أحمد الجميري وعلي الحجار ومحمد الحلو وراشد الماجد والوسمي، إلا أن هذه المسارات أغفلت كثيراً حناجر لم تكن تنطبق عليها معايير الفحولة والرجولة، ولكنها حرثت السماء بحناجرها، مثل: عبد اللطيف البنا وضاحي بن وليد وعواد سالم ومحمد خيري وكارم محمود، مروراً بأصوات محمد عبده وعبد المجيد عبد الله وإيمان البحر درويش وتامر حسني ومحمد حماقي وسواهم.
هناك تصنيف للأصوات حسب المعايير الذكورية في الصوت والشكل والخطاب الموجه. إلا أن الأصوات التي تخرج عن التصنيف تتماثل مع ذات الخطاب الموجه. لكن الأصوات التي تنطبق عليها المعايير صورياً، تحمل خطاباً مضمراً عمل بشكل خفي في تيار الغناء الذكوري.
تتمثل تجربة كل من عبد الحليم حافظ وفيروز وعبد الكريم عبد القادر ومحمد منير وعارف الزياني (كما يندرج خطاب رباب أيضاً) في ذلك الخطاب المضمر. والذي يتعدّى صورة الخجل من الاعتراف بتجربة الضعف عند الرجل المؤدلج بالنظرية الأبوية. وربما يتجاوز صورة مخادعة الضمير عند خطاب غناء المرأة كأنثى (الموحي بالذكر)، إلا أنه في النهاية تشفير مقصود.
ويمكن أن يكون هذا التشفير صناعة مشتركة تختلف فيها الأهواء والرغبات لدى صناع الأغنية، إلا أن مشاعر الاندماج والحياد تشكف الكثير عن البنية النفسية والاجتماعية بين المواربات في لعبة الإخفاء والإيحاء.
يخرجنا هذا التحليل من صور (الخنثويات الغنائية) الظاهرة في تجارب غنائية عربية لم تبدأ مع منيرة المهدية وفتحية أحمد، ولم تستمر مع كل من عبد اللطيف البنا وعواد سالم، ولم تنته مع نبيل شعيل وفايز السعيد وسواهم.
ويمكن أن يمضي التحليل في اعتبار أن صورة الخنوثة “تقوم على فكرة رئيسة في واعية الإنسان، هي البعد التكاملي في شخصيته وفي الوقت نفسه اكتفاؤه الذاتي بما لديه“(2) إلا أنها قد تنطوي على قصدية الإخفاء والتمويه عن تعبير الحقيقة، وهذا مجال محفوف بالالتباس في تأويل صوره ومقاصده.
رباب حاضنة تطوّر خطاب المرأة العربيّة
وإذا كنا رأينا في خطاب الغناء عند رباب تجاوزاً لخطوط عزل التجربة الشخصية عن الإبداعية، حيث يصعب على المرأة اختراق خطاب الغناء الذكوري إلا بعد أن اخترقت مجالات العمل المختلفة، وتقدّمت أدوارها النفسية والاجتماعية في هموم المسرح والسينما والأغنية بمواكبة الأدب والصحافة.
وهذا ما دفع إلى تطوّر وتحوّل في خطاب المرأة الثقافي، ليتبدى في ظهور خطابات المرأة بين خطاب نسوي وأنثوي بمواجهة الخطاب الفحولي والأبوي.
وهذا لا يتحقّق إلا بتضافر جهود مثقفين ومثقفات يتعاون كل واحد وواحدة منهن/ منهم في تطوير خطاب المرأة من واقع وعي حقوقي واجتماعي ونفسي يعيد تأهيل الأفكار وصياغتها في مجالات الإنتاج الثقافي المختلفة.
فقد تتعدّد مراحل هذا الوعي لارتباطه بمتغيرات سياسية واقتصادية على مستوى المجتمعات العربية بينما تتقدّم مجالات الحياة العامة، وتتوفّر فرص بعضها المتكافئة، وأخرى حكمتها مؤسسات الضبط الاجتماعية والأخلاقية والثقافية في صورها المتفاوتة حسب البيئة والموروث والتاريخ من إرث المجتمعات البدوية والريفية، وضآلة مكونات البيئة الحضرية في عواصم ومراكز العالم العربي.
وربما تبدى في مجالات إنتاج الثقافة صور الحداثات الإبداعية في حقول الموسيقى والمسرح والسينما والصحافة، وأسهم ظهور المرأة على خشبة المسرح وأمام ميكرفون الاستوديو وكاميرا السينما، بدفع تطور خطابها حتى ولو بشكل متفاوت أسهمت فيه عقول تنويرية.
بدأ هذا الوعي بإنتاج خطابه الثقافي منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، تحت ما اصطلح عليه بمسمى عصر النهضة. وظهرت حداثاته في مرحلة أولى آنذاك في كتابات أبناء الحواضر العربية (في الشام ومصر والعراق وتوزع الخطاب لاحقاً في مناطق أخرى)، مثل: بطرس البستاني وفارس الشدياق ورفاعة الطهطاوي والأب أنستاس الكرملي. وفي مرحلة ثانية مع كتابات قاسم أمين وزينب فواز وجميل الزهاوي ومعروف الرصافي وعائشة التيمورية.
وتطوّر الوعي في منتصف القرن العشرين– فترة الاستعمار والسلطة البرجوازية– مع كتابات ونشاط كل من هدى شعراوي ونظيرة زين الدين وسلامة موسى ومحمد حسن عواد وأحمد السباعي.
لتدخل في تطور الخطاب مجموعة من أصحاب وصاحبات الفكر والأدباء والأدبيات في مرحلة التحرر والمد القومي عند نزار قباني وعائشة يتيم وفاطمة حسين.
حينئذٍ، تتضح الفروق التعريفية في مسألة خطاب المرأة ما بين النسوي والأنثوي. فالخطاب النسوي: “يصف معاناة المرأة في المجتمع ومشكلاتها النفسية وآلامها الناتجة من صراعها الداخلي بين تحقيق ذاتها والإذعان لمعايير اجتماعية” (3). وهو ما شارك فيه مجموعة مختلفة من المثقفين والمثقفات في مختلف مواهبهم الإبداعية وتأهيلهم المعرفي والفكري.
بينما الخطاب الأنثوي: “يجعل من المرأة جسداً وكياناً وعاطفة المركز، وينظر إلى ذات المرأة في تكوينها البيولوجي والفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي” (4).
وفي منطقة الجزيرة العربية ما بعد منتصف القرن العشرين، منذ فترة الستينيّات، توازت مع تطور خطاب المرأة في تلك الفترة الأعمال المسرحية والكتابات الأدبية التي أسهمت فيها شخصيات ثقافية من دول الخليج العربي مثل: الإعلامية فاطمة حسين، والمخرجة والناشطة الاجتماعية نورية السداني، والكاتبة والناشطة الاجتماعية والأديبة سميرة خاشقجي، والأديبة ليلى العثمان، والكاتبة والممثلة حياة الفهد والصحافية والشاعرة ثريا قابل، وسواهن.
ولم يأتِ تطوّر خطاب المرأة من خلال طرح قضاياها إلا كخطوةٍ تنامت في الدراما التلفزيونية والمسرحية والإذاعية، وفي الأغنية، ومن قبلها الأدب. وصارت مجالاً لدفع الخطاب إلى مناطق أكثر تقدماً.
يمكن رؤية تجربة رباب في سياق هذا التطوّر، إذ يمكن وصفها بأنها جزء من منظومة تطوّر خطاب المرأة العربية في الخليج العربي.
وإذا ارتبطت تجربا عودة المهنا وعائشة المرطة بصوت الخطاب الثقافي الذي لا يمكن ملاحظة صوت وقضايا المرأة فيه، إلا أن ليلى عبد العزيز وسناء الخراز ورباب دفعن بحناجرهن للتعبير عن الذات وطرح الأفكار.
وإذا كانت أغنيات ليلى عبد العزيز عبرت عن خطاب أنثوي جايل تجارب غناء عراقية، مثل: سيتا هاكوبيان وأنوار عبد الوهاب، طرح صور العلاقة بين الرجل والمرأة وبعض همومها، إلا أن مغنيات عربيات مثل وردة خصوصاً طرحت الكثير والجريء عن موقف المرأة وتعبيرها عن ذاتها ووجودها، برغم أن ثمة محاذير تخشاها المرأة العربية نظراً لتطويق مؤسسات الضبط الاجتماعي لا تبدأ مع التقاليد وموروثاتها ولا تنتهي مع الزواج ومنطق علاقة السيطرة بين الزوج والزوجة. وهو ما عانته كثيراً هدى سلطان مع فريد شوقي وفيروز مع عاصي الرحباني.
وإذا كان اكتفاء سناء الخراز مبكراً بالأعمال الوطنية والوصفية من مخزون الأنماط الإيقاعية والغنائية التراثية المطورة عند كل من الملحن غنام الديكان وأحمد باقر والشعراء محمد الفايز وعبد الله العتيبي، حين قدّمت أعمالاً غنائية بنمط اللوحات الغنائية لمناسبة الاحتفال بالأعياد الوطنيّة الكويتيّة، إلا أن هذه الأعمال أكدت على أكثر من نحو مشاركة المرأة وفعاليتها التاريخية والاجتماعية في مجالات الحياة العامة. وهذا التعبير الثقافي جعلها تتكرس ووضعها في صورة المرأة/ الأرض والمرأة/ الحضارة، ذلك حين تعدت مشاركتها في الأعياد والاحتفالات الوطنية نحو قضايا الوطن الأخرى، مثل مرحلة غزو الكويت من العراق 1990-1991 وإسهامها في العمل التطوعي، وشاركها ممثلات وناشطات كذلك مثقفون وناشطون من المجتمع المدني، والغناء فترة بداية الاجتياح وحرب التحرير في مسارح ومحافل منطقة الخليج.
ويمثّل خطاب رباب ضمن هذه التنويعة حالةً فريدة تبدّت في قراءات متعددة وثرية توفرت لهذه الدراسة عنها، وحاولنا أن نوصله بمجريات خطاب غناء المرأة وتحولاته وتطوراته المتباينة والمختلفة.
ولعل رؤيتنا إلى خطابها الذي طرح قضايا إرادة الحب وأوجاع الغربة والمواجهة مع الرجل (المخاطب في الأغنية)، يدفعنا إلى كشف جيولوجيا أغنيتها من خطابات الصمت والكتمان التي يمكن أن تفتح معانٍ أخرى لدرجات الرغبة والحنين.
إذا لاحظنا أن خطاب أغنية الثمانينيّات في الخليج، خاصة في نمط الغناء الشاعري، وهو الغناء الشخصي والحميم عن تجربة الإنسان الخاصة في الحب والجنس، إشارة إلى أن الغناء العربي يعتمد على بلاغات متعددة تخفي وتقمع هذا الخطاب وتجعله في حدود مجريات الحب (الشوق والهجر والخصام والفراق) مثلما نراه في نماذج محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وليلى مراد ونور الهدى ومحمد فوزي، وفي الخليج: شادي الخليج وغريد الشاطئ ومصطفى أحمد وحسين جاسم، إلا أنه ظهر خطاب يعتمد مجازات الإيحاء والتشفير (الخنثوي والمزدوج) عند أم كلثوم وعبد الحليم حافظ مقابل ظهور خط الاختلاف والافتراق عن الخطاب الغنائي الأبوي (الفحولي والرجولي) عبر خطاب المرأة (الأنثوي والنسوي) مع شادية وهدى سلطان ووردة ونجاة الصغيرة.
لكن بمقابل طروحات مغايرة عند كل من سميرة سعيد وليلى غفران حول إرادة الاختيار وإعلان الموقف حاداً ومتوتراً، وهو الذي قفزت به فيروز بعيداً عبر أغنيات زياد الرحباني التي وقفت على التوتّر والقلق المدني للشعور الفرد العربي، واكب بليغ حمدي في أغنيات كتبها ولحنها ما بين سميرة سعيدة وميادة الحناوي محاولاً تناول قضية الطلاق بينه وبين وردة عام 1979، لتدور من بعد الصدمة ورفض فكرة الانفصال في مراجعة الذات ونقدها، وتبقى تلك الأعمال متكئة على موضوع التذكر والاعتراف بالندم، وهو ما ليس بعيداً مما قدمه زياد الرحباني لوالدته فيروز، الذي حمل مراجعة ونقداً جذريّاً على مستوى الموضوع الشعري والموسيقي لأعمال والده، فكأنما هو طلاق مزدوج بين الأم والابن تجاه الأب عاصي الرحباني.
وهذا ما سوف تتكئ عليه تجارب اعتمدت هذه الحالات ولكنها لم تستند إلى مرجعيات اجتماعية، وقدمت في مسيرة قصيرة أعمالاً نوعية مثل: إيمان الطوخي وحنان ماضي وعايدة الأيوبي.
وفي أرض الخليج العربي بين عصري ما بعد الاستقلال (بالنسبة للكويت) ومجازفات الانقلابات وعنف الحركات السياسية العسكرية، وطلائع التنمية البطيئة منتصف القرن، وما بين عصر ما بعد النفط الذي سيرته الظروف الطاحنة والمشوشة من أطماع الجوار ومن في بعد البحار والتهاب المنطقة بأوجاع التأسيس بأثر معاهدات البداية المنتهية، وضعت شخصية الفرد في المجتمع، ولعلها أظهر في شخصية المبدع، داخل تجربة قاسية تمس وجوده وتاريخه وهويته ومطامحه وصراعه نحو ما يحقق بعض أحلامه التي تجاوزته بها البشرية في عصور جديدة حفظت حقوقه وأهليته.
ورأينا بين العصرين (ما بعد منتصف القرن العشرين) صور الحداثة الأولى عبر حناجر داورت بين انتقائية إرث الغزليات المستحدثة “يا بو الموقة، يا بو شعر فلة، يا بو عيون فتانة” لدى حسين جاسم وعبد المحسن المهنا وعبد الكريم عبد القادر. فيما انزاحت أغنية مصطفى أحمد نحو تأزمات القلب الرومانسي في تناول موضوعات التذكر، أنجز الكثير منها الشاعر مبارك الحديبي والملحن غنام الديكان مثل: “قال أحبك“، “ما دريت“. ومن ثم لحق به عبد الكريم عبد القادر مع الشاعر بدر بورسلي والملحن عبد الرب إدريس في دفع طرح موضوعات الحب والغربة ونقد الذات في أغنيات بدأت في عقد السبعينيات، مثل: “غريب“، “أعترفلج“، “تأخرتي“، فجايل هذه التجربة طلال مداح (وأسهم حتى بألحانه لا بصوته فقط) مع أشعار بدر بن عبد المحسن ومحمد العبد الله الفيصل والملحن سراج عمر في نماذج ملفتة، مثل: “أغراب“، “مقادير“، “خذاك الموعد الثاني“، “زمان الصمت“، “صعب السؤال“.
وخلال مراكمة هذه الأعمال الغنائيّة، تفتّحت خطوط المعالجة والتعبير نحو حساسية جديدة اهتمت بنسبية المشاعر والمواجهات المريرة للأقدار وعنفها غير المبرر، بدلاً من المداورة في أرشيف العذاب والحرمان والهجر والدلال.
وأسهمت أغنيات مثل “أي معزة“، “اسكت ولا كلمة“، “نعم أقدر“، “لا خطاوينا” التي كتبها كل من سامي العلي وساهر، ولحّنها سليمان الملا، في تطوير مواضيع الخطاب الغنائي، والتي توزّعت بين عبد الكريم عبد القادر ورباب وعبد الله الرويشد.
أنثى ذكر، ذكر ذكر، أنثى أنثى
ينطلق خطاب رباب الغنائي من خلال خطي التطور بين مجازات الإيحاء والتشفير (الخنثوي)، والاعتماد على مكتسبات تطور خطاب المرأة (الأنثوي والنسوي).
وربما اهتم أحد الباحثين في قراءة خطاب الإيحاء والتشفير وأطلق عليه (الحب العليل) وحاول أن يجد له تصنيفاً وتحليلاً يعتمد على الدوافع النفسية والتأثير الاجتماعي راداً ذلك إلى تناقص عامل الحرية في التعبير(5).
وقد تجرأ الكاتب إلياس سحاب بملاحظة مسألة الخنوثة عند أم كلثوم في الصوت من دون تصريح. ولم يهتم بانعكاس ذلك في مواضيع الأغاني واختيارات النصوص الواقعة تحت أثر لعبة الإيحاء والتشفير (6). بينما تطرق آخر إلى اللعبة اللغوية في نصوص الأغاني بين العامية والفصحى باعتبار أن الحرية في الفصحى ممكنة فيما تستحيل في العامية، إلا أن ملاحظة الموقف في الأغنية لصاحب الخطاب أو المرسل هو المتحكِّم في نوع الخطاب ودرجته بين قضايا أغنية الحب في صورها العاطفية العذرية والصوفية والبيولوجية، والمازوشية والسادية، والمصلحية والمادية(7). وتوقف عند خطاب أغنيات فريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
ويخفى على كثير من دراسات الشخصية الثقافية لرموز الغناء العربي استيعاب الصور البدائية للكائنات الأولى المتمثلة في لعبة الأزواج المتعددة “ذكروأنثى، ذكر وذكر، أنثى وأنثى“(8). التي وقعت بين الحلال والحرام الدينيين، وعكفت على حمايتها رخاوة الخطاب الاجتماعي بين العيب والفضيحة أو الصمت والتجاهل.
وربما تتبدى معادلة بين الإفصاح والإخفاء في خطاب غناء الذكر والأنثى في العالم العربي بين الخجل من ضعف الرجولة والفحولة عند المغني فيما الخشية من العار والفضيحة عند المغنية. وهذا ما دفع إلى استراتيجية المداراة والتمويه بسبب الضغوط الاجتماعية وتحولات إيديولوجيا الرقابة في مختلف الفترات.
فإذ تلمسنا خطاب الحب عبر أغنيات الثمانينيّات، تحت مصطلح “الأغنية الخليجية“، من التباس المخاطب وانتفاح التأويل، وهو ما يتضح ليس في أغنيات رباب وحدها، بل كل من عبد الكريم عبد القادر وعبد الله بالخير وعبد الله الرويشد وعارف الزياني. هنا نطالع لوهلة أولية عناوين تلك الأغاني التي مثلت المرحلة: “مشتريه“، “وداعية“، “لي حسيت“، “وياك“، “الهجر من طبعك“، “صرت تتوسل“، “روح الغالي“.
ويمكن وضع تصانيف عدة بين تطورات مفاهيم صور العلاقات وأثر الدوافع المختلفة بين الاحترازات من الضعف والعار والفضيحة في مثليات متنوعة بين رغبات جنسية مزودجة (مماثلة ومغايرة) تتنوع درجات ظنياً عند الرويشد والزياني وبين تعبير عن كينونة جنوسية ملتبسة، كما هي عند بالخير ورباب.
وهذا يرجع إلى استمرار تكريس تقاليد التعبير الغنائي الممكنة في اشتراكها بين حنجرة ذكرية وأنثوية، حسب شروط عملية الإنتاج الغنائي، ما يسحب الفكرة في أساسها من الإطار الجنوسي والنفسي والاجتماعي. إلا أن أغنيات كثيرة وضعت تلك الفترة وعالجت قضايا الحب بحدة تجاوزت الوصف والتغزل، وتبرير الإخفاق بالتجارب العاطفية نحو مواجهة ومحاورة تخصص في نبرة التعبير وخصوصية العاطفة.
الأمثلة تشهد عليها ما كتبه كل من شعراء تلك المرحلة مثل بدر بورسلي وسامي العلي ومبارك الحديبي وسليم عبد الرؤوف والملحنون مثل راشد الخضر وسليمان الملا وعارف الزياني.
ونرى في نموذج أغنية “اسكت ولا كلمة” (1984) (غناء عبد الله الرويشد، كلمات مبارك الحديبي، تلحين سليمان الملا)، الضمير الحيادي للوهلة الأولى، إلا أنه يتحكم في تحديده نوع المرسل الذي يوضح نوع المخاطب أيضاً:
“اسكت ولا كلمة، لا تقول ولا تكثر
لا تحسب البسمة، في خاطري تأثر
خلني بظلام الليل، أسهر بلا قمرة
خلني بليّا شوق، يفرض علي أمره
خلني وأنا أخلّيك، وابعد ولا تفكر“
ونستعرض أيضاً نموذجاً آخر من أغنية “احتمال” (1986) (غناء رباب، كلمات جميل عاطف، تلحين أنور عبد الله):
“احتمال أنسى حبك احتمال
احتمال إني أرد لك احتمال
لكن الشيء الأكيد، حتى لو إنت بعيد
اللي حبيته بحياتي للأسف، إنت الوحيد
احتمال. احتمال“
ويمكن أن نختار نموذجا آخر لحنه وغناه عارف الزياني “من هو غيري؟” لنبيل الريان:
“من هو غيري لو تسافر يزرع أشواق المحبة؟
غيري ما يوفي حبيبي مثلي لو إنت تحبه
يلي إنت في الأغاني كل معنى وكل آه
يلي جُرْحَك في زماني للنجم يوصل مداه
إنْتَ عُمْري و الِّي بَعْدَه شِلِّي بَعْدَه غِيْرَكْ إنت؟
يا أمَلْ ما حَسّ فيني. يا ألَمْ بسْنِيني عِشْتَه
أنا لو صَمْتي تكلَّمْ، ما تِسَافِرْ أو تروح“
بقدر ما تبدو هذه التناولات على مستوى المعنى غارقة في حالات التجربة العاطفية، إلا أنه تخفي أمر أصحاب العلاقة وأنواعهم. ولا أدلّ من ذلك إلا أغنيات أخرى كثيرة واصل تقديمها كل عبد الكريم عبد القادر، مثل: “لا خطاوينا“، “ما أمنعك“، “ما أصعبك“، “في عيون البشر“. وعبد الله الرويشد: “أي معزة“، “على إيش نتفاهم“، “هذا إنت“، “بعد اللي صار“. ورباب: “نعم أقدر“، “لا تستغرب“، “غيرت عنواني“، “يا ساحر الصوت“. وعارف الزياني: “طيف الشتاء“، “حرام يا سنين“، “حرب وسلام“، “ما أصدق“.
هذه النماذج لا تصرّح بنوع العلاقة ولا أطرافها، غير أنها توحي بطبقة غائرة تكشف نوع الأطراف ولا تؤكدها، خاصة إذا عرفنا أن صناعة الأغنية عمل جماعي تتضافر فيه إرادة وأفكار أطراف عدة توازن في مسائل متعددة لا تبدأ في المواضيع والصياغة اللحنية والطريقة الأدائية ولا تنتهي عند إنتاج العمل وتسويقه وغنائه في فترات لاحقة.
وربما لو عرضنا لنص أغنية” المسألة” (1989) (غناء عبد الله الرويشد، كلمات راشد الخضر، تلحين بدر بورسلي) تفتح مسار التأويل على مناطق شائكة بقدر ما تنطلق من الموضوع العاطفي إلا أنها تخرج عن تعيين أطرافها:
“المسألة، اسمع كلامي بأوَّله
والمشكلة، أصبحت إنت المشكلة
إنت إذا إنت زعلت، تنسى إن لك صاحب
وإنت إذا إنت رضيت، ممنوع أنا أعاتب
دايم أنا المغلوب، وإنت الذي غالب
(..)
تفهم كلامي بالغلط، شكل الذي تبغيه
لا جيت أنا لك بالنقط، قلت: سوّي ما تسويه
أهدي فيك ما تهتدي، وأرجع من أول أبتدي..”
يمكن أن يلتبس خطاب هذه الأغنية بقدر ما يوفره من مرونة تمريره بين أطراف وعلاقات تتجاوز الحب إلى الصداقة.
ولعلنا ندفع بهذا التساؤل إلى مداه عندما نرى خطاباً منكشفاً دون قصد ولكنه ظهر لضرورة رغبة الذات ورؤية النوع. وهو يتمثّل في أغنية “وقفة حبيبي” (198?) (غناء وتلحين عارف الزياني، كلمات ميسون)، والتي تعرض لمشاعر انتقالية ومتضادة:
“إن غاب يوم ونساني يحْلَى لي حتى انتظاره
وقفة حبيبي بطريقي أحسبها نِصِّ الزيارة
وقفة صديقي بطريقي أحسبها نص الزيارة
وإن غاب يوم ونساني يحْلَى لي حتى انتظاره
(..)
شوقي لشوفه تجاوَزْ/ شوق الصديق لْصِديقه
إش لون أوصِّلْ شعوري/ عَلْمُوني أحْسَنْ طِريقة؟
إن غاب يوم ونساني يحلى لي حتى انتظاره“
وموقع خطاب رباب ليس بعيداً عن هذا كما ذكرنا بأنها تنطلق بين خطاب استراتيجية الإيحاء والتشفير، ولا تَخْفَى رواسب الخطاب الغناء الأبوي في صوره الجماعية وذات العزل الشعوري بين الحنجرة والتجربة الشخصية. وهناك خطاب آخر يستقي ملامحه من تطورات الخطاب الأنثوي والنسوي، وهذه الأغنيات ترصد أكثر من مسائل الحب الاعتيادية في أرشيف الغناء العربي إلى تأسيس ذاكرة جديدة لعلاقات مختلفة تتدارى فيها صور علاقات مماثلة النوع.
وإذا تجاوزنا أغانٍ ترصد صراعية الإخفاق الشخصي وانعدام التكافؤ بين صوت المرأة والرجل كمخاطب في نماذج واضحة مثل: “كيدي أعظم“، “هم أنا بشر“، “رحت أبارك“، “مستغربة“، “لا تنادي“، وسواها في أنها تتيح عبر نماذج أخرى ما يدفع إلى متغيرات التعبير ليس عن الحب بل العلاقات المختلفة، مثل: “يا بعد قلبي” (1986) (غناء رباب، كلمات ابن القرى، تلحين عبد الله الراشد)
“إنت بالنسبة لي، كل شي بالوجود
تامر وتنهي، وبليا حدود
كل شي عندي الكون، على شانك يهون
إنت عندي الكون، ومثلك ما يكون
(..)
الهنا والفرحة، تملكها بإديك
وابتسامات الزمن، منك وإليك
يا عبير الورد وعنوان المحبة
إنت أهلي وأنا أشوف الدنيا فيك“
ونعرف أن وصف المحبوب بالأهل يتصل بالذاكرة البعيدة والبدائية المتصلة بصور علاقات الكائنات المزدوجة. وهو حنينٌ إلى الصور الأولى التي تفتقدها في حاضرها الثقافي والحضاري. وهذا ما يدفعنا إلى استنتاج أن مسألة الإيحاء بوجود الرجل هي سمة انعدام موضوعه في نفسها(9). وهذا نجده في خطاب أغنية “حرام يا سنين” لعارف الزياني:
“وليل الغربة من طوَّلْ/يرجِّعْ عُمري للأوَّلْ
وأطيع الشوق أروح أسأل/وأطوي دروب ولا أوْصَلْ
أدوِّرْ أهلي وسنيني/ولا أشواقي تِدَلِّيني
والغربة تنسيني/ولا ألقى عناويني
حرام يا سنين..”
ويطور الزياني هذه الموضوعة عند (الأهل والسنين) باعتبار أن الغربة تتصل بغربة الروح عن الزمان والمكان. وهي ما يتجاوز أزمة المثقف في مجتمعه نحو أزمته الجنوسية وشروط امتناع التعبير عنها.
وقد يتيح لنا استعادة وصف أحد المؤرخين بكثير من الحياء ملمّحاً إلى ذلك في سيرة كتبها عن أحد مغني فترة تسبق القرن العشرين وتنتهي في بدايته، وهو المغني عبد الحي حلمي (1880-1912). واصفاً إرادة اختيار سامع غنائه تحت حكم الراحة النفسية المشتبك فيها صورة الرغبة والحنين إلى تجليات حياة الكائنات المزدوجة وأنصافها المفقودة بعد لعنة الآلهة إلا أنها يمكن تضعه في صورة جنسانية تتجاوز الجنسانية المماثلة إلى المزدوجة على مستوى الرغبة لا الكينونة.
“ومن صفاته أنه كان يتبع الجمال أين كان وكيفما كان، فالجمال عندها موجود في كل المخلوقات جميعاً، يحبه
في الطبيعة، في الزهرة والورقة والغصن والثمرة، ويحبه في الوجوه النضرة سواء كانت عند الشباب أو عند الفتيات، وقد كانت خير لياليه تلك التي ينظر فيها إلى وجه جميل يعجبه. ولذلك قيل فيه: لو يحس الناي مقدار ما يحس عبد الحي حلمي لعذروه فيما يصنع. حُكي أنه جاء مرة إلى بيروت فدعي إلى مكان عند أحد الكبراء من أصحاب الجاه والثروة، فغنى قليلاً وسكت، ثم أخذ غناؤه يتلوى ويتأرجح، وكأنه يغني مرغماً، ثم اعتذر وقام فقام معه نفر من أصحابه فركب العربية إلى صيدلية في الطريق رأى فيها شاباً أعجب بهندامه وشكله فاصطحبه
وخرج إلى نهر الكلب، وإلى بيت خشبي هناك فظل يغني طوال النهار وحتى مطلع الفجر في اليوم التالي“(10).
وقد رثاه الشاعر أحمد شوقي بقصيدة مطلعها:
“طُوي البساط وجفَّتِ الأقداح/وغدا عواطِل بَعْدَك الأفراح“(11)
ومنها يشير شوقي إلى ما يوحي لحياة ذلك المغني وأزمة جنوسته المزدوجة:
“قم غنِّ وِلْدَان الجنانِ وحورها/وابْعثْ صَداك فكلنا أرواح(12)
ويتبين مما مضى أنه قد ردمت هذه الرغبات والحنين عبر طبقات سحيقة وضعتها خطابات الحرام والتجريم واللعن في مستويات تتدرج مقدماتها بين العيب والعار والفضيحة حتى المنكر والفحشاء. إلا أن النصوص الدينية متفاوتة في أحكام لا تسندها حجة مقنعة بقدر ما تتذرع العقاب عبر الإرهاب، وهو حل باليد عندما يعجز اللسان عن الكلام والأذن عن السمع.
فهل يتوجب الانصياع لما هو ضد الذات والطبيعة ولو مختلفة عما نعرفه ونؤمن به؟
هوامش:
*انظر كتاب “تغني الأرض:أرشيف النهضة وذاكرة الحداثة،أحمد الواصل، الانتشار العربي 2010.
1-إشكاليات المجتمع العربي :قراءة من منظور التحليل النفسي، مصطفى صفوان–عدنان حب الله، المركز العربي الثقافي، 2008، ص: 252.
2-الضلع الأعوج،:المرأة وهويتها الجنسية الضائعة،إبراهيم محمود،رياض الريس للكتب والنشر، ص:268.
3-سقوط المحرمات:ملامح نسوية عربية في النقد المسرحي،وطفاء حمادي،دار الساقي،2008، ص:18.
4-سقوط–وطفاء حمادي،المرجع السابق،ص:18.
5-الحب العليل في الأغنية العربية،محمد الريحاني.http://raihani.free.fr
6-في قسم تناول خصائص حنجرة أم كلثوم وأدائها أشار إلى وقوع صوتها بين الأنوثة والذكورة.أم كلثوم:السيرة،إلياس سحاب،موسيقى الشرق،2003،ص:217.
7-الحب العليل–الريحاني،المرجع السابق.
8-تعرض أنيسة الأمين هذا التصور الفلسفي لأفلاطون حيث رأى أن البشرية كانت متشكلة من كائنات مزودجة على ثلاثة أنواع:
–نوع متكون من فردين ذكرين.
–نوع متكون من فردين أنثيين.
–ونوع ثالث متكون فردين واحد مذكر وواحد مؤنث(الأندروجين)وهذه الكلمة تعني(مذكر ومؤنث) أي:كائنين جنسيين.
..وتدخل الإله زيوس وفصل بين هذه الكائنات المزدوجة بمنطق الكون الثنائي(السماء والأرض،الماء واليابسة..)،وبدا كل جزء من هذه الكائنات بات متحسراً على جزئه الثاني فبحث عن ملاقاته والالتحام به حتى يصير واحداً معه.طاولة مستديرةحول كتاب“الرجولة وتغيير أحوال النساء“.تنسيق:رشا الأمير باحثات،العدد:12،2006-2007،ص:480-481.
9-تشير الباحثة إلى استراتيجية الدفاع النفسي والجنوسي عبر تكوين عكسي:هو سمة من سمات الخلق نشأ كرد فعل على ميل غريزي مرفوض لدى الأنا.فهو ينتج عن عملية كبت سابقة ويدعم وجودها.سيكولوجية الأنوثة:مرآة المرأة الأخرى،لوسي إيريغاري،ترجمة:علي أسعد،دار الحوار، 2007،ص:174.
10-رواد النغم العربي،أحمد الجندي،دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر،1984،ص:67.
11-رواد–الجندي،المرجع السابق،ص:69.
12-رواد–الجندي،المرجع السابق،ص:70.