.
قبل اسمها الفني، كانت دانيِل بريجولي تعرف بـ “ذ كاش مي آوسايد كاتش وآوتسايد بلهجتها جيرل” نسبةً لتلويحها بعبارة “تعالي نصفي حسابتنا برا، كيفني معك؟” في وجه أمها، عندما كانت الأخيرة تطالب بأن تعفى من مسؤولية تربيتها في حلقة من برنامج دكتور فيل. كان عمر باد بايبي ثلاثة عشر سنةً وقتها، وقد تركت المدرسة بعد إتمامها الصف السابع. بدأت الحلقة بمونتاج سريع حول علاقة دانيِل بأمها: “مرة، هربْت من البيت أربع مرات في نفس اليوم، ورجعتني الشرطة في كل مرة.” ثم بدأ الحوار وواجه فيل صعوبة في فهم لغة بايبي التي تغص بالشتائم، سألها: بتحكيش إنكليزي؟ إنتي مش من أمريكا؟ أجابته: “أنا من الشارع.”
دار حوار بين فيل وبايبي حول اعتياد الأخيرة سرقة السيارات، بما في ذلك سيارة فنانة المكياج ضمن كادر برنامج دكتور فيل نفسه، خلال تصوير الحلقة. سألها فيل في النهاية إن كانت تخشى أن تقوم أمها بملاحقتها قانونيًا، أجابت: “شو حتعمل فيي؟ تبعتني السجن؟ بروح السجن، بس خلي الشرطة تعرف تلقطني (…) وكل هالعاهرات اللي بيضحكوا (تشير إلى الجمهور في الاستوديو) فيش إشي بيضحك يعني!”، يتردد فيل: “إنت قلتي: العاهرات اللي بيضحكوا؟”، “يَب”، “يعني بالنسبة إلك الجمهور عبارة عن شلة عاهرات”، “يييب” لم تدفع إجابة دانيِل الأخيرة الجمهور إلا إلى الضحك ثم التصفيق لها.
ربما في تلك اللحظة بدأت دانيِل، غريزيًا أو عقليًا، تعي شيئًا ما: هناك حد من الإزعاج والصدامية متى ما تجاوزته سيتوقف عن إثارة النقمة ويبدأ بإثارة الجدل، أو ربما حتى الإعجاب. الحد الذي يشار إليه عادةً بـ أن تكون الشخص الذي يحب الناس أن يكرهوه: لايدي جاجا ترتدي معطفًا من اللحوم في صحوة الحركة النباتية، أو كانيه وِست على المنصة شارحًا لماذا لا تستحق تايلر سويفت هذه الجائزة. وسط تصفيق الجمهور لها بعد وصفها إياهم بالعاهرات، قررت دانيِل غريزيًا تثقيل العيار ورؤية ما قد يحصل، التفتت نحو أمها وصرخت بوقاحة تحتاج عادةً ضعف ما لديها من عمر ومن مصاعب: “تعالي نصفي حساباتنا برا!”
بعد الحلقة، قضت دانيِل فترة مطولة في إصلاحية مراهقين أرسلها إليها الدكتور فيل، وصفتها بأنها أسوأ من السجن، ثم خرجت إلى عالم حيث تحول وجهها وعبارة “تعالي نصفي حساباتنا برا” إلى ميم. عرفت دانيِل أنها فضيحة، ورأت في ذلك فرصة. في البداية شرعت هي وأمها بمقاضاة كافة الشركات التي استخدمت عبارتها على نحوٍ ترويجي / تجاري دون الحصول على موافقتها، كمتاجر وولمارت التي طبعت العبارة على قمصان قصيرة الأكمام. بدأت دانيِل بتحويل كارهيها إلى ضجة وقلق إعلاميين لا يجب أنا يهدآن، وبتحويل من ضحكوا عليها إلى معجبين، اقتادتهم إلى مملكتها على إنستجرام، والتي تحظى اليوم بأكثر من ثلاثة عشر مليون متابع.
في عمر الرابعة عشر، كان على دانيِل أن تستمر بالعثور على طرق لتنكز العالم في عينيه، وأن تستمر بالعثور على طرق لتحويل نكزاتها هذه إلى مكاسب. من ناحية كان السود والليبراليون في أمريكا يكرهون ادعاءها الانتماء لثقافة الأحياء الشعبية، وتزييفها لقدرٍ من المتاعب والشقاوة لا يتفق مع كونها طفلة بيضاء من بوينتن بيتش، فلوريدا. من ناحية أخرى كان اليمينيون يكرهونها لكل الأسباب الممكنة، من تسكعها مع رابرز سود مراهقين، إلى القصص عن قيامها بسرقة وبيع أدوية أمها خلال إصابة الأخيرة بالسرطان للمرة الثانية. أبقى كل ذلك على شهرة دانيِل متقدةً، وجذب لها عروض البرامج التلفازية الواقعية وحملات الترويج على إنستجرام.
في أواخر ٢٠١٦ / مطلع ٢٠١٧، كان لدى دانيِل جلسة تصوير. خطر على بالها أن تشغل أغنية 1K لكوداك بلاك أثناء الجلسة، وكانت تدندنها باستمرار. عندما رأى كوداك فيديو الجلسة قرر استخدامه لأغنيته، وحققت الأغنية المصورة حتى اليوم أكثر من ٤٣ مليون مشاهدة. بهذه الصدفة بدأت مسيرة دانيِل في الراب. في آب / أغسطس من ٢٠١٧ ظهر فيديو جديد على قناتها على اليوتوب: دانيِل بريجولي هي باد بايبي – أغنية ذيس هوز.
أثارت الأغنية جدلًا وسخطًا أكثر من ظهور دانيِل في برنامج دكتور فيل. تحمّل الناس الكثير، لكن لم يتحملوا أن تصبح باد بايبي مغنية تراب، تحقق أغنيتها الأولى من الانتشار ما يدفع شركة التسجيلات الضخمة، أتلانتيك، إلى التعاقد معها بشكلٍ فوري لتسجيل عدة ألبومات. تعرضت باد بايبي للاتهام بالاستيطان الثقافي والتسلط على ثقافة الأمريكان ذوي الأصول الإفريقية. قيل إن ملامح وجهها الباردة تدل على تعرضها للاستغلال وعدم استمتاعها خلال تسجيل الأغنية التي كتبها على الأغلب آخرون. وقيل إن أتلانتك تكرر خطأ تسجيلات سوني التي أهدرت ثلاثة ملايين دولار منذ بضعة سنوات على مغنية تراب بيضاء مراهقة أخرى، كرياشون، والتي ضربت بأغنيتها جوتشي جوتشي ثم هربت منها الشهرة وهرب النجاح الإبداعي. لكن مع كل يوم من الجدل والسخط، كانت الأغنية تحقق ملايينًا جديدة من المشاهدات، قنوات باد بايبي تجتذب عشرات إن لم يكن مئات آلاف المتابعين الجدد، والأهم من ذلك، كانت أمريكا تنسى تدريجيًا الاسم دانيِل، تنسى اللقب “ذ كاش مي آوتسايد جيرل”، وترحب بـ باد بايبي مغنية التراب.
كانت ذيس هوز قوية، لكن اعتمادها على شخصية وشهرة باد بايبي من جهة، وعلى براعة الإيقاع واللحن من جهة أخرى، جعلا من الصعب التنبؤ بما إذا كانت ضربة عابرة لشخصية إنترنت، أم بداية لمسيرة حقيقية في التراب. على كل حال، عندما أصدرت باد بايبي أغنيتها الثانية بعد شهر، هاي بيتش، قطعت الشك باليقين. هاي بيتش تكفي لبدء مسيرتين في التراب، وتضعها كتفًا بكتف فورًا مع زعيم التراب المراهق، ليل ياتي. إيقاعات الأغنية لامعة وطويلة كأظافر بايبي، وكلماتها تجد مدخلًا جديدًا للتبجح والتكسير – بدلًا من ثقافة الأحياء الشعبية تحمل ثقافة المولات: “بشرفك وقِّف، بشرفك وقِّف، بشرفك وقِّف / من وين اشتريت هالتي شيرت المقرف؟ / بعد هيك بتسألني ليش ستايلي مولع؟ / بتعد المصاري اللي عندي وعيونك بتدمع.”
في هذه اللحظة بالتحديد، اتخذت باد بايبي ما قد يكون أفضل خياراتها منذ الظهور على برنامج دكتور فيل: حافظت على أسلوبها الصدامي، لكن بدأت بتطويعه لدعم مشروعها في التراب، الذي يبدو أغنيةً تلو الأخرى أنه قد أصبح مشروعها الرئيسي (وهي حركة مماثلة لما فعلته كاردي بي منتقلةً من الإنستجرام إلى التراب بدورها). فبعد الثيمات الشيطانية في ذيس هوز (حيث تنتهي الأغنية المصورة بمشهد عاصفة برقية تضرب بلدة أمريكية وكأنها غضب الله) وفي هاي بيتش (حيث يلوح قاضي محكمة بصليب ذهبي في وجه باد بايبي قبل أن تتقمص بعد عدة مشاهد وضعية قديسة)، أخذت باد بايبي منعطفًا عاطفيًا في ماما دونت ووري، أتاح لها تقديم لازمة غنائية والتجريب مع الأوتوتيون بشكل أثقل، ثم واصلت اللعب في بوث أُف ام على ثيمة قتل نسختها الماضية، وسمعنا منها تدفقات تراب عالية الديناميكية لا غبار عليها.
في أحدث أغانيها والمسجلة بالتعاون مع لِل ياتي، جوتشي فليب فلوبس، تبدأ ملامح أسلوب باد بايبي في التراب بالاتضاح: إيقاعات تقليلية مترفة، كلمات يمكن وصفها بالـ مول تراب، تتكرر كلمة كاش مرتين كقافية في مقطع باد بايبي وكلمة ريتش مرتين كقافية في مقطع ياتي، إلقاء فاتر مصاب بالضجر، يحاكي صورة المراهق غير المنبهر، تعاونات مدروسة وناجحة مع رابرز قريبين في الأسلوب، وأخيرًا لوازم يحتل تكرارها أكثر من نصف الأغنية، عادةً ما تكون بسيطة وقائمة على تكرار سطرين أو أربعة، يبدو أنه من المعقول أن تكون باد بايبي قد شاركت بكتابتهم أكثر من باقي أجزاء الأغنية. الفيديو في المقابل يتسق مع ميراث بايبي الصدامي، يصوِّر أسرة أمريكية من منتصف القرن الماضي تنحدر ويبتلعها الثقب الأسود الاصطلاحي: وايت تراش.
قد يوهمنا الحس الصدامي المراهق المستمر في أماكن كالفيديو السابق بأن باد بايبي لا تزال شخصية الإنترنت التي كانتها دائمًا، لكن لو دققنا لوجدنا أن استخدامها للصدامية اليوم يصب غالبًا في دعم موسيقاها، كعبارة: “اسمحوا لأطفالكم أن يحضروا حفلاتي” التي تظهر على رأس قسم جولة الحفلات الحية في موقعها. لكن عدا عن ذلك، هي اليوم معتدلة في مقابلاتها، معتدلة مع جمهورها، معتدلة في علاقتها مع أمها، وذكية كما دائمًا في التعامل مع كارهيها: تثيرهم ثم تتجاهلهم. عند هذه المرحلة تبدأ مرحلة باد بايبي الأولى كقرض فضائحي باهظ قبلته كي تستطيع التأسيس لمشروع أكثر جديةً واستدامةً، وبعد أن عثرت على مشروعها هذا في التراب، نراها أغنيةً تلو الأغنية تصفي حساباتها مع ماضيها وكل ما كان فيه.