صاحبة رأي | إليسا

كتابةعمر بقبوق - September 22, 2020

في تموز / يوليو الماضي، نشرت إليسا بوسترًا ترويجيًا لألبومها الجديد، صاحبة رأي، يضم صورتين لها: الأولى قديمة يعود تاريخها إلى قبل ٢٠ سنة، تظهر فيها إليسا عاريةً ومتمددةً على شرشف يغطي أجزاءً من جسدها، في مشهد يختزل الصورة النمطية التي لازمت إليسا في السنوات الأولى من مسيرتها، حين لقّبت بمطربة الشراشف، ولاحقتها التعليقات الذكوريّة المتنمّرة. الصورة الثانية جديدة، تحاكي فيها إليسا صورتها القديمة، وكأن إليسا التي تحمل اليوم لقب ملكة الإحساس، تعود هنا إلى النسخة القديمة من ذاتها لتناصرها، بعد أن تمكّنت خلال عشرين عامًا من ترسيخ مكانتها المرموقة في الموسيقى الشعبية العربية، لتشير بذلك إلى أن جميع النسخ، التي يمايز الجمهور فيما بينها، تجلياتٌ مختلفة لكيان واحد.

لطالما كان صوت إليسا سلاحًا ذو حدين، إذ تمتلك كاريزما أدائية خاصّة بها، رقيقة ومفعمة بالعاطفة، تدفعك لقبول الكلمات حتى عندما لا تكون الكتابة في أفضل مستوياتها، لكن صوتها في المقابل صوت محدود، ذو مجال غناء واحد، تنكسر على أعتابه التنويعات الموسيقية. تحكم هذه المفارقة ألبوم صاحبة رأي، الذي يتكوّن من ١٨ أغنية وزِّعت بأنماط موسيقية مختلفة؛ إذ اعتمدت إليسا في بعض الأغاني على الجيتارات الكهربائية الصاخبة، كما في أغنيتي وفي وغلطة وقت القريبتين من الروك، فيما اعتمدت في أغانٍ أخرى على موسيقى إلكترونية وإيقاعات سريعة، كما في أغنية وانت قصادي، ومضت تجاه الإيقاعات الشرقية الراقصة في هنغني كمان وكمان، وعلى موسيقى غربية كلاسيكية وجيتارات هوائيّة في أغانٍ مثل شبه نسيتك.

تبهت هذه الاختلافات أمام الحضور الطاغي لصوت إليسا، ونبرة الكآبة التي تسيطر على أدائها منذ وقتٍ طويل، بعد أن بشّرت الأغنية المنفردة التي سبقت صدور الألبوم، حنغني كمان وكمان، بأنّ الألبوم سيكون أكثر بهجة، قبل أن نكتشف أنها الاستثناء للقاعدة. تبدو بعض الاختيارات التوزيعية أحيانًا غير متناسقة مع باقي عناصر الأغنية، كما هو الحال في أغنية وفي، التي يبدو حضور الجيتارات الكهربائية في لازمتها متناقضًا مع شكل الأداء وهدوء الصوت. لكن هذا المزج غير المتجانس، توازنه كلمات تمتاز بطرح جريء للعلاقات العاطفية مقارنةً بإصدارات البوب العربي.

يشهد الألبوم تطورًا في سعي إليسا لترسيخ معالم جديدة لأسلوبها، منذ أن توقف تعاملها مع الكاتب والملحّن مروان خوري. تستمد إليسا ثيمات أسلوبها الجديد من قضايا تمكين المرأة، وبناء صورة متحديّة ومتمكنة لها كفنانة. يظهر ذلك في أغنية الألبوم الرئيسية، صاحبة رأي، التي تتغنى فيها إليسا بإنجازاتها ومسيرتها.

تحضر هذه الثيمة في عدة أغاني في الألبوم، مثل وفي وعظيمة. فيما تميل أغانٍ أخرى إلى استحضار بداية إليسا، وتحمل ملامح الأسلوب الذي لازمها في ألبوماتها الثلاثة الأولى، أبرزها أغنية على حس حكايتنا ذات الإيقاع السريع، وأغانينا، التي تتعاون فيها مع المغني الإسباني ليديس دياز، لتتداخل فيها اللغتين العربية والإسبانية بطريقة مشابهة لألبوم إليسا الأول بدي دوب.

كما يتّسع الألبوم للأغاني العاطفية التي أكسبت إليسا لقبها، والتي تمثّل المرحلة المعاصرة من مسيرتها، مثل سمعني وإلي الله وحبة اهتمام. فيما تزعج بعض الأغاني مزاج الألبوم، مثل شبه نسيتك وهعتبرك مت، اللتان تغاليان في البكائيّة، وأغنية مورير سور سين، المؤدّاة بالفرنسية دون أن تعثر على مكانٍ لها في سياق الألبوم.

بعد أن كشفت إليسا عن بوستر الألبوم، قامت روتانا بحذف البوستر الأصلي واستبداله بنسخةٍ محافظة، يغطي فيها جسد إليسا الحالي، والمعدّل بالفوتوشوب، جسدها القديم، فيما تمتد الشراشف لتغطي معظم جسدها. بعد مرور شهر على ذلك، أعلنت إليسا قرارها بالانفصال عن الشركة، ثم قامت بداية الشهر الجاري بإعادة نشر الألبوم على قناتها الخاصة على يوتيوب. تساعد هذه الكواليس على فهم تطور إليسا، التي تقلب وصمة مطربة الشراشف إلى اعتداد بحريّة الجسد، تعتد بمكانتها في البوب العربي ولقب ملكة الإحساس، وتمضي نحو أسلوبٍ جديد تحدده مواقفها كفنانة ذات رأي.