سمارا مالاد معازف مراجعة
مراجعات

مالاد | سمارا

هيكل الحزقي ۱۸/۰۳/۲۰۱۹

خلال فترة سجنه، كان جمهور سمارا يسلّي نفسه بأغنية ما دايم والو حتّى يخرج الرابر من الحبس. اكتسبت الأغنية خلال هذه الفترة شعبية متزايدة، جعلتها تقترب من أربعين مليون مشاهدة على يوتيوب، لتصبح إحدى أيقونات التراب التونسي، بعد أن رفعت السقف عاليًا على مستوى الكلمات المباشرة والآنية، وعلى مستوى الغناء الذي جمع تأثرات من الموسيقى العربية بأساليب استخدام الأوتوتيون في التراب. لذلك عندما خرج سمارا من سجنه نهاية العام الماضي، كان عليه الخروج من سجن آخر، وهو النجاح الاستثنائي لـ ما دايم والو، الأغنية التي أصبح نجاحها ذو حدين.

في أغنيته الجديدة مالاد، يعرف سمارا من أين عليه أن ينطلق لمنافسة نجاحه السابق. رغم أن سمارا قدم على مدى مسيرته عدة أغانٍ مصورة ضاربة وملفتة، إلا أن الجانب البصري فيها كان يعاني دائمًا من بعض العفوية والضعف التقني. تعاون سمارا في مالاد للمرة الأولى مع فريق تصوير غير تونسي، بإشراف المخرج رواد الهاشم الذي قدم فيديو مترف قائم على استخدام ذكي وتقليلي للإنارة في جو ليلي قاتم، ما أكسب عودة سمارا هيبة ملكية عصاباتية.

عند سماع مالاد للمرات الأولى، يبدو أن فيها الكثير من ما دايم والو، سواءً من حيث الإشارات الكلماتية مثل عبارة: “بلاش أمخاخ ما قبلوناش في الإدارات” التي تذكر بـ: “أمخاخنا مرضى في حالة ما قبلوناش في الإدارة”، أو “تي رجال تشالت قالت ربي منها حاميني” التي بدت كجواب على لازمة ما دايم والو: “ورجال تشالو / غدوة الخرجة معبي ساكو.” أو من حيث اللازمة “مالا لاد التي يستخدم فيها سمارا نفس الحيلة الأدائية التمطيطية التي سمعناها في لازمة ما دايم والو، وهي تشبه إلى حدٍ كبير تقنية التنوين الحاضرة بقوة في الأغاني التونسية القديمة، من خلال زخرفة مفاصل الكلمات بحرف النون وإشباعه.

لكن سمارا يعثر على ملامح أخرى من الغناء التونسي القديم لاستعاداتها، كالأسلوب الطرابلسي الذي يقتضي انطلاق الغناء من آخر مقطع في شطر البيت، ليستأنف فيما بعد البداية الطبيعية للبيت: “ملالاد مالالاد / نعيشو معاهم مالالاد.” كانت هذه التقنية في الغناء قد تسللت إلى تونس من خلال هجرات الطرابلسية من ليبيا إلى تونس في أواخر القرن التاسع عشر.

يقارب سمارا كل هذه التأثرات انطلاقًا من أساسه القوي في تطويع الأوتوتيون في الغناء، والآتي من خبرته مع استوديو 8 ستريتز الذي شهد بدايته، ومن الكيمياء بينه وبين مهندس الصوت أحمد الجنرال الذي عاد للتعامل معه في مالاد. يخلق سمارا في الأغنية فصامًا بين شخصيتين متقابلتين في كل من الصوت والإلقاء والكلمات، تحاكيان تمزقه بين مشاعر وانفعالات متباينة ناتجة عن تجربته في السجن. الشخصية الأولى الحزينة ترث بعض ملامحها من ما دايم والو، وتفصح عن نفسها بشكلٍ جلي في اللازمة: “لميمة تجري عالحكم والوزارات”، قبل أن تظهر الشخصية الغاضبة والمزمجرة في تدفقه الذي يرص جرعات مركزة من الأسطر اللاسعة الحانقة والمتوعدة: “ابعث برقية وأعطيني فيزا مللخر / اعمل دورية عالكوبا الحشيشة دخن”، مستعيرًا عينات صوتية لمحرك اللمبرجيني كما فعل سولكينج في فروم فروم.

في مالاد، لا يقع سمارا في فخ اجترار ملامح النجاح الأيقوني لـ ما دايم والو، لكنه لا يقطع مع الأغنية أيضًا. يعثر سمارا على طرق لتحويل ما دايم والو إلى نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من مسيرته، ويعرف كيف يعزز مكانتها عبر الإشارة إليها بالكلمات وبطريقة غناء اللازمة، كما يعرف كيف يهرب من التكرار عبر العثور على طرق جديدة في التأليف والغناء بشكلٍ يدفع أسلوبه إلى أماكن جديدة.

المزيـــد علــى معـــازف