ما دايم والو | سمارا

عندما ظهر سمارا على الساحة منذ سنتين تقريبًا رفع سقف الأداء والأسلوب عاليًا، ما جعل التراب في تونس يشهد قمة انتعاشته رغم التحفظ الذي يواجه به من قبل جمهور كبير من السميعة. فعل سمارا ذلك على دفعات، بدايةً بـ ألعبي، ثم بره شيخ ويامي وصولًا إلى ما دايم والو  لاشيء دائم التي يسعى من خلالها إلى تثبيت ملامح هوية صوتية مستقلة.

تزامن هذا التطور مع ظرفية مضطربة عاشها سمارة، إذ تعرض لهجوم قوي بعد ظهوره في منوعة تلفزية. جاء الرد عنيفًا وأشعل موجة احتقان في صفوف الرابرز مثل كلاي وليل كا وسانفارا الذين لم يتوانوا عن مهاجمته بمجموعة فيديوهات رد عليها سمارا في ألعبي، ولكنه ابتعد فيما بعد عن المباشرة واعتنى بموسيقاه بعيدا عن الكلاشات.

في أغانيه السابقة، عودنا سمارة على نبرة تكاد تكون ثابتة، وطريقة انفعال واحدة رغم اختلاف المضامين والسياقات. في ما دايم والو، نشهد لأول مرة تلوينات انفعاليّة بزخم واضح، متراوحة بين الحنق والغضب والانتصار والانكسار. نجح سمارا في تطويع الأوتوتيون ليمنح صوته نبرة مميزة تظهر بشكل جلي في اللازمة الرئيسية: “ما دايم والو / بره قلوع ندو الباكو / ورجال تشالو / غدوة الخرجة معبي ساكو.” يظهر سمارا هنا على سجيته مُظهرًا تمكنًا كبيرًا وازن به بين تدفق وبِيت أشبه بدقات قلب رجل محتضر، والذي يعززه ترديد عنوان الأغنية الجنائزي.

يشتغل سمارا كثيرًا على استعمال لازمة قصيرة في أغانيه يطعم بها اللازمة الرئيسية، وفي أغلب الأحيان لا تتعدى الكلمة الواحدة مثل ألعبي وآليي مع الهادي لارتيستو أو الكلمتين بره شيخ على سبيل المثال. في ما دايم والو، لا تحمل اللازمة الثانوية أورورو كلمة واضحة، ولكنها تشير إلى عملة الإتحاد الأوروبي أورو، بإشارة إلى حلم الثراء الذي يداعب مخيلة الشباب الحالمين بالهجرة في الضفة الجنوبية للمتوسط، وهو ما يتقاطع مع مضمون الأغنية: “بره قلو عندو الباكو” الباكو ترميز يشير إلى مبلغ مالي كبير. يتعسف سمارا في استخدام اللغة بابتداع ألفاظ دخيلة حتى تستقيم القافية نفس الشيء فعله الكاسترو في أغنيته باي مي وما نحيرش، إذ اعتمد على كلمة الكبيرش التي لا وجود لها في العامية التونسية ولكنها تطويع قسري للغة بغاية مسايرة القافية: 'أسطوري وفينومان وما يحكمش الكبيرش / حومة وزناقي وصحاب اللي حبوني واللي كرهوني يعرفوني ما نحيرش.'. قد نعتبر ذلك جمالية صوتية لا اضطرارًا لغويًا، لكنه في نفس الوقت ليس ببراعة التجاء كلاي إلى القجمي واللغات المشفرة أو اعتماد فايبا على تراكيب ظريفة. في ما دايم والو، اللازمة الثانوية ليست لغوية فقط ولكنها إيقاعية، فهي تتغير في أكثر من موضع من الألبوم ببتر حرف الراء أو بتغيير الإشباع.

يضيّق سمارا من دائرة انتمائه، أو ربما يختصر الحلقات ليكتفي بنواة واحدة تكون مُنطَلقًا لكل شيء. فتونس تنحصر بالنسبة له في حدود مدينته الأم منزل بورقيبة، لتنكمش في حدود حيه كوبا فاستوديو التسجيل ٨ ستريت: “٨ وبلاطة الماكينة / منزل بورقيبة المدينة / خواتي اللي ماتوا وما نسينا” مشكّلة بذلك النواة الأصلية بامتياز. تترسخ تلك الصورة من خلال الفيديو الذي يركز على طفل صغير يسكن حيًا شعبيًا، يختلي بنفسه بعيدًا للاستماع إلى الراب بهاتفه محاولًا كتابة بعض الأسطر، ومن ثم يهرع إلى استوديو 8 ستريتس الذي يسجل فيه سمارا.

لا تحمل ما دايم والو جديدًا، لكنها تثبت جماليات أدائية وأسلوبية أصبحت ملامح معتمدة لموجة التراب المحلية التي يصنعها حاليًا منزل بورقيبة مع سمارا وتشيجي وآخرين، لتزاحم جماليات التراب العاصمي الذي ترسخ مع وجوه مثل نيترو وليل كا كانت سبّاقةً في المجال وفتحت الأبواب على مصراعيها.