.
بعيدًا عن فترته كداما، دائمًا ما واجه مروان بابلو انتقادات بأن تأثيره يأتي من غيابه وفترات اختفائه المتكررة، لتشهد هذه السنة العديد من الإنتاجات التي حاول بابلو من خلالها كسر هذه الصورة. في ألبومه آخر قطعة فنية نهاية السنة الماضية قدّم بابلو تجربة غارقة في الذاتية، انطلق بعدها لاكتشاف جوانب مختلفة من الراب ومن نفسه أيضًا من خلال إصدارات متنوعة، مع تباين جودتها، أعطت الانطباع أن بابلو في مرحلة مختلفة من مسيرته الآن، يغلب عليها الطابع التجريبي والغزارة الإنتاجية.
كان لأبيوسف أيضًا نصيب كبير هذا العام. أصدر في البداية ألبوم نمشي من هنا الذي كان أحد أفضل ألبومات المشهد لهذا العام، حيث استعاد فيه روح الدولاب مجددًا على طريقة عرض النجم الأوحد One Man Show. أنتج الألبوم بالكامل بعد فترة طويلة اعتمد فيها على منتجين آخرين مثل إسماعيل نصرت وليل بابا. كما رأيناه أيضًا في قمة عطائه كرابر من حيث جودة الكتابة والتمكّن التقني، وصولًا إلى غلاف الألبوم الذي صممه بنفسه. شهدت أيضًا هذه السنة تعاونات غزيرة بين أبيوسف وفنانين آخرين، أبرزهم إنتاجه شبه الحصري لـ للا فضة طوال العام، ما أخذها إلى منطقة أبعد فنيًا وتجاريًا.
يجتمع الاثنان الآن في إصدار أتى دون سابق إنذار ليختتم سنة كبيرة لهما. حب وكاشات، ألبوم مكوّن من خمسة تراكات، أربعة منهم من إنتاج هادي معمر، والتراك المسرّب منذ فترة، سماك ذات، من إنتاج عمر طايع. يأتي الألبوم ليكسر عقدة حلت بالمشهد المصري وهي التعاونات التي قلت بين الكبار وندرت تدريجيًا مع بلوغ المشهد آفاقًا تجارية أوسع.
في مقابلة داما مع معازف عام ٢٠١٦، ذكر بابلو اسمًا واحدًا يريد التعاون معه، أبيوسف. اجتمع الاثنان بعدها خلال فترة داما في تراك تنح، ثم أتى هذا التعاون الأخير لتحقيق ذلك من خلال مساحة أكبر يظهر فيها كلُّ منهما إعجابه بأسلوب الآخر مع اختبار مدى التفاهم بينهما موسيقيًا.
على عكس ما يمكن توقعه من تعاون بهذا الحجم، يبدو حب وكاشات وكأنه سُجّل خلال جلسة استوديو مكثفة وممتدة، استمتع بها الاثنان كثيرًا على الأرجح، وهذا واضح في النتيجة النهائية؛ حيث لا يحاول أي منهما فرض أسلوبه. ليست هناك محاولات للخروج بشيء فذ أو استثنائي. على العكس، هناك فقط بيتات ذات جودة عالية، راب صرف وإنتاج صوتي عالي المستوى. ليس هناك مفهوم أو تصوّر معين، فقط خمس تراكات يمكن الاستماع إليها بأي ترتيب وكلها توضح فقط مدى التناغم بين بابلو وأبيوسف.
يبرز تراك الإنترو ديفا بصورة كبيرة لإنتاجه المختلف نسبيًا عن سائر الألبوم، الذي يعتمد فيه هادي معمر على بيت جيرزي مصحوب ببايس زاحف ومدخلات سينث دقيقة، يلقي فوقها بابلو فيرسًا يبرز طابعه اللحني، ثم يدخل أبيوسف ليواكب أداء بابلو بأداء أقل لحنًا يلعب أكثر على قوة الإلقاء. يفتتح بابلو التراك ببار “إحنا الأوائل، عاملين مشاكل.” جملة ربما ترسخ تعاون الاثنين كأكبر رابرز في المشهد من حيث التأثير، لكن تكتسب معنًى آخر بعد وصلات شد وجذب غير واضحة بينه وبين ويجز على ستوريهات إنستجرام. يلقي بابلو بارات مشفرة عبر الألبوم يصيب بعضها ويجز وأخاه خالد علي الذي أصدر ألبومًا هذا العام: “أبناء عاملين تشتغل كلها تصفق.”
نرى بابلو في الألبوم يراب أكثر من أي وقت مضى، ويأتي ذلك في الأغلب لوجود أبيوسف الذي يدفع بطبيعة الحال أي رابر لإخراج أفضل ما عنده تقنيًا. في تراك سماك ذات نجد بارات ذكية في تكوينها؛ حيث يعود بابلو إلى التركيز على أدائه الذي غاب في مشروعه الأخير بروجكت بلو بيم، ليستعرض هنا عضلاته التقنية بامتياز من خلال فيرس محكم ذو قوافٍ وسكيمات معقدة وفلوهات متعددة ومتنوعة:
“بـ Drip، بيجوا تحتي ياخدوا إمبو
لابس شارلستون أكني في تيم البيتلز
معيش فرقة، أنا معايا أسطول
بيجملي الأرقام وبينادوني إقليدس“
يختلف إنتاج هادي معمر عبر الألبوم كثيرًا عن أعماله الشخصية، في تراك متمشيش، يخلق بيئة أثيرية من خلال بيت مسترخٍ يعتمد على إيقاعات تقليلية، مع عناصر طفيفة من الجاز في الخلفية تعطي مساحة لأبيو وبابلو لتبادل فيرسات حميمية بعض الشيء تدور حول المشاعر أكثر منها تفاخر وفرد عضلات على السين كما في باقي الألبوم. يعد التراك بطابعه الهادئ نقطة استراحة في منتصف الألبوم.
في تراك توتو، نأخذ أكبر جرعة من الراب من بابلو وأبيوسف، حيث استعراض قدرات واضح بفيرسات متينة في إلقائها وفلوهات قاسية يجري تبادلها بسلاسة كبيرة تكسرها اللازمة التي تردد فقط “توتو”. أبيوسف كعادته مرح وذكي وسهل ممتنع، يلقي بارات حادة كليزر غير موجه بقوافٍ غير متوقعة وتكرار لجملة “مفيش سين ويز آوت مي ذيس إيز فاكتس” في ادعاء يسهل تصديقه.
“Bitch، إسمي ’Miss me’
بحب لما تقول إسمي
Toxic مش بكون Healthy
مش كفاءة تكون خصمي
Too risky
صور مش بتغيظني
دولا يخشوا في عبّي
أي حاجة تانية زبي“
يواكب بابلو أداء أبيوسف بإلقاء مركّز يرفع جودة التراك. بيت التراك من هادي يمكن بسهولة تخيل أنه من إنتاج أبيوسف حيث يظهر فيه تأثيره الإنتاجي.
يتحدى بابلو وأبيوسف مفاهيم وطرق صناعة الراب في مصر في الآونة الاخيرة، فلم يسبق الألبوم أي ترويج أو دعاية، لا يوجد اعتماد على فيديوهات مجنونة الميزانية أو افتكاسات سوشال ميديا. يبدو الألبوم ككل، من طريقة إصداره إلى توجهه وتسجيله وصولًا إلى الموسيقى ذاتها، وكأنه ينتمي لحقبة سابقة من الراب المصري ظهرت فيها التعاونات بين نجوم المشهد بكثرة واعتمدت على الجودة لا البهرجة والتكلّف. يكسر الألبوم تلك المفاهيم ويقدم وجبة راب دسمة وذات مستوًى عالٍ دون محاولات لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالموسيقى أو الراب.