.
إلى جانب حيوية المشهد المعتادة، شهد الراب المغاربي أحداثًا كبيرة تصدرتها حرب الدسات بين رابرز المغرب والجزائر. كان الدريل بطل المشهد، واكتسح مشاهد المغرب وتونس والجزائر، بالإضافة إلى ليبيا التي دخلت المنافسة بقوةٍ هذه السنة من خلال أسماءٍ واعدة. استمر المشهد المغربي في تصدّر راب المنطقة عبر سلسلة ألبوماتٍ غير مسبوقة، كما انتعش صوت التراي مع أسمائه التقليدية كَـ الجراندي طوطو وعصام وصنور.
نرصد إليكم غنيمة العام.
خلخل موت شب تيرو المشهد هذه السنة. في الوقت الذي بدأ الجمهور بالانتباه إلى سردياته واكتشاف عالم نادي السم، بالإضافة إلى استقطابه لمشاريع مع أسماءٍ خارج تونس. في تعاونه مع سميتي في كورايج ذَ كاواردلي دوج، يرسّخ تيرو هويته السمومية عبر بارات حانقة مشحونة بالشتائم، وفيديو بألوان قاتمة تبدو خارجةً من غرفة تحميض أفلام.
جعل الجراندي طوطو من سنة ٢٠٢١ سنته فعلًا، وحقق أرقامًا قياسية على سبوتيفاي من خلال ألبومه كاميليون. عتّق طوطو صوت التراي في بنت الناس، آخر أغاني الألبوم التي استلهم عنوانها من أغنية عبد الوهاب بالخياط، واستعان بمنتجه فاميليونير الذي اكتشفنا صوته في المقدمة من خلال لازمةٍ جذابة تبدو كمواويل الراي. أطلق طوطو باراته بمرونة فوق جمل السنث المميزة لِفاميليونير، وختم الأغنية بسطرٍ تبجّحي معلنًا نفسه سيّدًا للقوافي: “دبل طو حاكم لا ريم.”
يستند كوزان إلى تعاونات إنتاجية مثمرة ومستودع أساليبه التي لا تحصره في خانة الرابر، وتجعله مفتوحًا على التجريب والمغامرة. في لاروينا من ألبومه الأول فان جوج هذا العام، تعاون كوزان لأول مرة مع أنس نادوري. يحيل عنوان الأغنية، الذي يعني الفوضى في الإسبانية، إلى مزاجٍ صاخب وعابث. يخلق كوزان لازمةً غنائية جذّابة، ويطلق باراته فوق إيقاعات راقصة وجمل سنث مميزة وضعها نادوري.
بَنت قناة لمبوق المغمورة من فترةٍ ما عجزت عنه شركات إنتاج عديدة، ومنحت جسر عبور لعديد المواهب من الأحياء الشعبية ليظهروا في المشهد. استثمر تريبل سيفن مشاركته المتوهّجة في إحدى حلقات لمبوق ليبدأ بإنتاجه الخاص ويكسب الاهتمام حوله. وضع الرابر عينةً من مسلسل من دار لدار في أغنيته التي تحمل نفس الاسم، مثبتًا أسلوبه الإنتاجي في إعادة تدوير عيناتٍ من المسلسلات المغربية والأغاني القديمة، ليستمر بنفس القِدر من الطاقة والانفجارية على امتداد الأغنية. من دار لدار إثبات لندّية تريبل سفن داخل أهم مشاهد المنطقة، واستعداده للعب أدوار كبيرة في الراب والإنتاج.
رغم قلة إنتاجاته مقارنةً بالعام الماضي، إلا أن صنور صنع نجاحًا أكبر من خلال إصدارين هذا العام: داوك ليا التي نزلت ضمن ألبوم ديزر التجميعي بداية السنة، وحكاية، أهم نجاحاته حتى الآن، والتي اتجه فيها بخطواتٍ كبيرة نحو صوت تراي مختلف. استمر صنور في تعاونه مع منتجه محمد الخزي الذي وظّف صوت بيانو دافئ وأسطر سنث حوّلها إلى جسورٍ صوتية، تنتقل بنا إلى إيقاعات راي تقليدية في آخر المقاطع، يؤدي فوقها صنور بصوتٍ رخيم: “اتشفاو العديان / ودموعي سالو / اللي قالت بغاتني / في ظهري طعنتني وشنو دوايا.”
من الصعب الحسم في أفضل أغاني ألبوم كريستال، الأوّل لٍـ عصام الذي نزل هذه السنة. بجانب استمراره في دفع حدود صوت التراي في ألبومه، نزّل عصام أغانٍ تراب قوية وذات تعقيدٍ إنتاجي. استعان الرابر بِالمنتج الفرنسي برنس ٨٥ في وشام جناه جود التي احتوت على نسيجٍ صوتي كثيف وزخم، تداخلت فيها ١٣ صوت هارموني يخترقهم أربيجياتور متسارع، مع عيناتٍ من صوت عصام تحوم في الخلفية الأثيرية. يتخمّر عصام في مقاطع الأغنية، فيما تبدو باراته أقرب إلى الطلاسم التي نعجز عن فهمها وفك شيفرتها.
يستعد كاتيب لإطلاق ألبوم مشترك مع أسماءٍ متنوعة تضم ألفا وتقشيرة وبرذرهود وكوست.
بثّت عودة كاتيب إلى تونس أنفاسًا جديدة في مشهد الراب العاصمي، وظهر في أعمالٍ عديدة مع أسماء مؤثرة في المشهد مثل ألفا وإمباير ومهدي مشفر. قدم الرابر أغنية بيان بالتعاون مع إمباير الذي عاد إلى الواجهة منذ فترة، مستعينًا بتشكيلةٍ قوية استمرت معه في الإنتاج والإخراج ضمت كولكتيف مادموب وفديني ومنصف حنيّن. أرخى كاتيب أدائه بجانب بارات امباير الحانقة منتقلًا بين الراب والغناء، واستعرض أسلوبه اللعوب في الكتابة فيما استرجع بمرارةِ هجرته من تونس بعد مشاكل كثيرة تعرّض لها: “حتى الكاسح يتكسّر كالكاس / خرجت مدمّر ما نسميهش هروب”، وتبجّح بصلابته وعزمه على إنجاح عودته: “كو فاتال / واقفين شجر / كاسحين حجر / منشرين غجر / أ كا آي الشعباطة.”
استثمرت الرابر المغربية ختك ظهورها القوي العام الماضي، واستمرت في إصداراتها الناجحة من خلال بيزار. تستعرض ختك مشاعرها المتضاربة إزاء ظروف غريبة مرت بها في أداءٍ ميلانكولي، ميزته أصوات محيطة وظّفها المنتج كارتمان وإيقاعات تراب ثقيلة، يشقها صوت سنث مميز. تظهر ختك منكسرةً في مواجهة التقلبات التي عصفت بها، لكنها سرعان ما تنتفض وتسترجع قوتها وصداميتها التي ميزت شخصيتها على امتداد نصوصها السابقة: “واحنا بقينا هنا من ديمة / فتيلة ضوينا المدينة.”
يتلوّن كاتيب مع أنماطٍ صوتية مختلفة ويضع أسلوبه في الريادة مع كل تعاون. في فول من ألبوم بون فان الذي جمعهما بالمنتج مهدي مشفر، يتعاون الرابر مع حليفه الجديد ألفا. خلق الاثنان مزاجًا مبهجًا على امتداد الأغنية، حيث يلهو كاتيب بِأدليباته العابثة فوق عينةٍ صوتية مسترخية وإيقاعٍ متماسك، بجانب بارات ألفا الثابتة التي تميّز أسلوبه المعهود.
الزمرة من كبار الحومة في مشهد الراب التونسي، ولا نعني بذلك السابقين في المجال فقط، بل لمكانتهم في بلورة صوت الراب العاصمي والتشبيكات والتجارب التي تمخضت عنها، بالإضافة إلى السرديات التي طعّمت بها نصوص الراب وحتى ما صدّرته إلى العامية التونسية. يقدّم دجابا مان (ساجد المالكي)، أحد أعضاء الزمرة، صوتًا جديدًا له في ساجد ركّز بعد غياب طويل. ابتعد ساجد عن أسلوبه المتأثر بالمدارس التقليدية الذي عُرف به، مع إنتاجٍ مليء بالخشونة وضعه سكوربيو وأسطر جيتار مشبعة بالديستورشن من بلاش حس. يلين ساجد نبرته عند الإشارة إلى زمرته محملًا بمشاعر الامتنان والمفاخرة: “تبقى الزمرة فاميليا / بكلام موزون مرصّع”، فيما يتكلم إلى نفسه معاتبًا إياها على حالة الفوضى التي وصلت إليها أفكاره: “حكيت مع روحي قتلي منك موش الدنيا تلبّز / ساجد ركّز.”
شكّلت عودة ثنائي ردستار حدثًا مهمًا هذا العام في مشهد الراب التونسي، بعد قطيعة طويلة تخللتها دسات جانبية. نزّل الثنائي ألبومهما خرافة الذي احتوى تعاونات مع أسماء ناجحة في المشهد. مع أغنية اش ما زال التي جمعتهما بِـ جنجون، انخرط الثنائي في موجة الدريل التي اكتسحت المشهد المغاربي. أنتج راتشوبر الأغنية ووضع بيت دريل ثقيل أطلق فوقها الثلاثي باراتهم بأسلوبهم المتباين، جي جي آي المتراخي، جنجون الحانق، والرادي المتأثر بالمدارس القديمة، فيما أمّن جنجون الانتقال بين المقاطع من خلال لازمة قوية.
في أعمال ديدين كانون أفضل مثال للتقريب بين الراب والزنقاوي في الجزائر. ظهر الرابر في تعاونات كثيرة جمعت بين أسماءٍ من المشهدين كانت أبرزها جوابي التي تعاون فيها مع جليل بالارمو وفوزي طورينو.
ضمت جوابي ملامح الزنقاوي من مؤثرات صوتية كورالية مستوحاة من أهازيج جماهير كرة القدم، مع أداءٍ بتلوينات راي لجليل بالارمو، تصدرتها مقدمة شعبي جزائري من خلال سطر مندول تكرر فيما بعد في الخلفية. تقدّم جوابي خلطة جزائرية صرفة لأهم الأنماط الرائجة في المشهد المحلي، وتكشف عن حيوية حركة التشبيك داخله.
لملهوس من اكتشافات هذا العام في المشهد المغربي المتوهج. في إصداره ما في، يتلاعب الرابر بصوته ويُكسبه تخريجات متنوعة لخلق هلوسات سمعية، تنضاف إلى انعطافات إيقاعية وظّفها المنتج بيكسو بشكلٍ جذاب مع تصعيد لمهلوس في أدائه، وتشتبك مع بايس غليظ ووتريات دافئة تتردد في الخلفية. وشّح لمهلوس أسطره بإحالاتٍ بديعة إلى الشاب حسني عند مقطع: “يا غزالي طال غيابي.”
يكسر كاتيب توقعاتنا لأغنية صاخبة في أرض أرض ويشد انتباهنا غناءً وراب في أداءٍ انسيابي وسلس. يضع المنتج فديني إيقاع لو-فاي هيب هوب وسثنات محيطة تعزز المساحة الصوتية الواسعة لأداء كاتيب الذي يطلق انفعالاته عند مقطع: “نجيك نفسّد العرض / وحيدة لازمة كالفرض / تخرّج زبي مالأرض / ننسى الكبت والمرض.”
استعمل دوليبران غلافًا طريفًا لألبومه تراتمان من خلال وصفةٍ طبية عليها قائمة الأغاني. تعاون الرابر مع سمال إكس ومنتجه الخزي لإضافة جرعة فعّالة ومنشطة في أغنية إيه سي إن دي. يلفظ دولي باراته فوق إيقاعات دريل قاتمة، فيما يشحن سمال إكس طاقته المتوهجة ويُفرغها دفعةً واحدة في بارات متسارعة مليئةٍ بالحنق.